
19-07-2025, 05:04 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,557
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (876)
صــ 191 إلى صــ 200
من نشاء مراتب ودرجات في العلم على غيره، كما رفعنا يوسف. فـ "مَنْ" على هذه القراءة نصبٌ، وعلى القراءة الأولى خفض. وقد بينا ذلك في "سورة الأنعام" . (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19581- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريح قوله: (نرفع درجات من نشاء) ، يوسف وإخوته، أوتوا علمًا، فرفعنا يوسف فوقهم في العلم.
* * *
وقوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، يقول تعالى ذكره: وفوق كل عالم من هو أعلم منه، حتى ينتهي ذلك إلى الله. وإنما عنى بذلك أنّ يوسف أعلم إخوته، وأنّ فوق يوسف من هو أعلم من يوسف، حتى ينتهي ذلك إلى الله.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19582- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر العقدي قال، حدثنا سفيان، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه حدّث بحديث، فقال رجل عنده: (وفوق كل ذي علم عليم) ، فقال ابن عباس: بئسما قلت! إن الله هو عليم، وهو فوق كل عالم.
19583- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير قال: حدَّث ابن عباس بحديث، فقال رجل عنده: الحمد لله، (وفوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: العالم الله، وهو فوق كل عالم.
(1) انظر ما سلف 11: 505.
19584- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس، فحدث حديثًا، فتعجب رجل فقال، الحمد لله، (فوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: بئسما قلت: الله العليم، وهو فوق كل عالم.
19585- حدثنا الحسن بن محمد وابن وكيع قالا حدثنا عمرو بن محمد قال، أخبرنا إسرائيل، عن سالم، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوق كل عالم.
19586- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، أخبرنا أبو الأحوص، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله الخبير العليم، فوق كل عالم.
19587- حدثني المثنى قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: الله فوق كل عالم.
19588- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال، سأل رجل عليًّا عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا. قال عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ، (وفوق كل ذي علم عليم) .
19589- حدثني يعقوب، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية، عن خالد، عن عكرمة في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: علم الله فوق كل أحد.
19590- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن نضر، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله عز وجل.
19591- حدثنا ابن وكيع، حدثنا يعلى بن عبيد، عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: الله أعلم من كل أحد.
19592- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن، في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.
19593- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عاصم قال، حدثنا جويرية، عن بشير الهجيمي قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية يومًا: (وفوق كل ذي علم عليم) ، ثم وقف فقال: إنه والله ما أمسى على ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه، حتى يعود العلم إلى الذي علَّمه.
19594- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا علي، عن جرير، عن ابن شبرمة، عن الحسن: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: فوق كل عالم عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.
19595- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، حتى ينتهي العلم إلى الله، منه بدئ، وتعلَّمت العلماء، وإليه يعود. في قراءة عبد الله: "وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ" .
* * *
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز ليوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه، ثم يُسَرِّق قومًا أبرياء من السّرَق (1) ويقول: (أيتها العير إنكم لسارقون) ؟
قيل: إن قوله: (أيتها العير إنكم لسارقون) ، إنما هو خبَرٌ من الله عن مؤذِّن أذَّن به، لا خبر عن يوسف. وجائز أن يكون المؤذِّن أذَّن بذلك إذ فَقَد
(1) "يسرق" ، أي ينسبهم إلى السرقة، "سرقة يسرقه" (بتشديد الراء) ، نسبه إلى ذلك.
الصُّواع (1) ولا يعلم بصنيع يوسف. وجائز أن يكون كان أذّن المؤذن بذلك عن أمر يوسف، واستجاز الأمر بالنداء بذلك، لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سَرِقةً في بعض الأحوال، فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسَّرق، ويوسف يعني ذلك السَّرق لا سَرَقهم الصُّواع. وقد قال بعض أهل التأويل: إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف، فعاقبه الله بإجابة القوم إيّاه: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، وقد ذكرنا الرواية فيما مضى بذلك. (2)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، يعنون أخاه لأبيه وأمه، وهو يوسف، كما:-
19596- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، ليوسف.
19597- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19598- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "أن فقد الصواع" ، والصواب ما أثبت.
(2) انظر ما سلف رقم: 19559 - 19563، وذلك أنه كان يستغفر كلما فتش وعاء من أوعيتهم، تأثمًا مما فعل. وعنى أبو جعفر أن يوسف كان يعلم أنه مخطئ في فعله. أما جواب إخوته له، فلم يمض له ذكر فيما سلف.
ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يعني يوسف.
