عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18-07-2025, 06:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ هود
الحلقة (827)
صــ 281 إلى صــ 290








يكفر ببعضه، وهم اليهود والنصارى. قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت قبل أن يؤمن بي، إلا دخل النار" .
18079- حدثني المثنى قال، حدثنا يوسف بن عدي النضري قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني، فلم يؤمن بي لم يدخل الجنة. (1)
* * *
(1)
الأثر: 18079 - "يوسف بن عدي النصري" ، هكذا في المخطوطة غير منقوط، وفي المطبوعة: "النضري" ولا أدري من أين أتى بإعجامه هذا. والذي مر بنا في الخبر رقم: 10309، رواية المثنى، عن يوسف بن عدي، عن ابن المبارك "وظننت هناك أنه:" يوسف بن عدي بن رزيق التيمي "، فلا أدري ما هذه النسبة التي هنا، إلا أني أظن أنها" المصري "، لأن" يوسف بن عدي "، وإن يكن كوفيًا، إلا أنه سكن مصر، ومات بها سنة 232.وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 4: 396، عن طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي بشر، بهذا اللفظ. ومثله 4: 398، من طريق عفان، عن شعبة.وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 8: 261، 262، مطولا، وفيه من قول أبي موسى الأشعري:" فقلت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا في كتاب الله عز وجل، فقرأت فوجدت: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} ، فهذا نحو ما قاله سعيد بن جبير في الآثار السالفة. وقال الهيثمي بعد: "رواه الطبراني، واللفظ له، وأحمد بنحوه في الروايتين، ورجال أحمد رجال الصحيح، والبزار أيضًا باختصار" .

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأي الناس أشد تعذيبًا ممن اختلق على الله كذبًا فكذب عليه؟ (1) = (أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) يعرضون يوم القيامة على ربهم (2) فيسألهم عما كانوا في دار الدنيا يعملون، كما:"
18080- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا) ، قال: الكافر والمنافق، (أولئك يعرضون على ربهم) ، فيسألهم عن أعمالهم.
* * *
وقوله: (ويقول الأشهاد) ، يعني الملائكة والأنبياء الذين شهدوهم وحفظوا عليهم ما كانوا يعملون = وهم جمع "شاهد" مثل "الأصحاب" الذي هو جمع "صاحب" = (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) ، يقول: شهد هؤلاء الأشهاد في الآخرة على هؤلاء المفترين على الله في الدنيا، فيقولون: هؤلاء الذين كذبوا في الدنيا على ربهم، يقول الله: (ألا لعنة الله على الظالمين) ، يقول: ألا غضب الله على المعتدين الذين كفروا بربّهم.
* * *
وبنحو ما قلنا في قوله (ويقول الأشهاد) ، قال أهل التأويل.
(1)
انظر تفسير "افترى" فيما سلف من فهارس اللغة (فرى) .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "يكذبون على ربهم" ، والأجود أن تبقى على سياقة الآية.

*ذكر من قال ذلك:
18081- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ويقول الأشهاد) ، قال: الملائكة.
18082- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الملائكة.
18083- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ويقول الأشهاد) ، والأشهاد: الملائكة، يشهدون على بني آدم بأعمالهم.
18084- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (الأشهاد) ، قال: الخلائق = أو قال: الملائكة.
18085- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، بنحوه.
18086- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (ويقول الأشهاد) ، الذين كان يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا = (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) ، حفظوه وشهدوا به عليهم يوم القيامة = قال ابن جريج: قال مجاهد: "الأشهاد" ، الملائكة.
18087- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، قال: سألت الأعمش عن قوله: (ويقول الأشهاد) ، قال: الملائكة.
18088- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ويقول الأشهاد) ، يعني الأنبياء والرسل، وهو قوله: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ) ، [سورة النحل: 89] . قال: وقوله: (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) ، يقولون: يا ربنا أتيناهم بالحق فكذبوا، فنحن نشهد عليهم أنهم كذبوا عليك يا ربنا.
18089- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد وهشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز المازني قال، بينا نحن بالبيت مع عبد الله بن عمر، وهو يطوف، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر، ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ (1) فقال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كَنَفه فيقرّره بذنوبه، فيقول: هل تعرف كذا؟ فيقول: رب أعرف! (2) مرتين، حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم. قال: فيعطى صحيفة حسناته = أو: كتابه = بيمينه. وأما الكفار والمنافقون، فينادى بهم على رءوس الأشهاد: "ألا هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" . (3)
18090- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا هشام، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. (4)
18091- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: كنا نحدَّث أنه لا يخزَى يومئذ أحدٌ، فيخفى خزيُه على أحد ممن خلق لله = أو: الخلائق.
* * *
(1)
مضى في رقم: 6497: "أما سمعت" .

