
18-07-2025, 11:24 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (783)
صــ 421 إلى صــ 430
القول في تأويل قوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا سبيل أيضًا على النفر الذين إذا ما جاءوك، لتحملهم، يسألونك الحُمْلان، ليبلغوا إلى مغزاهم لجهاد أعداءِ الله معك، يا محمد، قلت لهم: لا أجد حَمُولةً أحملكم عليها = (تولوا) ، يقول: أدبروا عنك، (1) = (وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا) ، وهم يبكون من حزن على أنهم لا يجدون ما ينفقون، (2) ويتحمَّلون به للجهادِ في سبيل الله.
* * *
وذكر بعضهم: أن هذه الآية نزلت في نفر من مزينة.
* ذكر من قال ذلك:
17080- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه) ، قال: هم من مزينة.
17081- حدثني المثنى قال: أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) ، قال: هم بنو مُقَرِّنٍ، من مزينة.
17082- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قراءةً، عن مجاهد في قوله: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) ، إلى قوله: (حزنًا أن لا يجدوا ما ينفقون) ، قال: هم بنو مقرِّن. من مزينة.
(1) انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى) .
(2) انظر تفسير "تفيض من الدمع" فيما سلف 10: 507
17083- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) ، قال: هم بنو مقرِّن من مزينة.
17084- قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن عروة، عن ابن مغفل المزني، وكان أحد النفر الذين أنزلت فيهم: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) ، الآية.
17085- حدثني المثنى قال، أخبرنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: (تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا) ، قال: منهم ابن مقرِّن = وقال سفيان: قال الناس: منهم عرباض بن سارية.
* * *
وقال آخرون: بل نزلت في عِرْباض بن سارية.
* ذكر من قال ذلك:
17086- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر الكلاعي قالا دخلنا على عرباض بن سارية، وهو الذي أنزل فيه: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) ، الآية. (1)
17087- حدثني المثنى قال، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال، حدثنا الوليد قال، حدثنا ثور، عن خالد، عن عبد الرحمن بن عمرو، وحجر بن حجر بنحوه.
* * *
وقال آخرون: بل نزلت في نفر سبعة، من قبائل شتى.
* ذكر من قال ذلك:
(1) الأثر: 17086 - "عبد الرحمن بن عمرو بن عبسة السلمي" ، ثقة، مترجم في التهذيب. و "حجر بن حجر الكلاعي" ، ثقة، مترجم في التهذيب.
17088- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب وغيره قال: جاء ناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه، فقال: (لا أجد ما أحملكم عليه) ! فأنزل الله: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) ، الآية. قال: هم سبعة نفر: من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير = ومن بني واقف: هرمي بن عمرو (1) = ومن بني مازن بن النجار: عبد الرحمن بن كعب، يكنى أبا ليلى = ومن بني المعلى: سلمان بن صخر = ومن بني حارثة: عبد الرحمن بن يزيد، أبو عبلة، وهو الذي تصدق بعرضِه فقبله الله منه = ومن بني سَلِمة: عمرو بن غنمه، وعبد الله بن عمرو المزني.
17089- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قوله: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم) ، إلى قوله: (حزنًا) ، وهم البكاؤون، كانوا سبعة. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما السبيل بالعقوبة على أهل العذر، يا محمد، ولكنها على الذين يستأذنونك في التخلف خِلافَك، وترك الجهاد معك، وهم أهل غنى وقوّةٍ وطاقةٍ للجهاد والغزو، نفاقًا وشكًّا في وعد الله ووعيده (3) = (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) ، يقول: رضوا بأن يجلسوا بعدك مع النساء = وهن
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "حرمي بن عمرو" ، والصواب "هرمي" بالهاء، انظر ترجمته في الإصابة.
(2) الأثر: 17089 - سيرة ابن هشام 4: 197، وهو تابع الأثر السالف رقم: 17077، وليس فيه في هذا الموضع قوله: "وهم سبعة" . وأما عدتهم عند ابن إسحاق فقد ذكرها ابن هشام في سيرته 4: 161، وقال: "وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم" ، ثم عددهم.
