
19-07-2025, 04:49 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يوسف
الحلقة (872)
صــ 151 إلى صــ 160
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهكذا وطَّأنا ليوسف في الأرض (1) = يعني أرض مصر = (يتبوأ منها حيث يشاء) ، يقول: يتخذ من أرض مصر منزلا حيث يشاء، بعد الحبس والضيق (2) = (نصيب برحمتنا من نشاء) ، من خلقنا، كما أصبنا يوسف بها، فمكنا له في الأرض بعد العبودة والإسار، وبعد الإلقاء في الجبّ = (ولا نضيع أجر المحسنين) ، يقول: ولا نبطل جزاء عمل من أحسن فأطاع ربه، وعمل بما أمره، وانتهى عما نهاه عنه، كما لم نبطل جزاء عمل يوسف إذ أحسن فأطاع الله. (3)
* * *
وكان تمكين الله ليوسف في الأرض كما:-
19459 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما قال يوسف للملك: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) قال الملك: قد فعلت! فولاه فيما يذكرون عمل إطفير وعزل إطفير عما كان عليه، يقول الله: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) ، الآية. قال: فذكر لي، والله أعلم أن إطفير هَلَك في تلك الليالي، وأن الملك الرَّيان بن الوليد، زوَّج يوسف امرأة إطفير راعيل، وأنها حين دخلت عليه قال: أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين؟ قال: فيزعمون أنها قالت: أيُّها الصديق، لا تلمني، فإني كنت امرأة كما ترى حسنًا وجمالا ناعمةً في ملك ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنتَ كما جعلك الله في حسنك وهيئتك، فغلبتني نفسي على ما رأيت. فيزعمون أنه وجدَها عذراء، فأصابها، فولدت له رجلين: أفرائيم بن يوسف، وميشا بن يوسف.
19460 - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي
(1) انظر تفسير "التمكين" فيما سلف ص: 20، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "تبوأ" فيما سلف 15: 198، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "الأجر" و "الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) ، (حسن)
(وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمرها، وكان يلي البيعَ والتجارة وأمرَها كله، فذلك قوله: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) .
19461 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال،قال ابن زيد في قوله: (يتبوأ منها حيث يشاء) قال: ملكناه فيما يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا، يصنع فيها ما يشاء، فُوِّضَتْ إليه. قال: ولو شاء أن يجعَل فرعون من تحت يديه، ويجعله فوقه لفعل.
19462 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال،أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن مجاهد قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولثواب الله في الآخرة= (خير للذين آمنوا) يقول: للذين صدقوا الله ورسوله، مما أعطى يوسف في الدنيا من تمكينه له في أرض مصر = (وكانوا يتقون) ، يقول: وكانوا يتقون الله، فيخافون عقابه في خلاف أمره واستحلال محارمه، فيطيعونه في أمره ونهيه.
* * *
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم) ، يوسف، (وهم) ليوسف (منكرون) لا يعرفونه.
* * *
وكان سبب مجيئهم يوسفَ، فيما ذكر لي، كما:-
19463 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما اطمأن يوسف في ملكه، وخرج من البلاء الذي كان فيه، وخلت السنون المخصبة التي كان أمرهم بالإعداد فيها للسنين التي أخبرهم بها أنها كائنة، جُهد الناس في كل وجه، وضربوا إلى مصر يلتمسون بها الميرة من كل بلدة. وكان يوسف حين رأى ما أصاب الناس من الجهد، قد آسى بينهم، (1) وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرًا واحدًا، ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين، تقسيطًا بين الناس، وتوسيعًا عليهم، (2) فقدم إخوته فيمن قدم عليه من الناس، يلتمسون الميرة من مصر، فعرفهم وهم له منكرون، لما أراد الله أن يبلغ ليوسف عليه السلام فيما أراد. (3)
19464- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: أصاب الناس الجوعُ، حتى أصاب بلادَ يعقوب التي هو بها، فبعث بنيه إلى مصر، وأمسك أخا يوسف بنيامين ; فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون ; فلما نظر إليهم، قال: أخبروني ما أمركم، فإني أنكر شأنكم! قالوا: نحن قوم من أرض الشأم. قال: فما جاء بكم قالوا: جئنا نمتار طعامًا. قال:
(1) في المطبوعة: "أسا بينهم" ، والصواب من المخطوطة. و "آسى بين القوم" ، سوى بينهم، وجعل كل واحد أسوة لصاحبه، أي مثله.
