عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24-07-2025, 12:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص
الحلقة (1113)
صــ 631 لى صــ 640





يبكي، فأوحى الله تبارك وتعالى: ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض، فمُرها بما شئت، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى ما شاء الله، فقالوا: يا موسى، يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى ما شاء الله، فقالوا: يا موسى، يا موسى، فخسفتهم. قال: وأصاب بني إسرائيل بعد ذلك شدة وجوع شديد، فأتوا موسى، فقالوا: ادع لنا ربك; قال: فدعا لهم، فأوحى الله إليه: يا موسى، أتكلمني في قوم قد أظلم ما بيني وبينهم خطاياهم، وقد دعوك فلم تجبهم، أما إياي لو دعوا لأجبتهم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ) قال: قيل للأرض خذيهم، فأخذتهم إلى أعقابهم; ثم قيل لها: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم; ثم قيل لها: خذيهم، فأخذتهم إلى أحقائهم; ثم قيل لها: خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم ; ثم قيل لها: خذيهم، فخسف بهم، فذلك قوله: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا علي بن هاشم بن البريد، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، في قوله: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى) قال: كان ابن عمه، وكان موسى يقضي في ناحية بني إسرائيل، وقارون في ناحية، قال: فدعا بغية كانت في بني إسرائيل، فجعل لها جعلا على أن ترمي موسى بنفسها، فتركته إذا كان يوم تجتمع فيه بنو إسرائيل إلى موسى، أتاه قارون فقال: يا موسى ما حد من سرق؟ قال: أن تنقطع يده، قال: وإن كنت أنت؟ قال: نعم ; قال. فما حد من زنى؟ قال: أن يرجم، قال: وإن كنت أنت؟ قال: نعم; قال: فإنك قد فعلت، قال: ويلك بمن؟ قال: بفلانة، فدعاها موسى، فقال: أنشدك بالذي أنزل التوراة، أصدق قارون؟ قالت: اللهمّ إذ نشدتني، فإني أشهد أنك برئ، وانك رسول الله، وأن عدو الله قارون جعل لي جعلا على أن أرميك بنفسي; قال: فوثب موسى، فخر ساجدا لله، فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك، فقد أمرت الأرض أن تطيعك، فقال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذتهم حتى بلغوا الحقو، قال: يا موسى; قال: خذيهم، فأخذتهم حتى بلغوا الصدور، قال: يا موسى، قال: خذيهم، قال: فذهبوا. قال: فأوحى الله إليه يا موسى: استغاث بك فلم تغثه، أما لو استغاث بي لأجبته ولأغثته.
حدثنا بشر بن هلال الصوّاف، قال: ثنا جعفر بن سليمان الضبعيّ، قال: ثنا عليّ بن
زيد بن جدعان، قال: خرج عبد الله بن الحارث من الدار، ودخل المقصورة; فلما خرج منها، جلس وتساند عليها، وجلسنا إليه، فذكر سليمان بن داود (قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ... إلى قوله: (إِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) ثم سكت عن ذكر سليمان، فقال: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) وكان قد أوتي من الكنوز ما ذكر الله في كتابه (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) ، (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) قال: وعادى موسى، وكان مؤذيا له، وكان موسى يصفح عنه ويعفو، للقرابة، حتى بنى دارا، وجعل باب داره من ذهب، وضرب على جدرانه صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون، فيطعمهم الطعام، ويحدّثونه ويضحكونه، فلم تدعه شقوته والبلاء، حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مشهورة بالخنا، مشهورة بالسب، فأرسل إليها فجاءته، فقال لها: هل لك أن أموّلك وأعطيك، وأخلطك في نسائي، على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي، فتقولي: يا قارون، ألا تنهى عني موسى، قالت: بلى. فلما جلس قارون، وجاء الملأ من بني إسرائيل، أرسل إليها، فجاءت فقامت بين يديه، فقلب الله قلبها، وأحدث لها توبة، فقالت في نفسها: لأن أحدث اليوم توبة، أفضل من أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكذّب عدو الله له. فقالت: إن قارون قال لي: هل لك أن أموّلك وأعطيك، وأخلطك بنسائي، على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي، فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى، فلم أجد توبة أفضل من أن لا أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكذب عدو الله; فلما تكلمت بهذا الكلام، سقط في يدي قارون، ونكس رأسه، وسكت الملأ وعرف أنه قد وقع في هلكة، وشاع كلامها في الناس، حتى بلغ موسى; فلما بلغ موسى اشتدّ غضبه، فتوضأ من الماء، وصلى وبكى، وقال: يا ربّ عدوك لي مؤذ، أراد فضيحتي وشيني، يا ربّ سلطني عليه. فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت تطعك. فجاء موسى إلى قارون; فلما دخل عليه، عرف الشرّ في وجه موسى له، فقال: يا موسى ارحمني; قال: يا أرض خذيهم، قال: فاضطربت داره، وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين، وجعل يقول: يا موسى، فأخذتهم إلى ركبهم، وهو يتضرّع إلى موسى: يا موسى ارحمني; قال: يا أرض خذيهم، قال فاضطربت داره وساخت وخُسف بقارون وأصحابه إلى سررهم، وهو يتضرّع إلى موسى: يا موسى ارحمني; قال: يا أرض خذيهم، فخسف به وبداره وأصحابه. قال: وقيل لموسى صلى الله عليه وسلم: يا موسى ما أفظك، أما وعزّتي لو إياي نادى لأجبته.
حدثني بشر بن هلال، قال: ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، قال: بلغني أنه قيل لموسى: لا أعبد الأرض لأحد بعدك أبدا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الحميد الحماني، عن سفيان، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، قال عبد الحميد، عن أبي نصر، عن ابن عباس، ولم يذكر ابن مهدي أبا نصر (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ) قال: الأرض السابعة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: بلغنا أنه يخسف به كلّ يوم مائة قامة، ولا يبلغ أسفل الأرض إلى يوم القيامة، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حبان، عن جعفر بن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينار، قال: بلغني أن قارون يخسف به كلّ يوم مائة قامة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ) ذكر لما أنه يخسف به كلّ يوم قامة، وأنه يتجلجل فيها، لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة.
وقوله: (فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ) يقول: فلم يكن له جند يرجع إليهم، ولا فئة ينصرونه لما نزل به من سخطه، بل تبرءوا منه.
(وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) يقول: ولا كان هو ممن ينتصر من الله إذا أحل به نقمته، فيمتنع لقوته منها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ) أي جند ينصرونه، وما عنده منعة يمتنع بها من الله.
وقد بيَّنا معنى الفئة فيما مضى وأنها الجماعة من الناس، وأصلها الجماعة التي يفيء إليها الرجل عند الحاجة إليهم، للعون على العدوّ، ثم تستعمل ذلك العرب في كل جماعة كانت عونا للرجل، وظهرا له; ومنه قول خفاف:
فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ حَيًّا لَقَاحًا ... وَجَدّكَ بينَ نَاضِحَةٍ وَحَجْرِ ... أشَدَّ على صُرُوفِ الدَّهْرِ آدًا ... وأكبرَ منهُمُ فِئَةً بِصَبْرِ (1)
(1)
البيتان من شعر خفاف بن ندبة، وهما من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (183ب) قال عند قوله تعالى: (فما كان له من فئة) أي من أعوان وظهر، قال خفاف: فلم أر مثلهم حيًّا لقاحًا ... "البيتين. وفي (اللسان: لقح) : وحي لقاح: لم يدينوا للملوك، ولم يملكوا، ولم يصبهم في الجاهلية سباء، وقال ثعلب: الحي اللقاح: مشتق من لقاح الناقة، لأن الناقة إذا لقحت لم تطاوع الفحل. وناضحة بالضاد: لعله تحريف ناصحة، وهي كما في معجم البلدان: ماء لمعاوية بن حزن بنجد. وحجر (بفتح فسكون) : قصبة اليمامة. والآد والأيد: القوة. والفئة: الجماعة من الناس، وهو من الكلمات الثنائية الوضع."

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) }
يقول تعالى ذكره: وأصبح الذين تمنَّوا مكانه بالأمس من الدنيا، وغناه وكثرة ماله، وما بسط له منها بالأمس، يعني قبل أن ينزل به ما نزل من سخط الله وعقابه، يقولون: ويكأنّ الله
اختلف في معنى (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ) فأما قَتادة، فإنه رُوي عنه في ذلك قولان: أحدهما ما:
حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قَتادة، قال في قوله: (وَيْكَأَنَّهُ) قال: ألم تر أنه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَيْكَأَنَّهُ) أولا ترى أنه.
