عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-07-2025, 11:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,240
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (781)
صــ 401 إلى صــ 410





القول في تأويل قوله: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فرح هؤلاء المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله، فليضحكوا فرحين قليلا في هذه الدنيا الفانية بمقعدهم خلاف رسول الله ولَهْوهم عن طاعة ربهم، فإنهم سيبكون طويلا في جهنم مكانَ ضحكهم القليل في الدنيا = (جزاء) ، يقول: ثوابًا منا لهم على معصيتهم، بتركهم النفر إذ استنفروا إلى عدوّهم، وقعودهم في منازلهم خلافَ رسول الله (1) = (بما كانوا يكسبون) ، يقول: بما كانوا يجترحون من الذنوب. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17037- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي رزين: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا) ، قال يقول الله تبارك وتعالى: الدنيا قليل، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع. فذلك الكثير.
17038- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن منصور، عن أبي رزين، عن الربيع بن خثيم: (فليضحكوا قليلا) ، قال: في الدنيا = (وليبكوا كثيرًا) ، قال: في الآخرة.
17039- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن ويحيى قالا حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين في قوله: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا) ، قال: في الآخرة.
17040- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا
(1)
انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) .

(2)
انظر تفسير "الكسب" فيما سلف من فهارس اللغة (كسب) .

شعبة، عن منصور، عن أبي رزين أنه قال في هذه الآية: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا) ، قال: ليضحكوا في الدنيا قليلا وليبكوا في النار كثيرًا. وقال في هذه الآية: (وإذا لا تمتعون إلا قليلا) ، [سورة الأحزاب: 16] ، قال: إلى آجالهم = أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خثيم. (1)
17041- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (فليضحكوا قليلا) ، قال: ليضحكوا قليلا في الدنيا = (وليبكوا كثيرًا) ، في الآخرة، في نار جهنم = (جزاء بما كانوا يكسبون) .
17042- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فليضحكوا قليلا) ،: أي في الدنيا = (وليبكوا كثيرًا) ،: أي في النار. ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا. ذكر لنا أنه نودي عند ذلك، أو قيل له: لا تُقَنِّط عبادي.
17043- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، عن الربيع بن خثيم، (فليضحكوا قليلا) ، قال: في الدنيا = (وليبكوا كثيرًا) ، قال: في الآخرة.
17044- قال، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين: (فليضحكوا قليلا) ، قال: في الدنيا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، فذلك الكثير.
17045- حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني
(1)
الأثر: 17040 - سيأتي هذا الجزء نفسه بإسناده في تفسيره آية "سورة الأحزاب" . وكان في المطبوعة هنا: "قال: أجلهم" ، وفي المخطوطة: "قال: آجالهم" ، أسقط "إلى" ، أثبتها من نص الخبر في تفسير سورة الأحزاب.

وكان في المطبوعة في هذا الأثر، والذي قبله، وما سيأتي: "الربيع بن خيثم" ، والصواب: "خيثم" ، كما سلف مرارًا، فغيرته، ولم أنبه عليه.
معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا) ، قال: هم المنافقون والكفار، الذين اتخذوا دينهم هُزُوًا ولعبًا. يقول الله تبارك وتعالى: (فليضحكوا قليلا) ، في الدنيا = (وليبكوا كثيرًا) ، في النار.
17046- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (فليضحكوا) ، في الدنيا، (قليلا) = (وليبكوا) ، يوم القيامة، (كثيرًا) . وقال: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) ، حتى بلغ: (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ، [سورة المطففين: 36] .
* * *
القول في تأويل قوله: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإن ردّك الله، يا محمد، إلى طائفة من هؤلاء المنافقين من غزوتك هذه (1) = (فاستأذنوك للخروج) ، معك في أخرى غيرها = (فقل) لهم = (لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنكم رضيتم بالقعود أوّل مرة) ، وذلك عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك (2) = (فاقعدوا مع الخالفين) ، يقول: فاقعدوا مع الذين قعدوا من المنافقين خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنكم منهم، فاقتدوا بهديهم،
(1)
انظر تفسير "طائفة" فيما سلف ص: 336، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "القعود" فيما سلف ص: 397، تعليق: 1، والمراجع هناك.

