عرض مشاركة واحدة
  #1106  
قديم 23-07-2025, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص
الحلقة (1106)
صــ 561 لى صــ 570





القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ (26) }
يقول تعالى ذكره: قالت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما موسى لأبيها حين أتاهُ موسى، وكان اسم إحداهما صَفُّورا، واسم الأخرى لَيّا، وقيل: شَرْفا كذلك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرني وهب بن سليمان الرمادي، عن شعيب الجَبَئِي، قال: اسم الجاريتين لَيّا، وصَفُّورَا، وامرأة موسى صفُّورا ابنة يثرون (1) كاهن مدين، والكاهن: حبر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: إحداهما صَفُّورا ابنة يثرون وأختها شَرَفا، ويقال: ليا، وهما اللتان كانتا تذودان. وأما أبوهما ففي اسمه اختلاف، فقال بعضهم: كان اسمه يثرون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمر بن مرّة، عن أبي عُبيدة، قال: كان الذي استأجر موسى ابنُ أخي شعيب يثرون.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عُبيدة، قال: الذي استأجر موسى يثرون ابنُ أخي شعيب عليه السلام.
وقال آخرون: بل اسمه: يَثَرى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.
حدثني أبو العالية العبدي إسماعيل بن الهيثم، قال: ثنا أبو قُتيبة، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس، قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.
حدثني أبو العالية العبديّ إسماعيل بن الهيثم، قال: ثنا أبو قُتيبة، عن حماد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس، قال: اسم أبي المرأة: يثرى.
(1)
يثرون ويثري: كذا في الأصل. وفي العرائس (قصص الأنبياء، لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالثعلبي المتوفى سنة 427 هـ ص 174: "ثبرون" ) . ولعله تحريف من الناسخ.

وقال آخرون: بل اسمه شعيب، وقالوا: هو شعيب النبيّ صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا قرّة بن خالد، قال: سمعت الحسن يقول: يقولون شعيب صاحب موسى، ولكنه سيد أهل الماء يومئذ.
قال أبو جعفر: وهذا مما لا يُدرك علمه إلا بخبر، ولا خبر بذلك تجب حجته، فلا قول في ذلك أولى بالصواب مما قاله الله جل ثناؤه (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ... قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) تعني بقولها: استأجره ليرعى عليك ماشيتك.
(إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) تقول: إن خير من تستأجره للرعي القويّ على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها، الأمين الذي لا تخاف خيانته، فيما تأمنه عليه.
وقيل: إنها لما قالت ذلك لأبيها، استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها: وما علمك بذلك؟ فقالت: أما قوّته فما رأيت من علاجه ما عالج عند السقي على البئر، وأما الأمانة فما رأيت من غضّ البصر عني.
وبنحو ذلك جاءت الأخبار عن أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) قال: فأحفظته الغَيْرة أن قال: وما يدريك ما قوّته وأمانته؟ قالت: أما قوّته، فما رأيت منه حين سقى لنا، لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه; وأما أمانته، فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له، فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه، ولم ينظر إلي حتى بلغته رسالتك، ثم قال: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، ولم يفعل ذلك إلا وهو أمين، فسُرّي عن أبيها وصدَّقها وظن به الذي قالت.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: لموسى (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) يقول: أمين فيما وَلِيَ، أمين على ما استُودع.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه،
