
20-07-2025, 02:24 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,430
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الحجر
الحلقة (927)
صــ 111 إلى صــ 120
القول في تأويل قوله تعالى: {لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ (50) }
يقول تعالى ذكره: لا يَمسّ هؤلاء المتقين الذين وصف صِفتهم في الجنات نَصَب، يعني تَعَب (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) يقول: وما هم من الجنة ونعيمها وما أعطاهم الله فيها بمخرجين، بل ذلك دائم أبدا. وقوله (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أخبر عبادي يا محمد، أني أنا الذي أستر على ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا، بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم عليها، الرحيم بهم أن أعذّبهم بعد توبتهم منها عليها (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ) يقول: وأخبرهم أيضا أن عذابي لمن أصرّ على معاصيّ وأقام عليها ولم يتب منها، هو العذاب الموجع الذي لا يشبهه عذاب. هذا من الله تحذير لخلقه التقدم على معاصيه، وأمر منه لهم بالإنابة والتوبة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ) قال: بلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ يَعلمُ العبدُ قَدْر عَفْوِ اللَّهِ لما تورّعَ من حرام، وَلَو يَعلم قَدْر عَذَابهِ لَبخَع نفسَه" .
حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا ابن المكيّ، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا مصعب بن ثابت، قال: ثنا عاصم بن عبد الله، عن ابن أبي رباح، عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "طَلَع عَلَيْنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة، فقال: ألا أرَاكُمْ تَضْحَكُونَ؟ ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى، فقال: إنّي لمَّا خَرَجْتُ جاءَ جَبْرَئِيل صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يا مُحَمَّد إنَّ الله يَقُولُ: لِمَ تُقَنِّطُ عبادِي؟ نبِّئ عبادِي أنّي أنا الغَفُورُ الرَّحيمُ وأنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الألِيمُ" .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) }
القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأخبر عبادي يا محمد عن ضيف إبراهيم: يعني الملائكة الذين دخلوا على إبراهيم خليل الرحمن حين أرسلهم ربهم إلى قوم لوط ليهلكوهم (فَقَالُوا سَلامًا) يقول: فقال الضيف لإبراهيم: سلاما (قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) يقول: قال إبراهيم: إنا منكم خائفون. وقد بيَّنا وجه النصب في قوله (سَلاما) وسبب وجل إبراهيم من ضيفه، واختلاف المختلفين ودللنا على الصحيح من القول فيه فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما قوله (قَالُوا سَلامًا) وهو يعني به الضيف، فجمع الخبر عنهم، وهم في لفظ واحد، فإن الضيف اسم للواحد والاثنين والجمع مثل الوزن والقطر والعدل، فلذلك جمع خبره، وهو لفظ واحد. وقوله (قَالُوا لا تَوْجَلْ) يقول: قال الضيف لإبراهيم: (لا توجل) لا تخف (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) .
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونِ (54) }
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة الذين بشَّروه بغلام عليم (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونِ) يقول: فبأي شيء تبشرون.
وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،
في قوله (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونِ) قال: عجب من كبره، وكبر امرأته.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله، وقال (عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) ومعناه: لأن مسني الكبر وبأن مسني الكبر، وهو نحو قوله (حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ) بمعنى: بأن لا أقول، ويمثله في الكلام: أتيتك أنك تعطي، فلم أجدك تعطي.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ (56) }
يقول تعالى ذكره: قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلاما عليما، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (مِنَ الْقَانِطِينَ) فقرأه عامَّة قراء الأمصار (مِنَ الْقَانِطِينَ) بالألف. وذكر عن يحيى بن وثاب أنه كان يقرأ ذلك (القَنِطِينَ) .
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة على ذلك، وشذوذ ما خالفه.
وقوله (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطئوا سبيل الصواب، وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (وَمَنْ يَقْنَطُ) فقرأ ذلك عامَّة قرّاء المدينة والكوفة (وَمَنْ يَقْنَطُ) بفتح النون، إلا الأعمش والكسائي فإنهما كسرا النون من (يَقْنِط) . فأما الذين فتحوا النون منه ممن ذكرنا فإنهم قرءوا (مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) بفتح القاف والنون. وأما الأعمش فكان يقرأ ذلك: من بعد ما قَنِطُوا، بكسر
النون. وكان الكسائي يقرؤه بفتح النون، وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ الحرفين جميعا على النحو الذي ذكرنا من قراءة الكسائي.
وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأ (مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) بفتح النون (وَمَنْ يَقْنِطُ) بكسر النون، لإجماع الحجة من القرّاء على فتحها في قوله (مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) فكسرها في (وَمَنْ يَقْنِطُ) أولى إذا كان مجمعا على فتحها في قَنَط، لأن فَعَل إذا كانت عين الفعل منها مفتوحة، ولم تكن من الحروف الستة التي هي حروف الحلق، فإنها تكون في يفْعِل مكسورة أو مضمومة. فأما الفتح فلا يُعرف ذلك في كلام العرب.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) }
يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم للملائكة: فما شأنكم: ما أمرُكم أيُّها المرسلون؟ قالت الملائكة له: إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين: يقول: إلى قوم قد اكتسبوا الكفر بالله، إلا آل لوط: يقول: إلا اتباع لوط على ما هو عليه من الدِّين، فإنا لن نهلكهم بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نعذّب به قوم لوط، سوى امرأة لوط قدّرنا إنها من الغابرين: يقول: قضى الله فيها إنها لمن الباقين، ثم هي مهلكة بعد. وقد بيَّنا الغابر فِيما مضى بشواهده.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) }
يقول تعالى ذكره: فلما أتى رسلُ الله آل لوط، أنكرهم لوط فلم يعرفهم، وقال لهم: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) : أي نُنْكركم لا نعرفكم، فقالت له
الرسل: بل نحن رسل الله جئناك بما كان فيه قومك يشكون أنه نازل بهم من عذاب الله على كفرهم به.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) قال: أنكرهم لوط، وقوله (بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) قال. بعذاب قوم لوط.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) }
يقول تعالى ذكره: قالت الرسل للوط: وجئناك بالحق اليقين من عند الله، وذلك الحقّ هو العذاب الذي عذب الله به قوم لوط. وقد ذكرت خبرهم وقصصهم في سورة هود وغيرها حين بعث الله رسله ليعذّبهم به. وقولهم: (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) يقولون: إنا لصادقون فيما أخبرناك به يا لوط من أن الله مهلك قومك (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن رسله أنهم قالوا للوط، فأسر بأهلك ببقية من الليل، واتبع يا لوط أدبار أهلك الذين تسري بهم وكن من ورائهم، وسر خلفهم وهم أمامك، ولا يلتفت منكم وراءه أحد، وامضوا حيث يأمركم الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، عن ورقاء جميعا، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) لا يلتفت وراءه أحد، ولا يُعَرِّج.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) : لا ينظر وراءه أحد.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل؛ وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال. ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ) قال: أُمِر أن يكون خلف أهله، يتبع أدبارهم في آخرهم إذا مشوا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) قال: بعض الليل (وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ) : أدبار أهله.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) }
يقول تعالى ذكره: وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر، وأوحينا أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين: يقول: إن آخر قومك وأوّلهم مجذوذ مستأصل صباح ليلتهم، وأنّ من قوله (أَنَّ دَابِرَ) في موضع نصب ردّا على الأمر بوقوع القضاء عليها. وقد يجوز أن تكون في موضع نصب بفقد الخافض، ويكون معناه: وقضينا إليه ذلك الأمر بأن دابر هؤلاء مقطوع مُصبحين. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: وقلنا إن دابر هؤلاء مقطوع مُصبحين. وعُنِي بقوله (مُصْبِحِينَ) : إذا أصبحوا، أو حين يصبحون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني
حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، قوله (أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) يعني: استئصال هلاكهم مصبحين.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْر) قال: وأوحينا إليه.
وقوله (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) يقول: وجاء أهل مدينة سَدُوم وهم قوم لوط لما سمعوا أن ضيفا قد ضاف لوطا مستبشرين بنزولهم مدينتهم طمعا منهم في ركوب الفاحشة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) استبشروا بأضياف نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لوط، حين نزلوا لما أرادوا أن يأتوا إليهم من المنكر.
