
21-07-2025, 12:51 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإسراء
الحلقة (965)
صــ 491 إلى صــ 500
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا يذكر، عن مجاهد، في قوله: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) قال: اللعب واللهو.
وقال آخرون: عنى به (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) بدعائك إياه إلى طاعتك ومعصية الله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) قال: صوته كلّ داع دعا إلى معصية الله.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) قال: بدعائك.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الله تبارك وتعالى قال لإبليس: واستفزز من ذرّية آدم من استطعت أن تستفزّه بصوتك، ولم يخصص من ذلك صوتا دون صوت، فكل صوت كان دعاء إليه وإلى عمله وطاعته، وخلافا للدعاء إلى طاعة الله، فهو داخل في معنى صوته الذي قال الله تبارك وتعالى اسمه له (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) .
وقوله (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) يقول: وأجمع عليهم من ركبان جندك ومشاتهم من يجلب عليها بالدعاء إلى طاعتك، والصرف عن طاعتي، يقال منه: أجلب فلان على فلان إجلابا: إذا صاح عليه. والجَلَبة: الصوت، وربما قيل: ما هذا الجَلَب، كما يقال: الغَلَب، والشَّفَقَة والشَّفَق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا يذكر عن مجاهد، في قوله (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) قال: كلّ راكب وماش في معاصي الله تعالى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) قال: إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس، وهم الذين يطيعونه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) قال الرجال: المشاة.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) قال: خيله: كل راكب في معصية الله؛ ورجله: كل راجل في معصية الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) قال: ما كان من راكب يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس، وما كان من راجل في معصية الله فهو من رجال إبليس، والرجْل: جمع راجل، كما التجْر: جمع تاجر، والصَّحْب: جمع صاحب.
وأما قوله (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ) في الأموال والأولادفإن أهل التأويل اختلفوا في المشاركة التي عنيت بقوله (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ) فقال بعضهم: هو أمره إياهم بإنفاق أموالهم في غير طاعة الله واكتسابهموها من غير حلها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا يذكر عن مجاهد (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ) التي أصابوها من غير حلها.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ) قال: ما أكل من مال بغير طاعة الله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء بن أبي رَباح، قال: الشرك في أموال الربا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ) قال: قد والله شاركهم في أموالهم، وأعطاهم الله أموالا فأنفقوها في طاعة الشيطان في غير حقّ الله تبارك اسمه، وهو قول قتادة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد، عن معمر، قال: قال الحسن (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ) مرهم أن يكسبوها من خبيث، وينفقوها في حرام.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ) قال: كل مال في معصيه الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأولادِ) قال: مشاركته إياهم في الأموال والأولاد، ما زَيَّن لهم فيها من معاصي الله حتى ركبوها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ) كلّ ما أنفقوا في غير حقه.
وقال آخرون: بل عُنِي بذلك كلّ ما كان من تحريم المشركين ما كانوا يحرّمون من الأنعام كالبحائر والسوائب ونحو ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: الأموال: ما كانوا يحرِّمون من أنعامهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عيسى، عن عمران بن سليمان. عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: مشاركته في الأموال أن جعلوا البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ) فإنه قد فعل ذلك، أما في الأموال، فأمرهم أن يجعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاما.
قال أبو جعفر: الصواب: حاميا.
وقال آخرون: بل عُنِي به ما كان المشركون يذبحونه لآلهتهم.
* ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) يعني ما كانوا يذبحون لآلهتهم.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك كلّ مال عصى الله فيه بإنفاق في حرام أو اكتساب من حرام، أو ذبح للآلهة، أو تسييب، أو بحر للشيطان، وغير ذلك مما كان معصيا به أو فيه، وذلك أن الله قال (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ) فكلّ ما أطيع الشيطان فيه من مال وعصى الله فيه، فقد شارك فاعل ذلك فيه إبليس، فلا وجه لخصوص بعض ذلك دون بعض.
وقوله (والأوْلاد) اختلف أهل التأويل في صفة شركته بني آدم في أولادهم، فقال بعضهم: شركته إياهم فيهم بزناهم بأمهاتهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمى، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: أولاد الزنا.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا يذكر عن مجاهد (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: أولاد الزنا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: أولاد الزنا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: أولاد الزنا.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: أولاد الزنا، يعني بذلك أهل الشرك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: الأولاد: أولاد الزنا.
