عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18-07-2025, 02:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,518
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ يونس
الحلقة (802)
صــ 31 إلى صــ 40





عن غير واحدٍ عطيةُ فيهم: "سبحان الله" تنزيهٌ لله.
17567- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: سمعت موسى بن طلحة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "سبحان الله" ، قال: إبراء الله عن السوء.
17568- حدثنا أبو كريب، وأبو السائب، وخلاد بن أسلم قالوا، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا قابوس، عن أبيه: أن ابن الكوّاء سأل عليًّا رضي الله عنه عن "سبحان الله" ، قال: كلمة رضيها الله لنفسه.
17569- حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن عثمان بن عبد الله بن موهب الطلحي، عن موسى بن طلحة قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "سبحان الله" ، فقال: تنزيهًا لله عن السوء. (1)
17570- حدثني علي بن عيسى البزار قال، حدثنا عبيد الله بن محمد قال، حدثنا عبد الرحمن بن حماد قال، حدثني حفص بن سليمان قال، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير "سبحان الله" ، فقال: هو تنزيه الله من كل سوء. (2)
(1)
الأثر: 17567، 17569 - "سفيان" بن سعيد، هو الثوري الإمام المشهور.

و "عثمان بن عبد الله بن وهب التيمي" ، مولى آل طلحة ينسب إلى جده يقال: "عثمان بن وهب" تابعي ثقة، روى عن ابن عمر، وأبي هريرة، وأم سلمة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 155.
و "موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي" ، تابعي ثقة، روى عن أبيه وغيره من الصحابة. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 286، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 147.
وهو خبر مرسل، وسيأتي موصولا في الذي يليه، ولكنها أخبار لا يقوم إسنادها.
(2)
الأثر: 17570 - "علي بن عيسى البزار" ، شيخ الطبري، هو "علي بن عيسى بن يزيد البغدادي الكراجكي، ثقة، مضى برقم: 2168."

و "عبيد الله بن محمد بن حفص التميمي، العيشي" ، من ولد عائشة بنت طلحة، ثقة، مستقيم الحديث. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 335.
و "عبد الرحمن بن حماد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله" ، منكر الحديث، لا يحتج به.
مترجم في لسان الميزان 3: 412، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 226، ومي زان الاعتدال 2: 102.
و "حفص بن سليمان الأسدي البزار" ، ضعيف الحديث، مضى برقم: 5753، 11458.
و "طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي" ، وثقه ابن معين وغيره، وقال البخاري: "منكر الحديث" ، وقال في كتاب الضعفاء الصغير ص: 46: "وليس بالقوي" ، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 477.
وأبوه: "يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي" ، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 283، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 160.
وهذا خبر هالك الإسناد، كما رأيت.
17571- حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي قال، حدثنا سليمان بن أيوب قال: حدثني أبي، عن جدي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، قول "سبحان الله" ؟ قال: تنزيه الله عن السوء. (1)
* * *
= (وتحيتهم) ، يقول: وتحية بعضهم بعضًا= (فيها سلام) ، أي: سَلِمْتَ وأمِنْتَ مما ابتُلي به أهل النار. (2)
* * *
والعرب تسمي الملك "التحية" ، ومنه قول عمرو بن معد يكرب:
أَزُورُ بِهَا أَبَا قَابُوسَ حَتَّى ... أُنِيخَ عَلَى تَحِيَّتِهِ بِجُنْدِي (3)
(1)
الأثر: 17571 - "محمد بن عمرو بن تمام الكلبي، المصري" ، أبو الكروس، شيخ الطبري، مترجم في ابن أبي حاتم 4 / 1 / 34.

و "سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة" روى نسخة عن أبيه عن آبائه عامة، أحاديثه لا يتابع عليها، وروى أحاديث مناكير. وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم من التهذيب وابن أبي حاتم 2 / 1 / 101.
وهذا خبر ضعيف الإسناد أيضًا.
(2)
انظر تفسير "التحية" فيما سلف 8: 586 - 590.

(3)
من قصيدة طويلة له، رواها أبو علي القالي في أماليه 3: 147 - 150، واللسان (حيا) ، مع اختلاف في الرواية.

