عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-07-2025, 10:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,216
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص
الحلقة (1110)
صــ 601 لى صــ 610





رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57)
يقول تعالى ذكره: وقالت كفار قريش: إن نتبع الحقّ الذي جئتنا به معك، ونتبرأ من الأنداد والآلهة، يتخطفنا الناس من أرضنا بإجماع جميعهم على خلافنا وحربنا، يقول الله لنبيه: فقل: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا) يقول: أو لم نوطئ لهم بلدا حرّمنا على الناس سفك الدماء فيه، ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فيه بسوء، وأمنا على أهله من أن يصيبهم بها غارة، أو قتل، أو سباء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن ابن عباس، أن الحارث بن نوفل، الذي قال: (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) وزعموا أنهم قالوا: قد علمنا أنك رسول الله، ولكنا نخاف أن نتخطف من أرضنا، (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ) الآية.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) قال: هم أناس من قريش قالوا لمحمد: إن نتبعك يتخطفنا الناس، فقال الله: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) : قال: كان يغير بعضهم على بعض.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) قال الله: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) يقول: أو لم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون، يجبى إليه ثمرات كل شيء.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا) قال: كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا، إذا
خرج أحدهم فقال: إني من أهل الحرم لم يُتَعَرَّض له، وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا) قال: آمناكم به، قال هي مكة، وهم قريش.
وقوله: (يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) يقول يجمع إليه، وهو من قولهم: جبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه، وإنما أريد بذلك: يحمل إليه ثمرات كلّ بلد.
كما حدثنا أبو كُرَيب، قال ثنا ابن عطية، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن مجاهد، عن ابن عباس في (يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) قال: ثمرات الأرض.
وقوله: (رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا) يقول: ورزقا رزقناهم من لدنا، يعني: من عندنا (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء المشركين القائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) لا يعلمون أنا نحن الذين مكَّنا لهم حرما آمنا، ورزقناهم فيه، وجعلنا الثمرات من كلّ أرض تجبي إليهم، فهم بجهلهم بمن فعل ذلك بهم يكفرون، لا يشكرون من أنعم عليهم بذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) }
يقول تعالى ذكره: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ) أبطرتها (مَعِيشَتَهَا) فبطرت، وأشِرت، وطَغَت، فكفرت ربها.
وقيل: بطرت معيشتها، فجعل الفعل للقرية، وهو في الأصل للمعيشة، كما يقال: أسفهك رأيك فَسفِهته، وأبطرك مالك فبطرته، والمعيشة منصوبة على التفسير.
وقد بيَّنا نظائر ذلك في غير موضع من كتابنا هذا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا) قال: البطر: أَشَرُ أهل الغفلة وأهل الباطل والركوب لمعاصي الله، وقال: ذلك البطر في النعمة (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ
إِلا قَلِيلا) يقول: فتلك دور القوم الذين أهلكناهم بكفرهم بربهم، ومنازلهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا يقول: خربت من بعدهم، فلم يعمر منها إلا أقلها، وأكثرها خراب. ولفظ الكلام وإن كان خارجا على أن مساكنهم قد سُكِنت قليلا فإن معناه: فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا منها، كما يقال: قضيت حقك إلا قليلا منه.
وقوله: (وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) يقول: ولم يكن لما خرّبنا من مساكنهم منهم وإرث، وعادت كما كانت قبل سُكناهم فيها، لا مالك لها إلا الله، الذي له ميراث السماوات والأرض.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) }
يقول تعالى ذكره: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ) يا محمد (مُهْلِكَ الْقُرَى) التي حوالي مكة في زمانك وعصرك (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا) يقول: حتى يبعث في مكة رسولا وهي أمّ القرى، يتلو عليهم آيات كتابنا، والرسول: محمد صلى الله عليه وسلم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا) وأمّ القرى مكة، وبعث الله إليهم رسولا محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) يقول: ولم نكن لنهلك قرية وهي بالله مؤمنة إنما نهلكها بظلمها أنفسها بكفرها بالله، وإنما أهلكنا أهل مكة بكفرهم بربهم وظلم أنفسهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) قال: الله لم يهلك قرية بإيمان، ولكنه يهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها، ولو كانت قرية آمنت لم يهلكوا
مع من هلك، ولكنهم كذّبوا وظلموا، فبذلك أُهلكوا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ (60) }
يقول تعالى ذكره: وما أعطيتم أيها الناس من شيء من الأموال والأولاد، فإنما هو متاع تتمتعون به في هذه الحياة الدنيا، وهو من زينتها التي يتزين به فيها، لا يغني عنكم عند الله شيئا، ولا ينفعكم شيء منه في معادكم، وما عند الله لأهل طاعته وولايته خير مما أوتيتموه أنتم في هذه الدنيا من متاعها وزينتها (وأبقى) ، يقول: وأبقى لأهله؛ لأنه دائم لا نفاد له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، في قوله: (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) قال: خيرٌ ثوابا، وأبقى عندنا.
