عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 20-07-2025, 02:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,431
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الحجر
الحلقة (928)
صــ 121 إلى صــ 130






حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) يقول: للناظرين.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال للناظرين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) : أي للمعتبرين.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) أي: للمعتبرين.
حدثني محمد بن عُمارة، قال: ثني حسن بن مالك، قال: ثنا محمد بن كثير، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ. ثم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) " .
حدثنا أحمد بن محمد الطُّوسي، قال: ثنا محمد بن كثير مولى بني هاشم، قال: ثنا عمرو بن قيس المُلائِي، عن عطية، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثله.
حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا الفُرات بن السائب، قال: ثنا ميمون بن مهران، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّ المُؤْمِنِ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ" .
حدثنا عبد الأعلى بن واصل، قال: ثني سعيد بن محمد الجَرْميّ، قال: ثنا عبد الواحد بن واصل، قال: ثنا أبو بشر المزلق، عن ثابت البُنَانِيّ، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِالتَّوَسُّمِ" .
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال: المتفكرون والمعتبرون الذين يتوسمون الأشياء، ويتفكرون فيها ويعتبرون.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) يقول: للناظرين.
حدثني أبو شرحبيل الحمْصِي، قال: ثنا سليمان بن سلمة، قال: ثنا المؤمل بن سعيد بن يوسف الرحبيّ، قال: ثنا أبو المعلَّى أسد بن وداعة الطائيّ، قال: ثنا وهب بن منبه، عن طاوس بن كيسان، عن ثَوْبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احْذَرُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ، وَيَنْطِقُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ" .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) }
يقول تعالى ذكره: وإن هذه المدينة، مدينة سَدُوم، لبطريق واضح مقيم يراها المجتاز بها لا خفاء بها، ولا يبرح مكانها، فيجهل ذو لبّ أمرها، وغبّ معصية الله، والكفر به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، وحدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) قال: لبطريق معلم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) يقول: بطريق واضح.
67 حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) قال: طريق، السبيل: الطريق.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) يقول: بطريق معلم.
وقوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول تعالى ذكره: إن في صنيعنا بقوم لوط ما صنعنا بهم، لعلامة ودلالة بينة لمن آمن بالله على انتقامه من أهل الكفر به، وإنقاذه من عذابه، إذا نزل بقوم أهل الإيمان به منهم.
كما حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، في قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) قال: هو كالرجل يقول لأهله: علامة ما بيني وبينكم أن أرسل إليكم خاتمي، أو آية كذا وكذا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) قال: أما ترى الرجل يرسل بخاتمه إلى أهله فيقول: هاتوا خذي،هاتوا خذي، فإذا رأوه علموا أنه حقّ.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) }
يقول تعالى ذكره: وقد كان أصحاب الغَيْضة ظالمين، يقول: كانوا بالله كافرين، والأيكة: الشجر الملتف المجتمع، كما قال أمية:
كَبُكا الحَمامِ عَلى فُرُو ... عِ الأَيْكِ في الغُصُنِ الجَوَانِحْ (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، قال، قوله (أَصْحَابُ الأَيْكَةِ) قال: الشجر، وكانوا يأكلون في الصيف الفاكهة الرطبة، وفي الشتاء اليابسة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ) ذكر لنا أنهم كانوا أهل غيضة. وكان عامَّة شجرهم هذا الدَّوْم. وكان رسولهم فيما بلغنا شُعَيب صلى الله عليه وسلم، أرسل إليهم وإلى أهل مدين، أرسل إلى أمتين من الناس، وعذّبتا بعذابين شتى. أما أهل مدين، فأخذتهم الصيحة، وأما أصحاب الأيكة، فكانوا أهل شجر متكاوس، ذُكر لنا أنه سلَّط عليهم الحرّ سبعة أيام، لا يظللهم منه ظلّ، ولا يمنعهم منه شيء، فبعث الله عليهم سحابة، فحَلُّوا تحتها يلتمسون الرَّوْح فيها، فجعلها الله عليهم عذابا، بعث عليهم نارا فاضطرمت عليهم فأكلتهم، فذلك عذاب يوم الظلَّة، إنه كان عذاب يوم عظيم.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال: أصحاب الأيكة: أصحاب غَيْضَة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قوله (وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ) قال: قوم شعيب، قال ابن عباس: الأيكة ذات آجام وشجر كانوا فيها.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت
(1)
البيت لأمية بن أبي الصلت الثقفي، ولم أجده في ديوانه، ووجدته في سيرة ابن هشام (3: 31 طبعة الحلبي) من قصيدة له يرثي بها قتلى بدر وأولها أَلاَّ بَكَيْتِ عَلى الكِرَا ... مِ بَنِي الكِرَامِ أُولي المَمادِحْ

كبكا الحمام ... البيت. والأيك: الشجر الملتف، واحدته أيكة، والجوانح: الموائل. يقول: جنح: إذا مال. وفي (اللسان أيك) : الأيكة: الشجر الكثير الملتف. وقيل: هي الغيضة تنبت السد والأراك ونحوهما من ناعم الشجر، وخص بعضهم به منت الأثل ومجتمعه.
