
23-07-2025, 07:24 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,557
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الشعراء
الحلقة (1086)
صــ 361 لى صــ 370
منه، وإظهاري إياه وتوريثه وقومه دورهم وأرضهم وأموالهم، على أني سالك فيك سبيله، إن أنت صبرت صبره، وقمت من تبليغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه قيامه، ومظهرك على مكذّبيك، ومعليك عليهم. (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) يقول: وما كان أكثر قومك يا محمد مؤمنين بما أتاك الله من الحقّ المبين، فسابق في علمي أنهم لا يؤمنون.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه ممن كفر به وكذّب رسله من أعدائه، (الرَّحِيمُ) بمن أنجى من رسله، وأتباعهم من الغرق والعذاب الذي عذب به الكفرة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) }
يقول تعالى ذكره: واقصص على قومك من المشركين يا محمد خبر إبراهيم حين قال لأبيه وقومه: أيّ شيء تعبدون؟ (قالوا لَهُ نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) يقول: فنظلّ لها خدما مقيمين على عبادتها وخدمتها.
وقد بيَّنا معنى العكوف بشواهده فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وكان ابن عباس فيما روي عنه يقول في معنى ذلك ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس، قوله: (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) قال: الصلاة لأصنامهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) }
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لهم: هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟ واختلف أهل العربية في معنى ذلك: فقال بعض نحويي البصرة معناه: هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم. فحذف الدعاء، كما قال زُهَير:
القائِدُ الخَيْلَ مَنْكُوبًا دَوَابِرُها ... قدْ أُحْكِمَتْ حَكماتِ القِدّ والأبَقا (1)
(1) البيت لزهير بن أبي سلمى المزني، من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان (مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي 248) قال شارحه: الدوابر: الحوافر، أي تأكلها الأرض وتؤثر فيها. (وفي اللسان: دبر) : دابرة الحافر مؤخرة، وقيل: هي التي تلي مؤخر الرسغ. وجمعها: دوابر. (وأحكمت) : جعل لها حكمات. والحكمة: التي تكون على الأنف من الرسن. والقد: ما قطع من الجلد. والأبق: شبه الكتان، وقيل: هو القنب. اهـ. وفي (اللسان: حكم) : والحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه عن مخالفة راكبه وحكم الفرس حكمًا (بفتح الحاء) ، وأحكمه بالحكمة: جعل للجامه حكمة، وكانت العرب تتخذها من القد والأبق، لأن قصدهم الشجاعة، لا الزينة؛ قال زهير: "القائد الخيل.." البيت. يريد قد أحكمت بحكمات القد، وبحكمات الأبق. فحذف الحكمات، وأقام الأبق مكانها. ويروي: "محكومة حكمات القد والأبقا" على اللغتين جميعًا. قال أبو الحسن: عُدِّي: "قد أحكمت" لأن فيه معنى قلدت، وقلدت متعدية إلى مفعولين، الأزهري: وفرس محكومة في رأسها حكمة، وأنشد * محكوكة حكمات القد والأبق *
ابن شميل: الحكمة: خلقة تكون في فم الفرس.
