عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 20-07-2025, 11:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ إبراهيم
الحلقة (922)
صــ 61 إلى صــ 70





فتأويل الكلام: ربما يودّ الذين كفروا بالله فجحدوا وحدانيته لو كانوا في دار الدنيا مسلمين.
كما حدثنا عليّ بن سعيد بن مسروق الكندي، قال: ثنا خالد بن نافع الأشعري، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة، واجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة: ألستم مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار فأخرجوا، فقال من في النار من الكفار: يا ليتنا كنا مسلمين، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عمرو بن الهيثم أبو قَطن القُطْعيّ، ورَوح القيسيّ، وعفان بن مسلم واللفظ لأبي قَطن قالوا: ثنا القاسم بن الفضل بن عبد الله بن أبي جروة، قال: كان ابن عباس وأنس بن مالك يتأولان هذه الآية (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قالا ذلك يوم يجمع الله أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار. وقال عفان: حين يحبس أهل الخطايا من المسلمين والمشركين، فيقول المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون، زاد أبو قطن: قد جُمِعنا وإياكم، وقال أبو قَطن وعفان: فيغضب الله لهم بفضل رحمته، ولم يقله روح بن عبادة، وقالوا جميعا: فيخرجهم الله، وذلك حين يقول الله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثنا الحسن، قال: ثنا عفان، قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال: يدخل الجنة ويرحم حتى يقول في آخر ذلك: من كان
مسلما فليدخل الجنة، قال: فذلك قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) ذلك يوم القيامة يتمنى الذين كفروا لو كانوا موحدين.
حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن عبد الله، في قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال: هذا في الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا ابن أبي فروة العبدي أن ابن عباس وأنس بن مالك كانا يتأوّلان هذه الآية (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) يتأوّلانها يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار، قال: فيقول لهم المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا، قال: فيغضب الله لهم بفضل رحمته، فيخرجهم، فذلك حين يقول (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ما يزال الله يُدخل الجنة، ويرحم ويشفع حتى يقولَ: من كان من المسلمين فليدخل الجنة، فذلك قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدَّستوائي، قال: ثنا حماد، قال: سألت إبراهيم عن هذه الآية (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال: حدثت أن المشركين قالوا لمن دخل النار من المسلمين: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون، قال: فيغضب الله لهم، فيقول للملائكة والنبيين: اشفعوا، فيشفعون، فيخرجون من النار، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم، قال: فعند ذلك يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
حدثني المثنى، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن إبراهيم، أنه قال في قول الله عزّ وجلّ: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال: يقول
من في النار من المشركين للمسلمين: ما أغنت عنكم "لا إله إلا الله" قال: فيغضب الله لهم، فيقول: من كان مسلما فليخرج من النار، قال: فعند ذلك (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن حماد، عن إبراهيم في قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال: إن أهل النار يقولون: كنا أهل شرك وكفر، فما شأن هؤلاء الموحدين ما أغنى عنهم عبادتهم إياه، قال: فيخرج من النار من كان فيها من المسلمين. قال: فعند ذلك (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثنا الحسن بن يحيى، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن حماد، عن إبراهيم، عن خصيف، عن مجاهد، قال: يقول أهل النار للموحدين: ما أغنى عنكم إيمانكم؟ قال: فإذا قالوا ذلك، قال: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرّة، فعند ذلك (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثني المثنى، قال: ثنا مسلم، قال: ثنا هشام، عن حماد، قال: سألت إبراهيم عن قول الله عزّ وجلّ (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال: الكفار يعيرون أهل التوحيد: ما أغنى عنكم لا إله إلا الله، فيغضب الله لهم، فيأمر النبيين والملائكة فيشفعون، فيخرج أهل التوحيد، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج، فذلك قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثنا أحمد، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مجاهد، قال: هذا في الجهنميين، إذا رأوهم يخرجون من النار (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، قال: إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه، قال: من كان مسلما فليدخل الجنة، فعند ذلك (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، وحدثني الحسن، قال: ثنا شبابة،
قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال: يوم القيامة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن جويبر، عن الضحاك في قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال: فيها وجهان اثنان، يقولون: إذا حضر الكافر الموت ودّ لو كان مسلما. ويقول آخرون: بل يعذّب الله ناسا من أهل التوحيد في النار بذنوبهم، فيعرفهم المشركون فيقولون: ما أغنت عنكم عبادة ربكم، وقد ألقاكم في النار، فيغضب لهم فيخرجهم، فيقول (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) قال: نزلت في الذين يخرجون من النار.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) وذلك والله يوم القيامة، ودّوا لو كانوا في الدنيا مسلمين.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) (1) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ما يزال الله يدخل الجنة ويشفع حتى يقول: من كان من المسلمين فليدخل الجنة، فذلك حين يقول (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) .
