عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-07-2025, 01:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الإسراء
الحلقة (962)
صــ 461 إلى صــ 470



فإنْ تَسْأَلِينَا فِيم نَحْنُ فإنَّنَا ... عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الأنامِ المُسَحَّر (1)
وقال آخرون:
ونُسحَر بالطعام وبالشراب (2)
أي نغذّى بهما، فكأن معناه عنده كان: إن تتبعون إلا رجلا له رئة، يأكل الطعام، ويشرب الشراب، لا مَلَكا لا حاجة به إلى الطعام والشراب، والذي قال من ذلك غير بعيد من الصواب.
القول في تأويل قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا (48) }
(1)
البيت في (ديوان لبيد، رواية الطوسي، طبع فينا سنة 1880 ص 81) وفي شرحه: عصافير: صغار ضعاف. أي نحن أولاد قوم قد ذهبوا ومسحر معلل بالطعام والشراب. وقوله: "إنما أنت من المسحرين" : من هذا. واستشهد به المؤلف على هذا قال: والمسحر: من قولهم للرجل إذا جبن: قد انتفخ سحره. وكذلك يقال لكل ما أكل وشرب من آدمي وغيره: مسحور ومسحر كما قال لبيد: "فإن تسألينا ..." البيت. و (في اللسان: سحر) : وقول لبيد: " فإن تسألينا ... إلخ البيت، يكون على الوجهين، وقوله تعالى: "إنما أنت من المسحرين" يكون من التغذية والخديعة."

(2)
هذا عجز بيت من قول امرئ القيس بن حجر الكندي: أرَانا مُوضِعِينَ لأَمْرِ غَيْبٍ ... ونُسْحَرُ بالطَّعامِ وبالشَّرَابِ

عَصَافِيرٌ وذِبَّانٌ ودُودٌ ... وأجْرأ مِنْ مُجَلِّحَةِ الّذئابِ
قال صاحب اللسان بعد أن أورد البيتين: (سحر) أي نغذى أو نخدع. قال ابن امرئ بري: وقوله: "موضعين" معناه: مسرعين. وقوله "لأمر غيب" : يريد الموت، وأنه قد غيب عنا وقته، ونحن نلهى عنه بالطعام والشراب. والسحر: الخديعة. وفي "مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 79 في شرح البيت الأول من البيتين: موضعين: مسرعين. لأمر غيب: يريد الموت أو المستقبل المجهول. ويروى: لحتم غيب. ونسحر: نلهى، أو نغذى. يقول: أرانا في هذه الدنيا مسرعين للموت الذي غيب عنا وقته، أو لمستقبل مجهول، لا ندري من أمره شيئا، ونحن نعلل عنه بالطعام وبالشراب. يريد: كيف يستلذ الطعام والشراب من هو جاد إلى شرب كأس المنية. وفي شرح البيت الثاني: العصافير: ضعاف الطير؛ والمجلح: الجريء، والأنثى مجلحة. يقول: نحن أشبه بالعصافير والذباب والدود في ضعفنا، ولكننا أجرأ على الشر، وارتكاب الآثام من الذئاب الضارية."
يقول تعالى ذكره: انظر يا محمد بعين قلبك فاعتبر كيف مثَّلوا لك الأمثال، وشبهوا لك الأشباه، بقولهم: هو مسحور، وهو شاعر، وهو مجنون (فضلوا) يقول: فجاروا عن قصد السبيل بقيلهم ما قالوا (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا) يقول: فلا يهتدون لطريق الحقّ لضلالهم عنه وبُعدهم منه، وأن الله قد خذلهم عن إصابته، فهم لا يقدرون على المَخْرَج مما هم فيه من كفرهم بتوفُّقهم إلى الإيمان به.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا) قال: مخرجا، الوليد بن المغيرة وأصحابه أيضا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا) مخرجا، الوليد بن المغيرة وأصحابه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) }
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة من مشركي قريش، وقالوا بعنتهم: (أئِذَا كُنَّا عِظاما) لم نتحطم ولم نتكسَّر بعد مماتنا وبلانا (وَرُفاتا) يعني ترابا في قبورنا.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، يقول الله (رُفاتا) قال: ترابا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا) يقول: غُبارا، ولا واحد
للرُّفات، وهو بمنزلة الدُّقاق والحُطَام، يقال منه: رُفت يُرْفت رَفْتا فهو مرفوت: إذا صُير كالحُطام والرُّضاض.