ومنه قول زهير بن جناب الكلبي:
مِنْ كُلِّ مَا نَالَ الفَتَى ... قَدْ نِلْتُهُ إلا التَّحِيَّهْ
* * *
وقوله: (وآخر دعواهم) ، يقول: وآخر دعائهم (1) = (أن الحمد لله رب العالمين) ، يقول: وآخر دعائهم أن يقولوا: الحمد لله رب العالمين "، ولذلك خففت" أن "ولم تشدّد لأنه أريد بها الحكاية."
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو يعجل الله للناس إجابةَ دعائهم في الشرّ، وذلك فيما عليهم مضرّة في نفس أو مال= (استعجالهم بالخير) ، يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به= (لقضي إليهم أجلهم) ، يقول: لهلكوا، وعُجِّل لهم الموت، وهو الأجل. (2)
* * *
وعني بقوله: (لقضي) ، لفرغ إليهم من أجلهم، (3) ونُبذ إليهم، (4) كما قال أبو ذؤيب:
(1)
انظر تفسير "الدعوى" فيما سلف ص: 30، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الأجل" فيما سلف 13: 290، تعليق: 6، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "قضى" فيما سلف 13: 290، تعليق: 6، والمراجع هناك.

(4)
في المطبوعة: "وتبدى لهم" ، غير ما في المخطوطة إذ لم يحسن قراءته.

وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاوُدُ، أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ (1)
* * *
= (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا) ، يقول:
فندع الذين لا يخافون عقابنا، ولا يوقنون بالبعث ولا بالنشور، (2) = (في طغيانهم) ، يقول: في تمرّدهم وعتوّهم، (3) (يعمهون) يعني: يترددون. (4)
وإنما أخبر جل ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم، من طغيانهم وترددهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشرّ لو استجاب لهم، أن ذلك كان يدعوهم إلى التقرُّب إلى الوثن الذي يشرك به أحدهم، أو يضيف ذلك إلى أنه من فعله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17572- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: قولُ الإنسان إذا غضب لولده وماله: "لا باركَ الله فيه ولعنه" !
17573- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: قولُ الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: "اللهم لا تبارك فيه والعنه" !
(1)
سلف البيت وتخريجه وشرحه 2: 542.

(2)
انظر تفسير "يذر" فيما سلف من فهارس اللغة (وذر) .

= وتفسير "الرجاء" فيما سلف ص: 26، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(3)
انظر تفسير "الطغيان" فيما سلف 13: 291، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "العمه" فيما سلف 13: 291، تعليق: 2، والمراجع هناك.

فلو يعجّل الله الاستجابة لهم في ذلك، كما يستجاب في الخير لأهلكهم.
17574- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: "اللهم لا تبارك فيه والعنه" = (لقضي إليهم أجلهم) قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته.
17575- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله: "اللهم لا تبارك فيه والعنه" ! قال الله: (لقضي إليهم أجلهم) ، قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته. قال: (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا) ، قال يقول: لا نهلك أهل الشرك، ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون.
17576- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قوله: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.
17577- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (لقضي إليهم أجلهم) ، قال: لأهلكناهم. وقرأ: (مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) ، [سورة فاطر: 45] . قال: يهلكهم كلهم.
* * *
ونصب قوله: (استعجالهم) ، بوقوع (يعجل) عليه، كقول القائل: "قمت اليوم قيامَك" بمعنى: قمت كقيامك، وليس بمصدّرٍ من (يعجل) ، لأنه لو كان مصدّرًا لم يحسن دخول "الكاف" = أعني كاف التشبيه = فيه. (1)
* * *
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 458.