يقول تعالى ذكره (أَفَلا تَعْقِلُونَ) : أفلا عقول لكم أيها القوم تتدبرون بها فتعرفون بها الخير من الشرّ، وتختارون لأنفسكم خير المنزلتين على شرّهما، وتؤثرون الدائم الذي لا نفاد له من النعيم، على الفاني الذي لا بقاء له.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) }
يقول تعالى ذكره: أفمن وعدناه من خلقنا على طاعته إيانا الجنة، فآمن بما وعدناه وصدّق وأطاعنا، فاستحقّ بطاعته إيانا أن ننجز له ما وعدناه، فهو لاق ما وعد، وصائر إليه كمن متَّعناه في الدنيا متاعها، فتمتع به، ونسي العمل بما وعدنا أهل الطاعة، وترك طلبه، وآثر لذّة عاجلة على آجلة، ثم هو يوم القيامة إذا ورد على الله من المحضرين، يعني من المُشْهدينَ عذاب الله، وأليم عقابه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتاده، قوله: (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ) قال: هو المؤمن سمع كتاب الله فصدّق به وآمن بما وعد الله
فيه (كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) هو هذا الكافر ليس والله كالمؤمن (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) : أي في عذاب الله.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ووقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال ابن عمرو في حديثه: قوله: (مِنَ الْمُحْضَرِينَ) قال: أحضروها. وقال الحارث في حديثه: (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أهل النار، أحضروها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) قال: أهل النار، أحضروها.
واختلف أهل التأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقال بعضهم نزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي أبي جهل بن هشام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي، قال: ثنا شعبة، عن أبان بن تغلب، عن مجاهد (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) قال نزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي أبي جهل بن هشام.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ) قال: النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: نزلت في حمزة وعلي رضي الله عنهما، وأبي جهل لعنه الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا بدل بن المحبر التغلبي (1) قال: ثنا شعبة، عن أبان بن تغلب، عن مجاهد (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) قال: نزلت في حمزة وعلي بن أبي طالب، وأبي جهل.
حدثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة عن أبان بن تغلب، عن مجاهد، قال:
(1)
في الخلاصة للخزرجي: بدل بن المحبر، بضم الميم وفتح المهملة والموحدة، اليربوعي، أبو المنير (كمطيع) البصري. قال أبو حاتم: صدوق. توفي في حدود سنة خمس عشرة ومئتين.

نزلت في حمزة وأبي جهل.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) }
يقول تعالى ذكره: ويوم ينادي ربّ العزّة الذين أشركوا به الأنداد والأوثان في الدنيا، فيقول لهم: (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أنهم لي في الدنيا شركاء (قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) يقول: قال الذين وجب عليهم غضب الله ولعنته، وهم الشياطين الذين كانوا يغوون بني آدم: (رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة، في قوله: (هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا) قال: هم الشياطين.
وقوله: (تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ) يقول: تبرأنا من ولايتهم ونصرتهم إليك (مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ) يقول: لم يكونوا يعبدوننا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) }
يقول تعالى ذكره: وقيل للمشركين بالله الآلهة والأنداد في الدنيا: (ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ) الذين كنتم تدعون من دون الله (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) يقول: فلم يجيبوهم (وَرَأَوُا الْعَذَابَ) يقول: وعاينوا العذاب (لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ) يقول: فودّوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين للحقّ.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ (66) }
يقول تعالى ذكره: ويوم ينادي الله هؤلاء المشركين، فيقول لهم: (مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) فيما أرسلناهم به إليكم، من دعائكم إلى توحيدنا، والبراءة من الأوثان والأصنام (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ) يقول: فخفيت عليهم الأخبار، من قولهم: قد عمي عني خبر القوم: إذا خفي. وإنما عُنِي بذلك أنهم عميت عليهم الحجة، فلم يدروا ما يحتجون؛ لأن الله تعالى قد كان أبلغ إليهم في المعذرة، وتابع عليهم الحجة، فلم تكن لهم حجة يحتجون بها، ولا خبر يخبرون به، مما تكون لهم به نجاة ومخلص.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ) قال: الحجج، يعني الحجة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْبَاءُ) قال: الحجج.
قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، في قوله: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) قال: بلا إله إلا الله، التوحيد.
وقوله: (فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ) بالأنساب والقرابة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ) قال: لا يتساءلون بالأنساب، ولا يتماتون بالقرابات، إنهم كانوا في الدنيا إذا ألتقوا تساءلوا وتماتوا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ) قال: بالأنساب.
