
22-07-2025, 03:35 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنبياء
الحلقة (1026)
صــ 451 إلى صــ 460
وليقولن يا ويلنا إنا كان ظالمين في عبادتنا الآلهة والأنداد، وتركنا عبادة الله الذي خلقنا وأنعم علينا، ووضعنا العبادة غير موضعها.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) }
يقول تعالى ذكره (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ) العدل وهو (القِسْطَ) وجعل القسط وهو موحد من نعت الموازين، وهو جمع لأنه في مذهب عدل ورضا ونظر. وقوله (لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) يقول: لأهل يوم القيامة، ومن ورد على الله في ذلك اليوم من خلقه، وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك إلى "في" كأن معناه عنده: ونضع الموازين القسط في يوم القيامة، وقوله (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا) يقول: فلا يظلم الله نفسا ممن ورد عليه منهم شيئا بأن يعاقبه بذنب لم يعمله أو يبخسه ثواب عمل عمله، وطاعة أطاعه بها، ولكن يجازي المحسن بإحسانه، ولا يعاقب مسيئا إلا بإساءته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) ... إلى آخر الآية، وهو كقوله (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) يعني بالوزن: القسط بينهم بالحقّ في الأعمال الحسنات والسيئات، فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه، يقول: أذهبت حسناته سيئاته، ومن أحاطت سيئاته بحسناته فقد خفَّت موازينه وأمه هاوية، يقول: أذهبت سيئاته حسناته.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) قال: إنما هو مثل، كما يجوز الوزن كذلك يجوز الحقّ، قال الثوري: قال ليث عن مجاهد (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ) قال: العدل.
وقوله (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا) يقول: وإن كان الذي من عمل الحسنات، أو عليه من السيئات وزن حبة من خردل أتينا بها: يقول: جئنا بها فأحضرناها إياه.
كما حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا) قال: كتبناها وأحصيناها له وعليه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا) قال: يؤتي بها لك وعليك، ثم يعفو إن شاء أو يأخذ، ويجزي بما عمل له من طاعة، وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا) قال: جازينا بها.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد أنه كان يقول (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا) قال: جازينا بها، وقال أتينا بها، فأخرج قوله بها مخرج كناية المؤنث، وإن كان الذي تقدم ذلك قوله مثقال حبة، لأنه عني بقوله بها الحبة دون المثقال، ولو عني به المثقال لقيل به، وقد ذكر أن مجاهدا إنما تأوّل قوله (أَتَيْنَا بِهَا) على ما ذكرنا عنه، لأنه كان يقرأ ذلك (آتَيْنا بها) بمدّ الألف. وقوله: (وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) يقول: وحسب من شهد ذلك الموقف بنا حاسبين، لأنه لا أحد أعلم بأعمالهم وما سلف في الدنا من صالح أو سيئ منا.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) }
يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى بن عمران وأخاه هارون الفرقان، يعني به الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل، وذلك هو التوراة في قول بعضهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم،
قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الفُرْقان) قال: الكتاب.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ) الفرقان: التوراة حلالها وحرامها، وما فرق الله به بين الحق والباطل.
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ) قال: الفرقان: الحق آتاه الله موسى وهارون، فرق بينهما وبين فرعون، قضى بينهم بالحق، وقرأ (وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ) قال: يوم بدر.
قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد في ذلك أشبه بظاهر التنزيل، وذلك لدخول الواو في الضياء، ولو كان الفرقان هو التوراة كما قال من قال ذلك، لكان التنزيل: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء، لأن الضياء الذي آتى الله موسى وهارون هو التوراة التي أضاءت لهما ولمن اتبعهما أمر دينهم فبصرّهم الحلال والحرام، ولم يقصد بذلك في هذا الموضع ضياء الإبصار، وفي دخول الواو في ذلك دليل على أن الفرقان غير التوراة التي هي ضياء.
فإن قال قائل: وما ينكر أن يكون الضياء من نعت الفرقان، وإن كانت فيه واو فيكون معناه: وضياء آتيناه ذلك، كما قال (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا) ؟ قيل له: إن ذلك وإن كان الكلام يحتمله، فإن الأغلب من معانيه ما قلنا، والواجب أن يوجه معاني كلام الله إلى الأغلب الأشهر من وجوهها المعروفة عند العرب ما لم يكن بخلاف ذلك ما يجب التسليم له من حجة خبر أو عقل.
وقوله (وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ) يقول: وتذكيرا لمن اتقى الله بطاعته وأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ذكرّهم بما آتى موسى وهارون من التوراة.
