
17-07-2025, 11:48 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,603
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (764)
صــ 231 إلى صــ 240
16676- قال: حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن الأحنف بن قيس قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حَلْقَة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، (1) فقام عليهم فقال: بشِّر الكنازين برضْفٍ يحمى عليه في نار جهنم، (2) فيوضع على حَلَمة ثدْي أحدهم حتى يخرج من نُغْضِ كتفه، ويوضع على نُغْضِ كتفه، (3) حتى يخرج من حَلَمة ثدييه، يتزلزل، (4) قال: فوضع القوم رءوسهم، فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا. قال: وأدبر، فاتبعته، حتى جلس إلى ساريةٍ، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قُلْت! فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئًا. (5)
16677- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم قال، حدثني عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي نصر، عن الأحنف بن قيس، قال: رأيت في مسجد المدينة رجلا غليظ الثياب، رثَّ الهيئة، يطوف في الحِلَق وهو يقول: بشر أصحاب الكنوز بكيٍّ في جنوبهم، وكي في جباههم، وكيٍّ في
(1) في المطبوعة "خشن" في المواضع الثلاث. وأثبت ما في المخطوطة. وهو المطابق لرواية مسلم. "الخشن" و "الأخشن" ، والأنثى "خشنة" و "خشناء" . من الخشونة. وهو الأحرش من كل شيء. ويقال. "رجل أخشن، خشن" .
(2) "الرضف" (بفتح فسكون) : الحجارة المحماة على النار، والعرب يوغرون بها اللبن، ويشوون عليها اللحم.
(3) "نغض الكتف" (بضم فسكون، أو فتح فسكون) و "ناغض الكتف" ، هو عند أعلى الكتف، عظم رقيق على طرفه، ينغض إذا مشى الماشي، أي يتحرك.
(4) "يتزلزل" ، أي يتحرك ويضطرب، كأنه يزل مرة بعد أخرى، يقول: يضطرب الرضف المحمي نازلا من نغض الكتف حتى يخرج من حلمة الثدي.
(5) الأثر 16676 - "الجريري" ، هو "سعيد بن إياس الجريري" الحافظ المشهور، روى له الجماعة، مضى برقم: 196، 12274.
و "أبو العلاء بن الشخير" ، هو "يزيد بن عبد الله بن الشخير" ثقة وروى له الجماعة. مضى برقم 15514، 15515.
وهذا الخبر رواه البخاري بنحوه مطولا في صحيحه (الفتح 3: 128) - ورواه مسلم في صحيحه 7 / 77 بلفظه من هذا الطريق مطولا أيضا.
ظهورهم! ثم انطلق وهو يتذمَّر يقول (1) ما عسى تصنعُ بي قريش!! (2)
16678- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال أبو ذر: بشر أصحاب الكنوز بكيٍّ في الجباه، وكيٍّ في الجنوب، وكيٍّ في الظهور.
16679- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: (يوم يحمى عليها في نار جهنم) ، قال: حية تنطوي على جبينه وجبهته تقول: أنا مالُك الذي بخلت به! (3)
16680- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان: أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: من ترك بعدَه كنزا مثَلَ له يوم القيامة شُجَاعًا أقرعَ له زبيبتان، (4) يتبعه يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك! فلا يزال يتبعه حتى يُلْقِمه يده فيقضمها، ثم يتبعه سائر جسده. (5)
(1) "يتذمر" ، أي: يصخب من الغضب، كأنه يعاتب نفسه.
(2) الأثر: 16677 - "عمرو بن قيس الملائي، ثقة، مضى مرارا."
و "عمرو بن مرة الجملي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارا.
و "أبو نصر" ، لم أعرف من هو؟
(3) الأثر: 16679 - "قابوس بن أبي ظبيان الجنبي" ، ضعيف، لا يحتج به، مضى برقم: 9745، 10683.
وأبوه: "أبو ظبيان الجنبي" ، هو "حصين بن جندب" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى أيضا برقم: 9745، 10683.
وانظر ما سلف في حديث ابن مسعود رقم: 8285 - 8289.
(4) "الشجاع" ، ضرب من الحيات مارد خبيث. "والأقرع" ، هو الذي لا شعر له على رأسه، قد تمعط عليه رأسه لكثرة سمه، وطول عمره. و "الزبيبتان" : نكتتان سوداوان تكونان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه.
(5) الأثر: 16680 - "سالم بن أبي الجعد الأشجعي" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 4244، 11546، 16661 - 16666.
و "معدان بن أبي طلحة الكناني" ، تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 38، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 404.
وهذا الخبر، ذكره ابن كثير في تفسيره 4: 157، وقال: "رواه ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد بن سعيد، به. وأصل هذا الحديث في الصحيحين، من رواية أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه = وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة" ، وذكر الخبر.
16681- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: بلغني أن الكنوز تتحوَّل يوم القيامة شجاعًا يتبع صاحبه وهو يفرُّ منه، ويقول: أنا كنزك! لا يدرك منه شيئًا إلا أخذه.