عن ابن عباس، قوله: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) قال: إن موسى لما سَقَى لهما، ورأت قوته، وحرّك حجَرا على الركِيّة، لم يستطعه ثلاثون رجلا فأزاله عن الركية، وانطلق مع الجارية حين دعته، فقال لها: امشي خلفي وأنا أمامك، كراهية أن يرى شيئا من خلفها مما حرّم الله أن ينظر إليه، وكان يوما فيه ريح.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، في قوله: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) قال لها أبوها: ما رأيت من أمانته؟ قالت: لما دعوته مشيت بين يديه، فجعلت الريح تضرب ثيابي، فتلزق بجسدي، فقال: كوني خلفي، فإذا بلغت الطريق فاذهبي، قالت: ورأيته يملأ الحوض بسجل واحد.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الْقَوِيُّ الأمِينُ) قال: غضّ طرفه عنهما. قال محمد بن عمرو في حديثه: حين، أو حتى سقى لهما فصدرتا. وقال الحارث في حديثه: حتى سقى بغير شك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قال: فتح عن بئر حجرا على فيها، فسقى لهما بها، والأمين: أنه غضّ بصره عنهما حين سقى لهما فصدرتا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الأحمر وهانئ بن سعيد، عن الحجاج، عن القاسم، عن مجاهد (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) قال: رفع حجرا لا يرفعه إلا فِئام من الناس.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال عمرو بن ميمون، في قوله: (الْقَوِيُّ الأمِينُ) قال: كان يوم ريح، فقال: لا تمشي أمامي، فيصفك الريح لي، ولكن امشي خلفي ودلِّيني على الطريق; قال: فقال لها: كيف عرفت قوته؟ قالت: كان الحجر لا يطيقه إلا عشرة فرفعه وحده.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو معاوية، عن الحجاج بن أرطأة، عن الحكم، عن شريح في قوله: (الْقَوِيُّ الأمِينُ) قال: أما قوّته: فانتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة، فرفعه وحده. وأما أمانته: فإنها مشت أمامه فوصفها الريح، فقال لها: امشي خلفي وصفي لي الطريق.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن عمرو، عن زائدة، عن الأعمش، قال: سألت تميم بن إبراهيم: بم عرفت أمانته؟ قال: في طرفه، بغضّ طرفه عنها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) قال: القويّ في الصنعة، الأمين فيما وَلِيَ.
قال: وذُكر لنا أن الذي رأت من قوّته: أنه لم تلبث ماشيتها حتى أرواها; وأن الأمانة التي رأت منه أنها حين جاءت تدعوه، قال لها: كوني ورائي، وكره أن يستدبرها، فذلك ما رأت من قوّته وأمانته.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة، قوله: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) قال: بلغنا أن قوّته كانت سرعة ما أروى غنمهما. وبلغنا أنه ملأ الحوض بدلو (1) واحد. وأما أمانته فإنه أمرها أن تمشي خلفه.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) وهي الجارية التي دعته، قال الشيخ: هذه القوة قد رأيت حين اقتلع الصخرة، أرأيت أمانته، ما يدريكِ ما هي؟ قالت: مشيت قدّامه فلم يحبّ أن يخونني في نفسي، فأمرني أن أمشي خلفه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) فقال لها: وما عِلْمكِ بقوته وأمانته؟ فقالت: أما قوّته فإنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان، وكان لا يكشفها دون سبعة نفر. وأما أمانته فإني لما جئت أدعوه قال: كوني خَلْفَ ظهري، وأشيري لي إلى منزلك، فعرفت أن ذلك منه أمانة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) لما رأت من قوّته وقوله: لها ما قال: أنِ امشي خلفي، لئلا يرى منها شيئا مما يكره، فزاده ذلك فيه رغبة.
القول في تأويل قوله تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ
(1)
الدلو: الذي يستقى به من البئر ونحوها: يذكر ويؤنث (عن اللسان) .

وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
يقول تعالى ذكره: (قَالَ) أبو المرأتين اللتين سقى لهما موسى لموسى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) يعني بقوله: (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي) : على أن تثيبني من تزويجها رعي ماشيتي ثماني حِجَج، من قول الناس: آجرك الله فهو يَأْجُرُك، بمعنى: أثابك الله; والعرب تقول: أَجَرْت الأجير آجره، بمعنى: أعطيته ذلك، كما يقال: أخذته فأنا آخذه. وحكى بعض أهل العربية من أهل البصرة أن لغة العرب: أَجَرْت غلامي فهو مأجور، وآجرته فهو مُؤْجَر، يريد: أفعلته.
قال: وقال بعضهم: آجره فهو مؤاجر، أراد فاعلته; وكأن أباها عندي جعل صداق ابنته التي زوجها موسى رعي موسى عليه ماشيته ثمانيَ حِجَج، والحجَج: السنون.
