عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 20-07-2025, 03:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النحل
الحلقة (935)
صــ 191 إلى صــ 200





حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي ذنوبهم وذنوب الذين يضلونهم بغير علم، (أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يقول: يحملون ذنوبهم، وذلك مثل قوله (وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) يقول: يحملون مع ذنوبهم الذين يُضِلُّونهم بغير علم.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) قال: قال: النبيّ صلى الله عليه وسلم "أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ فَاتُّبِعَ، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ من غَيْرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ، وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ فَلَهُ مِثْلَ أُجُورِهِمْ من غَيْرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ" .
حدثني المثنى، قال: أخبرنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن رجل، قال: قال زيد بن أسلم: "أنه بلغه أنه يتمثل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله وجها وأنتنه ريحًا، فيجلس إلى جنبه، كلما أفزعه شيء زاده فزعا وكلما تخوّف شيئا زاده خوفا، فيقول: بئس الصاحب أنت، ومن أنت؟ فيقول: وما تعرفني؟ فيقول: لا فيقول: أنا عملك كان قبيحا، فلذلك تراني قبيحا، وكان منتنا فلذلك تراني منتنا، طأطئ إلىّ أركبك فطالما ركبتني في الدنيا، فيركبه، وهو قوله (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) "
القول في تأويل قوله تعالى:
{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) }
يقول تعالى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء المشركين الذين يصدّون عن سبيل الله، من أراد اتباع دين الله، فراموا مغالبة الله ببناء بَنَوه، يريدون بزعمهم الارتفاع إلى السماء لحرب من فيها، وكان الذي رام ذلك فيما ذُكر لنا جبار من جبابرة النَّبَط، فقال بعضهم: هو نمرود بن كنعان، وقال بعضهم: هو بختنصر، وقد ذكرت بعض أخبارهما في سورة إبراهيم. وقيل: إن الذي ذُكر في هذا الموضع هو الذي ذكره الله في سورة إبراهيم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: أمر الذي حاجّ إبراهيم في ربه بإبراهيم فأُخْرِج، يعني من مدينته، قال: فلقي لوطا على باب المدينة وهو ابن أخيه، فدعاه فآمن به، وقال: إني مهاجر إلى ربي، وحلف نمرود أن يطلب إله إبراهيم، فأخذ أربعة أفراخ من فِراخ النسور، فرباهنّ باللحم والخبز حتى كبرن وغلظن واستعلجن، فربطهنّ في تابوت، وقعد في ذلك التابوت ثم رفع لهنّ رجلا من لحم، فطرن، حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض، فرأى الجبال تدبّ كدبيب النمل، ثم رفع لهنّ اللحم، ثم نظر فرأى الأرض محيطا بها بحر كأنها فلكة في ماء، ثم رفع طويلا فوقع في ظلمة، فلم ير ما فوقه وما تحته، ففزع، فألقى اللحم، فاتبعته منقضَّات، فلما نظرت الجبال إليهنّ، وقد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهنّ، فزعت الجبال، وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن وذلك قول الله تعالى (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) وهي في قراءة ابن مسعود: "وَإنْ كَادَ مَكْرُهُمْ" . فكان طَيْرُورتهن به من بيت المقدس ووقوعهن به في جبل الدخان، فلما رأى أنه لا يطيق شيئا أخذ في بنيان الصرح، فبنى حتى إذا شيده إلى السماء ارتقى فوقه ينظر، يزعم إلى إله إبراهيم، فأحدث، ولم يكن يُحدث وأخذ الله بنيانه من القواعد (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يقول: من مأمنهم، وأخذهم من أساس الصرح، فتنقَّض بهم، فسقط، فتبلبلت ألسن
الناس يومئذ من الفزع، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، فلذلك سميت بابل، وإنما كان لسان الناس من قبل ذلك بالسريانية.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي. عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) قال: هو نمرود حين بنى الصرح.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم: إن أوّل جبار كان في الأرض نمرود، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره، فمكث أربع مئة سنة يُضرب رأسه بالمطارق، أرحم الناس به من جمع يديه، فضرب رأسه بهما، وكان جبارا أربع مئة سنة، فعذّبه الله أربع مئة سنة كمُلكه، ثم أماته الله، وهو الذي كان بنى صَرْحا إلى السماء، وهو الذي قال الله: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) . وأما قوله (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) فإن معناه: هدم الله بنيانهم من أصله، والقواعد: جمع قاعدة، وهي الأساس، وكان بعضهم يقول: هذا مثَل للاستئصال، وإنما معناه: إن الله استأصلهم، وقال: العرب تقول ذلك إذا استؤصل الشيء.
