عرض مشاركة واحدة
  #787  
قديم 18-07-2025, 11:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (787)
صــ 461 إلى صــ 470





17168- حدثنا أبو كريب [قال، حدثنا وكيع] قال، حدثنا عباد بن منصور، عن القاسم: أنه سمع أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه، فيربِّيها لأحدكم كما يربِّي أحدكم مُهْرَه، حتى إن اللقمة لتصيرُ مثل أُحُدٍ. وتصديق ذلك في كتاب الله: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) ، (1) و (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) ، (2) [سورة البقرة: 276]
17169- حدثنا سليمان بن عمر بن الأقطع الرَّقى قال، حدثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن عباد بن منصور، عن القاسم، عن أبي هريرة، ولا أراه إلا قد رفعه قال: إن الله يقبل الصدقة = ثم ذكر نحوه. (3)
(1)
هكذا جاءت الآية في المخطوطة "وهو الذي يقبل التوبة" ، كما رواه أحمد في المسند أيضا رقم: 10090، بهذا الإسناد، بمثل هذا الخطأ، فإن التلاوة: "ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة. . ." ، وقد استظهر أخي السيد أحمد أنه خطأ قديم، كما قال في التعليق على الخبر رقم: 6253 فيما سلف. وأما في المطبوعة، فقد صححها الناشر "أن الله هو يقبل التوبة. . ." .وأثبت ما في المخطوطة ليعلم هذا الخطأ.

(2)
الأثر: 17168 - سلف هذا الخبر بهذا الإسناد برقم: 6253، وخرجه أخي السيد أحمد هناك.

(3)
الأثر: 17169 - "سليمان بن عمر بن خالد الأقطع الرقي" ، مضى برقم: 6254، وكان في المطبوعة "الربى" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، وصواب قراءتها "الرقى" .

مضى برقم: 6254، وخرجه أخي السيد أحمد فيما سلف.
17170- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة قال: إن الله يقبل الصدقة إذا كانت من طيِّب، ويأخذها بيمينه، وإن الرّجل يتصدق بمثل اللقمة، فيربِّيها الله له كما يربِّي أحدكم فصيله أو مُهْره، فتربو في كف الله = أو قال: في يد الله = حتى تكون مثل الجبل. (1)
17171- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "والذي نفس محمد بيده، لا يتصدق رجلٌ بصدقة فتقع في يد السائل، حتى تقع في يد الله!"
17172- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (وأن الله هو التواب الرحيم) ، يعني: إن استقاموا.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وقل) ، يا محمد، لهؤلاء الذين اعترفوا لك بذنوبهم من المتخلفين عن الجهاد معك = (اعملوا) ، لله بما يرضيه، من طاعته، وأداء فرائضه = (فسيرى الله عملكم ورسوله) ،
(1)
الأثر: 17170 - مضى برقم: 6256، من طريق محمد بن عبد الملك، عن عبد الرزاق، عن معمر، بنحوه. وخرجه أخي السيد أحمد هناك، وأشار إلى رواية الطبري في هذا الموضع، وصحح إسناده هذا.

يقول: فسيرى الله إن عملتم عملكم، ويراه رسوله والمؤمنون، في الدنيا = (وستردون) ، يوم القيامة، إلى من يعلم سرائركم وعلانيتكم، فلا يخفى عليه شيء من باطن أموركم وظواهرها (1) = (فينبئكم بما كنتم تعملون) ، يقول: فيخبركم بما كنتم تعملون، (2) وما منه خالصًا، وما منه رياءً، وما منه طاعةً، وما منه لله معصية، فيجازيكم على ذلك كله جزاءكم، المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
* * *
17173- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ، قال: هذا وعيدٌ. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "عالم الغيب والشهادة" فيما سلف من فهارس اللغة (غيب) ، (شهد) .

(2)
انظر تفسير "النبأ" فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ) .

(3)
عند هذا الموضع انتهى الجزء الحادي عشر من مخطوطتنا، وفي نهايته ما نصه:

"نجز المجلد الحادي عشر من كتاب البيان، بحمد الله وعونه وحُسْن توفيقه يتلوه في الجزء الثاني عشر، إن شاء الله تعالى: القول في تأويل قوله: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) "
وكان الفراغ من نسخه في شهر شعبان المبارك سنة خمس عشرة وسبعمائة. غفر الله لمؤلفه، ولصاحبه، ولكاتبه، ولجميع المسلمين.
آمين، آمين، آمين، آمين ""
ثم يتلوه الجزء الثاني عشر، وأوله:
"بسم الله الرحمن الرحيم رَبِّ يَسِّرْ" .
القول في تأويل قوله: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المتخلفين عنكم حين شخصتم لعدوّكم، أيها المؤمنون، آخرون.
* * *
ورفع قوله: "آخرون" ، عطفًا على قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا) .
* * *
= (وآخرون مرجون) ، يعني: مُرْجئون لأمر الله وَقضائه.
* * *
يقال منه: "أرجأته أرجئه إرجاء وهو مرجَأ" ، بالهمز وترك الهمز، وهما لغتان معناهما واحد. وقد قرأت القرأة بهما جميعا. (1)
* * *
وقيل: عُني بهؤلاء الآخرين، نفرٌ ممن كان تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فندموا على ما فعلوا، ولم يعتذروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مقدمه، ولم يوثقوا أنفسهم بالسواري، فأرجأ الله أمرهم إلى أن صحَّت توبتهم، فتاب عليهم وعفا عنهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17174- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: وكان ثلاثة منهم = يعني: من المتخلفين عن
(1)
انظر تفسير "الإرجاء" فيما سلف 13: 20، 21.