الضحاك يقول: في قوله (أصحَابُ الأَيْكَةِ) قال: هم قوم شعيب، والأيكة: الغيضة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمرو بن عبد الله، عن قتادة، أنه قال: إن أصحاب الأيكة، والأيكة: الشجر الملتفّ.
وقوله (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ) يقول تعالى ذكره: فانتقمنا من ظلمة أصحاب الأيكة. وقوله (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ) يقول: وإن مدينة أصحاب الأيكة، ومدينة قوم لوط، والهاء والميم في قوله (وإنَّهُما) من ذكر المدينتين. (لَبِإمامٍ) يقول: لبطريق يأتمون به في سفرهم، ويهتدون به (مُبِينٍ) يقول: يبين لمن ائتمّ به استقامته، وإنما جعل الطريق إماما لأنه يُؤم ويُتَّبع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ) يقول: على الطريق.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ) يقول: طريق ظاهر.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى. قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء، وحدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ) قال: بطريق معلم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ) قال: طريق واضح.
حُدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ) بطريق مستبين.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) }
يقول تعالى ذكره: ولقد كذب سكان الحجر، وجعلوا لسكناهم فيها ومقامهم بها أصحابها، كما قال تعالى ذكره: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا) فجعلهم أصحابها لسُكناهم فيها ومقامهم بها. والحجر: مدينة ثمود.
وكان قتادة يقول في معنى الحجر، ما حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أصحاب الحجر: قال: أصحاب الوادي.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، وهو يذكر الحِجْر مساكن ثمود قال: قال سالم بن عبد الله: إن عبد الله بن عمر قال: "مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ حَذَرًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ، ثم زجر فأسرع حتى خلفها) ."
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصريّ، قال: ثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد المكي، قال: ثنا داود بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن سابط، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالحجر: "هَؤُلاءِ قَوْمُ صَالِحٍ أهْلَكَهُمُ اللَّهُ إلا رَجُلا كانَ فِي حَرَمِ الله مَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مَنْ عَذَابِ اللَّهِ، قيل: يا رسول الله من هو؟ قال: أبُو رِغالٍ" .
وقوله (وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ) يقول: وأريناهم أدلتنا وحججنا على حقيقة ما بعثنا به إليهم رسولنا صالحا، فكانوا عن آياتنا التي آتيناهموها معرضين لا يعتبرون بها ولا يتعظون.