القول في تأويل قوله تعالى
: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) }
يقول تعالى ذكره: آتينا موسى وهارون الفرقان: الذكر الذي آتيناهما للمتقين الذين يخافون ربهم بالغيب، يعني في الدنيا أن يعاقبهم في الآخرة إذا قدموا عليه بتضييعهم ما ألزمهم من فرائضه فهم من خشيته، يحافظون على حدوده وفرائضه، وهم من الساعة التي تقوم فيها القيامة مشفقون، حذرون أن تقوم عليهم، فيردوا على ربهم قد فرّطوا في الواجب عليهم لله، فيعاقبهم من العقوبة بما لا قِبَل لهم به.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) }
يقول جلّ ثناؤه: وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم ذكر لمن تذكر به، وموعظة لمن اتعظ به (مُبَارَكٌ أَنزلْنَاهُ) كما أنزلنا التوراة إلى موسى وهارون ذكرا للمتقين (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) يقول تعالى ذكره: أفأنتم أيها القوم لهذا الكتاب الذي أنزلناه إلى محمد منكرون وتقولون هو (أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون) وإنما الذي آتيناه من ذلك ذكر للمتقين، كالذي آتينا موسى وهارون ذكرا للمتقين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ) ... إلى قوله (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أي هذا القرآن.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) }
يقول تعالى ذكره (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) موسى وهارون، ووفَقناه للحقّ، وأنقذناه من بين قومه وأهل بيته من عبادة الأوثان، كما فعلنا ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى إبراهيم، فأنقذناه من قومه وعشيرته من عبادة الأوثان، وهديناه إلى سبيل الرشاد توفيقا منا له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى "ح" وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) قال: هديناه صغيرا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) قال: هداه صغيرا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) قال: هداه صغيرا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) يقول: آتينا هداه.
وقوله (وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) يقول: وكنا عالمين به أنه ذو يقين وإيمان بالله وتوحيد له، لا يشرك به شيئا (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) يعني في وقت قيله وحين قيله لهم (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) يقول: قال لهم: أيّ شيء هذه الصور التي أنتم عليها مقيمون، وكانت تلك التماثيل أصنامهم التي كانوا يعبدونها.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) قال: الأصنام.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله. وقد بيَّنا فيما مضى من كتابنا هذا أن العاكف على الشيء المقيم عليه بشواهد ذلك، وذكرنا الرواية عن أهل التأويل.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ (55) }
يقول تعالى ذكره: قال أبو إبراهيم وقومه لإبراهيم: وجدنا آباءنا لهذه الأوثان عابدين، فنحن على ملة آبائنا نعبدها كما كانوا يعبدون، (قال) إبراهيم (لَقَدْ كُنْتُم) أيها القوم (أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ) بعبادتكم إياها (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يقول: في ذهاب عن سبيل الحقّ، وجور عن قصد السبيل مبين: يقول: بين لمن تأمله بعقل، إنكم كذلك في جور عن الحقّ (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ) ؟ يقول: قال أبوه وقومه له: أجئتنا بالحقّ فيما تقول (أَمْ أَنْتَ) هازل لاعب (مِنَ اللاعِبِينَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) }
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لهم: بل جئتكم بالحق لا اللعب، ربكم ربّ السماوات والأرض الذي خلقهنّ، وأنا على ذلكم من أن ربكم هو ربّ السماوات والأرض الذي فطرهنّ، دون التماثيل التي أنتم لها عاكفون، ودون كلّ أحد سواه شاهد من الشاهدين، يقول: فإياه فاعبدوا لا هذه التماثيل التي هي خلقه التي لا تضرّ ولا تنفع.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) }
القول في تأويل قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) }
ذكر أن إبراهيم صلوات الله عليه حلف بهذه اليمين في سرّ من قومه وخفاء، وأنه لم يسمع ذلك منه إلا الذي أفشاه عليه حين قالوا. من فعل هذا بآلهتنا
إنه لمن الظالمين، فقالوا: سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم.
*ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ) قال: قول إبراهيم حين استتبعه قومه إلى عيد لهم فأبى وقال: إني سقيم، فسمع منه وعيد أصنامهم رجل منهم استأخر، وهو الذي يقول (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ) قال: نرى أنه قال ذلك حيث لم يسمعوه بعد أن تولَّوا مدبرين.
وقوله (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا) (1) بمعنى جمع جذيذ، كأنهم أرادوا به جمع جذيذ وجذاذ، كما يجمع الخفيف خفاف، والكريم كرام.
وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأه (جُذَاذا) بضمّ الجيم، لإجماع قرّاء الأمصار عليه، وأن ما أجمعت عليه فهو الصواب، وهو إذا قرئ كذلك مصدر مثل الرُّفات، والفُتات، والدُّقاق لا واحد له، وأما من كسر الجيم فإنه جمع للجذيذ، والجذيذ: هو فعيل صُرِف من مجذوذ إليه، مثل كسير وهشيم، والمجذوذة: المكسورة قِطَعا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا) يقول: حُطاما.
(1) في العبارة هنا قصور، ولعل بها سقطا، وسيوضحها المؤلف في كلامه الآتي بعدها. والحاصل أن قراءة عامة القراء "جذاذا" بضم الجيم، قيل هو مفرد كحطام، وقيل من الجمع العزيز. وقرأ ابن وثاب وجماعة بالكسر، وهو جذيذ، ونظيره كريم وكرام.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (جُذَاذًا) كالصَّريم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا) : أي قطعا.