وقوله (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فخرّ عليهم السقف من فوقهم: أعالي بيوتهم من فوقهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) إي والله، لأتاها أمر الله من أصلها (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) والسقف: أعالي البيوت، فائتفكت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم (وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ)
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) قال: أتى الله بنيانهم من أصوله، فخرّ عليهم السقف.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) قال: مكر نمرود بن كنعان الذي حاجّ إبراهيم في ربه.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقال آخرون: عنى بقوله (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) أن العذاب أتاهم من السماء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) يقول: عذاب من السماء لمَّا رأوه استسلموا وذلوا.
وأولى القولين بتأويل الآية، قول من قال: معنى ذلك: تساقطت عليهم سقوف بيوتهم، إذ أتى أصولها وقواعدها أمر الله، فائتفكت بهم منازلهم لأن ذلك هو الكلام المعروف من قواعد البنيان، وخرّ السقف، وتوجيه معاني كلام الله إلى الأشهر الأعرف منها، أولى من توجيهها إلى غير ذلك ما وُجِد إليه سبيل (وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يقول تعالى ذكره: وأتى هؤلاء الذين مكروا من قَبْل مشركي قريش، عذاب الله من حيث لا يدرون أنه أتاهم منه.
القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) }
يقول تعالى ذكره: فعل الله بهؤلاء الذين مكروا الذين وصف الله جلّ ثناؤه أمرهم ما فعل بهم في الدنيا، من تعجيل العذاب لهم، والانتقام بكفرهم، وجحودهم وحدانيته، ثم هو مع ذلك يوم القيامة مخزيهم، فمذلهم بعذاب أليم،
وقائل لهم عند ورودهم عليه (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أصله: من شاققت فلانا فهو يشاقُّني، وذلك إذا فعل كلّ واحد منهما بصاحبه ما يشقّ عليه. يقول تعالى ذكره يوم القيامة تقريعا للمشركين بعبادتهم الأصنام: أين شركائي؟ يقول: أين الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركائي اليوم، ما لهم لا يحضرونكم، فيدفعوا عنكم ما أنا مُحلّ بكم من العذاب، فقد كنتم تعبدونهم في الدنيا، وتتولونهم، والوليّ ينصر وليه، وكانت مشاقتهم الله في أوثانهم مخالفتهم إياه في عبادتهم.
كما حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) يقول: تخالفوني.
وقوله (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) يعني: الذلة والهوان والسوء، يعني: عذاب الله على الكافرين.