القول في تأويل قوله تعالى: وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84)
يقول تعالى ذكره: وكان أصحاب الحجر، وهم ثمود قوم صالح، (يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ) من عذاب الله، وقيل: آمنين من الخراب أن تخرب بيوتهم التي نحتوها من الجبال. وقيل: آمنين من الموت. وقوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) يقول: فأخذتهم صيحة الهلاك حين أصبحوا من اليوم الرابع من اليوم الذي وُعدوا العذاب، وقيل لهم: تَمتَّعوا في داركم ثلاثة أيام. وقوله (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) يقول: فما دفع عنهم عذاب الله ما كانوا يجترحون من الأعمال الخبيثة قبل ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ (86) }
يقول تعالى ذكره: وما خلقنا الخلائق كلها، سماءها وأرضَها، ما فيهما وما بينهما، يعني بقوله (وَمَا بَيْنَهُمَا) مما في أطباق ذلك (إِلا بِالْحَقِّ) يقول: إلا بالعدل والإنصاف، لا بالظلم والجور، وإنما يعني تعالى ذكره بذلك: أنه لم يظلم أحدا من الأمم التي اقتصّ قَصَصَهَا في هذه السورة، وقصص إهلاكه إياها بما فعل به من تعجيل النقمة له على كفره به، فيعذّبه ويهلكه بغير استحقاق، لأنه لم يخلق السموات والأرض وما بينهما بالظلم والجور، ولكنه خلق ذلك بالحقّ والعدل. وقوله (وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن الساعة، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة لجائية، فارض بها لمشركي قومك الذين كذّبوك، وردّوا عليك ما جئتهم به من الحقّ، (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) يقول: فأعرض عنهم إعراضا جميلا واعف عنهم
عفوًا حسنا وقوله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ) يقول تعالى ذكره: إن ربك هو الذي خلقهم وخلق كلّ شيء، وهو عالم بهم وبتدبيرهم، وما يأتون من الأفعال، وكان جماعة من أهل التأويل تقول: هذه الآية منسوخة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ثم نسخ ذلك بعد، فأمره الله تعالى ذكره بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، لا يقبل منهم غيره.
حدثني المثنى، قال: ثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ، (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) و (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ) وهذا النحوُ كله في القرآن أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك منه، حتى أمره بالقتال، فنسخ ذلك كله. فقال (وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) .
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) قال: هذا قبل القتال.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن سفيان بن عيينة، في قوله: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) وقوله (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) قال: كان هذا قبل أن ينزل الجهاد. فلما أمر بالجهاد قاتلهم فقال: "أَنَا نَبِيُّ الرِّحْمَةِ ونَبِيُّ المَلْحَمَةِ، وبُعِثْتُ بالحصادِ وَلمْ أبْعَثْ بالزِّرَاعَةِ" .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) }
اختلف أهل التأويل في معنى السبع الذي أتى الله نبيه صلى الله عليه وسلم من المثاني، فقال بعضهم عني بالسبع: السبع السور من أوّل القرآن اللواتي يُعْرفن بالطول،
وقائلو هذه المقالة مختلفون في المثاني، فكان بعضهم يقول: المثاني هذه السبع، وإنما سمين بذلك لأنهن ثُنْي فيهنّ الأمثالُ والخبرُ والعِبَر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي) قال: السبع الطُّوَل.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن سعيد الجريريّ، عن رجل، عن ابن عمر قال: السبع الطُّوَل.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يَمان، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي) قال: السبع الطُّوَل.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن الحجاج، عن الوليد بن العيزار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: هنّ السبع الطُّوَل، ولم يُعطَهن أحد إلا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأُعطيَ موسى منهنّ اثنتين.
حدثنا ابن وكيع، وابن حميد، قالا ثنا جرير، عن الأعمش، عن مسلم البَطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أوتي النبيّ صلى الله عليه وسلم سبعا من المثاني الطُّوَل، وأوتي موسى ستا، فلما ألقي الألواح رفعت اثنتان وبقيت أربع.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عليّ بن عبد الله بن جعفر، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن ادم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله (سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي) قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف. قال إسرائيل: وذكر السابعة فنسيتها.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي) قال: هي الطُّوَل: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) قال: البقرة، وآل عمران، والنساء والمائدة والأنعام، والأعراف، ويونس، فيهنّ الفرائض والحدود.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، بنحوه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن خوّات، عن سعيد بن جبير، قال: السبع، الطُّوَل.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال أبو بشر: أخبرنا عن سعيد بن جبير، قال: هنّ السبع الطُّوَل. قال: وقال مجاهد هن السبع الطُّوَل. قال: ويقال: هنّ القرآن العظيم.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا سعيد، عن جعفر، عن سعيد، في قوله (سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، تُثْنى فيها الأحكام والفرائض.
حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: هن السبع الطُّوَل.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله (سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي) قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس. قال: قلت: ما المثاني؟ قال: يثني فيهنّ القضاء والقَصَص.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي) قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]