وحدثني إسماعيل بن المتوكل الأشجعي، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثني معمر، عن قَتادة (وَيْكَأَنَّهُ) قال: ألم تر أنه.
والقول الآخر: ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة، في قوله: (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) قال: أو لم يعلم أن الله (وَيْكَأَنَّهُ) أو لا يعلم أنه.
وتأول هذا التأويل الذي ذكرناه عن قَتادة في ذلك أيضا بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، واستشهد لصحة تأويله ذلك كذلك، بقول الشاعر:
سألَتانِي الطَّلاقَ أنْ رأتانِي ... قَلَّ مالي، قَدْ جِئْتُما بِنُكْرِ ... وَيْكأن مَنْ يَكُنْ لَهُ نشب يُحْ ... بَبْ وَمن يَفْتَقِرْ يعِش عَيْشَ ضَرّ (1)
(1)
البيتان لزيد بن عمرو بن نفيل (خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 3: 95-97) وقبلهما بيت ثالث وهو: تَلْكَ عرْسَايَ تَنْطِقَانِ عَلَى عَمْـ ... ـدٍ إلى الْيَوْمِ قَوْل زُورٍ وَهِتْر

الشاعر ينكر حال زوجيه معه بعد أن كبر وافتقر. وفي البيت الثاني: "أن رأتا مالي قليلا ..." إلخ والعرس: الزوجة. والهتر بفتح الهاء: مصدر هتر يهتره هترا من باب نصر: إذا مزق عرضه. وبكسر الهاء: الكذب، والداهية، والأمر العجب. والسقط من الكلام، والخطأ فيه. وبالضم: ذهاب العقل من كبر، أو مرض، أو حزن. والنكر: الأمر القبيح المنكر. والنشب: المال الأصيل، من الناطق والصامت. والشاهد في قوله: "ويكأنه" فقد اختلف فيها البصريون والكوفيون أهي كلمة واحدة أم كلمتان؟ فقال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى: (ويكأنه لا يفلح الكافرون) وعن قوله: (ويكأن الله) فزعم أنها: "وي" مفصولة من "كأن" . والمعنى على أن القوم انتبهوا، فتكلموا على قدر علمهم، أو نبهوا، فقيل لهم: أما يشبه أن هذا عندكم هكذا؟ وقال الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة الورقة 243) : "ويكأن ..." في كلام العرب تقرير كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله؟ وأنشدني: "ويكأن من يكن ..." البيت. وأخبرني شيخ من أهل البصرة قال: سمعت أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك، ويلك؟ فقال: "ويكأنه وراء البيت، معناه أما ترينه وراء البيت ... إلى آخر ما نقله عنه المؤلف. قلت: والذي قاله الخليل وسيبويه من حيث اللفظ أقرب إلى الصواب، لأن الكلمة مركبة من ثلاثة أشياء: وي، والكاف وأن. والذي قال الفراء من جهة المعنى حسن واضح."
وقال بعض نحويي الكوفة: "ويكأنّ" في كلام العرب: تقرير، كقول الرجل: أما ترى إلى صُنع الله وإحسانه، وذكر أنه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها: أين ابننا؟ فقال: ويكأنه وراء البيت. معناه: أما ترينه وراء البيت؟ قال: وقد يذهب بها بعض النحويين إلى أنها كلمتان، يريد: ويك أنه، كأنه أراد: ويلك، فحذف اللام، فتجعل "أن" مفتوحة بفعل مضمر، كأنه قال: ويلك اعلم أنه وراء البيت، فأضمر "اعلم" .