وقيل معنى ذلك: فعميت عليهم الحجج يومئذ، فسكتوا، فهم لا يتساءلون في حال سكوتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) }
يقول تعالى ذكره: (فَأَمَّا مَنْ تَابَ) من المشركين، فأناب وراجع الحقّ، وأخلص لله الألوهة، وأفرد له العبادة، فلم يشرك في عبادته شيئا (وَآمَنَ) يقول: وصدّق بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وَعَمِلَ صَالِحًا) يقول: وعمل بما أمره الله بعمله في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) يقول: فهو من المنجحين المدركين طَلِبتهم عند الله، الخالدين في جنانه، وعسى من الله واجب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) }
يقول تعالى ذكره: (وَرَبُّكَ) يا محمد (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) أن يخلقه (وَيَخْتَارُ) لولايته الخيرة من خلْقه، ومن سبقت له منه السعادة. وإنما قال جلّ ثناؤه: (وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) والمعنى: ما وصفت، لأن المشركين كانوا فيما ذكر عنهم يختارون أموالهم، فيجعلونها لآلهتهم، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وربك يا محمد يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار للهداية والإيمان والعمل الصالح من خلْقه، ما هو في سابق علمه أنه خيرتهم، نظير ما كان من هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم، فكذلك اختياري لنفسي. واجتبائي لولايتي، واصطفائي لخدمتي وطاعتي، خيار مملكتي وخلقي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) قال: كانوا يجعلون خير أموالهم لآلهتهم في الجاهلية. فإذا كان معنى ذلك كذلك، فلا شكّ أن "ما" من قوله: (وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) في موضع نصب، بوقوع يختار عليها، وأنها بمعنى الذي.
فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وصفت، من أن "ما" اسم منصوب بوقوع قوله: (يَخْتَارُ) عليها، فأين خبر كان؟ فقد علمت ذلك كان كما قلت، أن في كان ذكرا من ما، ولا بد لكان إذا كان كذلك من تمام، وأين التمام؟ قيل: إن العرب
تجعل لحروف الصفات إذا جاءت الأخبار بعدها، أحيانا، أخبارا، كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها، ذكر الفرَّاء أن القاسم بن معن أنشده قول عنترة:
أمِنْ سُمَيَّةَ دَمْعُ العَيْنِ تَذْرِيفُ ... لَوْ كَانَ ذَا مِنْكَ قَبْلَ اليَوْمِ مَعْرُوفُ (1)
فرفع معروفا بحرف الصفة، وهو لا شك خبر لذا، وذُكر أن المفضل أنشده ذلك:
لوْ أَنَّ ذَا مِنْكَ قبلَ اليوْمِ مَعْرُوفُ
ومنه أيضا قول عمر بن أبي ربيعة:
قُلْتُ أَجِيبِي عَاشِقًا ... بِحُبِّكُمْ مُكَلَّفُ ... فيهَا ثَلاث كالدُّمَى ... وكاعِبٌ وَمُسْلِفُ (2)
(1)
البيت من شعر عنترة بن عمرو بن شداد العبسي (مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ص 394) والرواية فيه رواية المفضل التي أشار إليها المؤلف: أَمِنْ سُهَيَّةَ دَمْعُ الْعَيْنِ تَذْرِيفُ ... لَوْ كَانَ مِنكِ قَبْلَ الْيَومِ مَعْرُوفُ

قال شارحه: سهية، وقيل سمية: امرأة أبيه. روى صاحب الأغاني بسنده عن علي بن سليمان الأخفش الأصغر قال: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري، عن محمد بن حبيب، قال أبو سعيد: وذكر ذلك أبو عمرو الشيباني، قالا: كان عنترة قبل أن يدعيه أبوه، حرشت عليه امرأة أبيه. وقالت إنه ... عن نفسي، فغضب من ذلك شداد (شداد أبوه في بعض الروايات) غضبًا شديدًا. وضربه ضربًا مبرحًا، وضربه بالسيف، فوقعت عليه امرأة أبيه، وكفته عنه، فلما رأت ما به من الجراح بكت، وقوله "مذروف" : من ذرفت عليه عينه تذرف ذريفًا، وذرفانًا: وهو قطر يكاد يتصل. وقوله "لو أن ذا منك قبل اليوم معروف" : أي قد أنكرت هذا الحنو والإشفاق منك؛ لأنه لو كان معروفًا قبل ذلك لم ينكره اه. وعلى هذه الرواية لا شاهد في البيت. أما على رواية المؤلف، وهي التي نقلها الفراء عن القاسم بن معن القاضي، فإنه جعل قوله "لو كان ذا منك قبل اليوم معروف" برفع معروف على أنه خبر بعد الصفة. أي الجار والمجرور "منك" ، التي هي خبر عن ذا، قال: "لأن العرب تجعل لحروف الصفات إذا جاءت الأخبار بعدها أخبارًا، كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها" ... ثم أنشد البيت وقال: "فرفع معروفًا بحرف الصفة وهو لا شك خبر لذا" اه. قلت: وكأن مراده أن حرف الصفة موضوع موضع ضمير مبتدأ، ومعروف: خبره، وكأنه قال: لو كان ذا هو معروف أو نحو ذلك. وفي هذا التعبير من التعسف ما فيه. ولو قال إن "معروف" خبر عن مبتدأ محذوف تقديره: هو منك معروف، والجملة خبر كان، لكان أوضح تعبيرًا ولم أجد البيت ولا توجيه إعرابه في معاني القرآن للفراء.
