
20-07-2025, 01:01 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ إبراهيم
الحلقة (923)
صــ 71 إلى صــ 80
وكنْت لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أعرّدْ ... وَقَدْ سَلَكوكَ فِي يَوْم عَصِيبٍ (1)
ومن الإسلاك قول الآخر:
حتى إذَا أسْلَكُوهُمْ في قُتَائِدَةٍ ... شَلا كَما تَطْرد الجَمالَة الشردَا (2)
وقوله (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ) يقول تعالى ذكره: لا يؤمن بهذا القرآن قومك الذين سلكت في قلوبهم التكذيب (حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ) أخذا منهم سنة أسلافهم من المشركين قبلهم من قوم عاد وثمود وضربائهم من الأمم التي كذّبت رسلها، فلم تؤمن بما جاءها من عند الله حتى حلّ بها سخط الله فهلكت.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ) وقائع الله فيمن خلا قبلكم من الأمم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) }
(1) البيت لعدي بن زيد العبادي، وقد تقدم واستشهد المؤلف به عند قوله تعالى في سورة هود "وقال هذا يوم عصيب" فراجعه في الجزء الثاني عشر صفحة 82. والشاهد فيه هنا: أنه اشتق سلكوك من المصدر الثلاثي (السلك) .
(2) البيت لعبد مناف بن ربعي الهذلي (اللسان: جمل) استشهد به المؤلف على أن "أسلكوهم" بالهمزة في أوله لغة مثل سلوكهم التي وردت في البيت السابق من شعر عدي بن زيد، والبيت أيضا في (خزانة الأدب للبغدادي 3: 170) شاهد على أن جواب إذا عند الرضى شارح كافية ابن الحاجب محذوف لتفخيم الأمر، والتقدير: بلغوا أملهم؛ أو أدركوا ما أحبوا ونحو ذلك، وقيل فيه وجهان آخران، قال البغدادي وأسلك: لغة في سلك، يقال أسلكت الشيء في الشيء، مثل سلكته فيه، بمعنى أدخلته فيه، وقتائدة: ثنية، وقال البكري: جبل بين المنصرف والروحاء، والشل: الطرد، والجمالة: فاعلي تطرد، وهم أصحاب الجمال، كما يقال الحمارة لأصحاب الحمير، والشرد: جمع شرود، أي من الجمال.
اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) فقال بعضهم: معنى الكلام: ولو فتحنا على هؤلاء القائلين لك يا محمد (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) بابا من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه وهم يرونهم عيانا (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) يقول: لو فتحنا عليهم بابا من السماء، فظلت الملائكة تعرج فيه، لقال أهل الشرك: إنما أخذ أبصارنا، وشبِّه علينا، وإنما سحرنا، فذلك قولهم: (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) فظلت الملائكة يعرجون فيه يراهم بنو آدم عيانا (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِي نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) قال: ما بين ذلك إلى قوله (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) قال: رجع إلى قوله (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ) ما بين ذلك. قال ابن جريج، قال ابن عباس: فظلت الملائكة تعرج فنظروا إليهم (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) قال: قريش تقوله.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) قال: قال ابن عباس: لو فتح الله عليهم من السماء بابا فظلت الملائكة تعرج فيه، يقول: يختلفون فيه جائين وذاهبين (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ
فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) يعني: الملائكة: يقول: لو فتحتُ على المشركين بابا من السماء، فنظروا إلى الملائكة تعرج بين السماء والأرض، لقال المشركون (نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) سحرنا وليس هذا بالحقّ. ألا ترى أنهم قالوا قبل هذه الآية (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) .
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمر، عن نصر، عن الضحاك، في قوله (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) قال: لو أني فتحت بابا من السماء تعرج فيه الملائكة بين السماء والأرض، لقال المشركون (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) إلا ترى أنهم قالوا (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) .
وقال آخرون: إنما عُني بذلك: بنو آدم.
ومعنى الكلام عندهم: ولو فتحنا على هؤلاء المشركون من قومك يا محمد بابا من السماء فظلوا هم فيه يعرجون (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) قال قتادة، كان الحسن يقول: لو فعل هذا ببني آدم فظلوا فيه يعرجون أي يختلفون (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) .
وأما قوله (يَعْرُجُونَ) فإن معناه: يرقَوْن فيه ويَصْعَدون، يقال منه: عرج يعرُج عُروجا إذا رَقَى وصَعَد، وواحدة المعارج: معرج ومعراج، ومنه قول كثير:
إلى حَسَبٍ عَوْدٍ بَنا الْمرءَ قبْلَهُ ... أبُوهُ لَهُ فِيه مَعارِجَ سُلَّمِ (1)
وقد حُكي عرِج يعرج بكسر الراء في الاستقبال. وقوله (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) يقول: لقال هؤلاء المشركون الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم:
(1) لم أجد البيت في ديوان كثير طبع الجزائر، والحسب: الشرف الثابت في الآباء، والعود: القديم، وبنا (بالألف) ، بينو لأنه من بناء الشرف والمجد، والمعارج: جمع معرج (بكسر الميم وفتحها) وهو ما يعرج فيه، أي يصعد.
