
18-07-2025, 11:40 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,311
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (786)
صــ 451 إلى صــ 460
ما ترى، وعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم! فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: لا أطلقهم حتى أومر بإطلاقهم، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله، قد رغبوا بأنفسهم عن غزوة المسلمين! فأنزل الله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) ، إلى: (عسى الله أن يتوب عليهم) = و "عسى" من الله واجب = فأطلقهم نبيُّ الله وعذرهم.
* * *
وقال آخرون: بل عني بهذه الآية أبو لبابة خاصة، وذنبه الذي اعترف به فتيب عليه فيه، (1) ما كان من أمره في بني قريظة.
* ذكر من قال ذلك:
17144- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) ، قال: نزلت في أبي لبابة، قال لبني قريظة ما قال.
17145- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) ، قال: أبو لبابة، إذ قال لقريظة ما قال، أشار إلى حلقه: إن محمدًا ذابحكم إن نزلتم على حُكْم الله.
17146- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) ، فذكر نحوه = إلا أنه قال: إن نزلتم على حكمه.
17147- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: ربط أبو لبابة نفسه إلى سارية، فقال: لا أحلُّ نفسي حتى يحلني الله ورسوله! قال: فحلَّه النبي صلى الله عليه وسلم: وفيه أنزلت هذه الآية: (وآخرون اعترفوا
(1) في المطبوعة: "فتيب عليه منه" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهي صواب محض.
بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا) ، الآية.
17148- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) ، قال: نزلت في أبي لبابة.
* * *
وقال آخرون: بل نزلت في أبي لبابة، بسبب تخلفه عن تبوك.
* ذكر من قال ذلك:
17149- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال الزهري: كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فربط نفسه بسارية، فقال: والله لا أحلّ نفسي منها، ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا، حتى أموت أو يتوب الله عليّ! فمكث سبعة أيام لا يذوق طعامًا ولا شرابًا، حتى خرّ مغشيا عليه، قال: ثم تاب الله عليه، ثم قيل له: قد تيب عليك يا أبا لبابة! فقال: والله لا أحلّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يحلني! قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فحله بيده. ثم قال أبو لبابة: يا رسول الله، إنّ من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله! قال: يجزيك يا أبا لبابة الثلث.
* * *
وقال بعضهم: عني بهذه الآية الأعراب.
* ذكر من قال ذلك:
17150- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا) ، قال: فقال إنهم من الأعراب.
17151- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن حجاج بن أبي زينب قال: سمعت أبا عثمان يقول: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه
الأمة من قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) ، إلى: (إن إ لله غفور رحيم) . (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك، قولُ من قال: نزلت هذه الآية في المعترفين بخطأ فعلهم في تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركهم الجهادَ معه، والخروجَ لغزو الروم، حين شخص إلى تبوك = وأن الذين نزل ذلك فيهم جماعة، أحدهم أبو لبابة.
وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب في ذلك، لأن الله جل ثناؤه قال: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) ، فأخبر عن اعتراف جماعة بذنوبهم، ولم يكن المعترفُ بذنبه، الموثقُ نفسه بالسارية في حصار قريظة، غير أبي لبابة وحده. فإذ كان ذلك [كذلك] ، (2) وكان الله تبارك وتعالى قد وصف في قوله: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) ، بالاعتراف بذنوبهم جماعةً، عُلِم أن الجماعة الذين وصفهم بذلك ليست الواحد، (3) فقد تبين بذلك أن هذه الصفة إذا لم تكن إلا لجماعة، وكان لا جماعةَ فعلت ذلك، فيما نقله أهل السير والأخبار وأجمع عليه أهل التأويل، إلا جماعة من المتخلفين عن غزوة تبوك، صحَّ ما قلنا في ذلك. وقلنا: "كان منهم أبو لبابة" ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك.
* * *
(1) الأثر: 17151 - "حجاج بن أبي زينب السلمي" ، "أبو يوسف الواسطي" ، "الصيقل" ، ضعيف، ليس بقوي ولا حافظ. مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 2 \ 373، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 161، وميزان الاعتدال 1: 215. وكان في المطبوعة: "بن أبي ذئب" ، وهو خطأ، والمخطوطة برسم المطبوعة غير منقوطة.
