عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-07-2025, 12:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (773)
صــ 321 إلى صــ 330





مندل، عن ليث، عن مجاهد: (وابن السبيل) ، قال: لابن السبيل حق من الزكاة وإن كان غنيًّا، إذا كان مُنْقَطَعًا به.
16881- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله قال: سألت الزهري عن "ابن السبيل" ، قال: يأتي عليَّ ابن السبيل، وهو محتاج. قلت: فإن كان غنيًّا؟ قال: وإن كان غنيًا.
16882- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وابن السبيل) ، الضيف، جعل له فيها حق.
16883- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال [ابن زيد] : "ابن السبيل" ، المسافر من كان غنيًّا أو فقيرًا، إذا أصيبت نفقته، أو فقدت، أو أصابها شيء، أو لم يكن معه شيء، فحقه واجب. (1)
16884- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، أنه قال: في الغني إذا سافر فاحتاج في سفره. قال: يأخذ من الزكاة.
16885- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "ابن السبيل" ، المجتاز من الأرض إلى الأرض.
* * *
وقوله: (فريضة من الله ) ) ، يقول جل ثناؤه: قَسْمٌ قسمه الله لهم، فأوجبه في أموال أهل الأموال لهم (2) = (والله عليم) ، بمصالح خلقه فيما فرض لهم، وفي غير ذلك، لا يخفى عليه شيء. فعلى علم منه فرض ما فرض من الصدقة وبما فيها من المصلحة = (حكيم) ، في تدبيره خلقه، لا يدخل في تدبيره خلل. (3)
(1)
الأثر: 16883 - في المطبوعة والمخطوطة: "قال قال ابن السبيل" . والزيادة بين القوسين من إسناده قبل، وهو إسناد دائر في التفسير، أقربه رقم 16876.

(2)
انظر تفسير "الفريضة" فيما سلف 9: 212، تعليق:، والمرجع هناك.

(3)
انظر تفسير "عليم" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) ، (حكم) .

واختلف أهل العلم في كيفية قسم الصدقات التي ذكرها الله في هذه الآية، وهل يجب لكل صنف من الأصناف الثمانية فيها حق، أو ذلك إلى رب المال؟ ومن يتولى قسمها، في أن له أن يعطي جميعَ ذلك من شاء من الأصناف الثمانية.
فقال عامة أهل العلم: للمتولي قسمُها ووضعُها في أيِّ الأصناف الثمانية شاء. وإنما سمَّى الله الأصناف الثمانية في الآية، إعلامًا منه خلقَه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف الثمانية إلى غيرها، لا إيجابًا لقسمها بين الأصناف الثمانية الذين ذكرهم.
* ذكر من قال ذلك:
16886- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن الحجاج بن أرطاة، عن المنهال بن عمرو، عن زرّ بن حبيش، عن حذيفة في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) ، قال: إن شئت جعلته في صنف واحد، أو صنفين، أو لثلاثة.
16887- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن المنهال، عن زر، عن حذيفة قال: إذا وضعتها في صنف واحد أجزأ عنك.
16888- قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن عطاء، عن عمر: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: أيُّما صنف أعطيته من هذا أجزأك.
16889- قال، حدثنا ابن نمير، عن عبد المطلب، عن عطاء: (إنما الصدقات للفقراء) ، الآية، قال: لو وضعتها في صنف واحد من هذه الأصناف أجزأك. ولو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعفِّفين فجبرتهم بها، كان أحبَّ إليَّ.
16890- قال أخبرنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... وابن السبيل) ، فأيّ صنف أعطيته من هذه الأصناف أجزأك.
16891- قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
16892- قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) ، قال: إنما هذا شيء أعلمَهُ، فأيَّ صنف من هذه الأصناف أعطيته أجزأ عنك.
16893- قال، حدثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: في أيّ هذه الأصناف وضعتها أجزأك.
16894- قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمَّى الله أجزأك.
16895- قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: إذا وضعتها في صنف واحد مما سمَّى الله أجزأك.
16896- قال، حدثنا خالد بن حيان أبو يزيد، عن جعفر بن يرقان، عن ميمون بن مهران: (إنما الصدقات للفقراء) ، قال: إذا جعلتها في صنف واحد من هؤلاء أجزأ عنك. (1)
16897- قال، حدثنا محمد بن بشر، عن مسعود، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) ، الآية، قال: أعلمَ أهلَها مَنْ همْ.
16898- قال، حدثنا حفص، عن ليث، عن عطاء، عن عمر: أنه كان يأخذ الفرْض في الصدقة، ويجعلها في صنف واحد.
* * *
وكان بعض المتأخرين يقول: إذا تولى رب المال قَسْمها كان عليه وضعها في ستة أصناف، وذلك أن المؤلفة قلوبهم عنده قد ذهبوا، وأنّ سهم العاملين
(1)
الأثر: 16896 - "خالد بن حيان الرقي" ، أبو يزيد الكندي الخراز، ثقة، متكلم فيه، مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 1 \ 133، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 326.