وقال: يريد أحكمت حكمات الأبق، فألقى الحكمات وأقام الأبق مُقامها. وقال بعض من أنكر ذلك من قوله من أهل العربية: الفصيح من الكلام في ذلك هو ما جاء في القرآن، لأن العرب تقول: سمعت زيدا متكلما، يريدون: سمعت كلام زيد، ثم تعلم أن السمع لا يقع على الأناسيّ. إنما يقع على كلامهم ثم يقولون: سمعت زيدا: أي سمعت كلامه. قال: ولو لم يقدم في بيت زهير حكمات القدّ لم يجز أن يسبق بالأبق عليها، لأنه لا يقال: رأيت الأبق، وهو يريد الحكمة. وقوله: (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) يقول: أو تنفعكم هذه الأصنام، فيرزقونكم شيئا على عبادتكموها، أو يضرّونكم فيعاقبونكم على ترككم عبادتها بأن يسلبوكم أموالكم، أو يهلكوكم إذا هلكتم وأولادكم (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) . وفي الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر عما ترك، وذلك جوابهم إبراهيم عن مسألته إياهم: (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) فكان جوابهم إياه: لا ما يسمعوننا إذا دعوناهم، ولا ينفعوننا ولا يضرّون، يدل على أنهم بذلك أجابوه. قولهم: (بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) وذلك رجوع عن مجحود، كقول القائل: ما كان كذا بل كذا وكذا، ومعنى قولهم: (وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) وجدنا من قبلنا ولا يضرّون، يدّل على أنهم بذلك أجابوه، قولهم من آبائنا يعبدونها ويعكفون عليها لخدمتها وعبادتها، فنحن نفعل ذلك اقتداء بهم، واتباعا لمنهاجهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) }
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لقومه: أفرأيتم أيها القوم ما كنتم تعبدون من هذه
الأصنام أنتم وآباؤكم الأقدمون، يعني بالأقدمين: الأقدمين من الذين كان إبراهيم يخاطبهم، وهم الأوّلون قبلهم ممن كان على مثل ما كان عليه الذين كلمهم إبراهيم من عبادة الأصنام (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) . يقول قائل: وكيف يوصف الخشب والحديد والنحاس بعداوة ابن آدم؟ فإن معنى ذلك: فإنهم عدوّ لي لو عبدتهم يوم القيامة، كما قال جلّ ثناؤه (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) .
وقوله: (إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ) نصبا على الاستثناء، والعدوّ بمعنى الجمع، ووحد لأنه أخرج مخرج المصدر، مثل القعود والجلوس.
ومعنى الكلام: أفرأيتم كل معبود لكم ولآبائكم، فإني منه بريء لا أعبده، إلا رب العالمين.
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) }
يقول: فإنهم عدوّ لي إلا ربّ العالمين (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) للصواب من القول والعمل، ويسددني للرشاد. (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) يقول: والذي يغذوني بالطعام والشراب، ويرزقني الأرزاق (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) يقول: وإذا سقم جسمي واعتل، فهو يبرئه ويعافيه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) }
يقول: والذي يميتني إذا شاء ثم يحييني إذا أراد بعد مماتي. (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) فربي هذا الذي بيده نفعي وضرّي، وله القدرة والسلطان، وله الدنيا والآخرة، لا الذي لا يسمع إذا دعي، ولا ينفع ولا يضرّ. وإنما كان هذا الكلام من إبراهيم احتجاجا على قومه، في أنه لا تصلح الألوهة، ولا ينبغي أن تكون العبودة إلا لمن يفعل هذه الأفعال، لا لمن لا يطيق نفعا ولا ضرّا.
وقيل: إن إبراهيم صلوات الله عليه، عني بقوله: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) : والذي أرجو أن يغفر لي قولي: (إِنِّي سَقِيمٌ) وقوله: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) وقولي لسارة: إنها أختي.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) قال: قوله: (إِنِّي سَقِيمٌ) وقوله: (فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) وقوله لسارة: إنها أختي، حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) قال: قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) وقوله: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) وقوله لسارة: إنها أختي.
قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تُمَيلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد نحوه.
ويعني بقوله (يَوْمِ الدِّينِ) يوم الحساب، يوم المجازاة. وقد بيَّنا ذلك بشواهده فيما مضى.
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن مسألة خليله إبراهيم إياه (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا) يقول: رب هب لي نبوّة. (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يقول: واجعلني رسولا إلى خلقك، حتى تلحقني بذلك بعداد من أرسلته من رسلك إلى خلقك، وائتمنته على وحيك، واصطفيته لنفسك. وقوله: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ) يقول: واجعل لي في الناس ذكرًا جميلا وثناء حسنا، باقيا فيمن يجيء من القرون بعدي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن عكرمة، قوله: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ) قَوْلُهُ (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا) . قال: إن الله فضله بالخُلة حين اتخذه خليلا فسأل الله فقال: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ) حتى لا تكذّبني الأمم، فأعطاه الله ذلك، فإن اليهود آمنت بموسى،
وكفرت بعيسى، وإن النصارى آمنت بعيسى، وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكلهم يتولى إبراهيم; قالت اليهود: هو خليل الله وهو منا، فقطع الله ولايتهم منه بعد ما أقرّوا له بالنبوّة وآمنوا به، فقال: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ثم ألحق ولايته بكم فقال: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) فهذا أجره الذي عجل له، وهي الحسنة، إذ يقول: (وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) وهو اللسان الصدق الذي سأل ربه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ) قال: اللسان الصدق: الذكر الصدق، والثناء الصالح، والذكر الصالح في الآخرين من الناس، من الأمم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) }
يعني إبراهيم صلوات الله عليه بقوله: (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) أورثني يا ربّ من منازل من هلك من أعدائك المشركين بك من الجنة، وأسكني ذلك. (وَاغْفِرْ لأبِي) يقول: واصفح لأبي عن شركه بك، ولا تعاقبه عليه (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ) يقول: إنه كان ممن ضل عن سبيل الهدى، فكفر بك.
