عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 23-07-2025, 02:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء التاسع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الفرقان
الحلقة (1073)
صــ 231 لى صــ 240





وقوله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا) يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المنصرفون عن نبيكم بغير إذنه، تسترا وخفية منه، وإن خفي أمر من يفعل ذلك منكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم،فإن الله يعلم ذلك، ولا يخفى عليه، فليتق من يفعل ذلك منكم، الذين يخالفون أمر الله في الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه، أن تصيبهم فتنة من الله، أو يصيبهم عذاب أليم، فيطبع على قلوبهم، فيكفروا بالله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن جُويبر، عن الضحاك، في قول الله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا) قال: كانوا يستتر بعضهم ببعض، فيقومون، فقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) قال: يطبع على قلبه، فلا يأمن أن يظهر الكفر بلسانه فتُضرب عنقه.
حدثنا ابن القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا) قال: خلافا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قَال ابن زيد، في قوله: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا) قال: هؤلاء المنافقون الذين يرجعون بغير إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: اللواذ: يلوذ عنه، ويروغ ويذهب بغير إذن النبيّ صلى الله عليه وسلم (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) الذين يصنعون هذا أن تصيبهم فتنة، أو يصيبهم عذاب أليم. الفتنة هاهنا: الكفر، واللواذ: مصدر لاوذت بفلان ملاوذة ولواذا، ولذلك ظهرت الواو، ولو كان مصدرا للذتُ لقيل: لياذا، كما يقال: قمت قياما، وإذا قيل: قاومتك، قيل: قواما طويلا. واللواذ: هو أن يلوذ القوم بعضهم ببعض، يستتر هذا بهذا، وهذا بهذا، كما قال الضحاك.
وقوله: (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يقول: أو يصيبهم في عاجل الدنيا عذاب من الله موجع، على صنيعهم ذلك، وخلافهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) وأدخلت "عن" ؛ لأن معنى الكلام: فليحذر الذين يلوذون عن أمره، ويدبرون عنه معرضين.
القول في تأويل قوله تعالى: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ
قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
يقول تعالى ذكره: ألا إن لله ملك جميع السماوات والأرض: يقول: فلا ينبغي لمملوك أن يخالف أمر مالكه فيعصيه، فيستوجب بذلك عقوبته، يقول: فكذلك أنتم أيها الناس لا يصلح لكم خلاف ربكم الذي هو مالككم فأطيعوه، وأتمروا لأمره، ولا تنصرفوا عن رسوله إذا كنتم معه على أمر جامع إلا بإذنه.
وقوله: (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من طاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم من ذلك، كما حدثني أيضا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) صنيعكم هذا أيضا (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) يقول: ويوم يرجع إلى الله الذين يخالفون عن أمره (فينبئهم) يقول: فيخبرهم حينئذ، (بِمَا عَمِلُوا) في الدنيا، ثم يجازيهم على ما أسلفوا فيها، من خلافهم على ربهم (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يقول: والله ذو علم بكل شيء عملتموه أنتم وغيركم وغير ذلك من الأمور، لا يخفى عليه شيء، بل هو محيط بذلك كله، وهو موفٍّ كلّ عامل منكم أجر عمله يوم ترجعون إليه.
آخر تفسير سورة النور.
تفسير سورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه: {تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) }
قال أبو جعفر: تبارك: تفاعل من البركة، كما حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، قال: ثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: تبارك: تفاعل من البركة. وهو كقول القائل: تقدّس ربنا، فقوله: (تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ) يقول: تبارك الذي نزل الفصل بين الحقّ والباطل، فصلا بعد فصل وسورة بعد سورة، على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون محمد لجميع الجنّ والإنس، الذين بعثه الله إليهم داعيا إليه، نذيرا: يعني منذرا ينذرهم عقابه ويخوِّفهم عذابه، إن لم يوحدوه ولم يخلصوا له العبادة، ويخلعوا كلّ ما دونه من الآلهة والأوثان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) قال: النبيّ النذير. وقرأ (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) وقرأ (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ) قال: رسل. قال: المنذرون: الرسل. قال: وكان نذيرا واحدا بلَّغ ما بين المشرق والمغرب، ذو القرنين، ثم بلغ السدّين، وكان نذيرا، ولم أسمع أحدا يحق أنه كان نبيا (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) قال: من بلغه القرآن من الخلق، فرسول الله نذيره. وقرأ (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) وقال: لم يرسل الله رسولا إلى الناس عامة إلا نوحا، بدأ به الخلق، فكان رسول أهل الأرض كلهم، ومحمد
صلى الله عليه وسلم ختم به.
