عرض مشاركة واحدة
  #1102  
قديم 23-07-2025, 11:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص
الحلقة (1102)
صــ 521 لى صــ 530





وقوله: (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي) يقول: لا تخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه، ولا تحزني لفراقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي) قال: لا تخافي عليه البحر، ولا تحزني لفراقه؛ (إنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) .
وقوله: (إِنَّا رَادًّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) يقول: إنا رادّو ولدك إليك للرضاع لتكوني أنت ترضعيه، وباعثوه رسولا إلى من تخافينه عليه أن يقتله، وفعل الله ذلك بها وبه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكَ) وباعثوه رسولا إلى هذا الطاغية، وجاعلو هلاكه، ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) }
يقول تعالى ذكره: فالتقطه آل فرعون فأصابوه وأخذوه; وأصله من اللقطة، وهو ما وُجد ضالا فأخذ، والعرب تقول: لما وردت عليه فجأة، من غير طلب له ولا إرادة، أصبته التقاطا، ولقيت فلانا التقاطا; ومنه قول الراجز:
وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقَاطَا ... لَمْ أَلْقَ إِذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطَا (1)
(1)
هذا بيتان من مشطور الرجز، لنقادة الأسدي، أوردهما في (اللسان: لقط) وأورد معهما بيتًا ثالثا، وهو * إلا الحمام الورق والغطاط *

قال: ولقيته التقاطًا: إذا لقيته من غير أن ترجوه أو تحسبه؛ قال نقادة الأسدي: "ومنهل وردته.." الأبيات الثلاثة: وقال سيبويه: التقاطا: أي فجأة، وهو من المصادر التي وقعت أحوالا، نحو جاء ركضا. ووردت الماء والشيء التقاطا: إذا هجمت عليه بغتة، ولم تحتسبه. وحكى ابن الأعرابي: لقيته لقاطًا: مواجهة. وفي حديث عمر أن رجلا من تميم التقط شبكة، فطلب أن يجعلها له. الشبكة: الآبار القريبة الماء. والتقاطه: عثوره عليها من غير طلب. اه. وقال في (فرط) : وفراطا القطا: متقدماتها إلى الوادي والماء. وأنشد البيت ونسبه إلى نقادة الأسدي. (وفي غطط) : والغطاط القطا، بفتح الغين. وقيل: ضرب من القطا، واحدته: غطاطة. وقيل القطا: ضربان؛ فالقصار الأرجل، الصفر الأعناق، السود القوام. الصهب الخوافي هي الكدرية والجونية (بضم أولهما) والطوال الأرجل، البيض البطون، الغبر الظهور، الواسعة العيون: هي الغطاط. وقيل: الغطاط: ضرب من الطير، ليس من القطا، هن غبر البطون والظهور والأبدان، سود الأجنحة. وقيل: سود بطون الأجنحة، طوال الأرجل والأعناق، لطاف. اه. وانظر أقوالا أخرى في (اللسان: غطط) . والبيت الأول في (معجم ما استعجم للبكري طبعة القاهرة بترتيب مصطفى السقا ص 779) . وفي الكتاب لسيبويه (1: 186) .
يعني فجأة.
واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: (آلُ فِرْعَوْنَ) في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى بذلك: جواري امرأة فرعون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أقبل الموج بالتابوت يرفعه مرّة ويخفضه أخرى، حتى أدخله بين أشجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن، فوجدن التابوت، فأدخلنه إلى آسية، وظننّ أن فيه مالا فلما نظرت إليه آسية، وقعت عليها رحمته فأحبته; فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه، فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها، قال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا، فذلك قول الله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) .
وقال آخرون: بل عني به ابنة فرعون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: كانت بنت فرعون برصاء، فجاءت إلى النيل، فإذا التابوت في النيل تخفقه الأمواج، فأخذته بنت فرعون، فلما فتحت التابوت، فإذا هي بصبي، فلما اطلعت في وجهه برأت من البرص، فجاءت به إلى أمها، فقالت: إن هذا الصبيّ مبارك لما نظرت إليه برئت، فقال فرعون: هذا من صبيان بني إسرائيل، هلمّ حتى أقتله، فقالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ) .
وقال آخرون: عنى به أعوان فرعون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة: فبينما هو جالس، إذ مرّ النيل بالتابوت يقذف به، وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه، فقالت: إن هذا لشيء في البحر، فأتوني به، فخرج إليه أعوانه، حتى جاءوا به، ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده، فألقى الله عليه محبته، وعطف عليه نفسه، قالت امرأته آسية: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) .
ولا قول في ذلك عندنا أولى بالصواب مما قال الله عزّ وجلّ: (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ)
وقد بيَّنا معنى الآل فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادته ههنا.