و "أبو عثمان" ، هو النهدي، "عبد الرحمن بن مل" ، ثقة، أسلم على عهد رسول الله ولم يلقه. مضى مرارًا، منها رقم: 13097 - 13100.
وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 273، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في التوبة، وابن المنذر، وأبي الشيخ، والبيهقي في شعب الإيمان.
(2) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.
(3) في المطبوعة: "أن الجماعة الذين وصفهم بذلك السبب غير الواحد" ، أساء قراءة المخطوطة، فحرف وزاد من عنده، ما أفسد الكلام وأهلكه.
القول في تأويل قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها = (صدقة تطهرهم) ، من دنس ذنوبهم (1) = (وتزكيهم بها) ، يقول: وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص (2) = (وصل عليهم) ، يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم، واستغفر لهم منها = (إن صلاتك سكن لهم) ، يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم (3) = (والله سميع عليم) ، يقول: والله سميع لدعائك إذا دعوت لهم، ولغير ذلك من كلام خلقه = (عليم) ، بما تطلب بهم بدعائك ربّك لهم، وبغير ذلك من أمور عباده. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17152- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: جاءوا بأموالهم = يعني أبا لبابة وأصحابه = حين أطلقوا، فقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدّق بها عنا، واستغفر لنا! قال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئًا! فأنزل الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم
(1) انظر تفسير "التطهير" فيما سلف 12: 549، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "التزكية" فيما سلف من فهارس اللغة (زكا) .
(3) انظر تفسير "الصلاة" فيما سلف من فهارس اللغة (صلا) .
= وتفسير "سكن" فيما سلف 11: 557.
(4) انظر تفسير "سميع" و "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .
وتزكيهم بها) ، يعني بالزكاة: طاعة الله والإخلاص = (وصل عليهم) ، يقول: استغفر لهم.
17153- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وصاحبيه، انطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: خذ من أموالنا فتصدَّق بها عنا، وصلِّ علينا = يقولون: استغفر لنا = وطهرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا آخذ منها شيئًا حتى أومر. فأنزل الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) ، يقول: استغفر لهم من ذنوبهم التي كانوا أصابوا. فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءًا من أموالهم، فتصدَّق بها عنهم.
17154- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن زيد بن أسلم قال: لما أطلق النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة والذين ربطوا أنفسهم بالسَّواري، قالوا: يا رسول الله، خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها! فأنزل الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) ، الآية.
17155- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير قال: قال الذين ربطوا أنفسهم بالسواري حين عفا عنهم: يا نبيّ الله؛ طهِّر أموالنا! فأنزل الله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ، وكان الثلاثة إذا اشتكى أحدهم اشتكى الآخران مثله، وكان عَمي منهم اثنان، فلم يزل الآخر يدعو حتى عَمِي.
17156- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: الأربعة: جدُّ بن قيس، وأبو لبابة، وحرام، وأوس، هم الذين قيل فيهم: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) ، أي وقارٌ لهم، وكانوا وعدوا من أنفسهم أن ينفقوا ويجاهدوا ويتصدَّقوا.
17157- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك، قال: لما أطلق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة وأصحابه، أتوا نبيّ الله بأموالهم فقالوا: يا نبي الله، خذ من أموالنا فتصدَّق به عنا، وطهَّرنا، وصلِّ علينا! يقولون: استغفر لنا = فقال نبي الله: لا آخذ من أموالكم شيئًا حتى أومر فيها = فأنزل الله عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) ، من ذنوبهم التي أصابوا = (وصل عليهم) ، يقول: استغفر لهم. ففعل نبي الله عليه السلام ما أمره الله به.
17158- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله: (خذ من أموالهم صدقة) ، أبو لبابة وأصحابه = (وصل عليهم) ، يقول: استغفر لهم، لذنوبهم التي كانوا أصابوا.
17159- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) ، قال: هؤلاء ناسٌ من المنافقين ممن كان تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، اعترفوا بالنفاق، وقالوا: يا رسول الله، قد ارتبنا ونافقنا وشككنا، ولكن توبةٌ جديدة، وصدقةٌ نخرجها من أموالنا! فقال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ، بعد ما قال: (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) ، [سورة التوبة: 84] .