(1)
أي بمثل حديث بشر قبله، لأن كلا الإسنادين ينتهي إلى قتادة.

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ذر يا محمد هؤلاء المشركين يأكلوا في هذه الدنيا ما هم آكلوه، ويتمتعوا من لذاتها وشهواتهم فيها إلى أجلهم الذي أجلت لهم، ويلههم الأمل عن الأخذ بحظهم من طاعة الله فيها، وتزوّدهم لمعادهم منها بما يقربهم من ربهم، فسوف يعلمون غدا إذا وردوا عليه. وقد هلكوا على كفرهم بالله وشركهم حين يُعاينون عذاب الله أنهم كانوا من تمتعهم بما كانوا يتمتعون فيها من اللذّات والشهوات كانوا في خسار وتباب.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) }
يقول تعالى ذكره (وَمَا أَهْلَكْنَا) يا محمد (مِنْ) أهل (قَرْيَةٍ) من أهل القرى التي أهلكنا أهلها فيما مضى (إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ) يقول: إلا ولها أجل مؤقَّت ومدة معروفة، لا نهلكهم حتى يبلغوها، فإذا بلغوها أهلكناهم عند ذلك، فيقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فكذلك أهل قريتك التي أنت منها وهي مكة، لا نهلك مشركي أهلها إلا بعد بلوغ كتابهم أجله، لأن مِنْ قضائي أن لا أهلك أهل قرية إلا بعد بلوغ كتابهم أجله.
القول في تأويل قوله تعالى: {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) }
يقول تعالى ذكره: ما يتقدّم هلاك أمة قبل أجلها الذي جعله الله أجلا لهلاكها، ولا يستأخر هلاكها عن الأجل الذي جعل لها أجلا.
كما حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، في قوله (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ) قال: نرى أنه إذا حضر أجله، فإنه لا يؤخر ساعة ولا يقدّم. وأما ما لم يحضر أجله، فإن الله يؤخر ما شاء ويقدّم ما شاء.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) }
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون لك من قومك يا محمد (يَا أَيُّهَا الَّذِي نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) وهو القرآن الذي ذكر الله فيه مواعظ خلقه (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) في دعائك إيانا إلى أن نتَّبعك، ونذر آلهتنا (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ) قالوا: هلا تأتينا بالملائكة شاهدة لك على صدق ما تقول؟ (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) يعني: إن كنت صادقا في أن الله تعالى بعثك إلينا رسولا وأنزل عليك كتابا، فإن الربّ الذي فعل ما تقول بك، لا يتعذّر عليه إرسال ملك من ملائكته معك حجة لك علينا، وآية لك على نبوّتك، وصدق مقالتك: والعرب تضع موضع لوما: لولا وموضع لولا لوما، من ذلك قول ابن مقبل:
لَوْما الحَياءُ وَلَوْمَا الدّينُ عِبْتُكما ... ببَعْضِ ما فيكُما إذْ عِبْتُمَا عَوَرِي (1)
يريد: لولا الحياء.
وبنحو الذي قلنا في معنى الذكر قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: (نزلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) قال: القرآن.
(1)
البيت لابن مقبل من كلمة له، من أولها أبيات في الحماسة (د: 113) وهو شاهد على أن (لوما) تستعمل بمعنى لولا: في امتناع الشيء لوجود غيره، وهي في الآية: بمعنى التحضيض، قال أبو عبيدة في معاني القرآن: "لوما" مجازها ومجاز "لولا" واحد. واستشهد ببيت ابن مقبل، وعنه أخذه المؤلف.