غزوه تبوك = لم يوثقوا أنفسهم بالسواري، أرجئوا سَبْتَةً، (1) لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم، فأنزل الله: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ) ، إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، [سورة التوبة: 117، 118] .
17175- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية = يعني قوله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) = أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموالهم = يعني من أموال أبي لبابة وصاحبيه = فتصدَّق بها عنهم، وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة، ولم يوثقوا، ولم يذكروا بشيء، ولم ينزل عذرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحُبت. وهم الذين قال الله: (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم) . فجعل الناس يقولون: هلكوا! إذ لم ينزل لهم عذر، وجعل آخرون يقولون: عسى الله أن يغفرَ لهم! فصاروا مرجئين لأمر الله، حتى نزلت: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) ، الذين خرجوا معه إلى الشام = (مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ، ثم قال: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) ، يعني المرجئين لأمر الله، نزلت عليهم التوبة، فعُمُّوا بها، فقال: (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) ، إلى قوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) .
17176- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة: (وآخرون مرجون لأمر الله) ، قال: هم الثلاثة الذين خُلِّفُوا.
17177- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
(1)
قوله: "سبتة" ، أي برهة من الدهر.

عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وآخرون مرجون لأمر الله) ، قال: هلال بن أمية، ومرارة بن ربعيّ، وكعب بن مالك، من الأوس والخزرج.
17178- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وآخرون مرجون لأمر الله) ، هلال بن أمية، ومرارة بن ربعيّ، وكعب بن مالك، من الأوس والخزرج. (1)
17179- قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17180- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
17181- قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله.
17182- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وآخرون مرجون لأمر الله) ، هم الثلاثة الذين خلفوا عن التوبة = يريد: غير أبي لبابة وأصحابه = ولم ينزل الله عذرهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين: فرقة تقول: "هلكوا" ، حين لم ينزل الله فيهم ما أنزل في أبي لبابة وأصحابه.
(1)
الأثر: 17177 - "مرارة بن ربعي" ، هكذا جاء في المخطوطة في هذا الخبر، وفي الذي يليه. وصححه في المطبوعة: "مرارة بن الربيع" ثم جاء في رقم: 17183 في المخطوطة: "مرارة بن ربيعة" ، وكلاهما غير المشهور المعروف في كتب تراجم الصحابة، والكتب الصحاح، فهو فيها جميعا "مرارة بن الربيع الأنصاري" ، من بني عمرو بن عوف.

وأما "مرارة بن ربعي بن عدي بن يزيد بن جشم" ، فلم يذكره غير ابن الكلبي، وقال: "كان أحد البكائين" .
فأثبت ما في مخطوطة الطبري، لاتفاق الاسم بذلك في مواضع، وأخشى أن يكون في اسمه خلاف لم يقع إلي خبره. وانظر ما سيأتي برقم: 17436.
ثم انظر رقم: 17433، وما بعده، وفيها "ابن ربيعة" و "ابن الربيع" .
وتقول فرقة أخرى: "عسى الله أن يعفو عنهم!" ، وكانوا مرجئين لأمر الله. ثم أنزل الله رحمته ومغفرته فقال: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ) الآية، وأنزل: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) ، الآية.
17183- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وآخرون مرجون لأمر الله) ، قال: كنا نُحدَّث أنهم الثلاثة الذين خُلّفوا: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة، رهط من الأنصار. (1)
17184- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وآخرون مرجون لأمر الله) ، قال: هم الثلاثة الذين خُلّفوا.
17185- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) ، وهم الثلاثة الذين خلفوا، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم، حتى أتتهم توبتهم من الله. (2)
* * *
وأما قوله: (إما يعذبهم) ، فإنه يعني: إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه، فيعذبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة = (وإما يتوب عليهم) ، يقول: وإما يوفقهم للتوبة فيتوبوا من ذنوبهم، فيغفر لهم = (والله عليم حكيم) ، يقول: والله ذو علم بأمرهم وما هم صائرون إليه من التوبة والمقام على الذنب = (حكيم) ، في تدبيرهم وتدبير من سواهم من خلقه، لا يدخل حكمه خَلَلٌ. (3)
* * *
(1)
الأثر: 17183 - "مرارة بن ربيعة" ، المعروف "مرارة بن الربيع" ، ولكن هكذا جاء في المخطوطة، وصححه الناشر في المطبوعة. وانظر رقم: 17177.