واختلفت القراء في قراءة قوله: (لقضي إليهم أجلهم) .
فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق: (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) ، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، بضم القاف من "قضي" ، ورفع "الأجل" .
* * *
وقرأ عامة أهل الشأم: (لَقَضَى إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ) ، بمعنى: لقضى الله إليهم أجلهم.
* * *
قال أبو جعفر: وهما قراءتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني أقرؤه على وجه ما لم يسمَّ فاعله، لأن عليه أكثر القراء.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا أصاب الإنسان الشدة والجهد (1) = (دعانا لجنبه) ، يقول: استغاث بنا في كشف ذلك عنه = (لجنبه) ، يعني مضطجعًا لجنبه. = (أو قاعدًا أو قائمًا) بالحال التي يكون بها عند نزول ذلك الضرّ به = (فلما كشفنا عنه ضره) ، يقول: فلما فرّجنا عنه الجهد الذي أصابه (2) = (مرّ كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) ، يقول: استمرَّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضر، (3) ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء أو تناساه، وترك الشكر لربه الذي
(1)
انظر تفسير "المس" فيما سلف 14: 64، تعليق: 2، والمراجع هناك. = وتفسير "الضر" فيما سلف من فهارس اللغة (ضرر) .

(2)
انظر تفسير "الكشف" فيما سلف 11: 354 / 13: 73.

(3)
انظر تفسير "مر" فيما سلف 13: 304، 305.

فرّج عنه ما كان قد نزل به من البلاء حين استعاذ به، وعاد للشرك ودَعوى الآلهةِ والأوثانِ أربابًا معه. يقول تعالى ذكره: (كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون) ، يقول: كما زُيِّن لهذا الإنسان الذي وصفنا صفتَه، (1) استمرارُه على كفره بعد كشف الله عنه ما كان فيه من الضر، كذلك زُيّن للذين أسرفوا في الكذِب على الله وعلى أنبيائه، فتجاوزوا في القول فيهم إلى غير ما أذن الله لهم به، (2) ما كانوا يعملون من معاصي الله والشرك وبه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17578- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: (دعانا لجنبه) ، قال: مضطجعًا.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أهلكنا الأمم التي كذبت رسل الله من قبلكم أيها المشركون بربهم (3) = (لما ظلموا) ، يقول: لما أشركوا وخالفوا أمر الله ونهيه (4) = (وجاءتهم رسلهم) من عند الله، (بالبينات) ، وهي الآيات والحجج
(1)
انظر تفسير "التزيين" فيما سلف 14: 245، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الإسراف" فيما سلف 12: 458، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "القرون" فيما سلف 11: 263.

(4)
انظر تفسير "الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .

التي تُبين عن صِدْق من جاء بها. (1)
ومعنى الكلام: وجاءتهم رسلهم بالآيات البينات أنها حق = (وما كانوا ليؤمنوا) يقول: فلم تكن هذه الأمم التي أهلكناها ليؤمنوا برسلهم ويصدِّقوهم إلى ما دعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة له = (وكذلك نجزي المجرمين) ، يقول تعالى ذكره: كما أهلكنا هذه القرون من قبلكم، أيها المشركون، بظلمهم أنفسَهم، وتكذيبهم رسلهم، وردِّهم نصيحتَهم، كذلك أفعل بكم فأهلككم كما أهلكتهم بتكذيبكم رسولكم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وظلمكم أنفسكم بشرككم بربكم، إن أنتم لم تُنيبوا وتتوبوا إلى الله من شرككم فإن من ثواب الكافر بي على كفره عندي، أن أهلكه بسَخَطي في الدنيا، وأوردُه النار في الآخرة.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) }
قال أبو جعفر يقول تعالى ذكره: ثم جعلناكم، أيها الناس، خلائف من بعد هؤلاء القرون الذين أهلكناهم لما ظلموا، تخلفونهم في الأرض، وتكونون فيها بعدهم (2) (لننظر كيف تعملون) ، يقول: لينظر ربكم أين عملكم من عمل من هلك من قبلكم من الأمم بذنوبهم وكفرهم بربهم، تحتذون مثالهم فيه، فتستحقون من العقاب ما استحقوا، أم تخالفون سبيلَهم فتؤمنون بالله ورسوله وتقرّون بالبعث بعد الممات، فتستحقون من ربكم الثواب الجزيل، كما:-
17579- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد،
(1)
انظر تفسير "البينات" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(2)
انظر تفسير "الخلائف" فيما سلف 13: 122، تعليق: 1، والمراجع هناك.