قال: ولم نجد العرب تعمل الظن مضمرا، ولا العلم وأشباهه في "أن" ، وذلك أنه يبطل إذا كان بين الكلمتين، أو في آخر الكلمة، فلما أضمر جرى مجرى المتأخر; ألا ترى أنه لا يجوز في الابتداء أن يقول: يا هذا أنك قائم، ويا هذا أن قمت، يريد: علمت، أو أعلم، أو ظننت، أو أظنّ، وأما حذف اللام من قولك: ويلك حتى تصير: ويك، فقد تقوله: العرب، لكثرتها في الكلام، قال عنترة:
وَلَقَدْ شَفَى نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَها ... قَوْلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ (1)
(1)
البيت لعنترة بن عمرو بن شداد العبسي، من معلقته (مختار الشعر الجاهلي بشعر مصطفى السقا ص 379) قال شارحه: يريد أن تعويل أصحابه عليه، والتجاءهم إليه شفى نفسه، ونفى غمه. اه. ووي: كلمة يقولها المتعجب من شيء، وهي بدائية ثنائية الوضع. لأنها من أسماء الأصوات ثم صارت اسم فعل وقد تدخلها كاف الخطاب، وقد يزيدون عليها لامًا، فتصير ويل أو الحاء، فتصير ويح، وتستعمل الأولى في الإِنذار بالشر، والثانية في الإِشعار بالرحمة، فيقال ويلك، وويحك، وويسك وويبك: مثل ويلك. وروايته البيت هنا كروايته في معاني القرآن للفراء (ص 243) فقد نقله في كلامه الذي نقله المؤلف، وذكر فيه هذا الشاهد، وفي مختار الشعر قيل: الفوارس: في موضع: قول الفوارس وهما بمعنى.

قال: وقال آخرون: إن معنى قوله: (وَيْكَأَنَّ) : "وي" منفصلة من كأنّ، كقولك للرجل: وَيْ أما ترى ما بين يديك؟ فقال: "وي" ثم استأنف، كأن الله يبسط الرزق، وهي تعجب، وكأنّ في معنى الظنّ والعلم، فهذا وجه يستقيم. قال: ولم تكتبها العرب منفصلة، ولو كانت على هذا لكتبوها منفصلة، وقد يجوز أن تكون كَثُر بها الكلام، فوصلت بما ليست منه.
وقال آخر منهم: إن "ويْ" : تنبيه، وكأنّ حرفٌ آخر غيره، بمعنى: لعل الأمر كذا، وأظنّ الأمر كذا، لأن كأنّ بمنزلة أظنّ وأحسب وأعلم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة: القول الذي ذكرنا عن قَتادة، من أن معناه: ألم تر، ألم تعلم، للشاهد الذي ذكرنا فيه من قول الشاعر، والرواية عن العرب; وأن "ويكأنّ" في خطّ المصحف حرف واحد. ومتى وجه ذلك إلى غير التأويل الذي ذكرنا عن قَتادة، فإنه يصير حرفين، وذلك أنه إن وجه إلى قول من تأوّله بمعنى: ويلك اعلم أن الله؛ وجب أن يفصل "ويك" من "أن" ، وذلك خلاف خط جميع المصاحف، مع فساده في العربية، لما ذكرنا. وإن وجه إلى قول من يقول: "وي" بمعنى التنبيه، ثم استأنف الكلام بكأن، وجب أن يفصل "وي" من "كأن" ، وذلك أيضا خلاف خطوط المصاحف كلها (1) .
فإذا كان ذلك حرفا واحدا، فالصواب من التأويل: ما قاله قَتادة، وإذ كان ذلك هو الصواب، فتأويل الكلام: وأصبح الذين تمنوا مكان قارون وموضعه من الدنيا بالأمس، يقولون لما عاينوا ما أحلّ الله به من نقمته: ألم تريا هذا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده، فيوسع عليه، لا لفضل منزلته عنده، ولا لكرامته عليه، كما كان بسط من ذلك لقارون، لا لفضله ولا لكرامته عليه (وَيَقْدِرُ) يقول: ويضيق على من يشاء من خلقه ذلك، ويقتر عليه، لا لهوانه، ولا لسخطه عمله.
وقوله: (لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا) يقول: لولا أن تفضل علينا، فصرف عنا ما كنا نتمناه بالأمس (لَخَسَفَ بِنَا) .