(2)
الأثر: 17185 - سيرة ابن هشام 4: 198، 199، وهو تابع الأثر السالف رقم: 17135.

(3)
انظر تفسير "عليم" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) و (حكم) .

القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين ابتنوا مسجدًا ضرارًا، وهم، فيما ذكر، اثنا عشر نفسًا من الأنصار.
* ذكر من قال ذلك:
17186- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهريّ، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم قالوا: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم = يعني: من تبوك = حتى نزل بذي أوان = بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار. وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهّز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلّة والحاجة والليلة المطِيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه! فقال: إني على جناح سفر وحال شُغْلٍ = أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم = ولو قَدْ قَدمنا أتيناكم إن شاء الله، فصلَّينا لكم فيه. فلما نزل بذي أوان، أتاه خبرُ المسجد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدُّخْشُم، أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي = أو أخاه: عاصم بن عدي = أخا بني العجلان فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرّقاه! فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف، وهم رهط مالك بن الدخشم، فقال مالك لمعن: أنْظِرني حتى أخرج إليك بنارٍ من أهلي! فدخل [إلى] أهله، فأخذ سَعفًا من النخل، فأشعل فيه نارًا، ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرّقاه وهدماه، وتفرقوا عنه. ونزل فيهم من القرآن ما نزل: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا) ، إلى آخر القصة. وكان الذين بنوه
اثني عشر رجلا خِذَام بن خالد، من بني عبيد بن زيد، (1) أحد بني عمرو بن عوف، ومن داره أخرج مسجد الشقاق = وثعلبة بن حاطب، من بني عبيد، وهو إلى بني أمية بن زيد = ومعتب بن قشير، من بني ضبيعة بن زيد = وأبو حبيبة بن الأزعر، من بني ضبيعة بن زيد = وعباد بن حنيف، أخو سهل بن حنيف، من بني عمرو بن عوف = وجارية بن عامر، وابناه: مجمع بن جارية، وزيد بن جارية، ونبتل بن الحارث، وهم من بني ضبيعة = وبَحْزَج، (2) وهو إلى بني ضبيعة = وبجاد بن عثمان، وهو من بني ضبيعة = ووديعة بن ثابت، وهو إلى بني أمية، رهط أبي لبابة بن عبد المنذر. (3)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: والذين ابتنوا مسجدًا ضرارًا لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفرًا بالله لمحادّتهم بذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ويفرِّقوا به المؤمنين، ليصلي فيه بعضهم دون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعضهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيختلفوا بسبب ذلك ويفترقوا = (وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل) ، يقول: وإعدادًا له، لأبي عامر الكافر الذي خالف الله ورسوله، وكفر بهما، وقاتل رسول الله = (من قبل) ، يعني من قبل بنائهم ذلك المسجد. وذلك أن أبا عامر هو الذي كان حزَّب الأحزاب = يعني: حزّب الأحزاب لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم = فلما خذله الله، لحق بالروم يطلب النَّصْر من ملكهم على نبي الله، وكتب إلى أهل مسجد الضِّرار (4) يأمرهم ببناء المسجد الذي كانوا بنوه، فيما ذكر عنه، ليصلي فيه، فيما يزعم، إذا
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "خذام بن خالد بن عبيد" ، وأثبت ما في سيرة ابن هشام.

(2)
في المطبوعة: "وبخدج" ، والصواب ما في المخطوطة وسيرة ابن هشام.

(3)
الأثر: 17186 - سيرة ابن هشام 4: 173، 174.

(4)
انظر تفسير "الضرار" فيما سلف 5: 7، 8، 46، 53 / 6: 85 - 91.

رجع إليهم. ففعلوا ذلك. وهذا معنى قول الله جل ثناؤه: (وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل) .
= (وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى) ، يقول جل ثناؤه: وليحلفن بانوه: "إن أردنا إلا الحسنى" ، ببنائناه، إلا الرفق بالمسلمين، والمنفعة والتوسعة على أهل الضعف والعلة ومن عجز عن المصير إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه، (1) وتلك هي الفعلة الحسنة = (والله يشهد إنهم لكاذبون) ، في حلفهم ذلك، وقيلهم: "ما بنيناه إلا ونحن نريد الحسنى!" ، ولكنهم بنوه يريدون ببنائه السُّوآى، ضرارًا لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفرًا بالله، وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا لأبي عامر الفاسق.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17187- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن ابن عباس قوله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا) ، وهم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدًا، فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم، واستعدُّوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، فأخرج محمدًا وأصحابه! فلما فرغوا من مسجدهم، أتوا النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحبُّ أن تصلي فيه، وتدعو لنا بالبركة! فأنزل الله فيه: (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) ، إلى قوله: (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) .
17188- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (والذين اتخذوا مسجدًا
(1)
في المطبوعة: "ومن عجز عن المسير" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]