وكان سبب فعل إبراهيم صلوات الله عليه بآلهة قومه ذلك، كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط عن السديّ أن إبراهيم قال له أبوه: يا إبراهيم إن لنا عيدا لو قد خرجت معنا إليه قد أعجبك ديننا، فلما كان يوم العيد، فخرجوا إليه، خرج معهم إبراهيم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال: إني سقيم، يقول: أشتكي رجلي فتواطئوا رجليه وهو صريع؛ فلما مضوا نادى في آخرهم، وقد بقي ضَعْفَى الناس (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة، فإذا هنّ في بهو عظيم، مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى بعض، كل صنم يليه أصغر منه، حتى بلغوا باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعاما، فوضعوه بين أيدي الآلهة، قالوا: إذا كان حين نرجع رجعنا، وقد باركت الآلهة في طعامنا فأكلنا، فلما نظر إليهم إبراهيم، وإلى ما بين أيديهم من الطعام (قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ) فلما لم تجبه، قال (مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ) فأخذ فأس حديد، فنقر كلّ صنم في حافتيه، ثم علَّق الفأس في عنق الصنم الأكبر، ثم خرج، فلما جاء القوم إلى طعامهم نظروا إلى آلهتهم (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) .
وقوله (إِلا كَبِيرًا لَهُمْ) يقول: إلا عظيما للآلهة، فإن إبراهيم لم يكسره، ولكنه فيما ذكر علق الفأس في عنقه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني
حجاج، عن ابن جُرَيج (إِلا كَبِيرًا لَهُمْ) قال: قال ابن عباس، إلا عظيما لهم عظيم آلهتهم، قال ابن جُرَيْج، وقال مجاهد: وجعل إبراهيم الفأس التي أهلك بها أصنامهم مُسْندة إلى صدر كبيرهم الذي تَرَك.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: جعل إبراهيم الفأس التي أهلك بها أصنامهم مسندة إلى صدر كبيرهم الذي ترك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أقبل عليهنّ كما قال الله تبارك وتعالى (ضَرْبًا بِالْيَمِينِ) ثم جعل يكسرهنّ بفأس في يده، حتى إذا بقي أعظم صنم منها ربط الفأس بيده، ثم تركهنّ، فلما رجع قومه، رأوا ما صنع بأصنامهم، فراعهم ذلك وأعظموه وقالوا: من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، وقوله (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) يقول: فعل ذلك إبراهيم بآلهتهم ليعتبروا ويعلموا أنها إذا لم تدفع عن نفسها ما فعل بها إبراهيم، فهي من أن تدفع عن غيرها من أرادها بسوء أبعد، فيرجعوا عما هم عليه مقيمون من عبادتها إلى ما هو عليه من دينه وتوحيد الله، والبراءة من الأوثان.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) قال: كادهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) }
يقول تعالى ذكره: قال قوم إبراهيم لما رأوا آلهتهم قد جذّت، إلا الذي ربط به الفأسَ إبراهيم: من فعل هذا بآلهتنا؟ إن الذي فعل هذا بآلهتنا لمن
الظالمين! أي لمن الفاعلين بها ما لم يكن له فعله
(قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) يقول: قال الذين سمعوه يقول (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) سمعنا فتى يذكرهم بعيب يقال له إبراهيم.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) قال ابن جُرَيج: يذكرهم يعيبهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) سمعناه يسبها ويعيبها ويستهزئ بها، لم نسمع أحدا يقول ذلك غيره، وهو الذي نظن صنع هذا بها.
وقوله (فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) يقول تعالى ذكره: قال قوم إبراهيم بعضهم لبعض: فأتوا بالذي فعل هذا بآلهتنا الذي سمعتموه يذكرها بعيب ويسبها ويذمها على أعين الناس؛ فقيل: معنى ذلك: على رءوس الناس. وقال بعضهم: معناه: بأعين الناس ومرأى منهم، وقالوا: إنما أريد بذلك أظهروا الذي فعل ذلك للناس كما تقول العرب إذا ظهر الأمر وشهر: كان ذلك على أعين الناس، يراد به كان بأيدي الناس.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) فقال بعضهم: معناه: لعلّ الناس يشهدون عليه، أنه الذي فعل ذلك، فتكون شهادتهم عليه حجة لنا عليه، وقالوا إنما فعلوا ذلك لأنهم كرهوا أن يأخذوه بغير بينة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) عليه أنه فعل ذلك.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) قال: كرهوا أن يأخذوه بغير بيِّنة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لعلهم يشهدون ما يعاقبونه به، فيعاينونه ويرونه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بلغ ما فعل إبراهيم بآلهة قومه نمرود، وأشراف قومه، فقالوا:
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|