* * *
واختلف أهل العربية في وجه رفع "تزكيهم" .
فقال بعض نحويي البصرة: رفع "تزكيهم بها" ، في الابتداء، وإن شئت جعلته من صفة "الصدقة" ، ثم جئت بها توكيدًا، وكذلك "تطهرهم" .
وقال بعض نحويي الكوفة: إن كان قوله: (تطهرهم) ، للنبي عليه السلام فالاختيار أن تجزم، لأنه لم يعد على "الصدقة" عائد، (1) (وتزكيهم) ، مستأنَفٌ. وإن كانت الصدقة تطهرهم وأنت تزكيهم بها، جاز أن تجزم الفعلين وترفعهما.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول، أن قوله: (تطهرهم) ، من صلة "الصدقة" ، لأن القرأة مجمعة على رفعها، وذلك دليل على أنه من صلة "الصدقة" . وأما قوله: (وتزكيهم بها) ، فخبر مستأنَفٌ، بمعنى: وأنت تزكيهم بها، فلذلك رفع.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (إن صلاتك سكن لهم) .
فقال بعضهم: رحمة لهم.
* ذكر من قال ذلك:
17160- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، (إن صلاتك سكن لهم) ، يقول: رحمة لهم.
* * *
وقال آخرون: بل معناه: إن صلاتك وقارٌ لهم.
* ذكر من قال ذلك:
17161- حدثنا بشر قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (إن صلاتك سكن لهم) ، أي: وقارٌ لهم.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته قرأة المدينة: (إِنَّ صَلوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ) بمعنى دعواتك.
* * *
(1) في المطبوعة "بأنه لم يعد" ، وأثبت ما في المخطوطة.
وقرأ قرأة العراق وبعض المكيين: (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ، بمعنى: إن دعاءك.
* * *
قال أبو جعفر: وكأنَّ الذين قرأوا ذلك على التوحيد، رأوا أن قراءته بالتوحيد أصحُّ، لأن في التوحيد من معنى الجمع وكثرة العدد ما ليس في قوله: (إن صلواتك سكن لهم) ، إذ كانت "الصلوات" ، هي جمع لما بين الثلاث إلى العشر من العدد، دون ما هو أكثر من ذلك. والذي قالوا من ذلك، عندنا كما قالوا، وبالتوحيد عندنا القراءةُ لا العلة، لأن ذلك في العدد أكثر من "الصلوات" ، (1) ولكن المقصود منه الخبر عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وصلواته أنه سكن لهؤلاء القوم، (2) لا الخبر عن العدد. وإذا كان ذلك كذلك، كان التوحيد في "الصلاة" أولى.
* * *
القول في تأويل قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) }
قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله تعالى ذكره، أخبر به المؤمنين به: أن قبول توبة من تاب من المنافقين، وأخذ الصدقة من أموالهم إذا أعطوها، ليسا إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم = وأن نبيَّ الله حين أبى أن يطلق من ربط نفسه بالسواري من المتخلفين عن الغزو معه، وحين ترك قبول صدقتهم بعد أن أطلق الله عنهم حين أذن له في ذلك، إنما فعل ذلك من أجل أن ذلك لم يكن إليه صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك إلى الله تعالى ذكره دون محمد، وأن محمدًا إنما يفعل ما يفعل من تركٍ وإطلاقٍ
(1) في المطبوعة: "وبالتوحيد عندنا القراءة لا لعلة أن ذلك في العدد. . ." ، غير ما في المخطوطة، وهو صواب محض.
(2) في المطبوعة: "وصلاته" ، وأثبت ما في المخطوطة.