عن قتادة قوله: (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) ، ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: صدق ربُّنا، ما جعلنا خُلفاء إلا لينظر كيف أعمالُنا، فأرُوا الله من أعمالكم خيرًا بالليل والنهار، والسر والعلانية.
17580- حدثني المثنى قال، حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة فهد قال، حدثنا حماد عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عوف بن مالك رضي الله عنه قال لأبي بكر رضي الله عنه: رأيتُ فيما يرى النائم كأن سببًا دُلِّي من السماء، فانتُشِط رسول الله صلى الله عليه وسلم، (1)
ثم دُلِّي فانتُشِط أبو بكر، ثم ذُرِع الناس حول المنبر، (2)
ففضَل عمر رضي الله عنه بثلاث أذرع إلى المنبر. فقال عمر: دعنا من رؤياك، لا أرَبَ لنا فيها! فلما استخلف عمر قال: يا عوف، رؤياك! قال: وهل لك في رؤياي من حاجة؟ أو لم تنتهرني! قال: ويحك! إني كرهت أن تنعَى لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه! فقصّ عليه الرؤيا، حتى إذا بلغ: "ذُرِع الناس إلى المنبر بهذه الثلاث الأذرع" ، قال: أمّا إحداهن، فإنه كائن خليفةً. وأما الثانية، فإنه لا يخاف في الله لومة لائم. وأما الثالثة، فإنه شهيد. قال: فقال يقول الله: (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) ، فقد استخلفت يا ابن أم عمر، فانظر كيف تعمل.
وأما قوله: "فإني لا أخاف في الله لومة لائم" فما شاء الله.
وأما قوله: "فإني شهيد" فأنَّى لعمر الشهادة، والمسلمون مُطِيفون به! ثم قال: إن الله على ما يشاء قدير. (3)
* * *
(1)
"انتشط" (بالبناء للمجهول) ، أي: انتزع، جذب إلى السماء ورفع إليها، من قولهم: "نشط الدلو من البئر" ، إذا نزعها وجذبها من البئر صعدا بغير بكرة.

(2)
"ذرع الناس" ، أي: قدر ما بينهم وبين المنبر بالذراع. يقال: "ذرع الثوب" ، إذا قدره بالذراع.

(3)
الأثر: 17580 - "زيد بن عوف القطعي" ، "أبو ربيعة" ، "فهد" ، متروك، وقد مضى برقم: 5623، 14215، 14218، 14221. وكان في المطبوعة هنا: "يزيد بن عوف، أبو ربيعة، بهذا" ، ومثله في تفسير ابن كثير 4: 287، وهو اتفاق غريب على الخطأ! .

وهذا الخبر، رواه ابن سعد بغير هذا اللفظ، بإسناد حسن في كتاب الطبقات الكبير 3 / 1 / 239.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا قرئ على هؤلاء المشركين آيات كتاب الله الذي أنزلنَاه إليك، يا محمد (1) = (بينات) ، واضحات، على الحق دالاتٍ (2) = (قال الذين لا يرجون لقاءنا) ، يقول: قال الذين لا يخافون عقابنا، ولا يوقنون بالمعاد إلينا، ولا يصدّقون بالبعث، (3) لك = (ائت بقرآن غير هذا أو بدّله) ، يقول: أو غيِّره (4) = (قل) لهم، يا محمد = (ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) ، أي: من عندي. (5)
* * *
والتبديل الذي سألوه، فيما ذكر، أن يحوّل آية الوعيد آية وعد، وآية الوعد وعيدًا والحرامَ حلالا والحلال حرامًا، فأمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أن ذلك ليس إليه، وأن ذلك إلى من لا يردّ حكمه، ولا يُتَعَقَّب قضاؤه، وإنما هو رسول مبلّغ ومأمور مُتّبع.
* * *
وقوله: (إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) ، يقول: قل لهم: ما أتبع في كل ما آمركم
(1)
انظر تفسير "تلا" فيما سلف 13: 502، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "بينات" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(3)
انظر تفسير "الرجاء" فيما سلف ص: 34، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "التبديل" فيما سلف 11: 335 / 12: 62، وفهارس اللغة (بدل) .

(5)
انظر تفسير "تلقاء" فيما سلف 12: 466.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]