وقوله (أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) قالوا، إنكارا منهم للبعث بعد الموت: إنا لمبعوثون بعد مصيرنا في القبور عظاما غير منحطمة، ورفاتا منحطمة، وقد بَلِينا فصرنا فيها ترابا، خلقا مُنْشَأ كما كنا قبل الممات جديدا، نعاد كما بدئنا، فأجابهم جلّ جلاله يعرّفهم قُدرته على بعثه إياهم بعد مماتهم، وإنشائه لهم كما كانوا قبل بِلاهم خلقا جديدا، على أيّ حال كانوا من الأحوال، عظاما أو رُفاتا، أو حجارة أو حديدا، أو غير ذلك مما يعظُم عندهم أن يحدث مثله خَلْقا أمثالَهم أحياء، قل يا محمد كونوا حجارة أو حديدا، أو خلقا مما يكبر في صدوركم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للمكذّبين بالبعث بعد الممات من قومك القائلين (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) كونوا إن عجبتم من إنشاء الله إياكم، وإعادته أجسامكم، خلقا جديدا بعد بِلاكم في التراب، ومصيركم رُفاتا، وأنكرتم ذلك من قُدرته حجارة أو حديدا، أو خلقا مما يكبر في صدوركم إن قدرتم على ذلك، فإني أحييكم وأبعثكم خلقا جديدا بعد مصيركم كذلك كما بدأتكم أوّل مرّة.
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) فقال بعضهم: عُنِي به الموت، وأريد به: أو كونوا الموت، فإنكم إن كنتموه أمتُّكم ثم بعثتكم بعد ذلك يوم البعث.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية، عن ابن عمر (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قال: الموت، قال: لو كنتم موتى لأحييتكم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) يعني الموت، يقول: إن كنتم الموت أحييتكم.
حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو مالك الجنبي، قال: ثنا ابن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قال: الموت.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا سليمان أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قال: الموت.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال سعيد بن جبير، في قوله (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) كونوا الموت إن استطعتم، فإن الموت سيموت؛ قال: وليس شيء أكبر في نفس ابن آدم من الموت.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: بلغني، عن سعيد بن جبير، قال: هو الموت.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح حتى يُجعل بين الجنة والنار، فينادي مناد يُسمع أهلَ الجنة وأهل النار، فيقول: هذا الموت قد جئنا به ونحن مهلكوه، فايقنوا يا أهل الجنة وأهل النار أن الموت قد هلك" .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) يعني الموت، يقول: لو كنتم الموت لأمتكم.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إن الله يجيء بالموت يوم القيامة، وقد صار أهل الجنة وأهل النار إلى منازلهم، كأنه كبش أملح، فيقف بين الجنة والنار، فينادي أهل الجنة وأهل النار هذا الموت، ونحن ذابحوه، فأيقنوا بالخلود.
وقال آخرون: عنى بذلك السماء والأرض والجبال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قال: السماء والأرض والجبال.
وقال آخرون: بل أريد بذلك: كونوا ما شئتم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قال: ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قال: من خلق الله، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم يوم القيامة خلقا جديدا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره قال (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) ، وجائز أن يكون عنى به الموت، لأنه عظيم في صدور بني آدم؛ وجائز أن يكون أراد به السماء والأرض؛ وجائز أن يكون أراد به غير ذلك، ولا بيان في ذلك أبين مما بين جلّ ثناؤه، وهو كلّ ما كبر في صدور بني آدم من خلقه، لأنه لم يخصص منه شيئا دون شيء.