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) }
يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه: إن هؤلاء الذين جئتموهم تريدون منهم الفاحشة ضيفي، وحقّ على الرجل إكرام ضيفه، فلا تفضحون أيها القوم في ضيفي، وأكرموني في ترككم التعرّض لهم بالمكروه، وقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ) يقول: وخافوا الله فيّ وفي أنفسكم أن يحلّ بكم عقابه (وَلا تُخْزُونِ) يقول: ولا تذلوني ولا تهينوني فيهم، بالتعرّض لهم بالمكروه (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ) يقول تعالى ذكره: قال للوط قومه: أو لم ننهك أن تضيف أحدا من العالمين.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ) قال: ألم ننهك أن تضيف أحدا؟
القول في تأويل قوله تعالى: قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71)
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)
يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه: تزوّجوا النساء فأتوهنّ، ولا تفعلوا ما قد حرّم الله عليكم من إتيان الرجال، إن كنتم فاعلين ما آمركم به، ومنتهين إلى أمري.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) : أمرهم نبيّ الله لوط أن يتزوّجوا النساء، وأراد أن يَقِيَ أضيافه ببناته.
وقوله (لَعَمْرُكَ) يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وحياتك يا محمد، إن قومك من قريش (لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) يقول: لفي ضلالتهم وجهلهم يتردّدون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا سعيد بن زيد، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوْزاء، عن ابن عباس، قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال الله تعالى ذكره (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) .
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضْرميّ، قال: ثنا الحسن بن أبي جعفر، قال: ثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، في قول الله (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) قال: ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) وهي كلمة من كلام العرب، لفي سكرتهم: أي في ضلالتهم يعمهون: أي يلعبون.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، قال: سألت الأعمش، عن قوله (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) قال: لفي غفلتهم يتردّدون.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن
قتادة: (فِي سَكْرَتِهِم) قال: في ضلالتهم يعمهون قال: يلعبون.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال مجاهد (يَعْمَهُونَ) قال: يتردّدون.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (لَعَمْرُكَ) يقول: لَعَيْشُكَ (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) قال: يتمادَوْن.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون أن يقول الرجل: لعمري، يرونه كقوله: وَحَيَاتِي.
وقوله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) يقول تعالى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب، وهي الصيحة مشرقين: يقول: إذ أشرقوا، ومعناه: إذ أشرقت الشمس، ونصب مشرقين ومصبحين على الحال بمعنى: إذا أصبحوا، وإذ أشرقوا، يقال منه: صيح بهم، إذا أهلكوا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) قال: حين أشرقت الشمس ذلك مشرقين.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) }
يقول تعالى ذكره: فجعلنا عالي أرضهم سافلها، وأمطرنا عليهم حِجارة من سجيل (1) .
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) أي من طين.
(1) لعل الأصل (من سجيل) : أي من طين، كما يظهر بتأمل.
وقوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) يقول: إن في الذي فعلنا بقوم لوط من إهلاكهم، وأحللنا بهم من العذاب لَعَلامات ودلالات للمتفرّسين المعتبرين بعلامات الله، وعبره على عواقب أمور أهل معاصيه والكفر به. وإنما يعني تعالى ذكره بذلك قوم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من قريش، يقول: فلقومك يا محمد في قوم لوط، وما حلّ بهم من عذاب الله حين كذّبوا رسولهم، وتمادوا في غيهم، وضلالهم، مَعْتَبَر.
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الأعلى بن واصل قال: ثنا يعلى بن عبيد، قال: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن قيس، عن مجاهد، في قوله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال: للمتفرّسين.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن عبد الملك، وحدثنا الحسن الزعفراني، قال: ثني محمد بن عبيد، قال: ثني عبد الملك، عن قيس، عن مجاهد (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال للمتفرّسين.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: المتوسمين، المتفرّسين، قال: توسَّمت فيك الخير نافلة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن قيس، عن مجاهد (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال: المتفرّسين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|