وقد بيَّنا المعنى الذي من أجله استغفر إبراهيم لأبيه صلوات الله عليه، واختلاف أهل العلم في ذلك، والصواب عندنا من القول فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) يقول: ولا تذلني بعقابك إياي يوم تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة. (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ) يقول: لا تخزني يوم لا ينفع من كفر بك وعصاك في الدنيا مال كان له في الدنيا، ولا بنوه الذين كانوا له فيها، فيدفع ذلك عنه عقاب الله إذا عاقبه، ولا ينجيه منه.
وقوله: (إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) يقول: ولا تخزني يوم يبعثون، يوم لا ينفع
إلا القلب السليم.
والذي عني به من سلامة القلب في هذا الموضع: هو سلامة القلب من الشكّ في توحيد الله، والبعث بعد الممات.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن عون، قال: قلت لمحمد: ما القلب السليم؟ قال: أن يعلم أن الله حقّ، وأن الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قال: لا شك فيه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قال: ليس فيه شكّ في الحقّ.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قال: سليم من الشرك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قال: سليم من الشرك، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد.
حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن جوبير، عن الضحاك، في قول الله: (إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قال: هو الخالص.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) }
يعني جلّ ثناؤه بقوله: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) وأدنيت الجنة وقرّبت للمتقين، الذين اتقوا عقاب الله في الآخرة بطاعتهم إياه في الدنيا (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ) يقول:
وأظهرت النار للذين غووا فضلوا عن سواء السبيل. (وقيل لِلْغَاوِينَ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) من الأنداد (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) اليوم من الله، فينقذونكم من عذابه (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) لأنفسهم، فينجونها مما يُرَاد بها؟.
وقوله: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ) يقول: فرمي ببعضهم في الجحيم على بعض، وطرح بعضهم على بعض منكبين على وجوههم. وأصل كبكبوا: كببوا، ولكن الكاف كرّرت كما قيل: (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) يعني به صرّ، ونهنهني يُنهنهَني، يعني به: نههني.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال. ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (فكبكبوا) قال: فدهوروا.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا) يقول: فجمعوا فيها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فى قوله: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا) قال: طرحوا فيها. فتأويل الكلام: فكبكب هؤلاء الأنداد التي كانت تعبد من دون الله في الجحيم والغاوون.
وذُكر عن قَتادة أنه كان يقول: الغاوون في هذا الموضع. الشياطين.
* ذكر الرواية عمن قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ) قال: الغاوون: الشياطين.
فتأويل الكلام على هذا القول الذي ذكرنا عن قتادة. فكبكب فيها الكفار الذين كانوا يعبدون من دون الله الأصنام والشياطين.
وقوله: (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) يقول: وكبكب فيها مع الأنداد والغاوين جنود إبليس أجمعون. وجنوده: كل من كان من تباعه، من ذرّيته كان أو من ذرّية آدم.
القول في تأويل قوله تعالى: قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ
كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)
يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء الغاوون والأنداد التي كانوا يعبدونها من دون الله وجنود إبليس، وهم في الجحيم يختصمون. (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يقول: تالله لقد كنا في ذهاب عن الحقّ، إن كنا لفي ضلال مبين، يبين ذهابنا ذلك عنه عن نفسه، لمن تأمله وتدبره، أنه ضلال وباطل. وقوله: (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) يقول الغاوون للذين يعبدونهم من دون الله: تالله إن كنا لفي ذهاب عن الحقّ حين نعدلكم برب العالمين فنعبدكم من دونه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: لتلك الآلهة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الغاوين في الجحيم: (وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ) يعني بالمجرمين إبليس، وابن آدم الذي سنّ القتل.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عكرمة، قوله: (وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ) قال: إبليس وابن آدم القاتل.
