
21-07-2025, 03:06 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,114
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإسراء
الحلقة (973)
صــ 561 إلى صــ 570
فَيَخْبو ساعَةً ويَهُبُّ ساعا (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة عن تأويله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (كُلَّمَا خَبَتْ) قال: سكنت.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) يقول: كلما أحرقتهم تسعر بهم حطبا، فإذا أحرقتهم فلم تبق منهم شيئا صارت جمرا تتوهَّج، فذلك خُبُوُّها، فإذا بدّلوا خلقا جديدا عاودتهم.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن مجاهد حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس (كُلَّمَا خَبَتْ) قال: خبوّها أنها تَسَعَّر بهم حطبا، فإذا أحرقتهم، فلم يبق منهم شيء صارت جمرا تتوهج، فإذا بُدِّلوا خلقا جديدا عاودتهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) يقول: كلما احترقت جلودهم بُدّلوا جلودا غيرها، ليذوقوا العذاب.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) قال: كلما لان منها شيء.
(1) هذا عجز بيت للقطامي. وصدره * وكنا كالحريق أصاب غابا *
(انظر ديوانه طبع ليدن سنة 1902 ص 39) قال: يخبو: يسكن. ويهب: يهيج. وساع: جمع ساعة. وفي (اللسان: سرع) الساعة: جزء من الليل والنهار. والجمع: ساعات وساع. قال القطام * وكنا كالحريق لذي كفاح *
. .. البيت. قال ابن بري: المشهور في صدر هذا البي * كنا كالحريق أصاب غابا *
وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة (1: 391) "كلما خبت زدناهم سعيرا" أي تأججا. وخبت سكنت. وأنشد عجز البيت، ثم قال: ولم يذكرها هنا جلودهم، فيكون الخبو لها.
حُدثت عن مروان، عن جويبر، عن الضحاك (كُلَّمَا خَبَتْ) قال: سكنت. وقوله (زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) يقول: زدنا هؤلاء الكفار سعيرا، وذلك إسعار النار عليهم والتهابها فيهم وتأججها بعد خبوّها، في أجسامهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) }
يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصفنا من فعلنا يوم القيامة بهؤلاء المشركين، ما ذكرت أنا نفعل بهم من حشرهم على وجوههم عميا وبكما وصما، وإصلائنا إياهم النار على ما بيَّنا من حالتهم فيها ثوابهم بكفرهم في الدنيا بآياتنا، يعني بأدلته وحججه، وهم رسله الذين دعوهم إلى عبادته، وإفرادهم إياه بالألوهة دون الأوثان والأصنام، وبقولهم إذا أُمروا بالإيمان بالميعاد، وبثواب الله وعقابه في الآخرة (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا) بالية (وَرُفَاتًا) قد صرنا ترابا (أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) يقولون: نُبعث بعد ذلك خلقا جديدا. كما ابتدأناه أوّل مرّة في الدنيا استنكارا منهم لذلك، واستعظاما وتعجبا من أن يكون ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلا كُفُورًا (99) }
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: أولم ينظر هؤلاء القائلون من المشركين (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) بعيون قلوبهم، فيعلمون أن الله الذي خلق السماوات والأرض، فابتدعها من غير شيء، وأقامها بقُدرته، قادر بتلك القُدرة على أن يخلق مثلهم أشكالهم، وأمثالهم من الخلق بعد فنائهم، وقبل ذلك، وأن من قدر على ذلك فلا يمتنع عليه إعادتهم خلقا جديدا، بعد أن يصيروا عظاما ورُفاتا، وقوله (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لا رَيْبَ فِيهِ) يقول تعالى ذكره: وجعل الله لهؤلاء المشركين أجلا لهلاكهم، ووقتا
لعذابهم لا ريب فيه. يقول: لا شكّ فيه أنه آتيهم ذلك الأجل (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلا كُفُورًا) يقول: فأبى الكافرون إلا جحودا بحقيقة وعيده الذي أوعدهم وتكذيبا به.