(1)
قلت: العجب من المؤلف على إمامته وعلو كعبه في العلم كيف يجعل رسم المصاحف دليلا على المعنى، مع أن المصاحف مختلفة رسمها اختلافًا بينًا، وليس لاختلاف المعاني أي دخل في ذلك الرسم، وإنما وجد إلى أسباب أخرى.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى شيبة: "لخُسِفَ بِنَا" بضم الخاء، وكسر السين وذُكر عن شيبة والحسن: (لَخَسَفَ بِنَا) بفتح الخاء والسين، بمعنى: لخسف الله بنا.
وقوله: (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) يقول: ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون، فَتُنجِح طلباتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) }
يقول تعالى ذكره: تلك الدار الآخرة نجعل نعيمها للذين لا يريدون تكبرا عن الحقّ في الأرض وتجبرا عنه ولا فسادا. يقول: ولا ظلم الناس بغير حقّ، وعملا بمعاصي الله فيها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن زياد بن أبي زياد، قال: سمعت عكرمة يقول: (لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا) قال: العلو: التجبر.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مسلم البطين (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا) قال: العلو: التكبر في الحقّ، والفساد: الأخذ بغير الحق.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مسلم البطين: (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ) قال: التكبر في الأرض بغير الحقّ (وَلا فَسَادًا) أخذ المال بغير حق.
قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن حُبَير: (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ) قال: البغي.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ) قال: تعظُّما وتجبرا (وَلا فَسَادًا) : عملا بالمعاصي.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أشعث السمان، عن أبي سلمان الأعرج، عن عليّ رضي الله عنه قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه، فيدخل في قوله: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) .
وقوله: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) يقول تعالى ذكره: والجنة للمتقين، وهم الذين اتقوا معاصي الله، وأدّوا فرائضه.
وبنحو الذي قلنا في معنى العاقبة قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي الجنة للمتقين.
القول في تأويل قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) }
يقول تعالى ذكره: من جاء الله يوم القيامة بإخلاص التوحيد، فله خير، وذلك الخير هو الجنة والنعيم الدائم، ومن جاء بالسيئة، وهى الشرك بالله.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) أي: له منها حظّ خير، والحسنة: الإخلاص، والسيئة: الشرك.
وقد بيَّنا ذلك باختلاف المختلفين، ودللنا على الصواب من القول فيه.
وقوله: (فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ) يقول: فلا يثاب الذين عملوا السيئات على أعمالهم السيئة (إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يقول: إلا جزاء ما كانوا يعملون.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) }
يقول تعالى ذكره: إن الذي أنزل عليك يا محمد القرآن.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، في قوله: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) قال: الذي أعطاك القرآن.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) قال: الذي أعطاكه.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) فقال بعضهم: معناه: لمصيرك إلى الجنة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشر، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: إلى معدنك من الجنة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن رجل، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: إلى الجنة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن إبراهيم بن حبان، سمعت أبا جعفر، عن ابن عباس، عن أبي سعيد الخدرّي (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: معاده آخرته الجنة.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبى مالك، في (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: إلى الجنة ليسألك عن القرآن.
حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع، قالا ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبي صالح، قال: الجنة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن السدى، عن أبي صالح: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: إلى الجنة.
حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، قال يردّك إلى الجنة، ثم يسألك عن القرآن.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد، قالا إلى الجنة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تُمَيْلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة وعطاء ومجاهد وأبي قَزَعة والحسن، قالوا: يوم القيامة.
قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: يجيء بك يوم القيامة.
قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن والزهري، قالا معاده يوم القيامة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: يجيء بك يوم القيامة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عون، عن الحسن، في قوله: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: معادك من الآخرة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، في قوله: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: كان الحسن يقول: إي والله، إن له لمعادا يبعثه الله يوم القيامة، ويدخله الجنة.
وقال آخرون: معنى ذلك: لرادّك إلى الموت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، قال: ثنا محمد بن عبد الله الزبيري، قال: ثنا سفيان بن سعيد الثوري، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: الموت.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن رجل، عن ابن عباس، قال: إلى الموت.
قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، عن سعيد: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: إلى الموت.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي عمن سمع ابن عباس، قال إلى الموت.
حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع، قالا ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَيْر، قال: إلى الموت.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن رجل، عن سعيد بن جُبَيْر في قوله: (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) قال: الموت.
حدثنا القاسم، قال: ثنا أبو تُمَيلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عدي بن




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]