16682- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: والذي لا إله غيره، لا يكوى عبد بكنز فيمسُّ دينارٌ دينارًا ولا درهم درهمًا، ولكن يوسع جلده، فيوضع كل دينار ودرهم على حِدَته. (1)
16683- قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: ما من رجل يكوَى بكنز فيوضع دينار على دينارٍ ولا درهم على درهم، ولكن يوسَّع جلده. (2)
* * *
(1) الأثر: 16682 - هذا الخبر، ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 29، 30، وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح" .
وذكره ابن كثير في تفسيره 4: 156، وقال: "وقد رواه ابن مردويه، عن أبي هريرة مرفوعا، ولا يصح رفعه، والله أعلم" .
وذكره السيوطي في الدر المنثور 3: 233، ونسبه إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي الشيخ، لم يذكر ابن جرير.
(2) الأثر: 16683 - هو مكرر الأثر السالف، بإسناد آخر، مختصرا.
القول في تأويل قوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن عدة شهور السنة اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، الذي كتبَ فيه كل ما هو كائن في قضائه الذي قضى = (يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم) ، يقول: هذه الشهور الاثنا عشر منها أربعة أشهر حرم كانت الجاهلية تعظمهن، وتحرِّمهن، وتحرِّم القتال فيهن، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يَهِجْهُ، وهن: رجب مُضر وثلاثة متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16684- حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن حباب قال، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي قال: حدثني صدقة بن يسار، عن ابن عمر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنًى في أوسط أيام التشريق، فقال: يا أيها الناس، إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، أوّلهن رجبُ مُضَر بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. (1)
(1) الأثر: 16684 - "موسى بن عبد الرحمن المسروقي" ، شيخ الطبري، مضى مرارا، آخرها رقم 8906.
و "زيد بن حباب العكلي" ، مضى مرارا، منها رقم: 11134.
و "موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي" ، ضعيف جدا، منكر الحديث مضى مرارا، منها رقم: 11134.
و "صدقة بن يسار الجزري" ، مكي ثقة، روى عن ابن عمر. مترجم في التهذيب والكبير 2 / 2/ 294، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 428.
وهذا إسناد ضعيف، لضعف موسى بن عبيدة الربذي.
16685- حدثنا محمد بن معمر قال، حدثنا روح قال، حدثنا أشعث عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات، ورجبُ مُضَر بين جمادى وشعبان. (1) "
16686- حدثنا يعقوب قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال، حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجبُ مضر الذي بين جمادى وشعبان. (2)
(1) الأثر: 16685 - "محمد بن معمر بن ربعي البحراني" ، شيخ الطبري، ثقة من شيوخ البخاري ومسلم، مضى برقم: 241، 3056، 5393.
و "روح" ، هو "روح بن عبادة القيسي" ، ثقة، مضى مرارًا كثيرة.
و "أشعث" ، هو "أشعث بن عبد الملك الحمراني" ، ثقة مأمون، مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 1 \ 431، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 275.
وهذا الخبر، نقله ابن كثير في تفسيره 4: 160، عن هذا الوضع، ثم قال: "رواه البزار، عن محمد بن معمر، به، ثم قال: لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه" .
(2) الأثر: 16686 - هذا خبر منقطع الإسناد، لأن محمد بن سيرين لم يسمع من أبي بكرة، ووصله البخاري في مواضع صحيحه، من طريق "أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة" (الفتح 1: 145، 177، 178 \ 3: 459 \ 6: 210، 211 \ 8: 83، 244) ، مطولا.
ووصله مسلم أيضًا في صحيحه 11: 167.
ورواه أحمد في مسنده 5: 37، منقطعا، كما رواه الطبري، وقد استوفى الحافظ ابن حجر، تفصيل القول في ذلك في الفتح، في المواضع التي ذكرتها آنفًا.
والحديث صحيح متفق عليه.
16687- حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سليمان التيمي قال، حدثني رجل بالبحرين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجبُ الذي بين جمادى وشعبان "."
16688- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيح قوله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم) ، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان.
16689- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم منًى: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان "."
* * *
وهو قول عامة أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16690- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم) ، أما (أربعة حرم) ، فذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. وأما (كتاب الله) ، فالذي عنده.
16691- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (إن عدة الشهور عند الله
اثنا عشر شهرًا) ، قال: يعرف بها شأن النسيء ما نقص من السنة.
16692- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قول الله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله) ، قال: يذكر بها شأن النسيء.
* * *
وأما قوله: (ذلك الدين القيم) ، فإن معناه: هذا الذي أخبرتكم به، من أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، وأن منها أربعة حرمًا: هو الدين المستقيم، كما:-
16693- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ذلك الدين القيم) ، يقول: المستقيم.