وأما قوله (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا) فإنه يقول: فسيقول لك يا محمد هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة (مَنْ يُعِيدُنا) خلقا جديدا، إن كنا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدورنا، فقل لهم: يعيدكم (الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يقول:
يعيدكم كما كنتم قبل أن تصيروا حجارة أو حديدا إنسا أحياء، الذي خلقكم إنسا من غير شيء أوّل مرّة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي خلقكم (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ) يقول: فإنك إذا قلت لهم ذلك، فسيهزُّون إليك رءوسهم برفع وخفض، وكذلك النَّغْض في كلام العرب، إنما هو حركة بارتفاع ثم انخفاض، أو انخفاض ثم ارتفاع، ولذلك سمي الظليم نَغْضا، لأنه إذا عجل المشي ارتفع وانخفض، وحرّك رأسه، كما قال الشاعر.
أسكّ نغْضًا لا يَنِي مُسْتَهْدِجا (1)
ويقال: نَغَضَت سنه: إذا تحرّكت وارتفعت من أصلها؛ ومنه قول الراجز:
ونَغَضَتْ مِنْ هَرِمٍ أسْنانُها (2)
وقول الآخر:
لمَّا رأتْنِي أنْغَضَتْ ليَ الرأسا (3)
(1)
هذا بيت من مشطور الرجز للعجاج (ديوانه طبع ليبسج سنة 1903 ص 7) وهو السابع من أرجوزة مطولة. وفيه: "أصك" بالصاد، في موضع "أسك" بالسين. والأسك: صفة من السكك، وهو الصمم. وقيل: صغر الأذن ولزوقها بالرأس، وقلة إشرافها. وقيل: قصرها ولصوقها بالحششاء، يكون ذلك في الآدميين وغيرهم. قال: والنعام كلها سك وكذلك القطا. وأصل السكك الصمم. اهـ. اللسان. وفي (اللسان: صكك) : الأصك والمصك: القوي الجسيم الشديد الخلق من الناس والإبل والحمير. وفي (نغض) : نغض الشيء نغضا: تحرك واضطرب، وأنغض هو: حركة اهـ. ولا يني: أي لا يفتر. وفيه أيضا (هدج) أورد البيت كرواية الديوان. قال: وهدج الظليم يهدج هدجانا واستهدج، وهو مشى وسعى وعدو، كل ذلك إذا كان في ارتعاش. قال العجاج يصف الظليم: "أصك.. إلخ" . ويروى مستهدجا (بكسر الدال) أي عجلان. وقال ابن الأعرابي: أي مستعجلا، أي أفزع فر. والبيت شاهد على أن "النغض" في كلام العرب حركة بارتفاع ثم انخفاض أو بالعكس.

(2)
البيت من مشطور الرجز، وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن 1: 382) وعنه أخذه المؤلف. قال أبو عبيدة: "فسينغضون إليك رءوسهم" : مجازه: فسيرفعون ويحركون استهزاء منهم. ويقال: قد نغضت سن فلان: إذا تحركت وارتفعت من أصلها. قال: ونغضت من هرم أسنانها

(3)
وهذا البيت أيضا شاهد بمعنى الذي قبله، وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (1: 382) جاء بعد الأول على أن أنغض الرأس بمعنى حركه ورفعه استهزاء بمن هو أمامه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ) أي يحرّكون رءوسهم تكذيبا واستهزاء.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ) قال: يحرّكون رءوسهم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ) يقول: سيحركونَها إليك استهزاء.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عباس (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ) قال: يحرّكون رءوسهم يستهزءون ويقولون متى هو.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ) يقول: يهزءون.
وقوله (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) يقول جلّ ثناؤه: ويقولون متى البعث، وفي أيّ حال ووقت يعيدنا خلقا جديدا، كما كنا أوّل مرّة، قال الله عزّ وجلّ لنبيه: قل لهم يا محمد إذ قالوا لك: متى هو، متى هذا البعث الذي تعدنا، عسى أن يكون قريبا؟ وإنما معناه: هو قريب، لأن عسى من الله واجب، ولذلك
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ أنا والسَّاعَةُ كَهاتَيْن، وأشار بالسَّبابة والوُسطَى" ، لأن الله تعالى كان قد أعلمه أنه قريب مجيب.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) }
يقول تعالى ذكره: قل عسى أن يكون بعثكم أيها المشركون قريبا، ذلك يوم يدعوكم ربكم بالخروج من قبوركم إلى موقف القيامة، فتستجيبون بحمده.