وقوله: (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ) يقول: فإن أتممت الثماني الحجج عشرا التي شرطتها عليك بإنكاحي إياك إحدى ابنتي، فجعلتها عشر حجج، فإحسان من عندك، وليس مما اشترطته عليك بسبب تزويجك ابنتي (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) باشتراط الثماني الحِجَج عَشْرا عليك (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) في الوفاء بما قلت لك.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي في حُسن الصحبة والوفاء بما قلت.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) }
يقول تعالى ذكره: (قَالَ) موسى لأبي المرأتين (ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) أي هذا الذي قلتَ من أنك تزوّجني أحدى ابنتيك على أن آجرك ثماني حجَج، واجب بيني وبينك، على كل واحد منا الوفاء لصاحبه بما أوجب له على نفسه.
وقوله: (أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ) يقول: أيّ الأجلين من الثماني الحجج والعشر الحجَج قضيت، يقول: فرغت منها فوفيتكها رعي غنمك وماشيتك (فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ) يقول: فليس لك أن تعتدي عليّ، فتطالبني بأكثر منه، و "ما" في قوله: (أَيَّمَا
الأجَلَيْنِ) صلة يوصل بها أي على الدوام (1) وزعم أهل العربية أن هذا أكثر في كلام العرب من أيّ، وأنشد قول الشاعر:
وَأَيُّهُمَا مَا أَتَبَعَنَّ فَإِنَّنِي ... حَرِيصٌ عَلَى أَثَرِ الَّذِي أَنَا تَابِعُ (2)
وقال عباس بن مرداس:
فَأَيِّي مَا وَأَيُّكَ كَانَ شَرًّا ... فَقِيدَ إلى المَقَامَةِ لا يَرَاهَا (3)
وقوله: (وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) كان ابن إسحاق يرى هذا القول من أبي المرأتين.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال موسى (ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ قَالَ نَعَمْ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) فزوّجه، وأقام معه يكفيه، ويعمل له في رعاية غنمه، وما يحتاج إليه منه.
وزوجة موسى صَفُّورا أو أختها شرفا أو ليَّا:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: قال ابن عباس; الجارية التي دعته هي التي تزوّج.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال له (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي) ... إلى آخر الآية، قال: وأيتهما تريد أن تنكحني؟ قال: التي دعتك، قال: ألا وهي بريئة مما دخل نفسك عليها، فقال: هي عندك كذلك، فزوّجه.
(1)
يظهر أن في عبارة الأصل سقطًا، يعلم من عبارة الفراء في شرح البيت الآتي. وقوله: "على الدوام" أي أن (ما) الزائدة تلحق بلفظ أي دائمًا، وقوله وزعم أهل العربية ... إلخ: يريد أن أهل العربية قالوا: إن "ما" إما أن تلحق بلفظ أي، أو تجيء بعدما أضيف إليه "أي" ، وهذا أكثر في كلام العرب كما يعلم من الشاهدين الآتيين بعد.

(2)
البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (ص 241) على أن (ما) قد تزاد بعد المضاف إلى "أي" أداة الجزاء. قال: قوله (أيما الأجلين) فجعل ما وهي صلة من صلات الجزاء مع أي. وهي في قراءة عبد الله: (أي الأجلين ما قضيت فلا عدوان علي) . وهذا أكثر في كلام العرب من الأول. ويتضح من هذا أن عبارة المؤلف قاصرة أو فيها جزء ساقط قبل قوله: "وزعم أهل العربية...." إلخ.

(3)
البيت لعباس بن مرداس. وقد تقدم الاستشهاد به في مواضع. والشاهد هنا في زيادة "ما" بعدما أضيف إليه إي والمقامة: المجلس. وقيد إلى المقامة: دعاء عليه بأن يعمى، فلا يصل إلى مجلس قومه إلا إذا قيد.

وبنحو الذي قلنا في قوله: (أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ) إما ثمانيا، وإما عشرًا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، وسأله رجل قال (أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ) قال: فقال القاسم: ما أبالي أيّ ذلك كان، إنما هو موعد وقضاء.