يبطل بقسمه إياها. ويزعم أنه لا يجزيه أن يعطي من كل صنف أقل من ثلاثة أنفس. وكان يقول: إن تولى قَسْمها الإمامُ، كان عليه أن يقسمها على سبعة أصناف، لا يجزي عنده غير ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المنافقين جماعة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبونه (1) = (ويقولون هو أذن) ، سامعةٌ، يسمع من كل أحدٍ ما يقول فيقبله ويصدِّقه.
* * *
وهو من قولهم: "رجل أذنة" ، مثل "فعلة" (2) إذا كان يسرع الاستماع والقبول، كما يقال: "هو يَقَن، ويَقِن" إذا كان ذا يقين بكل ما حُدِّث. وأصله من "أذِن له يأذَن" ، إذا استمع له. ومنه الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أذِن الله لشيء كأذَنِه لنبيّ يتغنى بالقرآن" ، (3) ومنه قول عدي بن زيد:
(1)
انظر تفسير "الأذى" فيما سلف 8: 84 - 86، وص: 85، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة: "رجل أذنة مثل فعلة" ، وهذا شيء لم أعرف ضبطه، ولم أجد له ما يؤيده في مراجع اللغة، والذي فيها أنه يقال: "رجل أذن" (بضم فسكون) و "أذن" (بضمتين) ، ولا أدري أهذه على وزن "فعلة" (بضم ففتح) : "همزة" و "لمزة" ، أم على نحو وزن غيره. وأنا في ارتياب شديد من صواب ما ذكره هنا، وأخشى أن يكون سقط من الناسخ شيء، أو أن يكون حرف الكلام.

(3)
هذا الحديث، استدل به بغير إسناد، وهو حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه (6: 78، 79) من حديث أبي هريرة.

أَيُّها القَلْبُ تَعَلَّلْ بِدَدَنْ ... إنَّ هَمِّي فِي سَمَاعِ وَأَذَنْ (1)
وذكر أن هذه الآية نزلت في نبتل بن الحارث. (2)
16899- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، ذكر الله غشَّهم (3) = يعني: المنافقين = وأذاهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ومنهم الذين يؤذون النبيّ ويقولون هو أذن) ، الآية. وكان الذي يقول تلك المقالة، فيما بلغني، نبتل بن الحارث، أخو بني عمرو بن عوف، وفيه نزلت هذه الآية، وذلك أنه قال: "إنما محمد أذُنٌ! من حدّثه شيئًا صدّقه!" ، يقول الله: (قل أذن خير لكم) ، أي: يسمع الخير ويصدِّق به. (4)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (قل أذن خير لكم) .
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ، بإضافة "الأذن" إلى "الخير" ، يعني: قل لهم، يا محمد: هو أذن خير، لا أذن شرٍّ.
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك: (قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ) ، بتنوين "أذن" ، ويصير "خير" خبرًا له، بمعنى: قل: من يسمع منكم، أيها المنافقون، ما تقولون ويصدقكم، إن كان محمد كما وصفتموه، من أنكم إذا أتيتموه، فأنكرتم (5) ما ذكر له عنكم من أذاكم إياه وعيبكم له، سمع منكم وصدقكم = خيرٌ
(1)
أمالي الشريف المرتضى 1: 33، واللسان (أذن) و (ددن) ، و "الدد" (بفتح الدال) و "الددن" ، اللهو. و "السماع" ، الغناء، والمغنية يقال لها "المسمعة" .

(2)
في المخطوطة والمطبوعة: "في ربيع بن الحارث" ، وهو خطأ محض، لا شك فيه.

(3)
في المطبوعة: "ذكر الله عيبهم" ، أخطأ، والصواب ما في المخطوطة، وسيرة ابن هشام.

(4)
الأثر: 16899 - سيرة ابن هشام 4: 195، وهو تابع الأثر السلف رقم: 16783، وانظر خبر نبتل بن الحارث أيضًا في سيرة ابن هشام 2: 168.

(5)
في المطبوعة: "إذا آذيتموه فأنكرتم" ، وهو كلام لا معنى له، لم يحسن قراءة المخطوطة، والصواب ما أثبت.

لكم من أن يكذبكم ولا يقبل منكم ما تقولون. ثم كذبهم فقال: بل لا يقبل إلا من المؤمنين = (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندي في ذلك، قراءةُ من قرأ: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ، بإضافة "الأذن" إلى "الخير" ، وخفض "الخير" ، يعني: قل هو أذن خير لكم، لا أذن شر. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16900- حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) ، يسمع من كل أحد.
16901- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) ، قال: كانوا يقولون: "إنما محمد أذن، لا يحدَّث عنا شيئًا، إلا هو أذن يسمع ما يقال له" .
16902- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ويقولون هو أذن) ، نقول ما شئنا، ونحلف، فيصدقنا.
16903- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (هو أذن) ، قال: يقولون: "نقول ما شئنا، ثم نحلف له فيصدقنا" .
16904- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
* * *
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 444.