(2) "التقسيط" التفريق، أعطى لكل امرئ قسطًا، وهو من العدل بينهم.
(3) في المطبوعة: "ما أراد" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.
كذبتم، أنتم عيون، كم أنتم؟ قالوا: عشرة. قال: أنتم عشرة آلاف، كل رجل منكم أمير ألف، فأخبروني خبركم. قالوا: إنّا إخوة بنو رجل صِدِّيق، وإنا كنا اثنى عشر، وكان أبونا يحبّ أخًا لنا، وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فيها، وكان أحبَّنا إلى أبينا. قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه. قال: فكيف تخبروني أن أباكم صدِّيق، وهو يحب الصغير منكم دون الكبير؟ ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون) ، قال: فضعُوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا. فوضعوا شمعون.
19465- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وهم له منكرون) قال: لا يعرفونه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزلِينَ (59) }
قال أبو جعفر: يقول: ولما حمَّل يوسف لإخوته أبا عرهم من الطعام، فأوقر لكل رجل منهم بعيرَه، قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) كيما أحمل لكم بعيرًا آخر، فتزدادوا به حمل بعير آخر، (ألا ترون أني أوفي الكيل) ، (1) فلا أبخسه
(1) انظر تفسير "الإيفاء" فيما سلف 15: 492، تعليق: 1، والمراجع هناك.
= وتفسير "الكيل" فيما سلف 15: 446، تعليق: 1، والمراجع هناك.
أحدًا= (وأنا خير المنزلين) ، وأنا خير من أنزل ضيفًا على نفسه من الناس بهذه البلدة، فأنا أضيفكم. كما:
19466- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأنا خير المنزلين) ، يوسف يقوله: (1) أنا خيرُ من يُضيف بمصر.
19467- حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما جهز يوسف فيمن جهَّز من الناس، حَمَل لكل رجل منهم بعيرًا بعدّتهم، ثم قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) ، أجعل لكم بعيرًا آخر، أو كما قال= (ألا ترون أني أوفي الكيل) ، أي: لا أبخس الناس شيئًا= (وأنا خير المنزلين) :، أي خير لكم من غيري، فإنكم إن أتيتم به أكرمت منزلتكم وأحسنت إليكم، وازددتم به بعيرًا مع عدّتكم، فإني لا أعطي كلّ رجل منكم إلا بعيرًا (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون) ، لا تقربوا بلدي.
19468- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) ، يعني بنيامين، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل يوسف لإخوته: (فإن لم تأتوني به) ، بأخيكم من أبيكم= (فلا كيل لكم عندي) ، يقول: فليس لكم عندي طعام أكيله لكم= (ولا تقربون) ، يقول: ولا تقربوا بلادي.
(1) في المطبوعة: "يوسف يقول" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.
وقوله: (ولا تقربون) ، في موضع جزم بالنهي، و "النون" في موضع نصب، وكسرت لما حذفت ياؤها، والكلام: ولا تقربُوني.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف ليوسف إذ قال لهم: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) : (قالوا سنراود عنه أباه) ، ونسأله أن يخليّه معنا حتى نجيء به إليك (1) = (وإنا لفاعلون) يعنون بذلك: وإنا لفاعلون ما قلنا لك إنا نفعله من مراودة أبينا عن أخينا منه ولنجتهدنَّ كما:-
19469- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإنا لفاعلون) ، لنجتهدنّ.
* * *
وقوله: (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول تعالى ذكره: وقال يوسف= "لفتيانه" ، وهم غلمانه، (2) كما:-
19470- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وقال لفتيانه) ، أي: لغلمانه.
* * *
(اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول: اجعلوا أثمان الطعام التي أخذتموها منهم (3) = "في رحالهم" .
(1) انظر تفسير "المراودة" فيما سلف ص: 138، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الفتى" فيما سلف ص: 94، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "البضاعة" فيما سلف ص 4 - 7
= و "الرحال" ، جمع "رَحْل" ، وذلك جمع الكثير، فأما القليل من الجمع منه فهو: "أرْحُل" ، وذلك جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في معنى "البضاعة" ، قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19471- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) : أي: أوراقهم (1)
19472- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام، فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون.