(3) انظر تفسير "السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
القول في تأويل قوله: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يعتذر إليكم، أيها المؤمنون بالله، هؤلاء المتخلفون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، التاركون جهاد المشركين معكم من المنافقين، بالأباطيل والكذب، إذا رجعتم إليهم من سفركم وجهادكم = "قل" ، لهم، يا محمد، = (لا تعتذروا لن نؤمن لكم) ، يقول: لن نصدِّقكم على ما تقولون = (قد نبأنا الله من أخباركم) ، يقول: قد أخبرنا الله من أخباركم، وأعلمنا من أمركم ما قد علمنا به كذبَكم (1) = (وسيرى الله عملكم ورسوله) ، يقول: وسيرى الله ورسوله فيما بعدُ عملكم، أتتوبون من نفاقكم، أم تقيمون عليه؟ = (ثم تردّون إلى عالم الغيب والشهادة) ، يقول: ثم ترجعون بعد مماتكم = (إلى عالم الغيب والشهادة) ، يعني: الذي يعلم السرَّ والعلانية، الذي لا يخفى عليه بواطن أموركم
(1) انظر تفسير "نبأ" فيما سلف ص: 344، تعليق: 3، والمراجع هناك.
وظواهرها (1) = (فينبئكم بما كنتم تعملون) ، فيخبركم بأعمالكم كلها سيِّئها وحسنها، (2) فيجازيكم بها: الحسنَ منها بالحسن، والسيئَ منها بالسيئ.
* * *
القول في تأويل قوله: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: سيحلف، أيها المؤمنون بالله، لكم هؤلاء المنافقون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله = (إذا انقلبتم إليهم) ، يعني: إذا انصرفتم إليهم من غزوكم (3) = (لتعرضوا عنهم) ، فلا تؤنبوهم = (فأعرضوا عنهم) ، يقول جل ثناؤه للمؤمنين: فدعوا تأنيبهم، وخلوهم وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق (4) (إنهم رجس ومأواهم جهنم) ، يقول: إنهم نجس (5) = (ومأواهم جهنم) ، يقول: ومصيرهم إلى جهنم، وهي مسكنهم الذي يأوُونه في الآخرة (6) = (جزاء بما كانوا يكسبون) ، (7) يقول: ثوابًا بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا من معاصي الله. (8)
* * *
(1) انظر تفسير "عالم الغيب والشهادة" فيما سلف من فهارس اللغة (غيب) ، (شهد) .
(2) في المخطوطة: "سيئها" وأسقط "وحسنها" ، والصواب ما في المطبوعة.
(3) انظر تفسير "الانقلاب" فيما سلف 13: 35، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(4) انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف ص: 369، تعليق: 6، والمراجع هناك.
(5) انظر تفسير "الرجس" فيما سلف 12: 194، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(6) انظر تفسير "المأوى" فيما سلف ص: 360، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(7) في المطبوعة والمخطوطة "جزاء بما كانوا يعملون" ، سهو من الناسخ فيما أرجح.
(8) انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) .
= وتفسير "الكسب" فيما سلف من فهارس اللغة (كسب) .
وذكر أن هذه الآية نزلت في رجلين من المنافقين، قالا ما:-
17090- حدثنا به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا) ، إلى: (بما كانوا يكسبون) ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألا تغزو بني الأصفر، (1) لعلك أن تصيب بنت عظيم الرُّوم، فإنهنّ حِسان! (2) فقال رجلان: قد علمت، يا رسول الله، أن النساء فتنة، فلا تفتنَّا بهنَّ! فأذن لنا! فأذن لهما. فلما انطلقا، قال أحدهما: إن هو إلا شَحْمةٌ لأوّل آكلٍ! (3) فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل عليه في ذلك شيء، فلما كان ببعض الطريق، نزل عليه وهو على بعض المياه: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) [سورة التوبة: 42] ، ونزل عليه: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) [سورة التوبة: 43] ، ونزل عليه: (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) [سورة التوبة: 44] ، ونزل عليه: (إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) . فسمع ذلك رجل ممن غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم وهم خلفهم، فقال: تعلمون أنْ قَد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَكم قرآن؟ قالوا: ما الذي سمعت؟ قال: ما أدري، غير أني سمعت أنه يقول: "إنهم رجس" ! فقال رجل يدعى "مخشيًّا" ، (4) والله لوددت أني أجلد مئة جلدة، وأني لست معكم!