واعملوا مثل الذي عملوا من معصية الله، فإن الله قد سخط عليكم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17047- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله، الحر شديد، ولا نستطيع الخروج، فلا تنفر في الحرّ! = وذلك في غزوة تبوك = فقال الله: (قل نار جهنم أشد حرًّا لو كانوا يفقهون) ، فأمره الله بالخروج. فتخلف عنه رجال، فأدركتهم نفوسهم فقالوا: والله ما صنعنا شيئًا! فانطلق منهم ثلاثة، فلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتوه تابوا، ثم رجعوا إلى المدينة، فأنزل الله: (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم) ، إلى قوله: (ولا تقم على قبرة) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلك الذين تخلَّفوا، فأنزل الله عُذْرَهم لما تابوا، فقال: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ) ، إلى قوله: (إن الله هو التواب الرحيم) ، [سورة التوبة: 117، 118] .
17048- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم) ، إلى قوله: (فاقعدوا مع الخالفين) ، أي: مع النساء. ذكر لنا أنهم كانوا اثنى عشر رجلا من المنافقين، قيل فيهم ما قيل. (1)
17049- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (فاقعدوا مع الخالفين) ، و "الخالفون" ، الرجال.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من التأويل في قوله: (الخالفين) ، ما قال ابن عباس.
(1)
في المطبوعة: "فقيل فيهم. . ." ، وكان في المخطوطة: "قتل منهم ما قتل" ، صوابه ما في المطبوعة.

* * *
فأما ما قال قتادة من أن ذلك النساء، فقولٌ لا معنى له. لأن العرب لا تجمع النساء إذا لم يكن معهن رجال، بالياء والنون، ولا بالواو والنون. ولو كان معنيًّا بذلك النساء لقيل: "فاقعدوا مع الخوالف" ، أو "مع الخالفات" . ولكن معناه ما قلنا، من أنه أريد به: فاقعدوا مع مرضى الرِّجال وأهل زَمانتهم، والضعفاء منهم، والنساء. وإذا اجتمع الرجال والنساء في الخبر، فإن العرب تغلب الذكور على الإناث، ولذلك قيل: (فاقعدوا مع الخالفين) ، والمعنى ما ذكرنا.
* * *
ولو وُجِّه معنى ذلك إلى: فاقعدوا مع أهل الفساد، من قولهم: "خَلَف الرجال عن أهله يخْلُف خُلُوفًا، إذا فسد، ومن قولهم:" هو خَلْف سَوْءٍ "= كان مذهبًا. وأصله إذا أريد به هذا المعنى، من قولهم:" خَلَف اللبن يَخْلُفُ خُلُوفا "، إذا خبث من طول وضعه في السِّقاء حتى يفسد، ومن قولهم:" خَلَف فم الصائم "، إذا تغيرت ريحه. (1) "
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تصلِّ، يا محمد، على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك أبدًا = (ولا تقم على قبره) ، يقول: ولا تتولَّ دفنه وتقبيره. (2)
(1)
انظر تفسير "خلف" فيما سلف: 13: 209، 210.

(2)
في المطبوعة: "وتقبره" ، غير ما في المخطوطة. و "التقبير" بمعنى: الدفن، من ألفاظ قدماء الفقهاء. وقد سلف استخدام أبي جعفر هذه اللفظة، وتعليقي عليها فيما سلف 9: 387، تعليق: 1.