وقال آخرون: عنى بذلك: وأْدُهم أولادَهم وقتلهموهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فيهم الحرام.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: صبغهم إياهم في الكفر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: قد والله شاركهم في أموالهم وأولادهم، فمجسوا وهوّدوا ونصروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءا للشيطان.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: قد فعل ذلك، أما في الأولاد فانهم هوّدوهم ونصَّروهم ومجّسوهم.
وقال آخرون: بل عنى بذلك تسميتهم أولادهم عبد الحرث وعبد شمس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني عيسى بن يونس، عن عمران بن سليمان، عن أبي صالح عن ابن عباس (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) قال: مشاركته إياهم في الأولاد، سموا عبد الحرث وعبد شمس وعبد فلان.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: كل ولد ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بالزنا بأمه، أو قتله ووأده، أو غير ذلك من الأمور التي يخصص بقوله (وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ) معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى، فكلّ ما عصى الله فيه أو به، وأطيع به الشيطان أو فيه، فهو مشاركة من عصى الله فيه أو به إبليس فيه.
وقوله (وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) يقول تعالى ذكره لإبليس: وعد أتباعك من ذرّية آدم، النصرة على من أرادهم بسوء، يقول الله (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا) لأنه لا يغني عنهم من عقاب الله إذا نزل بهم شيئا، فهم من عداته في باطل وخديعة، كما قال لهم عدو الله حين حصحص الحق (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا (65) }
يقول تعالى ذكره لإبليس: إن عبادي الذين أطاعوني، فاتبعوا أمري وعصوك يا إبليس، ليس لك عليهم حجة.
وقوله (وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا) يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: وكفاك يا محمد ربك حفيظا، وقيما بأمرك، فانقد لأمره، وبلغ رسالاته هؤلاء المشركين، ولا تخف أحدا، فإنه قد توكل بحفظك ونصرتك.
كما حدثنا بشر، قال ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا) وعباده المؤمنون، وقال الله في آية أخرى (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) }
يقول تعالى ذكره للمشركين به: ربكم أيها القوم هو الذي يسير لكم السفن في البحر، فيحملكم فيها (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) لتوصلوا بالركوب فيها إلى أماكن تجاراتكم ومطالبكم ومعايشكم، وتلتمسون من رزقه (إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) يقول: إن الله كان بكم رحيما حين أجرى لكم الفلك في البحر، تسهيلا منه بذلك عليكم التصرّف في طلب فضله في البلاد النائية التي لولا تسهيله ذلك لكم لصعب عليكم الوصول إليها.
وبنحو ما قلنا في قوله (يُزْجِى لَكُمْ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني
معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ) يقول: يجري الفلك.
حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ) قال: يسيرها في البحر.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ) قال: يجري.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ) قال: يجريها.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا (67) }
يقول تعالى ذكره: وإذا نالتكم الشدّة والجهد في البحر ضلّ من تدعون: يقول: فقدتّم من تدعون من دون الله من الأنداد والآلهة، وجار عن طريقكم فلم يغثكم، ولم تجدوا غير الله مغيثا يغيثكم دعوتموه، فلما دعوتموه وأغاثكم، وأجاب دعاءكم ونجاكم من هول ما كنتم فيه في البحر، أعرضتم عما دعاكم إليه ربكم من خلع الأنداد، والبراءة من الآلهة، وإفراده بالألوهة كفرا منكم بنعمته (وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا) يقول: وكان الإنسان ذا جحد لنعم ربه.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا (68) }
يقول تعالى ذكره (أَفَأَمِنْتُمْ) أيها الناس من ربكم، وقد كفرتم نعمته بتنجيته إياكم من هول ما كنتم فيه في البحر، وعظيم ما كنتم قد أشرفتم عليه من الهلاك، فلما نجاكم وصرتم إلى البرّ كفرتم، وأشركتم في عبادته غيره (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ) يعني ناحية البر (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) يقول: أو يمطركم حجارة من السماء تقتلكم، كما فعل بقوم لوط (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا) يقول: ثم لا تجدوا لكم ما يقوم بالمدافعة عنكم من عذابه وما يمنعكم منه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) يقول: حجارة من السماء (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا) أي منعة ولا ناصرا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) قال: مطر الحجارة إذا خرجتم من البحر.