(2)
البيتان لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي شاعر الغزل زمن بني أمية، كما قال المؤلف. ومكلف: من الكلف بالشيء وهو الحب والولوع بالشيء، كلف بالشيء كلفًا فهو كلف ومكلف: لهج به. وثلاث أي جوار أو نساء. والدمى: جمع دمية، وهي التمثال من العاج أو الرخام أو نحوهما. والكاعب: الفتاة التي تكعب ثديها وبرر والمسلف: قال في (اللسان: سلف) : المسلف من النساء: النصف. وقيل: هي التي بلغت خمسًا وأربعين ونحوها، وهو وصف خص به الإناث، قال عمر بن أبي ربيعة "فيها ثلاث ..." إلخ البيت: ومحل الشاهد في البيت أن قوله: مكلف بالرفع على أنه خبر، لأنه وقع بعد حرف الجر الذي وضع موضع المبتدأ، كأنه قال: أجيبي عاشقًا هو مكلف. وهو في معنى الشاهد الذي قبله من قول عنترة "لو كان ذا منك قبل اليوم معروف" . اه.

فمكلَّف من نعت عاشق، وقد رفعه بحرف الصفة، وهو الباء، في أشباه لما ذكرنا بكثير من الشواهد، فكذلك قوله: (وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) رُفعت الخيرة بالصفة، وهي لهم، إن كانت خبرا لما، لما جاءت بعد الصفة، ووقعت الصفة موقع الخبر، فصار كقول القائل: كان عمر وأبوه قائم، لا شكّ أن قائما لو كان مكان الأب، وكان الأب هو المتأخر بعده، كان منصوبا، فكذلك وجه رفع الخيرة، وهو خبر لما.
فإن قال قائل: فهل يجوز أن تكون "ما" في هذا الموضع جحدا، ويكون معنى الكلام: وربك يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار ما يشاء أن يختاره، فيكون قوله: (وَيَخْتَارُ) نهاية الخبر عن الخلق والاختيار، ثم يكون الكلام بعد ذلك مبتدأ بمعنى: لم تكن لهم الخيرة: أي لم يكن للخلق الخيرة، وإنما الخيرة لله وحده؟
قيل: هذا قول لا يخفي فساده على ذي حجا، من وجوه، لو لم يكن بخلافه لأهل التأويل قول، فكيف والتأويل عمن ذكرنا بخلافه; فأما أحد وجوه فساده، فهو أن قوله: (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) لو كان كما ظنه من ظنه، من أن "ما" بمعنى الجحد، على نحو التأويل الذي ذكرت، كان إنما جحد تعالى ذكره، أن تكون لهم الخيرة فيما مضى قبل نزول هذه الآية، فأما فيما يستقبلونه فلهم الخيرة، لأن قول القائل: ما كان لك هذا، لا شكّ إنما هو خبر عن أنه لم يكن له ذلك فيما مضى. وقد يحوز أن يكون له فيما يستقبل، وذلك من الكلام لا شكّ خلف. لأن ما لم يكن للخلق من ذلك قديما، فليس ذلك لهم أبدا. وبعد، لو أريد ذلك المعنى، لكان الكلام: فليس. وقيل: وربك يخلق ما يشاء ويختار، ليس لهم الخيرة، ليكون نفيا عن أن يكون ذلك لهم فيما قبل وفيما بعد.
والثاني: أن كتاب الله أبين البيان، وأوضح الكلام، ومحال أن يوجد فيه شيء غير مفهوم المعنى، وغير جائز في الكلام أن يقال ابتداء: ما كان لفلان الخيرة، ولما يتقدم قبل ذلك كلام يقتضي ذلك; فكذلك قوله: (وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) ولم يتقدم قبله من الله تعالى ذكره خبر عن أحد، أنه ادعى أنه كان له الخيرة، فيقال له: ما كان لك الخيرة،




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]