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) }
يقول تعالى ذكره: قال الذين أوتوا العلم: إن الخزي اليوم والسوء على من كفر بالله فجحد وحدانيته (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) يقول: الذين تقبض أرواحهم الملائكة، (ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) يعني: وهم على كفرهم وشركهم بالله، وقيل: إنه عنى بذلك من قتل من قريش ببدر، وقد أخرج إليها كرها.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا يعقوب بن محمد الزهري، قال: ثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة، قال: كان ناس بمكة أقرّوا بالإسلام ولم يهاجروا، فأخرج بهم كرها إلى بدر، فقتل بعضهم، فأنزل الله فيهم (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)
وقوله (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) يقول: فاستسلموا لأمره، وانقادوا له حين عاينوا
الموت قد نزل بهم، (مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) وفي الكلام محذوف استغني بفهم سامعيه ما دلّ عليه الكلام عن ذكره وهو: قالوا ما كنا نعمل من سوء، يخبر عنهم بذلك أنهم كذّبوا وقالوا: ما كنا نعصي الله اعتصاما منهم بالباطل رجاء أن ينجوا بذلك، فكذّبهم الله فقال: بل كنتم تعملون السوء وتصدّون عن سبيل الله (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول: إن الله ذو علم بما كنتم تعملون في الدنيا من معاصيه، وتأتون فيها ما يسخطه.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) }
يقول تعالى ذكره، يقول لهؤلاء الظلمة أنفسهم حين يقولون لربهم: ما كنا نعمل من سوء: ادخلوا أبواب جهنم، يعني: طبقات جهنم (خَالِدِينَ فِيهَا) يعني: ماكثين فيها (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) يقول: فلبئس منزل من تكبر على الله ولم يقرّ بربوبيته، ويصدّق بوحدانيته جهنم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) }
يقول تعالى ذكره: وقيل للفريق الآخر، الذين هم أهل إيمان وتقوى لله (مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا) يقول: قالوا: أنزل خيرا. وكان بعض أهل العربية من الكوفيين يقول: إنما اختلف الأعراب في قوله (قَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ) وقوله (خَيْرًا) والمسألة قبل الجوابين كليهما واحدة، وهي قوله (مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ) لأن الكفار جحدوا التنزيل، فقالوا حين سمعوه: أساطير الأوّلين: أي هذا الذي جئت به أساطير الأوّلين، ولم ينزل الله منه شيئا، وأما المؤمنون فصدَّقوا التنزيل، فقالوا خيرا، بمعنى أنه أنزل خيرا، فانتصب بوقوع الفعل من الله على
الخير، فلهذا افترقا ثم ابتدأ الخبر فقال (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ) وقد بيَّنا القول في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
وقوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ) يقول تعالى ذكره: للذين آمنوا بالله في هذه الدنيا ورسوله، وأطاعوه فيها، ودعوا عباد الله إلى الإيمان والعمل بما أمر الله به،حسنة، يقول: كرامة من الله (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ) يقول: ولدار الآخرة خير لَهُمْ مِنْ دَارِ الدُّنْيا، وكرامة الله التي أعدّها لهم فيها أعظم من كرامته التي عجلها لهم في الدنيا (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) يقول: ولنعم دار الذين خافوا الله في الدنيا فاتقوا عقابه بأداء فرائضه وتجنب معاصيه دار الآخرة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ) وهؤلاء مؤمنون، فيقال لهم (مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ) فيقولون (خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ) : أي آمنوا بالله وأمروا بطاعة الله، وحثوا أهل طاعة الله على الخير ودعوهم إليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) }
يعني تعالى ذكره بقوله (جَنَّاتُ عَدْنٍ) بساتين للمقام، وقد بيَّنا اختلاف أهل التأويل في معنى عدن فيما مضى بما أغنى عن إعادته (يَدْخُلُونَها) يقول: يدخلون جنات عدن، وفي رفع جنات أوجه ثلاث: أحدها: أن يكون مرفوعا على الابتداء، والآخر: بالعائد من الذكر في قوله (يَدْخُلُونَها) والثالث: على أن يكون خبر النعم، فيكون المعنى إذا جعلت خبر النعم: ولنعم دار المتقين جنات عدن، ويكون (يَدْخُلُونَها) في موضع حال، كما يقال: نعم الدار دار تسكنها أنت، وقد يجوز أن يكون إذا كان الكلام بهذا التأويل يدخلونها، من صلة جنات عدن، وقوله (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) يقول: تجري من تحت
أشجارها الأنهار (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ) يقول: للذين أحسنوا في هذه الدنيا في جنات عدن ما يشاءون مما تشتهي أنفسهم، وتلذّ أعينهم (كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ) يقول: كما يجزي الله هؤلاء الذين أحسنوا في هذه الدنيا بما وصف لكم أيها الناس أنه جزاهم به في الدنيا والآخرة، كذلك يجزي الذين اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) }
يقول تعالى ذكره: كذلك يجزي الله المتقين الذين تَقْبِض أرواحَهم ملائكةُ الله، وهم طيبون بتطييب الله إياهم بنظافة الإيمان، وطهر الإسلام في حال حياتهم وحال مماتهم.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) قال: أحياء وأمواتا، قدر الله ذلك لهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
وقوله (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ) يعني جلّ ثناؤه أن الملائكة تقبض أرواح هؤلاء المتقين، وهي تقول لهم: سلام عليكم صيروا إلى الجنة بشارة من الله تبشرهم بها الملائكة.