اختلف أهل التأويل في معنى قوله (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِه) فقال بعضهم: فتستجيبون بأمره.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثني عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) يقول: بأمره.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) قال: بأمره.
وقال آخرون: معنى ذلك: فتستجيبون بمعرفته وطاعته.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) : أي بمعرفته وطاعته.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معناه: فتستجيبون لله من قبوركم بقدرته، ودعائه إياكم، ولله الحمد في كلّ حال، كما يقول القائل: فعلت ذلك الفعل بحمد الله، يعني: لله الحمد على كلّ ما فعلته، وكما قال الشاعر:
فإنّي بِحَمْد الله لا ثَوْبَ فاجِرٍ ... لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ (1)
بمعنى: فإني والحمد لله لا ثوب فاجر لبست.
وقوله (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا) يقول: وتحسبون عند موافاتكم القيامة من هول ما تعاينون فيها ما لبثتم في الأرض إلا قليلا كما قال جلّ ثناؤه (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا) : أي في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم وقلَّت، حين عاينوا يوم القيامة.
وقوله (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم:
وقل يا محمد لعبادي يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة.
كما حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر، قال: أخبرنا المبارك، عن الحسن في هذه الآية (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال: التي هي أحسن، لا يقول له مثل قوله يقول له: يرحمك الله يغفر الله لك.
وقوله (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ) يقول: إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضا ينزغ بينهم، يقول: يفسد بينهم، يهيج بينهم الشر (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) يقول: إن الشيطان كان لآدم وذرّيته عدوّا، قد أبان لهم عداوته بما أظهر لآدم من الحسد، وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا (54) }
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش الذين قالوا (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) - (رَبُّكُمْ) أيها القوم (أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) فيتوب عليكم برحمته، حتى تنيبوا عما أنتم عليه من الكفر به وباليوم الآخر (إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) بأن يخذلكم عن الإيمان، فتموتوا على شرككم، فيعذّبكم يوم القيامة بكفركم به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن عبد الملك بن جريج قوله (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) قال:
(1)
البيت شاهد على أن قوله "بحمد الله" في معنى "والحمد لله" . واستشهد به القرطبي في (10: 276) ولم ينسبه إلى قائل معروف.

فتؤمنوا (أو إنْ يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ) فتموتوا على الشرك كما أنتم.
وقوله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا) يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك يا محمد على من أرسلناك إليه لتدعوه إلى طاعتنا ربا ولا رقيبا، إنما أرسلناك إليهم لتبلغهم رسالاتنا، وبأيدينا صرفهم وتدبيرهم، فإن شئنا رحمناهم، وإن شئنا عذّبناهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (55) }
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: وربك يا محمد أعلم بمن في السماوات والأرض وما يصلحهم فإنه هو خالقهم ورازقهم ومدبرهم، وهو أعلم بمن هو أهل للتوبة والرحمة، ومن هو أهل للعذاب، أهدى للحقّ من سبق له مني الرحمة والسعادة، وأُضلّ من سبق له مني الشقاء والخذلان، يقول: فلا يكبرنّ ذلك عليك، فإن ذلك من فعلي بهم لتفضيلي بعض النبيين على بعض، بإرسال بعضهم إلى بعض الخلق، وبعضهم إلى الجميع، ورفعي بعضهم على بعض درجات.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) اتخذ الله إبراهيم خليلا وكلَّم موسى تكليما، وجعل الله عيسى كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له كن فيكون، وهو عبد الله ورسوله، من كلمة الله وروحه، وآتى سليمان مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داود زبورا، كنا نحدّث دعاء عُلِّمه داود، تحميد وتمجيد، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وغفر لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخَّر.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ) قال: كلم الله موسى، وأرسل محمدا إلى الناس كافَّة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]