من قول القائل: "قام فلان بأمر فلان" ، إذا كفاه أمرَه.
* * *
= (إنهم كفروا بالله) ، يقول: إنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله = وماتوا وهم خارجون من الإسلام، مفارقون أمرَ الله ونهيه. (1)
* * *
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبيّ.
* ذكر من قال ذلك:
17050- حدثنا محمد بن المثنى، وسفيان بن وكيع، وسوار بن عبد الله قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله قال، أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: جاء ابن عبد الله بن أبيّ ابن سلول إلى رسول الله حين مات أبوه فقال: أعطني قميصَك حتى أكفّنه فيه، وصلّ عليه، واستغفر له. = فأعطاه قميصه = وإذا فرغتم فآذنوني. (2) فلما أراد أن يصلي عليه، [جذبه] عمر، (3) وقال: أليس قد نهاك الله أن تُصَليّ على المنافقين؟ فقال: بل خيّرني وقال: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) ، قال: فصلي عليه. قال: فأنزل الله تبارك وتعالى: (ولا تُصَلِّ على أحَدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره) ، قال: فترك الصلاة عليهم. (4)
(1)
انظر تفسير "الفسق" فيما سلف ص: 385، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة: "قال: وإذا فرغتم" ، وليس في المخطوطة: "قال" بل فيها: "وإذا وإذا فرغتم" ، بالتكرار.

(3)
"جذبه" التي بين القوسين، ساقطة من المخطوطة، زادها الناشر الأول، وأصاب. .

(4)
الأثر: 17050 - خبر "عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر" ، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 3: 110 \ 8: 251، 255) ، رواه من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، ثم من طريق أبي أسامة، عن عبيد الله، ثم من طريق أنس بن عياض، عن عبيد الله.

ورواه مسلم في صحيحه 17: 121، من طريق أبي أسامة، عن عبيد الله بن عمر.
وسيأتي من رواية أبي جعفر، من طريق أسامة، في الذي يليه، رقم: 17051.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 4: 217 - 219، فراجعه هناك.
17051- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول جاء ابنه عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخذ بثوب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ابنَ سلول! أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما خيَّرني ربّي، فقال: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، وسأزيد على سبعين. فقال: إنه منافق! فصلى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره) . (1)
17052- حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن مجاهد قال، حدثني عامر، عن جابر بن عبد الله: أن رأسَ المنافقين مات بالمدينة، فأوصى أن يصلي عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأن يكفَّن في قميصه، فكفنه في قميصه، وصلى عليه وقام على قبره، فأنزل الله تبارك وتعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره) . (2)
17053- حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سلمة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي على عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول، فأخذ جبريل عليه السلام بثوبه فقال: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره) . (3)
(1)
الأثر: 17051 - انظر التخريج السالف.

(2)
الأثر: 17052 - حديث جابر بن عبد الله من هذه الطريق، ذكره ابن كثير في تفسيره 4: 219، عن مسند البزار، من طريق عمرو بن علي، عن يحيى، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، وقال: "وإسناده لا بأس به، وما قبله شاهد له" . وسيأتي حديث جابر من طريق أخرى رقم: 17054

(3)
الأثر: 17053 - "يزيد الرقاشي" ، هو "يزيد بن أبان الرقاشي" ، ضعيف بل متروك، مضى برقم: 6654، 6728، 7577، وغيرها.

17054- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر قال: جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن أبيّ وقد أدخل حُفْرته، فأخرجه فوضعه على ركبتيه، وألبسه قميصه، وتَفَل عليه من ريقه، والله أعلم. (1)
17055- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس قال: سمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول، دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام إليه. فلما وقف عليه يريد الصلاة، تحوَّلتُ حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله، أتصلي على عدوّ الله عبد الله بن أبي، القائل يوم كذا كذا وكذا!! أعدِّد أيّامه، (2) ورسول الله عليه السلام يتبسم، حتى إذا أكثرت عليه قال: أخِّر عنّي يا عمر، إني خُيِّرت فاخترت، وقد قيل لي: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ، فلو أنّي أعلم أنّي إن زدت على السبعين غفر له، لزدت! قال: ثم صلى عليه، ومشى معه، فقام على قبره حتى فرغ منه. قال: فعجبتُ لي وجُرْأتي (3) على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم. فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: (ولا تصلِّ على أحدا منهم مات أبدًا) ، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَه على منافق، ولا قام
(1)
الأثر: 17054 - حديث جابر، مضى من طريق الشعبي آنفا رقم: 10752.