19473- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي قال: وقال لفتيته وهو يكيل لهم: "اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون" إليّ.
* * *
فإن قال قائل: ولأيّةِ علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم؟
قيل: يحتمل ذلك أوجهًا:
أحدها: أن يكون خَشي أن لا يكون عند أبيه دراهم، إذ كانت السَّنة سنة جَدْب وقَحْط، فيُضِرُّ أخذ ذلك منهم به، وأحبّ أن يرجع إليه.
= أو: أرادَ أن يتسع بها أبوه وإخوته، مع [قلّة] حاجتهم إليه، (2) فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب ردّه، تكرمًا وتفضُّلا.
(1) "الأوراق" جمع "ورق" (بفتح فكسر) ، و "ورق" (بفتحتين) ، وهو الفضة، أو المال كله ما كان.
(2) في المخطوطة: "وأراد" ، والصواب "أو" كما في المطبوعة. والذي بين القوسين ليس في المخطوطة أيضًا، فزدته استظهارًا، لحاجة المعنى إليه.
والثالث: وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخلفوه الوعد في الرجوع، إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملَكهُ عليهم غيرهم، عوضًا من طعامه، (1) ويتحرّجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتى يؤدُّوه على صاحبه، فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم= (قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل) ، يقول: منع منا الكيل فوق الكيل الذي كِيلَ لنا، ولم يكل لكل رجُلٍ منّا إلا كيل بعير- (فأرسل معنا أخانا) ، بنيامين يكتلَ لنفسه كيلَ بعير آخر زيادة على كيل أباعِرِنا= (وإنا له لحافظون) ، من أن يناله مكروه في سفره.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
19474- حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا: يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامةَ ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، وإنه ارتهن شمعون، وقال: ائتوني بأخيكم هذا
(1) في المطبوعة: "عوضًا من طعامهم" ، وإنما فعل ذلك لأن معنى الكلام خفي عليه.
وهو كلام بلا شك خفي المعنى، ومعناه: أن هذا الثمن قد ملكه غيرهم، وغلبهم على ملكه من أعطاهم هذا الطعام عوضًا عن الثمن.
الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك، فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي. قال يعقوب: (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين) ؟ قال: فقال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك مصر فاقرءوه مني السلام، وقولوا: إن أبانا يصلِّي عليك، ويدعو لك بما أوليتنا.
19475-حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: خرجوا حتى قدموا على أبيهم، وكان منزلهم، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعرَبات من أرض فلسطين بِغَوْرِ الشأم= وبعض يقول: بالأولاج من ناحية الشّعب، أسفل من حِسْمى (1) = وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل، فقالوا: يا أبانا، قدمنا على خير رجُلٍ، أنزلنا فأكرم منزلنا، وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا، وقد أمرنا أن نأتِيَه بأخ لنا من أبينا، وقال: إن أنتم لم تفعلوا، فلا تقربُنِّي ولا تدخلُنّ بلدي. فقال لهم يعقوب: (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) ؟
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (نكتل) .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة، وبعض أهل مكة والكوفة (نَكْتَلْ) ، بالنون، بمعنى: نكتل نحن وهو.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: "يَكْتَلْ" ، بالياء؛ بمعنى يكتل هو لنفسه، كما نكتال لأنفسنا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ. وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادةَ الكيل على عدد رءوسهم، فقالوا: (يا أبانا مُنع منا الكيل) = ثم
(1) في المخطوطة: "من حسو" ، والصواب ما في المطبوعة.
سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه، فهو إذا اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم، فقد دخل "الأخ" في عددهم. فسواءٌ كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه، أو عن جميعهم بلفظ الجميع، إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم على أخيكم من أبيكم الذي تسألوني أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قَبْلِه.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (فالله خير حافظا) .
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حفِظًا) ، بمعنى: والله خيركم حفظًا.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض أهل مكة: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا) بالألف على توجيه "الحافظ" إلى أنه تفسير للخير، كما يقال: "هو خير رجلا" ، والمعنى: فالله خيركم حافظًا، ثم حذفت "الكاف والميم" .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى قد قرأ بكل واحدة منهما أهل علمٍ بالقرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظًا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظًا، ومن
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|