
20-07-2025, 11:54 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ إبراهيم
الحلقة (921)
صــ 50 إلى صــ 60
فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الأرْض الْمُبَدَّلَة فِي مِثْل مَوَاضِعِهِمْ مِنْ الأوْلَى مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَمَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلى ظَهْرِها، وَذلكَ حينَ يَطْوِي السَّمَاواتِ كَطَيّ السِّجلّ للْكِتابِ، ثُمَّ يَدْحُو بِهِما، ثُمَّ تُبَدَّلُ الأرْضُ غيرَ الأرضِ والسَّمَواتُ "."
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: يجمع الناس يوم القيامة في أرض بيضاء، لم يُعمل فيها خطيئة مقدار أربعين سنة يلجمهم العرق.
وقالت عائشة في ذلك، ما:
حدثنا ابن أبي الشوارب وحميد بن مسعدة وابن بزيع، قالوا: حدثنا يزيد بن زريع، عن داود، عن عامر، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، إذا بدّلَت الأرض غير الأرض، وبرزوا لله الواحد القهَّار، أين الناس يومئذ؟ قال: عَلى الصِّرَاطِ "."
حدثنا حميد بن مسعدة وابن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه.
حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن عامر، عن مسروق، قال: قلت لعائشة: "يا أم المؤمنين أرأيت قول الله (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) أين الناس يومئذ؟ فقالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: عَلَى الصِّرَاطِ" .
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الحسن بن عنبسة الورَّاق، قال: ثنا عبد الرحيم، يعني ابن سليمان الرازي عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قول الله (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ) قلت: يا رسول الله، إذا بُدّلت الأرض غير الأرض، أين يكون الناس؟ قال: عَلى الصِّراطِ" .
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عاصم بن عليّ، قال: ثنا إسماعيل بن زكريا، عن داود، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة بنحوه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عائشة أمّ المؤمنين قالت: "أنا أوّل الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية" ثم ذكر نحوه.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا ربعيّ بن إبراهيم الأسدي أخو إسماعيل بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن عامر، قال: قالت عائشة: يا رسول الله، أرأيت إذا بُدّلت الأرض غير الأرض، أين الناس يومئذ؟ قال: عَلى الصراط "."
حدثنا الحسن، قال: ثنا عليّ بن الجند، قال: أخبرني القاسم، قال: سمعت الحسن، قال: قالت عائشة: يا رسول الله (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ) فأين الناس يومئذ؟ قال: إنَّ هذَا الشَّيْءَ ما سألَنِي عَنْهُ أحَدٌ، قال: عَلى الصِّراطِ يا عائِشَةُ "."
حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: ثني الوليد، عن سعيد، عن قتادة، عن حسان بن بلال المزنيّ، عن عائشة: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قول الله (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) قال: قالت: يا رسول الله، فأين الناس يومئذ؟ قال: لَقَدْ سألْتنِي عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عنه أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي، ذَاكَ إذَا النَّاسُ على جِسْر (1) جَهَنَّمَ "."
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) ذُكر لنا أن عائشة قالت: "يا رسول الله، فأين الناس يومئذ؟ فقال: لَقَدْ سألْتِ عَنْ شَيْءٍ ما سألَنِي عنه أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي قَبْلَكِ، قال: هُمْ يَوْمَئِذٍ على جِسْرِ جَهَنَّمَ" .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه، إلا أنه قال: عَلى الصِّرَاطِ.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أسماء، عن ثوبان، قال: "سأل حبر من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أين الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض؟ قال: هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُون الجسْرِ."
حدثني محمد بن عون، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا ابن أبي مريم،
(1) في تاج العروس: الجسر، بالفتح: الذي يعبر عليه كالقنطرة ونحوها، ويكسر لغتان.
قال: ثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي، عن أبي أيوب الأنصاريّ، قال: أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حبرٌ من اليهود، وقال: أرأيت إذ يقول الله في كتابه (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ) فأين الخلق عند ذلك؟ قال: أضْيافُ اللَّهِ فَلَنْ يُعْجِزَهُمْ ما لَدَيْهِ "."