19599- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: يوسف.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في "السَّرَق" الذي وصفُوا به يوسف.
فقال بعضهم: كان صنمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاء على الطريق.
*ذكر من قال ذلك:
19600- حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا الفيض بن الفضل قال، حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: سرق يوسف صَنَمًا لجده أبي أمه، كسره وألقاه في الطريق، فكان إخوته يعيبونه بذلك. (1)
19601- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فقد سرق أخ له من قبل) ذكر أنه سرق صنمًا لجده أبي أمه، فعيَّروه بذلك.
19602- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) : أرادوا بذلك عيبَ نبيّ الله يوسف. وسرقته التي عابوه بها، صنم كان لجده أبي أمه، فأخذه، إنما أراد نبيُّ الله بذلك الخير، فعابوه.
19603- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
(1) الأثر: 19600 "أحمد بن عمرو البصري" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 9875، 13928، والكلام عنه في الرقم الأول.
و "الفيض بن الفضل البجلي الكوفي" ، مترجم في الكبير 4 / 1 / 140، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 88، ولم يذكرا فيه جرحًا. وكان في المطبوعة: "العيص" وأخطأ لأن المخطوطة واضحة هناك كما أثبتها. وهذا الخبر، رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 182.
ابن جريج في قوله: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) ، قال: كانت أمّ يوسف أمرت يوسف يسرق صنمًا لخاله يعبده، وكانت مسلمةً.
* * *
وقال آخرون في ذلك ما:-
19604- حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي قال: كان بنو يعقوب على طعام، إذْ نظرَ يوسف إلى عَرْق فخبأه، (1) فعيّروه بذلك (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . (2)
* * *
وقال آخرون في ذلك بما:-
19605- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد أبي الحجاج قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء، فيما بلغني أن عَمَّته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها [صارت] منطقة إسحاق (3) وكانوا يتوارثونها بالكبر، فكان من اختانها ممن وليها (4) كان له سَلَمًا لا ينازع فيه، (5) يصنع فيه ما شاء. وكان يعقوب حين وُلِد له يوسف، كان قد حضَنه عَمَّتَهُ (6) فكان معها وإليها، فلم يحبَّ أحدٌ شيئًا من الأشياء حُبَّهَا إياه. حتى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ، ووقعت نفس
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "اضطر يوسف إلى عرق" ، وهو خطأ محض، وإنما وصل الكاتب "إذ" بقوله بعده "نظر" . و "العرق" (بفتح فسكون) : العظم عليه اللحم. فإن لم يكن عليه لحم، فهو "عراق" (بضم العين) .
(2) الأثر: 19604 - رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 182، مطولا.
(3) الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري.
(4) في المطبوعة: "فكان من اختص بها" ، غير ما في المخطوطة، فأفسد الكلام وأسقطه. والصواب منها ومن التاريخ. "اختانها" ، سرقها.
(5) "السلم" (بفتحتين) انقياد المذعن المستخذى، كالأسير الذي لا يمتنع ممن أسره، يقال: "أخذه سلمًا" ، إذا أسره من غير حرب، فجاء به منقادًا لا يمتنع.
(6) في المطبوعة: "قد كان حضنته عمته" ، وأثبت ما في التاريخ. وأما المخطوطة، فهي غير منقوطة.
وقوله: "حضنه عمته" فهو هنا فعل متعد إلى مفعولين، وليس هذا المتعدي مما ذكرته كتب اللغة. وإنما ذكر "حضنت المرأة الصبي" ، إذا وكلت به تحفظه وتربيه، وهي "الحاضنة" ، تضم إليها الطفل فتكفله. وهذا المتعدي إلى مفعولين، صحيح عريق في قياس العربية، بمعنى: أعطاها إياه لتحضنه. وهذا مما يزاد عليها إن شاء الله.