16694- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، ابن زيد في قوله: (ذلك الدين القيم) ، قال: الأمر القيم. يقول: قال تعالى: واعلموا، أيها الناس، أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله الذي كتب فيه كل ما هو كائن، وأن من هذه الاثنى عشر شهرًا أربعةُ أشهرٍ حرمًا، ذلك دين الله المستقيم، لا ما يفعله النسيء من تحليله ما يحلل من شهور السنة، وتحريمه ما يحرِّمه منها. (1)
وأما قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ، فإن معناه: فلا تعصوا الله فيها، ولا تحلُّوا فيهن ما حرَّم الله عليكم، فتكسبوا أنفسكم ما لا قِبَل لها به من سخط الله وعقابه. كما:-
(1) "النسئ" ، هكذا جاءت في المخطوطة أيضًا، بمعنى "الناسئ" ، وهو الذي كان يحلل لهم الشهر ويحرمه. وأخشى أن يكون وهمًا من الناسخ، فإن "النسئ" على وزن "فعيل" ، وهو بمعنى "مفعول" ، أو مصدر "نسأ الشهر" ، ولم أرهم قالوا في الرجل إلا "ناسئ" ، وجمعه "نسأة" ، مثل "فاسق" و "فسقة" .
وانظر ما سيأتي في تفسير "النسئ" ص: 343، والخبر رقم: 16708، 16709، والتعليق هناك.
16695- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ، قال: الظلم العمل بمعاصي الله، والترك لطاعته.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في الذي عادت عليه "الهاء" ، و "النون" في قوله: (فيهن) .
فقال بعضهم: عاد ذلك على "الاثنى العشر الشهر" ، (1) وقال: معناه: فلا تظلموا في الأشهر كلِّها أنفسكم.
* ذكر من قال ذلك:
16696- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ، في كلِّهن. ثم خصَّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حُرُمًا، وعظّم حُرُماتهن، وجعل الذنبَ فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.
16697- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ، قال: في الشهور كلها.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا تظلموا في الأربعة الأشهر الحرُم أنفسكم = و "الهاء والنون" عائدة على "الأشهر الأربعة" .
* ذكر من قال ذلك:
16698- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أما قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ، فإن الظلم في الأشهر الحرم
(1) في المطبوعة: "على الاثنى عشر شهرًا" ، وأثبت ما في المخطوطة.
أعظم خطيئةً ووِزْرًا، من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظِّم من أمره ما شاء. وقال: إن الله اصطفى صَفَايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسُلا ومن الناس رسلا واصطفى من الكلام ذكرَه، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضانَ والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلةَ القدر، فعظِّموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظَّمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا تظلموا في تصييركم حرامَ الأشهر الأربعة حلالا وحلالها حرامًا = أنفسَكم.
* ذكر من قال ذلك:
16699- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا) ، إلى قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ،: أي: لا تجعلوا حرامها حلالا ولا حلالها حرامًا، كما فعل أهل الشرك، فإنما النسيء، الذي كانوا يصنعون من ذلك، (زيادة في الكفر يُضَل به الذين كفروا) ، الآية. (1)
166700- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ، قال: "ظلم أنفسكم" ، أن لا تحرِّموهن كحرمتهن.
16701- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد بن علي: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ، قال: "ظلم أنفسكم" ، أن لا تحرِّموهن كحرمتهن.
16702- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا
(1) الأثر: 16699 - سيرة ابن هشام 4: 193، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16615.
سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد، بنحوه.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسَكم، باستحلال حرامها، فإن الله عظمها وعظَّم حرمتها.
وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب في تأويله، لقوله: (فلا تظلموا فيهن) ، فأخرج الكناية عنه مُخْرَج الكناية عن جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة. وذلك أن العرب تقول فيما بين الثلاثة إلى العشرة، إذا كَنَتْ عنه: "فعلنا ذلك لثلاث ليال خلون، ولأربعة أيام بقين" وإذا أخبرت عما فوق العشرة إلى العشرين قالت: "فعلنا ذلك لثلاث عشرة خلت، ولأربع عشرة مضت" = فكان في قوله جل ثناؤه: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ، وإخراجِه كناية عدد الشهور التي نهى المؤمنين عن ظلم أنفسهم فيهن مخرج عدد الجمع القليل من الثلاثة إلى العشرة، الدليلُ الواضح على أن "الهاء والنون" ، من ذكر الأشهر الأربعة، دون الاثنى العشر. لأن ذلك لو كان كناية عن "الاثنى عشر شهرًا" ، لكان: فلا تظلموا فيها أنفُسكم. (1)
* * *
فإن قال قائل: فما أنكرت أن يكون ذلك كنايةً عن "الاثنى عشر" ، وإن كان الذي ذكرت هو المعروف في كلام العرب؟ فقد علمت أن [من] المعروف من كلامها، (2) إخراجُ كناية ما بين الثلاث إلى العشر، بالهاء دون النون، وقد قال الشاعر: (3)
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 435.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: "أن المعروف من كلامها" ، والسياق يقتضي إثبات ما أثبت بين القوسين، لأن هذا القائل، أقر أولا بأن ما قاله الطبري هو "المعروف من كلامها" ، أي المشهور المتفق عليه. فالجيد أن يعترض عليه بشيء آخر، هو "الجائز في كلامها" ، فمن أجل هذا المعنى زدت "من" بين القوسين، ليستقيم منطق الكلام.
(3) هو عمر بن لجأ التيمي.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|