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: يوم تبدّل الأرض التي نحن عليها اليوم يوم القيامة غيرها، وكذلك السماوات اليوم تبدّل غيرها، كما قال جلّ ثناؤه، وجائز أن تكون المبدلة أرضا أخرى من فضة، وجائز أن تكون نارا وجائز أن تكون خبزا، وجائز أن تكون غير ذلك، ولا خبر في ذلك عندنا من الوجه الذي يجب التسليم له أي ذلك يكون، فلا قول في ذلك يصحّ إلا ما دلّ عليه ظاهر التنزيل.
وبنحو ما قلنا في معنى قوله (وَالسَّمَاوَاتُ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ) قال: أرضا كأنها الفضة (وَالسَّمَاوَاتُ) كذلك أيضا.
وقوله (وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) يقول: وظهروا لله المنفرد بالربوبية، الذي يقهر كلّ شيء فيغلبه ويصرفه لما يشاء كيف يشاء، فيحيي خلقه إذا شاء، ويميتهم إذا شاء، لا يغلبه شيء، ولا يقهره من قبورهم أحياء لموقف القيامة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) }
يقول تعالى ذكره: وتعاين الذين كفروا بالله، فاجترموا في الدنيا الشرك يومئذ، يعني: يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسماوات. (مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ) يقول: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد، وهي الوثاق من غلّ وسلسلة، واحدها: صَفَد، يقال منه: صفدته في الصَّفَد صَفْدا وصِفادا،
والصفاد: القيد، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
فَآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبايا ... وأُبْنا بالمُلُوكِ مُصَفَّدِينا (1)
ومن جعل الواحد من ذلك صِفادا جمعه: صُفُدا لا أصفادا، وأما من العطاء، فإنه يقال منه: أصفدتُهُ إصفادا، كما قال الأعشى:
تَضَيَّفْتُهُ يَوْما فأكْرَمَ مَجْلِسِي ... وأصْفَدَنِي عِنْدَ الزَّمانَةِ قائِدَا (2)
وقد قيل في العطاء أيضا: صَفَدَني صَفْدا، كما قال النابغة الذبياني:
هَذَا الثَّناءُ فإنْ تَسْمَعْ لِقَائِلِهِ ... فَمَا عَرَضْتُ أبَيْتَ اللَّعْنَ بالصَّفَدِ (3)
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله (مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثني عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ) يقول: في وثاق.
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني، قال: ثنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، قال: الأصفاد: السلاسل
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ) قال: مقرّنين في القيود والأغلال.
(1) البيت لعمرو بن كلثوم في معلقته. وآبوا: رجعوا. والنهاب: جمع نهب. والمصفدون: المغللون بالأصفاد، الواحد: صفد، وهو الغل. يقول: ظفرنا بهم، فلم نلتفت إلى أسلابهم، ولا أموالهم، وعمدنا إلى ملوكهم، فصفدناهم في الحديد. وفي (اللسان: صفه) : الصفاد: حبل يوثق به أو غل. وهو الصفد، والصفد (بتسكين الفاء وتحريكها) . والجمع: الأصفاد. قال ابن سيده: لا نعمله كسر على غير ذلك. وفي التنزيل "مقرنين في الأصفاد" . قيل: هي الأغلال. وقيل: القيود. واحدها صفد. وانظر شرح المعلقات السبع للزوزني، وشرح القصائد العشر للتبريزي.
(2) البيت للأعشى (اللسان: صفد، وديوان الأعشى طبع القاهرة ص 65) من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي، ويذم الحارث بن وعلة بن مجالد الرقاشي. وتضيفته: نزلت عنده ضيفا، وأصفدني: أعطاني، من الصفد بمعنى العطية هنا. يقول: لما زرت هوذة في "جو" أكرم وفادتي عليه، وقربني من مجلسه، وأعطاني قائدا يقودني لما رأى من آثار الضعف والكلال وسوء البصر، ورواية الديوان: "على" في موضع "عند" .