يعقوب عليه، (1) أتاها فقال، يا أخيَّة سلّمي إليّ يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة! قالت: فوالله ما أنا بتاركته، (2) والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة! (3) قال: فوالله ما أنا بتاركه! قالت: فدعه عندي أيامًا أنظرْ إليه وأسكن عنه، لعل ذلك يسلّيني عنه= أو كما قالت. فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى مِنْطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: لقد فقدت مِنْطقة إسحاق، فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتُمِسَتْ، ثم قالت: كشِّفوا أهل البيت! (4) فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله إنه لي لسَلَمٌ، أصنع فيه ما شئت. قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل ذلك، فهو سَلَمٌ لك، ما أستطيع غير ذلك. فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت. قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . (5)
= قال ابن حميد. قال ابن إسحاق: لما رأى بنو يعقوب ما صنع إخْوة يوسف، ولم يشكُّوا أنه سرق، قالوا= أسفًا عليه، لما دخل عليهم في أنفسهم (6) تأنيبًا له: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) . فلما سمعها يوسف قال: (أنتم شر مكانًا) ،
(1) في والمطبوعة المخطوطة: "وقعت" بغير واو، والصواب إثباتها، كما في تاريخ الطبري وقوله: "وقعت نفسه عليه" ، أي اشتاق إليه شديدا. وهذا مجاز لم تذكره معاجم اللغة، وهو في غاية الحسن والدقة وبلاغة الأداء عن النفس وانظر بعد قوله: "ما أقدر على أن يغيب عني ساعة" ، فهو دليل على المعنى الذي استظهرته.
(2) في المطبوعة: "فقالت: والله ..." غير ما في المخطوطة، وهو الموافق لما في تاريخ الطبري أيضًا.
(3) قولها: "والله ما أقدر ..." ، ليست في تاريخ الطبري، فهي زيادة في المخطوطة.
(4) في المطبوعة: "اكشفوا" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.
(5) الأثر: 19605 - إلى هذا الموضع، رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 170.
(6) في المطبوعة والمخطوطة: "أسفًا عليهم" ، وهو لا يكاد يستقيم، وكان في المخطوطة أيضًا: "في أنفسنا" ، فصححها في المطبوعة، وأصاب.
سِرًّا في نفسه (ولم يبدها لهم) = (والله أعلم بما تصفون) .
* * *
وقوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يعني بقوله: (فأسرها) ، فأضمرها. (1)
* * *
وقال: (فأسرها) فأنث، لأنه عنى بها "الكلمة" ، وهي: "(أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون. ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزًا، كما قيل: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) [سورة هود:49] ، و (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى) ، [سورة هود:100] "
* * *
وكنى عن "الكلمة" . ولم يجر لها ذكر متقدِّم. والعرب تفعل ذلك كثيرًا، إذا كان مفهومًا المعنى المرادُ عند سامعي الكلام. وذلك نظير قول حاتم الطائي:
أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ (2)
(1) انظر تفسير "الإسرار" فيما سلف ص: 7، تعليق، والمراجع هناك.
(2) ديوانه: 39، وغيره، من قصيدته المشهورة، يقول بعده، وهو من رائع الشعر: إذَا أنَا دَلاَّني الَّذِينَ أُحِبُّهُمْ ... بِمَلْحُودةٍ زَلْخٍ، جَوَانِبُهَا غُبْرُ
وَرَاحُوا عِجَالاً ينفُضُونَ أكُفَّهُمْ ... يَقُولُونَ: قَدْ دَمَّى أَنَامِلَنَا الحفْرُ!.
"ملحودة" ، يعني قبرًا قد لحد له. و "زلخ" ، ملساء، يزل نازلها فيتردى فيها.
يريد: وضاق بالنفس الصدر= فكنى عنها ولم يجر لها ذكر، إذ كان في قوله: "إذا حشرَجَت يومًا" ، دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله: "وضاق بها" . ومنه قول الله: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة النحل:110] ، فقال: "من بعدها" ، ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19606- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، أما الذي أسرَّ في نفسه فقوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) .
19607- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، قال هذا القول.
19608- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) ، يقول: أسرَّ في نفسه قوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) .
* * *
وقوله: (والله أعلم بما تصفون) ، يقول: والله أعلم بما تكذبون فيما تصفون به أخاه بنيامين. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
(1) انظر تفسير "الوصف" فيما سلف: 15: 586، تعليق: 1، والمراجع هناك.
19609- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (أنتم شر مكانًا والله أعلم بما تصفون) ، يقولون: يوسف يقوله.
19610- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19611- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
19612- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والله أعلم بما تصفون) ، أي: بما تكذبون.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذًا: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم، قال: أنتم شرّ عند الله منزلا ممن وصفتموه بأنه سرق، وأخبث مكانًا بما سلف من أفعالكم، والله عالم بكذبكم، وإن جهله كثيرٌ ممن حضرَ من الناس.
* * *
وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم بينهم، كما:-
19613- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم، وقالوا: يا بني راحيل، ما يزال لنا منكم بلاء! متى أخذت هذا الصوع؟ (1) فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقرَ فيه، ثم أدناه من أذنه، ثم قال، إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا وأنكم انطلقتم
(1) في المطبوعة: "حتى أخذت" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|