وقوله (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ) يقول: فليس لنا شافع فيشفع لنا عند الله من الأباعد، فيعفو عنا، وينجينا من عقابه. (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) من الأقارب.
واختلف أهل التأويل في الذين عُنوا بالشافعين، وبالصديق الحميم، فقال بعضهم: عني بالشافعين: الملائكة، وبالصديق الحميم: النسيب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ) قال: من الملائكة (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) قال: من الناس، قال مجاهد:
صديق حميم، قال: شقيق.
وقال آخرون: كل هؤلاء من بني آدم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا إسحاق بن سعيد البصري المسمعي، عن أخيه يحيى بن سعيد المسمعي، قال: كان قَتادة إذا قرأ: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) قال: يعلمون والله أن الصديق إذا كان صالحا نفع، وأن الحميم إذا كان صالحا شفع.
وقوله (فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يقول: فلو أن لنا رجعة إلى الدنيا فنؤمن بالله فنكون بإيماننا به من المؤمنين.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104) }
يقول تعالى ذكره: إن فيما احتجّ به إبراهيم على قومه من الحجج التي ذكرنا له لدلالة بينة واضحة لمن اعتبر، على أن سنة الله في خلقه الذين يستنون بسنة قوم إبراهيم من عبادة الأصنام والآلهة، ويقتدون بهم في ذلك ما سنّ فيهم في الدار الآخرة، من كبكبتهم وما عبدوا من دونه مع جنود إبليس في الجحيم، وما كان أكثرهم في سابق علمه مؤمنين. وإن ربك يا محمد لهو الشديد الانتقام ممن عبد دونه، ثم لم يتب من كفره حتى هلك، الرحيم بمن تاب منهم أن يعاقبه على ما كان سلف منه قبل توبته من إثم وجرم.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) }
يقول تعالى ذكره: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ) رسل الله الذين أرسلهم إليهم لما (قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) فتحذروا عقابه على كفركم به، وتكذيبكم رسله. (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله (أمِينٌ) على وحيه إلي، برسالته إياي إليكم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) }
يقول تعالى ذكره: فاتقوا عقاب الله أيها القوم على كفركم به، وأطيعوني في نصيحتي لكم، وأمري إياكم باتقائه. (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) يقول: وما أطلب منكم على نصيحتي لكم وأمري إياكم باتقاء عقاب الله بطاعته فيما أمركم ونهاكم، من ثواب ولا جزاء (إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) دونكم ودون جميع خلق الله، فاتقوا عقاب الله على كفركم به، وخافوا حلول سخطه بكم على تكذيبكم رسله، وأطيعون: يقول: وأطيعوني في نصيحتي لكم، وأمري إياكم بإخلاص العبادة لخالقكم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) }
يقول تعالى ذكره: قال قوم نوح له مجيبيه عن قيله لهم: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) قالوا: أنؤمن لك يا نوح، ونقرّ بتصديقك فيما تدعونا إليه، وإنما اتبعك منا الأرذلون دون ذوي الشرف وأهل البيوتات. (قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) قال نوح لقومه: وما علمي بما كان أتباعي يعملون، إنما لي منهم ظاهر أمرهم دون باطنه، ولم أكَلَّفْ علم باطنهم، وإنما كلّفت الظاهر، فمن أظهر حسنا ظننت به حسنا، ومن أظهر سيئا ظننت به سيئا. يقول: إن حساب باطن أمرهم الذي خفي عني إلا على ربي لو تشعرون، فإنه يعلم سرّ أمرهم وعلانيته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: (إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) قال: هو أعلم بما في نفوسهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه: وما أنا بطارد من آمن بالله واتبعني على التصديق بما جئت به من عند الله. (إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ) يقول: ما أنا إلا نذير لكم من عند ربكم أنذركم بأسه، وسطوته على كفركم به مبين: يقول: نذير قد أبان
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|