وقوله: (وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) يقول: والله على ما أوجب كلّ واحد منا لصاحبه على نفسه بهذا القول، شهيد وحفيظ.
كالذي حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) قال: شهيد على قول موسى وخَتَنه.
وذكر أن موسى وصاحبه لما تعاقدا بينهما هذا العقد، أمر إحدى ابنتيه أن تعطي موسى عصًا من العِصِيّ التي تكون مع الرعاة، فأعطته إياه، فذكر بعضهم أنها العصا التي جعلها الله له آية.
وقال بعضهم تلك عصا أعطاه إياها جبريل عليه السلام.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أمر -يعني أبا المرأتين- إحدى ابنتيه أن تأتيه، يعني أن تأتيَ موسى بعصا، فأتته بعصًا، وكانت تلك العصا عصًا استودعها إياه ملك في صورة رجل، فدفعها إليه، فدخلت الجارية، فأخذت العصا، فأتته بها; فلما رآها الشيخ قال: لا ائتيه بغيرها، فألقتها تريد أن تأخذ غيرها، فلا يقع في يدها إلا هي، وجعل يردّدها، وكل ذلك لا يخرج في يدها غيرها; فلما رأى ذلك عمد إليها، فأخرجها معه، فَرعَى بها. ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة، فخرج يتلقى موسى، فلما لقيه قال: اعطني العصا، فقال موسى: هي عَصَايَ، فأبى أن يعطيه، فاختصما، فرضيا أن يجعلا بينهما أوّل رجل يلقاهما، فأتاهما ملك يمشي، فقال: ضعوها في الأرض، فمن حملها فهي له، فعالجها الشيخ فلم يطقها، وأخذ موسى بيده فرفعها، فتركها له الشيخ، فرعَى له عشر سنين. قال عبد الله بن عباس: كان موسى أحق بالوفاء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قال -يعني أبا الجارية- لما زوّجها موسى لموسى: أدخل ذلك البيت فخذ عصا، فتوكأ عليها، فدخل، فلما وقف على باب البيت، طارت إليه تلك العصا، فأخذها، فقال: اردُدها وخذ أخرى مكانها، قال: فردّها، ثم ذهب ليأخذ أخرى، فطارت إليه كما هي، فقال: لا أرددها، فعل ذلك ثلاثا، فقال: ارددها، فقال: لا أجد غيرها اليوم، فالتفت إلى ابنته، فقال لابنته: إن زوجك لنبيّ.
* ذكر من قال: التي كانت آية عصًا أعطاها موسى جبرائيل عليه السلام:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، قال: سألت عكرمة قال: أما عصا موسى، فإنها خرج بها آدم من الجنة، ثم قبضها بعد ذلك جبرائيل عليه السلام، فلقي موسى بها ليلا فدفعها إليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) }
يقول تعالى ذكره: فلما وفى موسى صاحبه الأجل الذي فارقه عليه، عند إنكاحه إياه ابنته، وذكر أن الذي وفَّاه من الأجلين، أتمهما وأكملهما، وذلك العشر الحجج، على أن بعض أهل العلم قد روي عنه أنه قال: زاد مع العشر عَشْرا أخرى.
ذكر من قال: الذي قضى من ذلك هو الحِجَج العَشْر:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَيْر، قال: سألت ابن عباس: أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: خيرهما وأوفاهما.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس سئل: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأخيَرَهما.
حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا موسى بن عُبَيدة، عن أخيه، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: قضى موسى آخِر الأجلين.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عبيدة، عن الحكم بن أبان، عن عكرِمة، سئل
ابن عباس: أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأوفاهما.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن حكيم بن جُبَيْر، عن سعيد بن جُبَيْر، قال: قال يهودي بالكوفة وأنا أتجهز للحجّ: إني أراك رجلا تتتبع العلم، أخبرني أيّ الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أعلم، وأنا الآن قادم على حَبْر العرب، يعني ابن عباس، فسائله عن ذلك; فلما قدمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك وأخبرته بقول اليهوديّ، فقال ابن عباس: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن النبيّ إذا وعد لم يخلف، قال سعيد: فقدمت العراق فلقيت اليهودي، فأخبرته، فقال: صدق، وما أنزل على موسى هذا، والله العالم.