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) }
يقول تعالى ذكره: تبارك الذي نزل الفرقان (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) فالذي الثانية من نعت الذي الأولى، وهما جميعا في موضع رفع، الأولى بقوله تبارك، والثانية نعت لها ويعني بقوله: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) الذي له سلطان السماوات والأرض ينفذ في جميعها أمره وقضاءه، ويمضي في كلها أحكامه، يقول: فحقّ على من كان كذلك أن يطيعه أهل مملكته، ومن في سلطانه، ولا يعصوه، يقول: فلا تعصوا نذيري إليكم أيها الناس، واتبعوه، واعملوا بما جاءكم به من الحق (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) يقول: تكذيبا لمن أضاف إليه الولد، وقال: الملائكة بنات الله، ما اتخذ الذي نزل الفرقان على عبده ولدا، فمن أضاف إليه ولدا فقد كذب وافترى على ربه (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) يقول تكذيبا لمن كان يضيف الألوهة إلى الأصنام ويعبدها من دون الله من مشركي العرب، ويقول في تلبيته: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، كذب قائلو هذا القول، ما كان لله من شريك في مُلكه وسلطانه، فيصلح أن يعبد من دونه. يقول تعالى ذكره: فأفردوا أيها الناس لربكم الذي نزل الفرقان على عبده محمد نبيه صلى الله عليه وسلم الألوهة، وأخلصوا له العبادة دون كلّ ما تعبدونه من دونه من الآلهة والأصنام والملائكة والجنّ والإنس، فإن كلّ ذلك خلقه وفي ملكه، فلا تصلح العبادة إلا لله الذي هو مالك جميع ذلك، وقوله: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) يقول تعالى ذكره: وخلق الذي نزل على محمد الفرقان كل شيء، فالأشياء كلها خلقه وملكه، وعلى المماليك طاعة مالكهم، وخدمة سيدهم دون غيره. يقول: وأنا خالقكم ومالككم، فأخلصوا لي العبادة دون غيري، وقوله: (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) يقول: فسوّى كل ما خلق، وهيأه لما يصلح له، فلا خلل فيه ولا تفاوت.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا (3) }
يقول تعالى ذكره مقرعا مشركي العرب بعبادتهم ما دونه من الآلهة، ومعجبا أولي النهى منهم، ومنبههم على موضع خطأ فعلهم وذهابهم عن منهج الحقّ، وركوبهم من سبل الضلالة ما لا يركبه إلا كل مدخول الرأي، مسلوب العقل: واتخذ هؤلاء المشركون بالله من دون الذي له مُلك السماوات والأرض وحده. من غير شريك، الذي خلق كل شيء فقدّره، آلهة: يعني أصناما بأيديهم يعبدونها، لا تخلق شيئا وهي تخلق، ولا تملك لأنفسها نفعا تجرّه إليها، ولا ضرّا تدفعه عنها ممن أرادها بضرّ، ولا تملك إماتة حيّ، ولا إحياء ميت، ولا نشره من بعد مماته، وتركوا عبادة خالق كلّ شيء، وخالق آلهتهم، ومالك الضرّ والنفع، والذي بيده الموت والحياة والنشور. والنشور: مصدر نُشر الميت نشورا، وهو أن يُبعث ويحيا بعد الموت.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) }
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الكافرون بالله، الذين اتخذوا من دونه آلهة: ما هذا القرآن الذي جاءنا به محمد (إِلا إِفْكٌ) يعني: إلا كذب وبهتان (افْتَرَاهُ) اختلقه وتخرّصه بقوله: (وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) ذكر أنهم كانوا يقولون: إنما يعلِّم محمدا هذا الذي يجيئنا به اليهود، فذلك قوله: (وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) يقول: وأعان محمدا على هذا الإفك الذي افتراه يهود.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) قال: يهود.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
وقوله: (فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) يقول تعالى ذكره: فقد أتى قائلو هذه المقالة، يعني الذين قالوا: (إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) ظلما، يعني بالظلم نسبتهم كلام الله وتنزيله إلى أنه إفك افتراه محمد صلى الله عليه وسلم. وقد بيَّنا فيما مضى
أن معنى الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، فكان ظلم قائلي هذه المقالة القرآن بقيلهم هذا وصفهم إياه بغير صفته، والزور: أصله تحسين الباطل. فتأويل الكلام: فقد أتى هؤلاء، القوم في قيلهم (إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) كذبا محضا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وحدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) قال: كذبًا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا (5) قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) }
ذكر أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث، وأنه المعني بقوله: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثنا شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ من شياطين قريش، وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة، تعلَّم بها أحاديث ملوك فارس، وأحاديث رستم وأسفنديار، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلسا، فذكّر بالله وحدّث قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم، من نقمة الله خلفه في مجلسه إذا قام، ثم يقول: أنا والله يا معشر قُريش أحسن حديثا منه. فهلموا فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وأسفنديار، ثم يقول: ما محمد أحسن حديثا مني، قال: فأنزل الله تبارك وتعالى في النضر ثماني آيات من القرآن، قوله: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ) وكل ما ذُكِر فيه الأساطير في القرآن.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد أو عكرمة، عن ابن عباس نحوه، إلا أنه جعل قوله: "فأنزل الله في النضر ثماني آيات" ، عن ابن إسحاق، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ) أشعارهم وكهانتهم، وقالها النضر بن الحارث.