(2)
مضى في رقم: 6497: "رب اغفر" ، مكان "رب أعرف" .

(3)
الأثر: 18089 - مضى هذا الخبر بإسناده، وتخريجه في رقم: 6497 (ج 6: 119، 120) .

(4)
الأثر: 18090 - مضى هذا الإسناد برقم: 6497، أيضًا.

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) }
قال أبو جعفر: يقولا تعالى ذكره: ألا لعنة الله على الظَّالمين الذين يصدّون الناسَ، عن الإيمان به، والإقرار له بالعبودة، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد، من مشركي قريش، وهم الذين كانوا يفتنون عن الإسلام من دخل فيه (1) . = (ويبغونها عوجًا) ، يقول: ويلتمسون سبيل الله، وهو الإسلام الذي دعا الناس إليه محمد، (2) يقول: زيغًا وميلا عن الاستقامة. (3) = (وهم بالآخرة هم كافرون) ، يقول: وهم بالبعث بعد الممات مع صدهم عن سبيل الله وبغيهم إياها عوجًا = (كافرون) يقول: هم جاحدون ذلك منكرون.
* * *
(1)
انظر تفسير "الصد" فيما سلف 14: 216، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "بغى" فيما سلف 14: 283، تعليق: 1، والمراجع هناك.

= وتفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(3)
انظر تفسير "العوج" فيما سلف 7: 53، 54 / 12: 448، 559.

القول في تأويل قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) }
قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض) ، هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه أنهم يصدّون عن سبيل الله، يقول جل ثناؤه: إنهم لم يكونوا بالذي يُعْجِزون ربَّهم بهربهم منه في الأرض إذا أراد عقابهم والانتقام منهم، ولكنهم في قبضته وملكه، لا يمتنعون منه إذا أرادهم ولا يفوتونه
هربًا إذا طلبهم (1) = (وما كان لهم من دون الله من أولياء) ، يقول: ولم يكن لهؤلاء المشركين إذا أراد عقابهم من دون الله أنصارٌ ينصرونهم من الله، (2) ويحولون بينهم وبينه إذا هو عذبهم، وقد كانت لهم في الدنيا مَنْعَة يمتنعون بها ممن أرادهم من الناس بسوء = وقوله: (يضاعف لهم العذاب) ، يقول تعالى ذكره: يزاد في عذابهم، فيجعل لهم مكان الواحد اثنان. (3)
* * *
وقوله: (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ، فإنه اختلف في تأويله.
فقال بعضهم: ذلك وصَفَ الله به هؤلاء المشركين أنه قد ختم على سمعهم وأبصارهم، وأنهم لا يسمعون الحق، ولا يبصرون حجج الله، سَمَاعَ منتفع، ولا إبصارَ مهتدٍ.
*ذكر من قال ذلك:
18092- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ، صم عن الحقّ فما يسمعونه، بكم فما ينطقون به، عمي فلا يبصرونه، ولا ينتفعون به
18093- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ، قال: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرًا فينتفعوا به، ولا يبصروا خيرًا فيأخذوا به
18094- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك، وبين طاعته في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا، فإنه قال: (ما كانوا
(1)
انظر تفسير "الإعجاز" فيما سلف ص: 102، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

(3)
انظر تفسير "المضاعفة" فيما سلف 12: 417 - 419.