(1) "بنو الأصفر" ، هم الروم.
(2) في المطبوعة والمخطوطة "فإنهم حسان" والصواب ما أثبت.
(3) "الشحمة" ، عنى بها قطعة من "شحم سنام البعير" ، وشحمة السنام من أطايب البعير، يسرع إليها الآكل، قال زفر بن الحارث الكلابي: وكُنَّا حَسِبْنا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً ... لَيالِيَ قارَعْنا جُذَامَ وحمِيرَا
فَلَمَّا قَرَعْنا النَّبْعَ بالنَّبْعِ، بَعضَهُ ... بِبَعضٍ، أَبَتْ عِيدانُهُ أَنْ تكَسَّرا
وفي المثل: "ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة" .
(4) في المخطوطة: "مخشي" ، والصواب ما في المطبوعة وهو "مخشي بن حمير الأشجعي" ، انظر ترجمته في الإصابة.
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما جاء بك؟ فقال: وجْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تسفَعه الريح، وأنا في الكِنّ!! (1) فأنزل الله عليه: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [سورة التوبة: 49] ، (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) [سورة التوبة: 81] ، ونزل عليه في الرجل الذي قال: "لوددت أني أجْلد مئة جلدة" قولُ الله: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) [سورة التوبة: 64] ، فقال رجل مع رسول الله: لئن كان هؤلاء كما يقولون، ما فينا خير! فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أنت صاحب الكلمة التي سمعتُ؟ "فقال: لا والذي أنزل عليك الكتاب! فأنزل الله فيه: (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) [سورة التوبة: 74] ، وأنزل فيه: (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ، [سورة التوبة: 47] ."
17091- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعبَ بن مالك يقول: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، جلس للناس. فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيَتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، وصَدَقته حديثي. فقال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطُّ، بعد أن هداني للإسلام، أعظمَ في نفسي من صدْق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا أكون كذبتُه فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي، (2) شرَّ
(1) "سفعته النار، والشمس، والسموم، تسفعه سفعًا" ، لفحته لفحًا يسيرًا فغيرت لون بشرته وسودته. و "الكن" (بكسر الكاف) : ما يرد الحر والبرد من الأبنية والمساكن، وكل ما ستر من الشمس والسموم فهو كن.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: "حين أنزل الوحي ما قال لأحد" ، بإسقاط "شر" ، وهو لا يستقيم، وأثبته من نص روايته في صحيح مسلم.
ما قال لأحد: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) ، إلى قوله: (فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يحلف لكم، أيها المؤمنون بالله، هؤلاء المنافقون، اعتذارًا بالباطل والكذب = (لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإنّ الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) ، يقول: فإن أنتم، أيها المؤمنون، رضيتم عنهم وقبلتم معذرتهم، إذ كنتم لا تعلمون صِدْقهم من كذبهم، فإن رضاكم عنهم غيرُ نافعهم عند الله، لأن الله يعلم من سرائر أمرهم ما لا تعلمون، ومن خفيّ اعتقادهم ما تجهلون، وأنهم على الكفر بالله (2) يعني أنهم الخارجون من الإيمان إلى الكفر بالله، ومن الطاعة إلى المعصية. (3)
* * *
(1) الأثر: 17091 - هذا مختصر من الخبر الطويل في توبة كعب بن مالك، رواه مسلم في صحيحه 17: 87 - 100، من هذه الطريق، وقد مضى جزء آخر منه برقم: 16147.
