عرض مشاركة واحدة
  #748  
قديم 17-07-2025, 06:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,752
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (748)
صــ 71 إلى صــ 80





معنى، وكل هذه المعاني التي ذكرتها عمن ذكرت، مما قد سبق في كتاب الله أنه لا يؤاخذ بشيء منها هذه الأمة، وذلك: ما عملوا من عمل بجهالة، وإحلال الغنيمة، والمغفرة لأهل بدر، وكل ذلك مما كتب لهم. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يخصّ من ذلك معنى دون معنى، وقد عم الله الخبر بكل ذلك، بغير دلالة توجب صحة القول بخصوصه.
16319- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لم يكن من المؤمنين أحد ممن نُصِر إلا أحبَّ الغنائم، إلا عمر بن الخطاب، جعل لا يلقى أسيرًا إلا ضرب عنقه، وقال: يا رسول الله، ما لنا وللغنائم، نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يُعبد الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك! قال الله: لا تعودوا تستحلون قبل أن أحلّ لكم."
16320- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: لما نزلت: (لولا كتاب من الله سبق) ، الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو نزل عذابٌ من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ، لقوله: يا نبي الله، كان الإثخان في القتل أحبّ إلي من استبقاء الرجال. (1) "
* * *
القول في تأويل قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أهل بدر: (فكلوا) ، أيها المؤمنون = (مما غنمتم) ، من أموال المشركين = (حلالا) ، بإحلاله لكم = (طيبا واتقوا الله) ، يقول: وخافوا الله أن تعودوا، أن تفعلوا في دينكم شيئا بعد هذه
(1)
الأثر: 16320 - لم أجد هذا الخبر في سيرة ابن هشام، فيما أقدر.





من قبل أن يُعْهَد فيه إليكم، كما فعلتم في أخذ الفداء وأكل الغنيمة، وأخذتموهما من قبل أن يحلا لكم = (إن الله غفور رحيم) . (1)
* * *
وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم، وتأويل الكلام: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) ، (إن الله غفور رحيم) ، (واتقوا الله) .
* * *
ويعني بقوله: (إن الله غفور) ، لذنوب أهل الإيمان من عباده = (رحيم) ، بهم، أن يعاقبهم بعد توبتهم منها.
* * *
(1)
انظر تفسير ألفاظ الآية فيما سلف من فهارس اللغة.

القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي، قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) ، يقول: إن يعلم الله في قلوبكم إسلامًا = (يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم) ، من الفداء = (ويغفر لكم) ، يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جُرْمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبي الله وأصحابه وكفركم بالله = (والله غفور) ، لذنوب عباده إذا تابوا = (رحيم) ، بهم، أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.

وذكر أن العباس بن عبد المطلب كان يقول: فيّ نزلت هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
16321- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال العباس: فيّ نزلت: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني فأبى، فأبدلني الله بها عشرين عبدًا، كلهم تاجر، مالي في يديه. (1)
* * *
وقد:-
16322- حدثنا بهذا الحديث ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال محمد، حدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال: كان العباس بن عبد المطلب يقول: فيّ والله نزلت، حين ذكرتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي = ثم ذكر نحو حديث ابن وكيع. (2)
16323- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية، قال: ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليه مالُ البحرين ثمانون ألفًا، وقد توضأ لصلاة الظهر،
(1)
الأثر: 16321 - في المطبوعة: "أبي إسحاق" ، والصواب من المخطوطة، وانظر التعليق التالي.

(2)
الأثر: 16322 - هذا الخبر والذي قبله، ذكرهما الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 8، مطولا، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار، ورجال الأوسط رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع" .

وظاهر أنه يعني إسنادًا غير هذين الإسنادين، فإن الأول لم يصرح فيه السماع، والثاني فيه "الكلبي" .
وذكره الواحدي في أسباب النزول، عن الكلبي، مطولا: 180، 181.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "جابر بن عبد الله بن رباب" ، وهو خطأ، صوابه ما أثبت.
فما أعطى يومئذ شاكيًا ولا حرم سائلا وما صلى يومئذ حتى فرّقه، وأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي، فأخذ. قال: وكان العباس يقول: هذا خير مما أخذ منا، وأرجو المغفرة.
16324- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية، وكان العباس أسر يوم بدر، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب، فقال العباس حين نزلت هذه الآية: لقد أعطاني الله خَصلتين، ما أحب أن لي بهما الدنيا: أني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية، فآتاني أربعين عبدًا، وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله.
16325- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) إلى قوله: (والله غفور رحيم) ، يعني بذلك: من أسر يوم بدر. يقول: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لرسولي، آتيتكم خيرًا مما أخذ منكم، وغفرت لكم.
16326- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني. عن ابن عباس: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) ، عباس وأصحابه، قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: آمنا بما جئت به، ونشهد إنك لرسول الله، لننصحن لك على قومنا. فنزل: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم) ، إيمانًا وتصديقًا، يخلف لكم خيرًا مما أصيب منكم = (ويغفر لكم) ، الشرك الذي كنتم عليه. قال: فكان العباس يقول: ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا، وأن لي الدنيا، لقد قال: (يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم) فقد أعطاني خيرًا مما أخذ مني مئة ضعف، وقال: (ويغفر لكم) ، وأرجو أن يكون قد غُفِر لي.
16327- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية، يعني العباسَ وأصحابه، أسروا يوم بدر. يقول الله: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي، أعطيتكم خيرًا مما أخذ منكم وغفرت لكم. وكان العباس بن عبد المطلب يقول: لقد أعطانا الله خصلتين، ما شيء هو أفضل منهما: عشرين عبدًا. وأما الثانية: فنحن في موعود الصادق ننتظر المغفرة من الله سبحانه.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن يرد هؤلاء الأسارى الذين في أيديكم = (خيانتك) ، أي الغدر بك والمكرَ والخداع، بإظهارهم لك بالقول خلافَ ما في نفوسهم (1) = (فقد خانوا الله من قبل) ، يقول: فقد خالفوا أمر الله من قبل وقعة بدر، وأمكن منهم ببدر المؤمنين (2) = (والله عليم) ، بما يقولون بألسنتهم ويضمرونه في نفوسهم = (حكيم) ، في تدبيرهم وتدبير أمور خلقه سواهم. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16328- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن
(1)
انظر تفسير "الخيانة" فيما سلف ص: 25، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "أمكن" فيما سلف 11: 263 \ 12: 315.