وكان بعض أهل العربية يوجه تأويل قوله (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) إلى: أو يرسل عليكم ريحا عاصفا تحصب، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر:
مُسْتَقْبِلِينَ شَمالَ الشَّامِ تَضْرِبُنَا ... بِحاصِبٍ كنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ (1)
وأصل الحاصب: الريح تحصب بالحصباء؛ الأرض فيها الرمل والحصى الصغار. يقال في الكلام: حصب فلان فلانا: إذا رماه بالحصباء، وإنما
(1) البيت للفرزدق من قصيدة يمدح بها يزيد بن عبد الملك، ويهجو يزيد بن المهلب، (ديوانه طبعة الصاوي 262-267) . استشهد به المؤلف على أن الحاصب: الريح التي تحمل الحصباء وهي صغار الحصى، والبيت شاهد على أن الحاصب مطر الحجارة، وأن أصل الحاصب الريح تحصب بالحصباء، والحصباء الأرض فيها الرمل والحصى الصغار، كما أوضحه المؤلف.
وُصفت الريح بأنها تحصب لرميها الناس بذلك، كما قال الأخطل:
ولَقَدْ عَلمْتُ إذَا العِشارُ تَرَوَّحَتْ ... هدْجَ الرّئالِ تَكبُّهُنَّ شَمالا ... تَرْمي العضَاهُ بِحاصِبٍ مِنْ ثَلْجها ... حتى يَبِيتُ عَلى العِضَاهِ جِفالا (1)
القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69) }
يقول تعالى ذكره: أم أمنتم أيها القوم من ربكم، وقد كفرتم به بعد إنعامه عليكم، النعمة التي قد علمتم أن يعيدكم في البحر تارة أخرى: يقول: مرّة أخرى، والهاء التي في قوله "فيه" من ذكر البحر.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى) : أي في البحر مرّة أخرى (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ) وهي التي تقصف ما مرّت به فتحطمه وتدقه، من قولهم: قصف فلان ظهر فلان: إذا كسره (فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ) يقول: فيغرقكم الله بهذه الريح القاصف بما كفرتم، يقول: بكفركم به (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) يقول: ثم لا تجدوا لكم علينا تابعا يتبعنا بما فعلنا بكم، ولا ثائرا يثأرنا بإهلاكنا إياكم، وقيل: تبيعا في موضع التابع، كما قيل: عليم في موضع عالم. والعرب تقول لكل طالب بدم أو دين
(1) البيتان للأخطل (ديوانه طبع بيروت سنة 1891) من قصيدة يهجوا بها جريرا، ويفتخر على قيس. والعشار: جمع عشراء من الإبل، وهي التي قد أتى عليها عشرة أشهر وهي حامل. وتروحت: أي ذهبت في الرواح وهو المشي إلى حظائرها. والرئال: جمع رأل، وهو ولد النعامة. والهدج: عدو متقارب. وتكبهن: تسقطهن، يريد تكبهن الريح وهي هابة شمالا. والحاصب: ما تناثر من دقاق الثلج. والضمير في ترمي: راجع إلى ريح الشمال. والعضاه: كل شجر له شوك، أو كل شجرة واسعة الظل، كثيرة الأفنان، واحدته: عضة. والجفال: ما تراكم من الثلج وتراكب. وهذا الشاهد في معنى الذي قبله.
أو غيره: تبيع. ومنه قول الشاعر:
عَدَوْا وَعَدَتْ غزلانهم فَكأنَّهَا ... ضَوَامنُ غُرمٍ لَزّهُنَّ تَبِيعُ (1)
وبنحو الذي قلنا في القاصف والتبيع، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ) يقول: عاصفا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: قاصفا التي تُغْرق.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) يقول نصيرا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال محمد: ثائرا، وقال الحرث: نصيرا ثائرا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) قال: ثائرا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) أي لا نخاف أن نتبع بشيء من ذلك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) يقول: لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك، والتارة: جمعه تارات وتير، وأفعلت منه: أترت.
(1) البيت: شاهد على أن معنى التبيع في الآية: كل طالب بدم أو دين أو غيره. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (1: 385) أي من يتبعنا لكم تبيعة، ولا طالبا لنا بها. وفي (اللسان: تبع) : والتبيع التابع، وقول القرآن "ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا" : قال الفراء: أي ثائرا ولا طالبا بالثأر، لإغراقنا إياكم. وقال الزجاج: معناه: لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم، ولا من يتبعنا بأن يصرفه عنكم. وقيل: تبيعا: مطالبا. ومنه قوله تعالى: "فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" يقول: على صاحب الدم اتباع بالمعروف، أي المطالبة بالدية، وعلى المطالب أداء إليه بإحسان.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|