قال: ثنا يزيد، قال: ثنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جُبَيْر، قال: سألني رجل من أهل النصرانية: أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أعلم، وأنا يومئذ لا أعلم، فلقيت ابن عباس، فذكرت له الذي سألني عنه النصراني، فقال: أما كنت تعلم أن ثمانيا واجب عليه، لم يكن نبيّ الله نقص منها شيئا، وتعلم أن الله كان قاضيا عن موسى عِدَته التي وعده، فإنه قضى عشر سنين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ) قال: حدث ابن عباس، قال: رعى عليه نبيّ الله أكثرها وأطيبها.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب القُرَظيّ، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأجلين قضى موسى؟ قال: "أَوْفَاهُمَا وَأَتَمَّهُمَا" .
حدثنا أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا الحميدي أبو بكر بن عبد الله بن الزُّبير (1) قال: ثنا سفيان، قال: ثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سألْتُ جبْرَائِيلَ: أَيُّ الأجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ: أَتَمَّهُمَا وَأَكْمَلَهُمَا" .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مجاهد: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم سأل جبرائيل: "أَيُّ الأجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قَالَ سَوْفَ أَسْاَلُ إسْرَافِيلَ، فَسَأَلَه فَقَالَ: سَوْفَ أَسْأَلُ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى، فَسَألَهُ،"
(1)
في الخلاصة للخزرجي: عبد الله بن الزبير بن عبد الله (أبو عبيد الله) الأسدي الحميدي المكي أحد الأئمة.

فَقَال: أَبَرَّهُمَا وَأَوْفَاهُمَا "."
ذكر من قال: قضى العَشْرَ الحجَج وزاد على العشْر عشرا أخرى:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ) قال: عشر سنين، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (قَضَى مُوسَى الأجَلَ) عشر سنين، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى.
حدثني المثنى، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قَتادة، قال: ثنا أنس، قال: لما دعا نبيّ الله موسى صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما، قال له صاحبه: كلّ شاة ولدت على غير لونها فلك ولد، فعمد، فرفع خيالا على الماء، فلما رأت الخيال، فزعت، فجالت جولة فولدن كلهنّ بُلقا، إلا شاة واحدة، فذهب بأولادهنّ ذلك العام.
وقوله: (وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) يقول تعالى ذكره: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ) شاخصا بهم إلى منزله من مصر (آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ) يعني بقوله: آنس: ابصر وأحسّ كما قال العجَّاج:
آنَسَ خِرْبَانَ فَضَاءٍ فَانْكَدَرْ ... دَانى جَنَاحَيْهِ مِن الطُّورِ فَمَرّ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى قبل، غير أنا نذكر ههنا بعض ما لم نذكر قبل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ
(1)
هذان بيتان من مشطور الرجز للعجاج الراجز (ديوانه طبع ليبسج سنة 1903 ص17) ورقم البيت الأول هو 76 ورقم الثاني هو 74. وفي رواية الأول: "أبصر" في موضع "آنس" وهما بمعنى. والخربان بالكسر جمع خرب كسبب، وهو ذكر الحبارى، وقيل: هو الحبارى كلها. ومن جموعه أيضًا: أخراب، وخراب. وانكدر: أسرع وانقض. والضمير في الفعلين للبازي المذكور في البيت قبله، وقد شبه الممدوح عمر بن عبيد الله بالبازي ينقض على أعدائه، كما ينقض البازي على الحبارى، فيصيدها. وانظر شرح البيت الثاني مطولا في الجزء (9: 243) . وهذه الأرجوزة يمدح بها العجاج عمر بن عبيد الله بن معمر، وقد ولاه ابن الزبير العراق لمحاربة عبيد الله بن بشير بن الماجوز من الخوارج، فعهد في حربهم إلى أخيه عثمان ابن عبيد الله بن معمر، فقتل. (انظر البلاذري مخطوط بدار الكتب المصرية) .







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]