وأخذِ صدقةٍ وغير ذلك من أفعاله بأمر الله. فقال جل ثناؤه: ألم يعلم هؤلاء المتخلفون عن الجهاد مع المؤمنين، الموثقو أنفسهم بالسواري، القائلون: "لا نُطلق أنفسنا حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقنا" ، السَّائلو رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أخذَ صدقة أموالهم، أنَّ ذلك ليس إلى محمد، وأن ذلك إلى الله، وأن الله هو الذي يقبل توبة من تاب من عباده أو يردُّها، ويأخذ صدقة من تصدَّق منهم أو يردُّها عليه دون محمد، فيوجِّهوا توبتهم وصدقتهم إلى الله، ويقصدوا بذلك قصدَ وجهه دون محمد وغيره، ويخلصوا التوبة له، ويريدوه بصدقتهم، ويعلموا أن الله هو التواب الرحيم؟ = يقول: المراجع لعبيده إلى العفو عنه إذا رجعوا إلى طاعته، الرحيم بهم إذا هم أنابوا إلى رضاه من عقابه. (1)
* * *
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: -
17162- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قال الآخرون = يعني الذين لم يتوبوا من المتخلفين: هؤلاء، يعني الذين تابوا، كانوا بالأمس معنا لا يكلَّمون ولا يجالَسون، فما لهم؟ فقال الله: (إن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) . (2)
17163- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني رجل كان يأتي حمادًا ولم يجلس إليه = قال شعبة: قال العوام بن حوشب: هو قتادة، أو ابن قتادة، رجل من محارب = قال: سمعت عبد الله بن السائب = وكان جاره = قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: ما من عبدٍ تصدق بصدقة إلا وقعت في يد الله، فيكون هو الذي يضعُها في يد السائل. وتلا هذه الآية: (هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) . (3)
(1) انظر تفسير "التوبة" ، "التواب" ، "الرحيم" ، فيما سلف من فهارس اللغة (توب) ، (رحم) .
(2) انظر تفسير "التوبة" ، "التواب" ، "الرحيم" ، فيما سلف من فهارس اللغة (توب) ، (رحم) .
(3) الأثر: 17163 - "قتادة" ، أو "ابن قتادة" ، رجل من محارب. لم أجده هكذا.
ولم أجد أحدًا تكلم في أمره أو ذكره. وصريح هذا الإسناد يدل على أن "قتادة" أو "ابن قتادة" المحاربي، هذا، هو الذي أخبر شعبة، وهو الذي كان يأتي حمادًا، ولم يجلس إليه، وأنه هو الذي سمع من عبد الله بن السائب، وكان جاره، وأن "عبد الله بن السائب" هو الذي سمع من عبد الله ابن مسعود. وهذا إشكال:
فإن "عبد الله بن السائب" ، هو "عبد الله بن السائب الكندي" ، روى عن أبيه، وزادان الكندي. وعبد الله بن معقل بن مقرن، وعبد الله بن قتادة المحاربي (كما سيأتي في الآثار التالية) . وروى عنه الأعمش، وأبو إسحاق الشيباني، والعوام بن حوشب، وسفيان الثوري. وهو ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 75، ولم يذكروا له رواية عن ابن مسعود كما ترى، بل ذكروا روايته عن "عبد الله بن قتادة المحاربي" ، كما سيأتي في الآثار التالية.
فأنا أخشى أن يكون في إسناد هذا الخبر شيء، بدلالة الآثار التي تليه، وهي مستقيمة على ما ذكر في كتب الرجال، وأخشى أن يكون شعبة سمعه عن رجل كان يأتي حمادًا ولم يجلس إليه، عن عبد الله بن السائب، عن قتادة، أو ابن قتادة، رجل من محارب = ثم سمعه من العوام بن حوشب، عن عبد الله بن السائب، عن قتادة، أو قتادة، رجل من محارب = وأن يكون الناسخ قد أفسد الإسناد. وانظر الكلام على "عبد الله بن أبي قتادة المحاربي" أو "عبد الله بن قتادة" في التعليق على الآثار التالية.
17164- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عبد الله بن السائب، عن عبد الله بن أبي قتادة المحاربي، عن عبد الله بن مسعود قال: ما تصدَّق رجلٌ بصدقة إلا وقعت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل، وهو يضعها في يد السائل. ثم قرأ: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده، ويأخذ الصدقات) . (1)
17165- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن ابن مسعود، بنحوه. (2)
17166- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن عبد الله بن أبي قتادة قال، قال عبد الله: إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل. ثم قرأ هذه الآية: (هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) (3)
(1) الآثار: 17164 - 17166 - "عبد الله بن السائب الكندي" ، مضى في التعليق السالف.