فتأويل الكلام: وقال هؤلاء المشركون بالله، الذين قالوا لهذا القرآن (إن هذا إلا إفك افتراه) محمد صلى الله عليه وسلم: هذا الذي جاءنا به محمد أساطير الأوّلين، يعنون أحاديثهم التي كانوا يسطرونها في كتبهم، اكتتبها محمد صلى الله عليه وسلم من يهود، (فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ) يعنون بقوله: (فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ) فهذه الأساطير تقرأ عليه، من قولهم: أمليت عليك الكتاب وأمللت (بُكْرَةً وَأَصِيلا) يقول: وتملى عليه غدوة وعشيا.
وقوله: (قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المكذّبين بآيات الله من مشركي قومك: ما الأمر كما تقولون من أن هذا القرآن أساطير الأولين، وأن محمد صلى الله عليه وسلم افتراه وأعانه عليه قوم آخرون، بل هو الحقّ، أنزله الربّ الذي يعلم سرّ من في السماوات ومن في الأرض، ولا يخفى عليه شيء، ومحصي ذلك على خلقه، ومجازيهم بما عزمت عليه قلوبهم، وأضمروه في نفوسهم (إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) يقول: إنه لم يزل يصفح عن خلقه ويرحمهم، فيتفضل عليهم بعفوه، يقول: فلأن ذلك من عادته في خلقه، يمهلكم أيها القائلون ما قلتم من الإفك، والفاعلون ما فعلتم من الكفر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) قال: ما يسرّ أهل الأرض وأهل السماء.
القول في تأويل قوله تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا
مَسْحُورًا (8)
ذُكر أن هاتين الآيتين نزلتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان مشركو قومه قالوا له ليلة اجتماع أشرافهم بظهر الكعبة، وعرضوا عليه أشياء، وسألوه الآيات.
فكان فيما كلموه به حينئذ، فيما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جُبير، أو عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس أن قالوا له: فإن لم تفعل لنا هذا- يعني ما سألوه من تسيير جبالهم عنهم، وإحياء آبائهم، والمجيء بالله والملائكة قبيلا وما ذكره الله في سورة بني إسرائيل، فخذ لنفسك، سل ربك يبعث معك ملَكا يصدّقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وسله فيجعل لك قصورا وجنانا، وكنوزا من ذهب وفضة، تغنيك عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعلم فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بفاعل، فأنزل الله في قولهم: أن خذ لنفسك ما سألوه، أن يأخذ لها، أن يجعل له جنانا وقصورا وكنوزا، أو يبعث معه ملَكا يصدّقه بما يقول، ويردّ عنه من خاصمه. (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا) .
فتأويل الكلام: وقال المشركون ما لهذا الرسول يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم، الذي يزعم أن الله بعثه إلينا يأكل الطعام كما نأكل، ويمشي في أسواقنا كما نمشي (لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ) يقول: هلا أنزل إليه ملَك إن كان صادقا من السماء، فيكون معه منذرا للناس، مصدّقا له على ما يقول، أو يلقى إليه كنز من فضة أو ذهب، فلا يحتاج معه إلى التصرّف في طلب المعاش (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) يقول: أو يكون له بستان (يَأْكُلُ مِنْهَا) .
واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين (يَأْكُلُ) بالياء، بمعنى: يأكل منها الرسول. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين (نَأْكُلُ مِنْهَا) بالنون، بمعنى: نأكل من الجنة.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالياء، وذلك للخبر الذي ذكرنا قبل بأن مسألة من سأل من المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يسأل ربه هذه الخلال لنفسه لا لهم. فإذ كانت مسألتهم إياه ذلك كذلك، فغير جائز أن يقولوا له:




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]