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا (100) }
يقول تعالى ذكره لنبيّه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: لو أنتم أيها الناس تملكون خزائن أملاك ربي من الأموال، وعنى بالرحمة في هذا الموضع: المال (إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ) يقول: إذن لَبَخِلْتُمْ بِهِ فَلم تجودوا بها على غيركم، خشية من الإنفاق والإقتار.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس (إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفَاقِ) قال: الفقر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (خَشْيَةَ الإنْفَاقِ) أي خشية الفاقة.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
وقوله (وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا) يقول: وكان الإنسان بخيلا ممسكا.
كما حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا) يقول: بخيلا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله (وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا) قال: بخيلا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا) قال: بخيلا ممسكا.
وفي القتور في كلام العرب لغات أربع، يقال: قتر فلان يقْتُر ويقْتِر، وقتر يقتِّر، وأقتر يُقْتر، كما قال أبو دواد:
لا أعُدُّ الإقتار عُدْما وَلَكِنْ ... فَقْدُ مَنْ قَد رُزِيتُهُ الإعْدَامُ (1)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) }
يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى بن عمران تسع آيات بيِّنات تُبَين لمن رآها أنها حجج لموسى شاهدة على صدقه وحقيقة نبوّته.
وقد اختلف أهل التأويل فيهنّ وما هنّ.
فقال بعضهم في ذلك ما حدثني به محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) قال: التسع الآيات البينات: يده، وعصاه، ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم آيات مفصلات.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) إلقاء العصا مرّتين عند فرعون، ونزع يده، والعقدة التي كانت بلسانه، وخمس آيات في الأعراف: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
وقال آخرون: نحوا من هذا القول، غير أنهم جعلوا آيتين منهن: إحداهما الطمسة، والأخرى الحجر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن
(1) البيت لأبي دؤاد (بواو غير مهموزة بعد الدال، كما في التاج) وهو جارية بن الحجاج، أو هو حنظلة بن الشرتي الإيادي. والبيت في (الشعر والشعراء لابن قتيبة طبعة ليدن سنة 1902 ص 122) . وفي اللسان: قتر يقتر ويقتر قترا وقتورا، فهو قاتر وقتور؛ وأقتر. أي افتقر. وقتر على عياله وأقتر وقتر: أي ضيق عليهم في النفقة. ويقال: إنه لقتور: أي مقتر. فتلخص أن اللغات في هذا أربع: قتر يقتر ويقتر (من بابي نصر وضرب) وقتر (بالتشديد) وأقتر (بالهمز) كما قال المؤلف.
إسحاق، عن بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، قال: سألني عمر بن عبد العزيز، عن قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) فقلت له: هي الطوفان والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والبحر، وعصاه، والطمسة، والحجر، فقال: وما الطمسة؟ فقلت: دعا موسى وأمَّن هارون، فقال: قد أجيبت دعوتكما، وقال عمر: كيف يكون الفقه إلا هكذا. فدعا عمر بن عبد العزيز بخريطة كانت لعبد العزيز بن مروان أصيبت بمصر، فإذا فيها الجوزة والبيضة والعدسة ما تنكر، مسخت حجارة كانت من أموال فرعون أصيبت بمصر.
وقال آخرون: نحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا اثنتين منهنّ: إحداهما السنين، والأخرى النقص من الثمرات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة ومطر الورّاق، في قوله (تِسْعَ آياتٍ) قالا الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، والسنون، ونقص من الثمرات.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن مغيرة، عن الشعبيّ، في قوله (تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) قال: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والسنين، ونقص من الثمرات، وعصاه، ويده.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سُئل عطاء بن أبي رباح عن قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) ما هي؟ قال: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وعصى موسى، ويده.
قال: ابن جريج: وقال مجاهد مثل قول عطاء، وزاد (أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) قال: هما التاسعتان، ويقولون: التاسعتان: السنين، وذهاب عجمة لسان موسى.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن ابن عباس، في قوله (تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) وهي متتابعات، وهي في سورة الأعراف (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) قال: السنين في أهل البوادي، ونقص من الثمرات لأهل القرى، فهاتان آيتان، والطوافان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، هذه خمس، ويد موسى إذ أخرجها بيضاء للناظرين من غير سوء: البرص، وعصاه إذ ألقاها، فإذا هي ثعبان مبين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس، قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) قال: يد موسى، وعصاه، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم والسنين، ونقص من الثمرات.