وأما "عبد الله بن أبي قتادة المحاربي" ، فهو هكذا في جميعها، إلا في رقم: 17165، فإنه في المخطوطة: "عبد الله بن قتادة" ، ولكن ناشر المطبوعة زاد "أبي" من عند نفسه.
وأما كتب التراجم، فلم تذكر سوى "عبد الله بن قتادة المحاربي" ، ترجم له ابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 141 وقال: "روي عن عبد الله بن مسعود، روى عنه عبد الله بن السائب، سمعت أبي يقول ذلك" . وترجم له أيضا الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة: 233، وقال: "عن ابن مسعود، وعنه عبد الله بن السائب، وثقه ابن حبان" ، ثم قال: "كلام البخاري يدل على أنه لم يرو شيئًا مسندا فإنه قال: روي عن ابن مسعود قوله في الصدقة، قاله الثوري، عن عبد الله بن السائب، عنه" .
وأما "عبد الله بن أبي قتادة" ، فلم أجد ذكره هكذا إلا في تفسير أبي جعفر.
وهذا الخبر ذكره السيوطي في الدر المنثور 1: 275، ونسبه إلى عبد الرزاق، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم، والطبراني.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3: 111، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه: عبد الله بن قتادة المحاربي، لم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات" .
(2) الآثار: 17164 - 17166 - "عبد الله بن السائب الكندي" ، مضى في التعليق السالف.
وأما "عبد الله بن أبي قتادة المحاربي" ، فهو هكذا في جميعها، إلا في رقم: 17165، فإنه في المخطوطة: "عبد الله بن قتادة" ، ولكن ناشر المطبوعة زاد "أبي" من عند نفسه.
وأما كتب التراجم، فلم تذكر سوى "عبد الله بن قتادة المحاربي" ، ترجم له ابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 141 وقال: "روي عن عبد الله بن مسعود، روى عنه عبد الله بن السائب، سمعت أبي يقول ذلك" . وترجم له أيضا الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة: 233، وقال: "عن ابن مسعود، وعنه عبد الله بن السائب، وثقه ابن حبان" ، ثم قال: "كلام البخاري يدل على أنه لم يرو شيئًا مسندا فإنه قال: روي عن ابن مسعود قوله في الصدقة، قاله الثوري، عن عبد الله بن السائب، عنه" .
وأما "عبد الله بن أبي قتادة" ، فلم أجد ذكره هكذا إلا في تفسير أبي جعفر.
وهذا الخبر ذكره السيوطي في الدر المنثور 1: 275، ونسبه إلى عبد الرزاق، والحكم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم، والطبراني.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3: 111، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه: عبد الله بن قتادة المحاربي، لم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات" .
(3) الآثار: 17164 - 17166 - "عبد الله بن السائب الكندي" ، مضى في التعليق السالف.
وأما "عبد الله بن أبي قتادة المحاربي" ، فهو هكذا في جميعها، إلا في رقم: 17165، فإنه في المخطوطة: "عبد الله بن قتادة" ، ولكن ناشر المطبوعة زاد "أبي" من عند نفسه.
وأما كتب التراجم، فلم تذكر سوى "عبد الله بن قتادة المحاربي" ، ترجم له ابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 141 وقال: "روي عن عبد الله بن مسعود، روى عنه عبد الله بن السائب، سمعت أبي يقول ذلك" . وترجم له أيضا الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة: 233، وقال: "عن ابن مسعود، وعنه عبد الله بن السائب، وثقه ابن حبان" ، ثم قال: "كلام البخاري يدل على أنه لم يرو شيئًا مسندا فإنه قال: روي عن ابن مسعود قوله في الصدقة، قاله الثوري، عن عبد الله بن السائب، عنه" .
وأما "عبد الله بن أبي قتادة" ، فلم أجد ذكره هكذا إلا في تفسير أبي جعفر.
وهذا الخبر ذكره السيوطي في الدر المنثور 1: 275، ونسبه إلى عبد الرزاق، والحكم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم، والطبراني.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3: 111، وقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه: عبد الله بن قتادة المحاربي، لم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات" .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|