وأما هذه الطريق، فمنها رواه البخاري في صحيحه (الفتح 3: 111) ، ومسلم في صحيحه 175: 121، وروا أيضا من طريق ابن جريج، عن عمرو بن دينار.
وقوله: "والله أعلم" ، يعني: والله أعلم بقضائه، إذ فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل، مع قضاء الله في المنافقين بما قضى به فيهم.
(2)
هكذا في السيرة: "أعدد أيامه" وظنها بعضهم خطأ، وهو صواب. يعني يعدد ما كان منه في أيام من أيامه، يوم قال كذا، ويوم قال كذا.

(3)
في المطبوعة: "أتعجب لي" ، وفي المخطوطة: "تعجبت" ، وأثبت نص ابن هشام في سيرته. وفي السيرة: "ولجرأتي" .

على قبره، حتى قبضه الله. (1)
17056- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: لما مات عبد الله بن أبي، أتى ابنه عبد الله بن عبد الله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسأله قميصه، فأعطاه، فكفَّن فيه أباه. (2)
17057- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس، عن عمر بن الخطاب قال: لما مات عبد الله بن أبيّ = فذكر مثل حديث ابن حميد، عن سلمة. (3)
17058- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره) ، الآية، قال: بعث عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض ليأتيه، فنهاه عن ذلك عمر. فأتاه نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل عليه، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أهلكك حبُّ اليهود! قال فقال: يا نبي الله، إني لم أبعث إليك لتؤنّبني، ولكن بعثت إليك لتستغفر لي! وسأله قميصه أن يكفن فيه، فأعطاه إياه، فاستغفر له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فمات فكفن في قميص رسول الله صلى الله عليه
(1)
الأثر: 17055 - سيرة ابن هشام 4: 196، 197، وهو تابع الأثر السالف رقم: 17036.

وحديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 254) ، من طريق يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب الزهري. وسيأتي من هذه الطريق برقم: 17057.
وخرجه ابن كثير في تفسيره 4: 218.
وقوله: "أخر عني يا عمر" ، أي: أخر عني رأيك، فاختصر إيجاز وبلاغة - هكذا قالوا: وقد ذكرت آنفا ج 10: 339، تعليق: 6، أنهم قصروا من شرحه، وأن معناه، اصرف عني رأيك وأبعده، وأنه مما يزداد على بيان كتب اللغة.
(2)
الأثر: 17056 - لم أجد هذا الخبر في سيرة ابن هشام.

(3)
الأثر: 17057 - سلف تخريجه في رقم: 17055.

وسلم، ونفث في جلده، ودلاه في قبره، فأنزل الله تبارك وتعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا) ، الآية. قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كُلّم في ذلك فقال: وما يغني عنه قميصي من الله = أو: ربي = وصلى عليه = وإني لأرجو أن يسلم به ألفٌ من قومه. (1)
17059- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبي بن سلول وهو مريض إلى النبي صلى الله عليه وسلم; فلما دخل عليه، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أهلكك حبُّ يهود! قال: يا رسول الله، إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتؤنبني! ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه أن يكفّن فيه، فأعطاه إياه، وصلى عليه، وقام على قبره، فأنزل الله تعالى ذكره: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبرة) .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تعجبك، يا محمد، أموالُ هؤلاء المنافقين وأولادهم، فتصلي على أحدهم إذا مات وتقوم
(1)
قوله: "وصلى عليه" ، هكذا في المخطوطة، وجعلها في المطبوعة: "وصلاتي عليه" ، كأنه ظنه معطوفًا على قوله: "ما يغنى عنه قميصي" ، ولكن جائز أن يكون ما أثبته من المخطوطة، هو الصواب، وهو خبر من قتادة أو غيره، فصل به بين كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك وضعته بين خطين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]