يستطيعون السمع) ، وهي طاعته = (وما كانوا يبصرون) . وأما في الآخرة، فإنه قال: (فلا يستطيعون خاشعة) ، [سورة القلم: 42، 43] .
* * *
وقال آخرون: إنما عنى بقوله: (وما كان لهم من دون الله من أولياء) ، آلهةَ الذين يصدون عن سبيل الله. وقالوا: معنى الكلام: أولئك وآلهتهم، (لم يكونوا معجزين في الأرض يضاعَفُ لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ، يعني الآلهة، أنها لم يكن لها سمعٌ ولا بصر. وهذا قولٌ روي عن ابن عباس من وجه كرهت ذكره لضعْفِ سَنَده.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: يُضَاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه، وبما كانوا يبصرون ولا يتأمَّلون حجج الله بأعينهم فيعتبروا بها. قالوا: و "الباء" كان ينبغي لها أن تدخل، لأنه قد قال: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ، [سورة البقرة: 10] ، بكذبهم، في غير موضع من التنزيل أدخلت فيه "الباء" ، وسقوطها جائز في الكلام كقولك في الكلام: "لأجزينَّك ما علمت، وبما علمت" ، (1) وهذا قول قاله بعض أهل العربية.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، ما قاله ابن عباس وقتادة، من أن الله وصفهم تعالى ذكره بأنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحقّ سماع منتفع، ولا يبصرونه إبصار مهتد، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين، عن استعمال جوارحهم في طاعة الله، وقد كانت لهم أسماعٌ وأبصارٌ.
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "كقولك في الكلام: لاحن بما فيك ما علمت وبما علمت" ، وهذا كلام يبرأ بعضه من بعض، والظاهر أن الفساد كله من الناسخ، لأنه كتب "لاحن" في آخر الصفحة، ثم قلب، وبدأ الصفحة الأخرى. "بما فيك ما عملت" ، وهذا عجب. والصواب الذي أثبته، هو نص كلام الفراء في معاني القرآن.

القول في تأويل قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم، هم الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله (1) = (وضل عنهم ما كانوا يفترون) ، وبطل كذبهم وإفكهم وفريتهم على الله، (2) بادعائهم له شركاء، فسلك ما كانوا يدعونه إلهًا من دون الله غير مسلكهم، وأخذ طريقًا غير طريقهم، فضَلّ عنهم، لأنه سلك بهم إلى جهنم، وصارت آلتهم عدمًا لا شيء، لأنها كانت في الدنيا حجارة أو خشبًا أو نحاسًا = أو كان لله وليًّا، فسلك به إلى الجنة، وذلك أيضًا غير مسلكهم، وذلك أيضًا ضلالٌ عنهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (22) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حقا أن هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم في الدنيا وفي الآخرة هم الأخسرون الذين قد باعوا منازلهم من الجنان بمنازل أهل الجنة من النار ; وذلك هو الخسران المبين.
* * *
وقد بينا فيما مضى أن معنى قولهم: "جَرمتُ" ، كسبت الذنب و "جرمته" ، (3)
(1)
انظر تفسير "الخسران" فيما سلف من فهارس اللغة (خسر) .

(2)
انظر تفسير "الضلال" و "الافتراء" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) ، (فرى) .

(3)
انظر ما سلف 9: 483 - 485 / 10: 95، وكان في المطبوعة: "جرمت" ، "أجرمته" بالألف، والصواب ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في معاني القرآن.

وأن العرب كثر استعمالها إياه في مواضع الأيمان، (1) وفي مواضع "لا بد" كقولهم: "لا جرم أنك ذاهب" ، بمعنى: "لا بد" ، حتى استعملوا ذلك في مواضع التحقيق، فقالوا: "لا جَرَم لتقومن" ، بمعنى: حَقًّا لتقومن. (2) فمعنى الكلام: لا منع عن أنهم، ولا صدّ عن أنهم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا في الدنيا بطاعة الله = و "أخبتوا إلى ربهم" .
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى "الإخبات" .
فقال بعضهم: معنى ذلك: وأنابوا إلى ربهم.
*ذكر من قال ذلك:
18095- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم) ، قال: "الإخبات" ، الإنابة
18096- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وأخبتوا إلى ربهم) ، يقول: وأنابوا إلى ربهم
* * *
(1)
انظر ما سلف 9: 483، ولكني لم أجد هناك هذا التفصيل الذي ذكره بعد، ولا أظنه مر شيء منه، إلا أن يكون فاتني تقييده. وأخشى أن يكون سهوًا من أبي جعفر.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء في تفسير هذه الآية، وهذا بعض كلامه.

وقال آخرون: معنى ذلك: وخافوا.
*ذكر من قال ذلك:
18097- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: (وأخبتوا إلى ربهم) ، يقول: خافوا
* * *
وقال آخرون: معناه: اطمأنوا.
*ذكر من قال ذلك:
18098- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء = عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وأخبتوا إلى ربهم) ، قال: اطمأنوا.
18099- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
18100- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: خشعوا.
*ذكر من قال ذلك:
18101- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأخبتوا إليهم ربهم) ، "الإخبات" ، التخشُّع والتواضع
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة المعاني، وإن اختلفت ألفاظها، لأن الإنابة إلى الله من خوف الله، ومن الخشوع والتواضع لله بالطاعة، والطمأنينة إليه من الخشوع له، غير أن نفس "الإخبات" ، عند العرب: الخشوع والتواضع.
* * *




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]