ما هذا بحقّ إنما سكِّرت أبصارنا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله (سُكِّرَتْ) فقرأ أهل المدينة والعراق: (سُكِّرَتْ) بتشديد الكاف، بمعنى: غُشيت وغطيت، هكذا كان يقول أبو عمرو بن العلاء فيما ذُكر لي عنه. وذُكر عن مجاهد أنه كان يقرأ (لَقالُوا إنَّمَا سُكِرَتْ) .
حدثني بذلك الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: سمعت الكسائي يحدّث عن حمزة، عن شبل، عن مجاهد أنه قرأها (سُكِرَتْ أَبْصارُنا) خفيفة، وذهب مجاهد في قراءته ذلك كذلك إلى: حُبست أبصارنا عن الرؤية والنظر من سكور الريح، وذلك سكونها وركودها، يقال منه: سكرت الريح: إذا سكنت وركدت. وقد حُكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: هو مأخوذ من سكر الشراب، وأن معناه: قد غشَّى أبصارنا السكر.
وأما أهل التأويل، فإنهم اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى (سُكِّرَتْ) : سدّت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) قال: سدّت.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حجاج، يعني ابن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن كثير قال: سدّت.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) يعني: سدّت، فكأن مجاهدا ذهب في قوله، وتأويله ذلك بمعنى: سدّت، إلى أنه بمعنى: منعت النظر، كما يُسكر الماء فيمنع من الجري بحبسه في مكان بالسكر الذي يسَّكر به.
وقال آخرون: معنى سكرت: أخذت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن ابن عباس (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) يقول: أخذت أبصارنا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، إنما أخذ أبصارنا، وشبَّه علينا، وإنما سحرنا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) يقول: سُحرت أبصارنا، يقول: أخذت أبصارنا.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثنا شيبان، عن قتادة، قال: من قرأ (سُكِّرَتْ) مشددة: يعني سدّت، ومن قرأ (سُكرَتْ) مخففة، فإنه يعني سحرت، وكأن هؤلاء وجَّهوا معنى قوله (سُكِّرَتْ) إلى أن أبصارهم سُحرت، فشبه عليهم ما يبصرون، فلا يميزون بين الصحيح مما يرون وغيره من قول العرب: سُكِّر على فلان رأيه: إذا اختلط عليه رأيه فيما يريد، فلم يدر الصواب فيه من غيره، فإذا عزم على الرأي قالوا: ذهب عنه التسكير.
وقال آخرون: هو مأخوذ من السكر، ومعناه: غشي على أبصارنا فلا نبصر، كما يفعل السكر بصاحبه، فذلك إذا دير به وغشي بصره كالسمادير فلم يبصر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) قال: سكرت، السكران الذي لا يعقل.
وقال آخرون: معنى ذلك: عميت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن الكلبي (سُكِّرَتْ) قال: عميت.
وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك: أخذت أبصارنا وسحرت، فلا تبصر الشيء على ما هو به، وذهب حدّ إبصارها،
وانطفأ نوره، كما يقال للشيء الحارّ إذا ذهبت فورته، وسكن حدّ حرّه، قد سكر يسكر، قال المثنى بن جندل الطُّهوي:
جاءَ الشِّتاءُ واجْثَألَّ القُبَّرُ ... واستَخْفَتِ الأفْعَى وكانت تَظْهَرُ
وجَعَلَتْ عينُ الحَرُور تَسْكُرُ (1)
أي تسكن وتذهب وتنطفئ، وقال ذو الرّمَّة:
قَبْلَ انْصِداعِ الفَجْرِ والتَّهَجْرِ ... وخَوْضُهُنَّ اللَّيلَ حينَ يَسْكُرُ (2)
يعني: حين تسكن فورته. وذُكر عن قيس أنها تقول: سكرت الريح تسكر سكورا، بمعنى: سكنت، وإن كان ذلك عنها صحيحا، فإن معنى سُكِرَت وسُكِّرَتْ بالتخفيف والتشديد متقاربان، غير أن القراءة التي لا أستجيز غيرها في القرآن (سُكِّرَتْ) بالتشديد لإجماع الحجة من القراء عليها، وغير جائز خلافها فيما جاءت به مجمعة عليه.
(1) هذه ثلاثة أبيات لجندل بن المثنى الطهوي، واجثأل: اجتمع وتقبض، والقبر كالقنبر: ضرب من الطير كالعصافير، واحده قبرة وقنبرة، والحرور: الحر. ويقال سكرت عينه تسكر: إذا تحيرت وسكنت عن النظر وسكر الحر يسكر: سكن وخبأ، وقد استشهد بها أبو عبيدة في مجاز القرآن (1: 337، 338) عند قوله تعالى "سكرت أبصارنا" قال: أي غشيت سمادير، فذهبت وخبا نظرها، قال: جاء الشتاء، الخ وزاد فيها بيتا قبل الآخر، وهو: "وطلعت شمس عليها مغفر" . وفسر البيت الأخير وهو الشاهد بقوله: أي يذهب حرها ويخبو. وقال أبو عمرو بن العلاء: "سكرت أبصارنا" : مأخوذ عن سكر الشراب، كأن العين لحقها ما يلحق شارب المسكر إذا سكر، وقال الفراء، معناه: حبست ومنعت عن النظر.