(2) لا أشك أن موضع هذه النقط خرم في كلام أبي جعفر، من ناسخ كتابه، وكأن صواب الكلام: "وأنهم على الكفر بالله مقيمون، وأنهم هم الفاسقون، يعني: أنهم الخارجون. . ." ، أو كلامًا شبيهًا بهذا.
(3) انظر تفسير "الفسق" فيما سلف ص: 406، تعليق: 1، والمراجع هناك.
القول في تأويل قوله: {الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الأعراب أشدُّ جحودًا لتوحيد الله، وأشدّ نفاقًا، من أهل الحضر في القرى والأمصار. وإنما وصفهم جل ثناؤه بذلك، لجفائهم، وقسوة قلوبهم، وقلة مشاهدتهم لأهل الخير، فهم لذلك أقسى قلوبًا، وأقلُّ علمًا بحقوق الله.
* * *
وقوله: (وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) ، يقول: وأخلق أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، (1) وذلك فيما قال قتادة: السُّنن.
17092- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) ، قال: هم أقل علمًا بالسُّنن.
17093- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: جلس أعرابي إلى زيد بن صَوْحان وهو يحدث أصحابه، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوَنْد، فقال: والله إنّ حديثك ليعجبني، وإن يدك لَتُرِيبُني! فقال زيد: وما يُريبك من يدي؟ إنها الشمال! فقال الأعرابي: والله ما أدري، اليمينَ يقطعون أم الشمالَ؟ فقال زيد بن صوحان: صدق الله: (الأعرابُ أشدُّ كفرًا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزلَ الله على رسوله) . (2)
* * *
(1) انظر تفسير "حدود الله" فيما سلف 8: 68، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(2) الأثر: 17093 - "عبد الرحمن بن مغراء الدوسي" ، ثقة، متكلم فيه. مضى برقم: 11881. وكان في المطبوعة: "عبد الرحمن بن مقرن" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، فبدل من عند نفسه.
و "زيد بن صوحان العبدي" ، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة قليل الحديث، مضى برقم: 13486.
وهذا الخبر رواه ابن سعد في الطبقات 6: 84، 85 من طريق يعلي بن عبيد، عن الأعمش، عن إبراهيم.
وقوله: (والله عليم حكيم) ، يقول: (والله عليم) ، بمن يعلم حدودَ ما أنزل على رسوله، والمنافق من خلقه، والكافرِ منهم، لا يخفى عليه منهم أحد = (حكيم) ، في تدبيره إياهم، وفي حلمه عن عقابهم، مع علمه بسرائرهم وخِداعهم أولياءَه. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن الأعراب من يَعُدُّ نفقته التي ينفقها في جهاد مشرك، أو في معونة مسلم، أو في بعض ما ندب الله إليه عباده = (مغرما) ، يعني: غرمًا لزمه، لا يرجو له ثوابًا، ولا يدفع به عن نفسه عقابًا = (ويتربص بكم الدوائر) ، يقول: وينتظرون بكم الدوائر، (2) أن تدور بها الأيام والليالي إلى مكروهٍ ومجيء محبوب، (3) وغلبة عدوٍّ لكم. (4) يقول الله تعالى ذكره: (عليهم دائرة السوء) ، يقول: جعل الله دائرة السوء عليهم، ونزول المكروه بهم لا عليكم أيها المؤمنون، ولا بكم = (والله سميع) ، لدعاء الداعين = (عليم) بتدبيرهم، وما هو بهم نازلٌ من عقاب الله، وما هم إليه صائرون من أليم عقابه. (5)
* * *
(1) انظر تفسير "عليم" و "حكيم" ، فيما سلف من فهارس اللغة (علم) ، (حكم) .
(2) انظر تفسير "التربص" فيما سلف ص: 291، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(3) في المطبوعة "ونفى محبوب" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهي سيئة الكتابة.
(4) انظر تفسير "الدوائر" فيما سلف 10: 404.
(5) انظر تفسير "سميع" و "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|