(3) هذا البيت للنابغة الذيباني (مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 155) . والصفد هنا: بمعنى العطاء كالذي قبله. وفي الشطر الثاني منه: فلم أعرض، في مكان: فما عرضت.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا عليّ بن هاشم بن البريد، قال: سمعت الأعمش، يقول: الصفد: القيد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ) قال: صفدت فيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم، والأصفاد: الأغلال.
وقوله (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ) يقول: قمصهم التي يلبسونها، واحدها: سربال، كما قال امرؤ القيس:
لَعُوبٌ تُنَسِّيني إذَا قُمْتُ سرْبالي (1)
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ) قال: السرابيل: القُمُص. وقوله (مِنْ قَطِرَانٍ) يقول: من القطران الذي يهنأ به الإبل، وفيه لغات ثلاث: يقال: قِطران وقَطْران بفتح القاف وتسكين الطاء منه. وقيل: إن عيسى بن عمر كان يقرأ "مِنْ قِطْرَانٍ" بكسر القاف وتسكين الطاء، ومنه قول أبي النجم:
جَوْنٌ كأنَّ العَرَقَ المَنْتُوحا ... لَبَّسُه القِطْرَانَ والمُسُوحا (2)
بكسر القاف، وقال أيضا:
كأنَّ قِطْرَانا إذَا تَلاهَا ... تَرْمي بِهِ الرّيحُ إلى مَجْرَاها (3)
(1) هذا عجز بيت لامرئ القيس بن حجر من لاميته المطولة (54 بيتا) ، وصدره "ومثلك بيضاء العوارض طفلة" (انظر مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 37) . وهذا البيت ساقط من نسخة الديوان بشرح الوزير أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي، وثابت في نسخة الأعلم الشنتمري، وفيما نقله البغدادي في خزانة الأدب الكبرى من أبيات القصيدة (ج 1: 197) أورده بعد قول امرئ القيس: "وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي" . والواو في البيت: واو رب. والخطاب لبسباسة. والعارض والعارضة صفحة الخد وصفحة العنق، وجانب الوجه، وما يستقبلك من الشيء، ومن الوجه ما يبدو عن الضحك، والطفلة (بالفتح) : الناعمة البدن. واللعوب: الحسنة الدل. والسربال: القميص، يريد: تذهب بفؤادي، حتى أنسى قميصي، والشاهد فيه عند الطبري، أن السربال: هو القميص عند العرب.
(2) البيت في (لسان العرب: نتح) قال: النتح: خروج العرق من الجلد، والدسم من النحي، والندي من الثرى. نتح ينتح نتحا ونتوحا. وقال الجوهري: النتح: الرشح. ومناتح العرق: مخارجه من الجلد، وأنشد: جون ... الخ. والقطران (بالفتح وبالكسر وكظربان) : عصارة الأرز، وهو الصنوبر، يطبخ ثم تهنأ به الإبل، وإنما جعلت سرابيلهم منه، لأنه يبالغ في اشتعال النار في الجلود (عن تاج العروس) . والمسوح: جمع مسح، بكسر الميم، وهو الكساء من الشعر: جمعه أمساح ومسوح.
(3) هذا الشاهد كالذي قبله، على أن القطران، بكسر القاف.
بالكسر.
وبنحو ما قلناه في ذلك يقول من قرأ ذلك كذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن (مِنْ قَطِرَانٍ) يعني: الخَصْخَاص هِناء الإبل.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن (مِنْ قَطِرَانٍ) قال: قطران الإبل.
وقال بعضهم: القطران: النحاس.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قَطران: نحاس، قال ابن جريج: قال ابن عباس (مِنْ قَطِرَانٍ) نحاس.
حدّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة (مِنْ قَطِرَانٍ) قال: هي نحاس، وبهذه القراءة: أعني بفتح القاف وكسر الطاء، وتصيير ذلك كله كلمة واحدة، قرأ ذلك جميع قرّاء الأمصار، وبها نقرأ لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقد رُوي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك: "مِنْ قَطْرٍ آنٍ" بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير آن من نعتِه، وتوجيه معنى القَطر إلى أنه النحاس، ومعنى الآن، إلى أنه الذي قد انتهى حرّه في الشدّة.