وقال آخرون نحوا من ذلك إلا أنهم جعلوا السنين، والنقص من الثمرات آية واحدة، وجعلوا التاسعة: تلقف العصا ما يأفكون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الحسن، في قوله (تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) ، (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ) قال: هذه آية واحدة، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ويد موسى، وعصاه إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين، وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون.
وقال آخرون في ذلك ما حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت عبد الله بن سلمة يحدّث عن صفوان بن عسال، قال: قال يهوديّ لصاحبه: اذهب بنا إلى النبيّ حتى نسأله عن هذه الآية (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) قال: لا تقل له نبيّ، فإنه إن سمعك صارت له أربعة أعين، قال: فسألا فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَلا تَسْحَرُوا، وَلا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً،أو قال: لا تَفرُّوا مِنَ
الزَّحْفِ ". شعبة الشاكّ وأنْتُمْ يا يَهُودُ عليكم خَاصّ لا تَعْدُوا فِي السَّبْت، فقبَّلا يده ورجله، وقالا نشهد أنك نبيّ، قال: فما يمنعكما أن تسلما؟ قالا إن داود دعا أن لا يزال من ذرّيته نبيّ، وإنا نخشى أن تقتلنا يهود" .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سهل بن يوسف وأبو داود وعبد الرحمن بن مهدي، عن سعيد، عن عمرو، قال: سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه، إلا أن ابن مهديّ قال: "لا تمشوا إلى ذي سُلْطان" وقال ابن مهدي: أراه قال: "ببريء" .
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الله بن إدريس وأبو أسامة بنحوه، عن شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة، عن صفوان بن عسال، قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبيّ، فقال صاحبه: لا تقل نبيّ، إنه لو سمعك كان له أربع أعين، قال: فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألانه عن تسع آيات بينات، فقال: "هنَّ: ولا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا تَسْرِقُوا، وَلا تَزْنُوا، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَلا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلا تَسْحَرُوا، وَلا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلا تَوَلَّوا يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً يَهُودُ: أنْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ، قال: فقبَّلوا يديه ورجليه، وقالوا: نشهد أنك نبيّ، قال: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي؟ قالوا: إن داود دعا أن لا يزال من ذرّيته نبيّ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود" .
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن صفوان بن عسَّال، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه.
وأما قوله (فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ) فإن عامّة قرّاء الإسلام على قراءته على وجه الأمر بمعنى: فاسأل يا محمد بني إسرائيل إذ جاءهم موسى.
ورُوي عن الحسن البصري في تأويله ما حدثني به الحارث، قال: ثنا
القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن إسماعيل، عن الحسن (فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) قال: سؤالك إياهم: نظرك في القرآن.
ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: "فسأل" بمعنى: فسأل موسى فرعون بني إسرائيل أن يرسلهم معه على وجه الخبر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن حنظلة السَّدوسيّ، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، أنه قرأ: "فَسأَلَ بَنِي إسْرَائِيلَ إذْ جاءهم" يعني أن موسى سأل فرعونَ بني إسرائيل أن يرسلهم معه.
والقراءة التي لا أستجيز أن يُقرأ بغيرها، هي القراءة التي عليها قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء على تصويبها، ورغبتهم عما خالفها.
وقوله (فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا) يقول: فقال لموسى فرعون: إني لأظنك يا موسى تتعاطى علم السحر، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك، وقد يجوز أن يكون مرادا به إني لأظنك يا موسى ساحرا، فوضع مفعول موضع فاعل، كما قيل: إنك مشئوم علينا وميمون، وإنما هو شائم ويامن، وقد تأوّل بعضهم حجابا مستورا، بمعنى: حجابا ساترا، والعرب قد تخرج فاعلا بلفظ مفعول كثيرا.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) }
اختلفت القرّاء في قراءة قوله (لَقَدْ عَلِمْتَ) فقرأ عامة قرّاء الأمصار ذلك (لَقَدْ عَلِمْتَ) بفتح التاء، على وجه الخطاب من موسى لفرعون، ورُوي عن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه في ذلك، أنه قرأ "لَقَدْ عَلِمْتُ" بضمّ التاء، على وجه الخبر من موسى عن نفسه، ومن قرأ ذلك على هذه القراءة، فإنه ينبغي
أن يكون على مذهبه تأويل قوله (إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا) إني لأظنك قد سُحِرت، فترى أنك تتكلم بصواب وليس بصواب، وهذا وجه من التأويل، غير أن القراءة التي عليها قرّاء الأمصار خلافها، وغير جائز عندنا خلاف الحجة فيما جاءت به من القراءة مجمعة عليه.