وقوله: (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) فيقول القائل: ليكون موسى لآل فرعون عدوّا وحَزنا فالتقطوه، فيقال: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) قيل: إنهم حين التقطوه لم يلتقطوه لذلك، بل لما تقدّم ذكره، ولكنه إن شاء الله كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق، في قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) قال: ليكون في عاقبة أمره عدوّا وحزنا لما أراد الله به، وليس لذلك أخذوه، ولكن امرأة فرعون قالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) فكان قول الله: (ليكون لهم عدوّا وحزنا) لما هو كائن في عاقبة أمره لهم، وهو كقول الآخر إذا قَرَّعه لفعل، كان فعله وهو يحسب محسنا في فعله، فأداه فعله ذلك إلى مساءة مندِّما له على فعله: فعلت هذا لضرّ نفسك، ولتضرّ به نفسك فعلت. وقد كان الفاعل في حال فعله ذلك عند نفسه يفعله راجيا نفعه، غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو. فكذلك قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) إنما هو: فالتقطه آل فرعون ظنًّا منهم أنهم محسنون إلى أنفسهم، ليكون قرّة عين لهم، فكانت عاقبة التقاطهم إياه منه هلاكهم على يديه.
وقوله: (عَدُوًّا وَحَزَنًا) يقول: يكون لهم عدوّا في دينهم، وحَزنًا على ما ينالهم منه من المكروه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) عدوا لهم في دينهم، وحزنا لما يأتيهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (وَحَزَنًا) بفتح الحاء والزاي. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: "وَحُزْنًا" بضم الحاء وتسكين الزاي. والحَزَن بفتح الحاء والزاي مصدر من حزنت حزنا، والحُزْن بضم الحاء وتسكين الزاي الاسم: كالعَدَم والعُدْم، ونحوه.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وهما على اختلاف اللفظ فيهما بمنزلة العَدَم، والعُدْم، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) يقول تعالى ذكره: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين، فلذلك كان لهم موسى عَدُوّا وحَزَنا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) }
يقول تعالى ذكره: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) له هذا (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) يا فرعون; فقرة عين مرفوعة بمضمر هو هذا، أو هو. وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ) مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله. وذُكِرَ أن المرأة لما قالت هذا القول لفرعون، قال فرعون: أما لك فنعم، وأما لي فلا فكان كذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: قالت امرأة فرعون: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) قال فرعون: قرّة عين لك، أما لي فلا. قال محمد بن قيس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ، لَكَانَ لَهُمَا جَمِيعًا" .
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: اتخذه فرعونُ ولدا، ودُعَى على أنه ابن فرعون; فلما تحرّك الغلام أرته أمه آسية صبيا، فبينما هي ترقصه
وتلعب به، إذ ناولته فرعون، وقالت: خذه، قرّة عين لي ولك، قال فرعون: هو قرّة عين لكِ، لا لي. قال عبد الله بن عباس: لو أنه قال: وهو لي قرّة عين إذن؛ لآمن به، ولكنه أَبَى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قالت امرأة فرعون: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) تعني بذلك: موسى.
حدثنا العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبح بن يزيد، قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: لما أتت بموسى امرأة فرعونَ فرعونَ قالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) قال فرعون: يكون لكِ، فأما لي فلا حاجة لي فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ، لَهَدَاهُ اللهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ، وَلَكِنَّ الله حَرَمَهُ ذَلِكَ" .
وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) ذُكِرَ أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين همّ بقتله. قال بعضهم: حين أتَي به يوم التقطه من اليم. وقال بعضهم: يوم نَتَف من لحيته، أو ضربه بعصا كانت في يده.
* ذكر من قال: قالت ذلك يوم نتف لحيته:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أتي فرعون به صبيا أخذه إليه، فأخذ موسى بلحيته فنتفها، قال فرعون: علي بالذباحين، هو هذا! قالت آسية (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) إنما هو صبيّ لا يعقل، وإنما صَنع هذا من صباه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) قال: ألقيت عليه رحمتها حين أبصرته.
وقوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وهم لا يشعرون هلاكهم على يده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: وهم لا يشعرون أن هلكتهم على يديه، وفي زمانه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني سفيان، عن معمر، عن قَتادة (أوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: إن هلاكهم على يديه.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: آل فرعون إنه لهم عدوّ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بما هو كائن من أمرهم وأمره.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت امرأة فرعون آسية: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يقول الله: وهم لا يشعرون أي: بما هو كائن بما أراد الله به.
وقال آخرون: بل معنى قوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بنو إسرائيل لا يشعرون أنا التقطناه.
* ذِكر من قال ذلك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: يقول: لا تدري بنو إسرائيل أنَّا التقطناه.
والصواب من القول في ذلك، قول من قال: معنى ذلك: وفرعون وآله لا يشعرون بما هو كائن من هلاكهم على يديه.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات به؛ لأنه عقِيب قوله: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) وإذا كان ذلك عقبه، فهو بأن يكون بيانا عن القول الذي هو عقبه أحقّ من أن يكون بيانا عن غيره.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) }
اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عنى الله أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا، فقال بعضهم: الذي عنى جلّ ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا: كل شيء سوى
ذكر ابنها موسى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن العلاء، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش، عن مجاهد، وحسان أبي الأشرس عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، في قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فرغ من كلّ شيء إلا من ذكر مُوسى.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فارغًا من كلّ شيء إلا من ذكر موسى.
حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن ابن عباس (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فارغا من كلّ شيء إلا من همّ موسى.
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: يقول: لا تذكر إلا موسى.
حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: من كل شيء غير ذكر موسى.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فرغ من كل شيء، إلا من ذكر موسى.
حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر، في قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فارغا من كل شيء، إلا من هم موسى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) : أي: لاغيًا من كلّ شيء، إلا من ذكر موسى.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فرغ من كلّ شيء، غير ذكر موسى.
وقال آخرون: بل عنى أن فؤادها أصبح فارغا من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها،، إذ أمرها أن تلقيه في اليمّ فقال (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال: فحزنت ونسيت عهد الله إليها، فقال الله عز وجل: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من وحينا الذي أوحيناه إليها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فارغا من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر، ولا تخاف ولا تحزن، قال: فجاءها الشيطان، فقال: يا أمّ موسى، كرهت أن يقتل فرعون موسى، فيكون لك أجره وثوابه، وتولَّيت قتله، فألقيتيه في البحر وغرقتيه، فقال الله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من الوحي الذي أوحاه إليها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: ثني الحسن، قال: أصبح فارغا من العهد الذي عهدنا إليها، والوعد الذي وعدناها أن نردَّ عليها ابنها، فنسيت ذلك كله، حتى كادت أن تُبْدِي به لولا أن ربطنا على قلبها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: قد كانت أمّ موسى ترفع له حين قذفته في البحر، هل تسمع له بذكر؟ حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبيا في النيل في التابوت، فعرفت الصفة، ورأت أنه وقع في يدي عدوّه الذي فرّت به منه، وأصبح فؤادها فارغا من عهد الله إليها فيه، قد أنساها عظيم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فيه.
وقال بعض أهل المعرفة بكلام العرب: معنى ذلك: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من الحزن، لعلمها بأنه لم يغرق. قال: وهو من قولهم: دم فرغ (1) أي لا قود ولا دية; وهذا قول لا معنى له؛ لخلافه قول جميع أهل التأويل.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: معناه: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من كلّ شيء، إلا من همّ موسى.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب؛ لدلالة قوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) ولو كان عَنَى بذلك: فراغ قلبها من الوحي، لم يعقب
(1)
في (اللسان: فرغ) يقال: ذهب دمه فرغًا وفرغًا (بفتح الفاء وكسرها مع سكون الراء) أي باطلا هدرًا، لم يطلب به

بقوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي، فلم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه، وولوعها به. ومحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة.
وإذا كان ذلك كذلك، بطل القول بأنها كانت فارغة القلب مما أوحي إليها. وأخرى أن الله تعالى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فارغة القلب، ولم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء، فذلك على العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لم يفرغ منه. وقد ذُكر عن فضالة بن عبيد أنه كان يقرؤه: "وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَازِعًا" من الفزع.
وقوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عادت عليه الهاء في قوله: (بِهِ) فقال بعضهم: هي من ذكر موسى، وعليه عادت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش، عن مجاهد وحسان أبي الأشرس، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أن تقول: يا ابناه.
قال: ثني يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أن تقول: يا ابناه.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أن تقول: يا ابناه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي: لتبدي به أنه ابنها من شدّة وجدها.
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما جاءت أمه أخذ منها، يعني الرضاع، فكادت أن تقول: هو ابني، فعصمها الله، فذلك قول الله (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) .
وقال آخرون: بِما أوْحَيْنَاهُ إِلَيْهَا: أي تظفر.
والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا: إن كادت لتقول: يا بنياه؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، وأنه عقيب قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) فلأن يكون لو لم يكن ممن ذكرنا في ذلك إجماع على ذلك من
ذكر موسى، لقربه منه، أشبه من أن يكون من ذكر الوحي.
وقال بعضهم: بل معنى ذلك (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي) بموسى فتقول: هو ابني. قال: وذلك أن صدرها ضاق إذ نُسب إلى فرعون، وقيل: ابن فرعون. وعنى بقوله: (لتُبْدِي بِهِ) لتظهره وتخبر به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) : لتشعر به.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) قال: لتعلن بأمره لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين.
وقوله: (لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) يقول: لولا أن عصمناها من ذلك بتثبيتناها وتوفيقناها للسكوت عنه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: قال الله (لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) : أي بالإيمان (لَِتكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) .
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كادت تقول: هو ابني، فعصمها الله، فذلك قول الله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) .
وقوله: (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يقول تعالى ذكره: عصمناها من إظهار ذلك وقيله بلسانها، وثبتناها للعهد الذي عهدنا إليها (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بوعد الله، الموقنين به.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) }
يقول تعالى ذكره: (وَقَالَتْ) أم موسى لأخت موسى حين ألقته في اليم (قُصّيهِ)




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]