(2) البيت في ديوان ذي الرمة (طبعة كيمبردج سنة 1919) ص 202 وقبله: أتَتْكَ بالقَوْمِ مَهارٍ ضُمَّرُ ... خُوصٌ بَرَى أشْرافَها التَّبَكُّرُ
خوص: غائرات العيون، وأشرافها: أسنمَها، والتبكر: سير البكرة، والتهجو: سير الهاجرة، ويسكر: يتسكر الأبصار بظلامه، قوله: والتهجر، بالرفع: معطوف على قوله التبكر، في البيت السابق عليه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) }
يقول تعالى ذكره: ولقد جعلنا في السماء الدنيا منازل للشمس والقمر،
وهي كواكب ينزلها الشمس والقمر (وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) يقول: وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا) قال: كواكب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا) وبروجها: نجومها.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (بُرُوجا) قال: الكواكب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) }
يقول تعالى ذكره: وحفظنا السماء الدنيا من كلّ شيطان لعين قد رجمه الله ولعنه (إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) يقول لكن قد يسترق من الشياطين السمع مما يحدث في السماء بعضها، فيتبعه شهاب من النار مبين، يبين أثره فيه، إما بإخباله وإفساده، أو بإحراقه.
وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول في قوله (إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) هو استثناء خارج، كما قال: ما أشتكي إلا خيرا، يريد: لكن أذكر خيرا. وكان ينكر ذلك من قيله بعضهم، ويقول: إذا كانت إلا بمعنى لكن عملت عمل
لكن، ولا يحتاج إلى إضمار أذكر، ويقول: لو احتاج الأمر كذلك إلى إضمار أذكر احتاج قول القائل: قام زيد لا عمرو إلى إضمار أذكر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا الأعمش عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع، قال: فينفرد المارد منها فيعلو، فيرمى بالشهاب، فيصيب جبهته أو جنبه، أو حيث شاء الله منه، فيلتهب فيأتي أصحابه وهو يلتهب، فيقول: إنه كان من الأمر كذا وكذا، قال: فيذهب أولئك إلى إخوانهم من الكهنة، فيزيدون عليه أضعافه من الكذب، فيخبرونهم به، فإذا رأوا شيئا مما قالوا قد كان صدّقوهم بما جاءوهم به من الكذب.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) قال: أراد أن يخطف السمع، وهو كقوله (إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله (إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) وهو نحو قوله (إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) .
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله (إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) قال: خطف الخطفة.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله (إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) هو كقوله (إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) كان ابن عباس يقول: إن الشهب لا تقتل ولكن تحرق وتخبل (1) وتجرح من غير أن تقتل.
حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج
(1) الخبل والتخبيل: إفساد الأعضاء، حتى لا يدري كيف يمشي، فهو متخبل خبل. (اللسان) .
(مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) قال: الرجيم: الملعون، قال: وقال القاسم عن الكسائي: إنه قال: الرجم في جميع القرآن: الشتم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) }
يعني تعالى ذكره بقوله (وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا) والأرض دحوناها فبسطناها (وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ) يقول: وألقينا في ظهورها رَوَاسِي، يعني جبالا ثابتة.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا) . وقال في آية أخرى (وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) وذُكر لنا أن أمّ القرى مكة، منها دُحيت الأرض، قوله (وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ) رواسيها: جبالها. يقول: وألقينا في ظهورها رواسي، يعني جبالا ثابتة، وقد بيَّنا معنى الرسوّ فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته. وقوله (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) يقول: وأنبتنا في الأرض من كلّ شيء: يقول: من كلّ شيء مقدّر، وبحدّ معلوم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) يقول: معلوم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: تني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) يقول: معلوم.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، أو عن أبي مالك، في قوله (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قال: بقدر.
حدثنا المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح أو عن أبي مالك، مثله.
حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قال: بقدْر.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عليّ، يعني ابن الجعد، قال: أخبرنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قال: بقدْر.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، قال: بقدْر.
حدثنا أحمد، قال: ثنا سفيان، عن حصين، عن سعيد بن جبير (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قال: معلوم.
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: سمعت الحكم بن عتيبة وسأله أبو مخزوم عن قوله (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قال: من كلّ شيء مقدور.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: سمعت الحكم، وسأله أبو عروة عن قول الله عزّ وجلّ (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قال: من كلّ شيء مقدور، هكذا قال الحسن، وسأله أبو عروة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قال: مقدور بقدْر.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قال: مقدور بقدْر.
حدثني المثنى، قال: ثنا عليّ بن الهيثم، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: مقدور بقدْر.
حدثنا المثنى، قال: ثنا عليّ بن الهيثم، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قال: بقدْر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|