كما حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، أنه سمع محمد بن كعب القُرَظيّ يقول: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك فقال: السلام عليك وليّ الله، الله يقرأ عليك السلام، ثم
نزع بهذه الآية (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) ... إلى آخر الآية.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراسانيّ، عن ابن عباس، قوله (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) قال: الملائكة يأتونه بالسلام من قِبَل الله، وتخبره أنه من أصحاب اليمين.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا الأشبُّ أبو عليّ، عن أبي رجاء، عن محمد بن مالك، عن البراء، قال: قوله (سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) قال: يسلم عليه عند الموت.
وقوله (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يقول: بما كنتم تصيبون في الدنيا أيام حياتكم فيها طاعة الله، طلب مرضاته.
القول في تأويل قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) }
يقول تعالى ذكره: هل ينتظر هؤلاء المشركون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم، أو يأتي أمر ربك بحشرهم لموقف القيامة (كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يقول جلّ ثناؤه: كما يفعل هؤلاء من انتظارهم ملائكة الله لقبض أرواحهم، أو إتيان أمر الله فعل أسلافهم من الكفرة بالله، لأن ذلك في كلّ مشرك بالله (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ) يقول جلّ ثناؤه: وما ظلمهم الله بإحلال سُخْطه، (وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بمعصيتهم ربهم وكفرهم به، حتى استحقوا عقابه، فعجَّل لهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) قال: بالموت، وقال في آية أخرى (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) وهو ملك الموت،
وله رسل، قال الله تعالى (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) ذاكم يوم القيامة.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) يقول: عند الموت حين تتوفاهم، أو يأتي أمر ربك ذلك يوم القيامة.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) }
يقول تعالى ذكره: فأصاب هؤلاء الذين فعلوا من الأمم الماضية فعل هؤلاء المشركين من قريش سيئات ما عملوا، يعني عقوبات ذنوبهم، ونقم معاصيه التي اكتسبوها (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) يقول: وحلّ بهم من عذاب الله ما كانوا يستهزئون منه، ويسخرون عند إنذارهم ذلك رسلُ الله، ونزل ذلك بهم دون غيرهم من أهل الإيمان بالله.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) }
قول تعالى ذكره: وقال الذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام من دون الله: ما نعبد هذه الأصنام إلا لأن الله قد رضي عبادتنا هؤلاء، ولا نحرم ما حرمنا من البحائر والسوائب، إلا أن الله شاء منا ومن آبائنا تحريمناها ورضيه، لولا ذلك لقد غير ذلك ببعض عقوباته أو بهدايته إيانا إلى غيره من الأفعال. يقول تعالى ذكره: كذلك فعل الذين من قبلهم من الأمم المشركة الذين استَن هؤلاء سنتهم، فقالوا مثل قولهم، سلكوا سبيلهم في تكذيب رسل الله، واتباع أفعال آبائهم الضلال، وقوله (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) يقول جلّ ثناؤه: فهل أيها القائلون: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، على رسلنا الذين نرسلهم بإنذاركم عقوبتنا على كفركم، إلا البلاغ المبين: يقول: إلا أن تبلغكم




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]