وممن كان يقرأ ذلك كذلك فيما ذكر لنا عكرمة مولى ابن عباس، حدثني بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حُصَين عنه.
ذكر من تأوّل ذلك على هذه القراءة التأويل الذي ذكرت فيه حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: قطر، والآن: الذي قد انتهى حرّه.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا داود بن مِهران، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير نحوه.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، بنحوه.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" .
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا المبارك بن فضالة، قال: سمعت الحسن يقول: كانت العرب تقول للشيء إذا انتهى حرّه: قد أنى حرّ هذا، قد أوقدت عليه جهنم منذ خلقت فأنى حرّها.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعيد، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس في قوله "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: القطر: النحاس، والآن: يقول: قد أنى حرّه، وذلك أنه يقول: حميمٌ آن.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا ثابت بن يزيد، قال: ثنا هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، في هذه الآية "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: من نحاس، قال: آن أنى لهم أن يعذّبوا به.
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن حُصَين، عن عكرمة، في قوله "مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: الآني: الذي قد انتهى حرّه.
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: "مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: هو النحاس المذاب.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة "مِنْ قَطْرٍ آنٍ" يعني: الصِّفر المذاب.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن قتادة "سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: من نحاس.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، قال: ثنا أبو حفص، عن هارون، عن قتادة أنه كان يقرأ "مِنْ قَطْرٍ آنٍ" قال: من صفر قد انتهى حرّه.
وكان الحسن يقرؤها "مِنْ قَطْرٍ آنٍ" .
وقوله (وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) يقول: وتلفَحُ وجوههم النار فتحرقها
(لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ) يقول: فعل الله ذلك بهم جزاء لهم بما كسبوا من الآثام في الدنيا، كيما يثيب كلّ نفس بما كسبت من خير وشرّ، فيَجْزِي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) يقول: إن الله عالم بعمل كلّ عامل، فلا يحتاج في إحصاء أعمالهم إلى عقد كفّ ولا معاناة، وهو سريع حسابه لأعمالهم، قد أحاط بها علما، لا يعزب عنه منها شيء، وهو مجازيهم على جميع ذلك صغيره وكبيره.
القول في تأويل قوله تعالى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبَابِ (52) }
يقول تعالى ذكره: هذا القرآن بلاغ للناس، أبلغ الله به إليهم في الحجة عليهم، وأعذر إليهم بما أنزل فيه من مواعظه وعبره (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) يقول: ولينذروا عقاب الله، ويحذروا به نقماته، أنزله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) يقول: وليعلموا بما احتجّ به عليهم من الحجج فيه أنما هو إله واحد، لا آلهة شتى، كما يقول المشركون بالله، وأن لا إله إلا هو الذي له ما في السماوات وما في الأرض، الذي سخر لهم الشمس والقمر والليل والنهار وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لهم، وسخر لهم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لهم الأنهار. (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) يقول: وليتذكر فيتعظ بما احتجّ الله به عليه من حججه التي في هذا القرآن، فينزجر عن أن يجعل معه إلها غيره، ويُشْرِك في عبادته شيئا سواه أهلُ الحجى والعقول، فإنهم أهل الاعتبار والادّكار دون الذين لا عقول لهم ولا أفهام، فإنهم كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) قال: القرآن (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) قال: بالقرآن. (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الألْبَابِ)
آخر تفسير سورة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والحمد لله ربّ العالمين.
تفسير سورة الحجر
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) }
أما قوله جلّ ثناؤه: وتقدّست أسماؤه (الر) ، فقد تقدم بيانها فيما مضى قبل. وأما قوله: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) فإنه يعني: هذه الآيات، آيات الكتب التي كانت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل (وقُرآنٍ) يقول: وآيات قرآن (مُبِينٍ) يقول: يُبِين من تأمله وتدبَّره رشدَه وهداه.
كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) قال: تبين والله هداه ورشده وخيره.
حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن مجاهد (الر) فواتح يفتتح بها كلامه (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) قال: التوراة والإنجيل.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قوله (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) قال: الكتُب التي كانت قبل القرآن.
القول في تأويل قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) }
اختلفت القراء في قراءة قوله (رُبَمَا) فقرأت ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض الكوفيين (رُبَمَا) بتخفيف الباء، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة بتشديدها.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بمعنى واحد، قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب.
واختلف أهل العربية في معنى "ما" التي مع "ربّ" ، فقال بعض نحويي البصرة: أدخل مع ربّ "ما" ليتكلم بالفعل بعدها، وإن شئت جعلت "ما" بمنزلة شيء، فكأنك قلت: ربّ شيء، يود: أي ربّ ودّ يودّه الذين كفروا. وقد أنكر ذلك من قوله بعض نحويِّي الكوفة، وقال: المصدر لا يحتاج إلى عائد، والودّ قد وقع على "لو" ، ربما يودون لو كانوا: أن يكونوا، قال: وإذا أضمر الهاء في "لو" فليس بمفعول، وهو موضع المفعول، ولا ينبغي أن يترجم المصدر بشيء، وقد ترجمه بشيء، ثم جعله ودّا، ثم أعاد عليه عائدا. فكان الكسائي والفرّاء يقولان: لا تكاد العرب توقع "ربّ" على مستقبل، وإنما يوقعونها على الماضي من الفعل كقولهم: ربما فعلت كذا، وربما جاءني أخوك، قالا وجاء في القرآن مع المستقبل: ربما يودّ، وإنما جاز ذلك لأن ما كان في القرآن من وعد ووعيد وما فيه، فهو حقّ كأنه عيان، فجرى الكلام فيما لم يكن بعد مجراه فيما كان، كما قيل (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقوله (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) كأنه ماض وهو منتظر لصدقه في المعنى، وأنه لا مكذّب له، وأن القائل لا يقول إذا نَهَى أو أمر فعصاه المأمور يقول: أما والله لربّ ندامة لك تذكر قولي فيها لعلمه بأنه سيندم، والله ووعده أصدق من قول المخلوقين. وقد يجوز أن يصحب ربما الدائم وإن كان في لفظ يفعل، يقال: ربما يموت الرجل فلا يوجد له كفن، وإن أُوليت الأسماء كان معها ضمير كان، كما قال أبو داود:
رُبَّمَا الجامِلُ المُؤَبَّل فِيهِمُ ... وعناجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ (1)
(1) البيت لأبي داود الإيادي (خزانة الأدب 4: 188) وهو شاهد على أن رب المكفوفة بما لا تدخل إلا على الفعل عند سيبويه، وهذا البيت شاذ عنده، لدخول رب المكفوفة فيه على الجملة الإسمية، فإن الجامل مبتدأ والمؤبل صفة وفيهم هو الخبر، وتكون رب كما قال أبو حيان من حروف الابتداء، تدخل على الجمل فعلية أو اسمية للقصد إلى تقليل النسبة المفهومة من الجملة، فإذا قلت: ربما قام زيد فكأنك قللت النسبة المفهومة من قيام زيد، وكذلك إذا قلت ربما زيد شاعر، قللت نسبة شعر زيد، وعن بعضهم أن رب المكفوفة نقلت من معنى التقليل إلى معنى التحقيق، كما نقلت قد الداخلة على المضارع في نحو قوله تعالى "قد يعلم ما أنتم عليه" من معنى التقليل إلى معنى التحقيق. ودخولها على الجملة الاسمية مذهب المبرد والزمخشري وابن مالك. والجامل: الجماعة من الإبل، لا واحد لها من لفظها ويقال إبل مؤبلة: إذا كان للقنية، والعناجيج: الخيل الطوال الأعناق، واحدها: عنجوج، والمهار: جمع مهر، وهو ولد الفرس، والأنثى مهرة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|