وبعد، فإن الله تعالى ذكره قد أخبر عن فرعون وقومه أنهم جحدوا ما جاءهم به موسى من الآيات التسع، مع علمهم بأنها من عند الله بقوله (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) فأخبر جلّ ثناؤه أنهم قالوا: هي سحر، مع علمهم واستيقان أنفسهم بأنها من عند الله، فكذلك قوله (لَقَدْ عَلِمْتَ) إنما هو خبر من موسى لفرعون بأنه عالم بأنها آيات من عند الله، وقد ذُكر عن ابن عباس أنه احتجّ في ذلك بمثل الذي ذكرنا من الحجة.
قال: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا فرعون بالنصب (مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) ، ثم تلا (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) . فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: قال موسى لفرعون: لقد علمت يا فرعون ما أنزل هؤلاء الآيات التسع البينات التي أريتكها حجة لي على حقيقة ما أدعوك إليه، وشاهدة لي على صدق وصحة قولي، إني لله رسول، ما بعثني إليك إلا ربّ السماوات والأرض، لأن ذلك لا يقدر عليه، ولا على أمثاله أحد سواه، بصائر: يعني بالبصائر: الآيات، أنهنّ بصائر لمن استبصر بهنّ، وهدى لمن اهتدى بهنّ، يعرف بهنّ من رآهنّ أن من جاء بهنّ فمحقّ، وأنهنّ من عند الله لا من عند غيره، إذ كنّ معجزات لا يقدر عليهنّ، ولا على شيء منهنّ سوى ربّ السموات والأرض، وهو جمع بصيرة.
وقوله (وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) يقول: إني لأظنك يا فرعون ملعونا ممنوعا من الخير، والعرب تقول: ما ثبرك عن هذا الأمر: أي ما منعك
منه، وما صدّك عنه؟ وثبره الله فهو يُثْبره ويَثبُره لغتان، ورجل مثبور: محبوس عن الخيرات هالك، ومنه قول الشاعر:
إذْ أُجارِي الشَّيطانَ في سَننِ الغَيّ ... وَمنْ مالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ (1)
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الله بن عبد الله الكلابي، قال: ثنا أبو خالد الأحمر، قال: ثنا عمر بن عبد الله، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله (وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) قال ملعونا.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا عمر بن عبد الله الثقفي، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) يقول: ملعونا.
وقال آخرون: بل معناه: إني لأظنك يا فرعون مغلوبا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) يعني: مغلوبا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) يقول: مغلوبا.
(1) البيت لعبد الله بن الزبعرى من مقطوعة أربعة أبيات، قالها حين جاء إلى النبي مسلما معتذرا عما فرط منه من هجائه، بتحريض قريش على ذلك (انظر سيرة ابن هشام طبعة مصطفى الحلبي وأولاده، بتحقيق مصطفى السقا والإبياري وشلبي، الطبعة الثانية القسم الثاني ص 419) والبيتان الأولان منها: يا رَسُولَ المَلِيكِ إنَّ لساني ... رَاتِقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ
إذْ أُبارِي الشَّيْطَانَ فِي سَننِ الْغَيِّ ... وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ
والراتق: الذي يسد الخرق. تقول: ارتقت الشيء: إذا أصلحته وسددته. وفتقت: يعني في الدين، فكل إثم فتق وتمزيق، وكل توبة رتق. ومن أجل ذلك قيل التوبة نصوح، من نصحت الثوب: إذا خطته والنصاح: الخيط. وبور: هالك. يقال: رجل بور وبائر، وقوم بور. وأباري: أجاري وأعارض، وهي رواية في البيت. والسنن بالتحريك: وسط الطريق. ومثبور هالك. وهنا محل الشاهد عند المؤلف. قال: ثبره الله يثبره ويثبره: (كنصر وضرب) لغتان. ورجل مثبور: محبوس عن الخير هالك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|