القول في تأويل قوله تعالى: {مَا نُنزلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) }
اختلفت القرّاء في قراءة قوله (مَا نُنزلُ الْمَلائِكَةَ) فقرأ ذلك عامَّة قرّاء المدينة والبصرة (مَا تُنزلُ المَلائِكَةُ) بالتاء تُنزلُ وفتحها ورفع الملائكة، بمعنى: ما تنزل الملائكة، على أن الفعل للملائكة. وقرأ ذلك عامَّة قرّاء أهل الكوفة (مَا نُنزلُ الْمَلائِكَةَ) بالنون في ننزل وتشديد الزاي ونصب الملائكة، بمعنى: ما ننزلها نحن، والملائكة حينئذ منصوب بوقوع ننزل عليها. وقرأه بعض قراء أهل الكوفة (مَا تُنزلُ المَلائِكَةُ) برفع الملائكة والتاء في تنزل وضمها، على وجه ما لم يسمّ فاعله.
قال أبو جعفر: وكلّ هذه القراءات الثلاث متقاربات المعاني، وذلك أن الملائكة إذا نزلها الله على رسول من رسله تنزلت إليه، وإذا تنزلت إليه، فإنما تنزل بإنزال الله إياها إليه، فبأي هذه القراءات الثلاث قرأ ذلك القارئ فمصيب الصواب في ذلك، وإن كنت أحبّ لقارئه أن لا يعدو في قراءته إحدى القراءتين اللتين ذكرت من قراءة أهل المدينة، والأخرى التي عليها جمهور قراء الكوفيين، لأن ذلك هو القراءة المعروفة في العامَّة، والأخرى: أعني قراءة من قرأ ذلك: (مَا تُنزلُ) بضم التاء في تنزل ورفع الملائكة شاذّة قليل من قرأ بها.
فتأويل الكلام: ما ننزل ملائكتنا إلا بالحقّ، يعني بالرسالة إلى رسلنا، أو بالعذاب لمن أردنا تعذيبه. ولو أرسلنا إلى هؤلاء المشركين على ما يسألون إرسالهم معك آية فكفروا لم يُنظروا فيؤخروا بالعذاب، بل عوجلوا به كما فعلنا ذلك بمن قبلهم من الأمم حين سألوا الآيات فكفروا حين آتتهم الآيات، فعاجلناهم بالعقوبة.
وبنحو الذي قلنا في قوله (مَا نُنزلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال:
ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (مَا نُنزلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ) قال: بالرسالة والعذاب.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) }
يقول تعالى ذكره: (إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ) وهو القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) قال: وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه، والهاء في قوله: (لَهُ) من ذكر الذكر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، وحدثني الحسن، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) قال: عندنا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، قال في آية أخرى (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ) والباطل: إبليس (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) فأنزله الله ثم حفظه، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ولا ينتقص منه حقا، حفظه الله من ذلك.
حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) قال: حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلا أو
ينقص منه حقا، وقيل: الهاء في قوله (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم بمعنى: وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من أعدائه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) }
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولقد أرسلنا يا محمد من قبلك في الأمم الأوّلين رسلا وترك ذكر الرسل اكتفاء بدلالة قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ) عليه، وعنى بشيع الأوّلين: أمم الأوّلين: واحدتها شيعة، ويقال أيضا لأولياء الرجل: شيعته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأوَّلِينَ) يقول: أمم الأولين.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأوَّلِينَ) قال: في الأمم.
وقوله (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) يقول: وما يأتي شيع الأوّلين من رسول من الله يرسله إليهم بالدعاء إلى توحيده، والإذعان بطاعته،إلا كانوا به يستهزءون: يقول: إلا كانوا يسخرون بالرسول الذي يرسله الله إليهم عتُوّا منهم وتمرّدا على ربهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ (13) }
يقول تعالى ذكره: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) يقول: لا يصدّقون بالذكر الذي أنزل إليك، والهاء في قوله (نَسْلُكُهُ) من ذكر الاستهزاء بالرسل والتكذيب بهم.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) قال: التكذيب.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) لا يؤمنون به، قال: إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن حميد، عن الحسن، في قوله (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) قال: الشرك.
حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حميد، قال: قرأت القرآن كله على الحسن في بيت أبي خليفة، ففسره أجمع على الإثبات، فسألته عن قوله (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) قال: أعمال سيعملونها لم يعملوها.
حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، قال: قرأت القرآن كله على الحسن، فما كان يفسره إلا على الإثبات، قال: وقفته على نسلكه، قال: الشرك، قال: ابن المبارك: سمعت سفيان في قوله (نَسْلُكُهُ) قال: نجعله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) قال: هم كما قال الله، هو أضلهم ومنعهم الإيمان، يقال منه: سلكه يسلكه سلكا وسلوكا، وأسلكه يسلكه إسلاكا، ومن السلوك قول عديّ بن زيد:





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]