وأما قوله: (يؤمن بالله) ، فإنه يقول: يصدِّق بالله وحده لا شريك له.
وقوله: (ويؤمن للمؤمنين) ، يقول: ويصدق المؤمنين، لا الكافرين ولا المنافقين.
وهذا تكذيب من الله للمنافقين الذين قالوا: "محمد أذن!" ، يقول جل ثناؤه: إنما محمد صلى الله عليه وسلم مستمعُ خيرٍ، يصدِّق بالله وبما جاءه من عنده، ويصدق المؤمنين، لا أهل النفاق والكفر بالله.
* * *
وقيل: (ويؤمن للمؤمنين) ، معناه: ويؤمن المؤمنين، لأن العرب تقول فيما ذكر لنا عنها: "آمنتُ له وآمنتُه" ، بمعنى: صدّقته، كما قيل: (رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) ، [سورة النمل: 72] ، ومعناه: ردفكم = وكما قال: (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [سورة الأعراف: 154] ، ومعناه: للذين هم ربّهم يرهبون. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16905- حدثني المثنى قال، حدثني عبد الله قال: حدثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) ، يعني: يؤمن بالله، ويصدق المؤمنين.
* * *
وأما قوله: (ورحمة للذين آمنوا منكم) ، فإن القرأة اختلفت في قراءته، فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا) ، بمعنى: قل هو
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 444.

أذن خير لكم، وهو رحمة للذين آمنوا منكم = فرفع "الرحمة" ، عطفًا بها على "الأذن" .
* * *
وقرأه بعض الكوفيين: (وَرَحْمَةٍ) ، عطفا بها على "الخير" ، بتأويل: قل أذن خير لكم، وأذن رحمة. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي، قراءةُ من قرأه: (وَرَحْمَةٌ) ، بالرفع، عطفًا بها على "الأذن" ، بمعنى: وهو رحمة للذين آمنوا منكم. وجعله الله رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه، وصدَّق بما جاء به من عند ربه، لأن الله استنقذهم به من الضلالة، وأورثهم باتِّباعه جنّاته.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لهؤلاء المنافقين الذين يعيبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: "هو أذن" ، وأمثالِهم من مكذِّبيه، والقائلين فيه الهُجْرَ والباطل، (2) عذابٌ من الله موجع لهم في نار جهنم. (3)
* * *
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 444.

(2)
انظر تفسير "الأذى" فيما سلف ص: 324، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم) .

القول في تأويل قوله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله صلى الله عليه وسلم: يحلف لكم، أيها المؤمنون، هؤلاء المنافقون بالله، ليرضوكم فيما بلغكم عنهم من أذاهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وذكرِهم إياه بالطعن عليه والعيب له، ومطابقتهم سرًّا أهلَ الكفر عليكم = بالله والأيمان الفاجرة: أنهم ما فعلوا ذلك، وإنهم لعلى دينكم، ومعكم على من خالفكم، يبتغون بذلك رضاكم. يقول الله جل ثناؤه: (والله ورسوله أحق أن يرضوه) ، بالتوبة والإنابة مما قالوا ونطقوا = (إن كانوا مؤمنين) ، يقول: إن كانوا مصدِّقين بتوحيد الله، مقرِّين بوعده ووعيده.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16906- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) ، الآية، ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا، وإن كان ما يقول محمد حقًّا، لهم شَرٌّ من الحمير! قال: فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد حق، ولأنت شر من الحمار! فسعى بها الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال له: ما حملك على الذي قلت؟ فجعل يلتَعنُ، ويحلف بالله ما قال ذلك. (1) قال: وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدِّق الصادق، وكذِّب
(1)
"التعن الرجل" ، إذا أنصف في الدعاء على نفسه، أو لعن نفسه.

الكاذب! فأنزل الله في ذلك: (يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) .
* * *
القول في تأويل قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يحلفون بالله كذبًا للمؤمنين ليرضوهم، وهم مقيمون على النفاق، أنه من يحارب الله ورسوله، ويخالفهما فيناوئهما بالخلاف عليهما = (فأن له نار جهنم) ، في الآخرة = (خالدًا فيها) ، يقول: لابثًا فيها، مقيمًا إلى غير نهاية؟ (1) = (ذلك الخزي العظيم) ، يقول: فلُبْثُه في نار جهنم وخلوده فيها، هو الهوان والذلُّ العظيم. (2)
* * *
وقرأت القرأة: (فَأَنَّ) ، بفتح الألف من "أن" بمعنى: ألم يعلموا أنَّ لمن حادَّ الله ورسوله نارُ جهنم = وإعمال "يعلموا" فيها، كأنهم جعلوا "أن" الثانية مكررة على الأولى، واعتمدوا عليها، إذ كان الخبر معها دون الأولى.
* * *
وقد كان بعض نحويي البصرة يختار الكسر في ذلك، على الابتداء، بسبب دخول "الفاء" فيها، وأن دخولها فيها عنده دليلٌ على أنها جواب الجزاء، وأنها إذا كانت للجزاء جوابًا، (3) كان الاختيار فيها الابتداء.
* * *
(1)
انظر تفسير "الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .

(2)
انظر تفسير "الخزي" فيما سلف ص: 160، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "إذا كانت جواب الجزاء" ، وفي المخطوطة: "إذا كانت الجواب جزاء" ، والصواب ما أثبت، إنما أخطأ الناسخ.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]