(3)
انظر تفسير "عليم" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) ، (حكم) .

ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: (وإن يريدوا خيانتك) ، يعني: العباس وأصحابه في قولهم: آمنا بما جئت به، ونشهد أنك رسول الله، لننصحن لك على قومنا "، يقول: إن كان قولهم خيانة = (فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم) ، يقول: قد كفروا وقاتلوك، فأمكنك الله منهم."
16329- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وإن يريدوا خيانتك) الآية، قال: ذكر لنا أن رجلا كتب لنبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم عمد فنافق، فلحق بالمشركين بمكة، ثم قال: "ما كان محمد يكتب إلا ما شئت!" فلما سمع ذلك رجل من الأنصار، نذر لئن أمكنه الله منه ليضربنه بالسيف. فلما كان يوم الفتح، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ومِقْيَس بن صُبابة، (1) وابن خطل، وامرأة كانت تدعو على النبيّ صلى الله عليه وسلم كل صباح. فجاء عثمان بابن أبي سرح، وكان رضيعه = أو: أخاه من الرضاعة = فقال: يا رسول الله، هذا فلان أقبل تائبًا نادمًا! فأعرض نبي الله صلى الله عليه وسلم. فلما سمع به الأنصاريّ أقبل متقلدًا سيفه، فأطاف به، (2) وجعل ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يومئ إليه. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّم يده فبايعه، فقال: أما والله لقد تلوَّمتك فيه لتوفي نذرك! (3) فقال: يا نبيّ الله إنيّ هِبْتك، فلولا أوْمضت إليّ! (4) فقال: إنه لا ينبغي لنبيٍّ أن يومض. (5)
16330- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(1)
في المطبوعة: "بن ضبابة" ، وهو خطأ محض.

(2)
يقال: "طاف بالقوم، وأطاف بهم" ، إذا استدار، وجاء من نواحيهم وهو يحوم حولهم.

(3)
"تلوم في الأمر" و "تلوم به" ، انتظر وتلبث وتأنى، وتعدية مثل هذا الفعل من صريح العربية.

(4)
"أومض إليه" ، أشار إشارة خفية، من "إيماض البرق" ، إذا لمع لمعًا خفيًا، ثم يخفى.

(5)
الأثر: 16329 - انظر مسند أحمد 3: 151، حديث أنس، بغير هذا اللفظ.

حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم) ، يقول: قد كفروا بالله ونقضوا عهده، فأمكن منهم ببدر.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله = "وهاجروا" ، يعني: هجروا قومهم وعشيرتهم ودورهم، يعني: تركوهم وخرجوا عنهم، وهجرهم قومهم وعشيرتهم (1) = (وجاهدوا في سبيل الله) ، يقول: بالغوا في إتعاب نفوسهم وإنصَابها في حرب أعداء الله من الكفار (2) = (في سبيل الله) ، يقول: في دين الله الذي جعله طريقا إلى رحمته والنجاة من عذابه (3) = (والذين آووا ونصروا) ، يقول: والذين آووا رسول الله والمهاجرين معه، يعني: أنهم جعلوا لهم مأوًى يأوون إليه، وهو المثوى والمسكن، يقول: أسكنوهم، وجعلوا لهم من منازلهم مساكنَ إذ أخرجهم قومهم من منازلهم (4) = (ونصروا) ، يقول: ونصروهم على أعدائهم وأعداء الله من المشركين = (أولئك بعضهم أولياء بعض) ، يقول: هاتان الفرقتان، يعني المهاجرين والأنصار، بعضهم أنصار بعض، وأعوان على من سواهم من
(1)
انظر تفسير "المهاجرة" فيما سلف 4: 317، 318 \ 7: 490 \ 9: 100، 122.

(2)
انظر تفسير "المجاهدة" فيما سلف 4: 318 \ 10: 292، 423.

(3)
انظر تفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .

(4)
انظر تفسير "آوى" ، و "المأوى" فيما سلف 13: 477، تعليق: 2، والمراجع هناك.

المشركين، وأيديهم واحدة على من كفر بالله، وبعضهم إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار. (1)
* * *
وقد قيل: إنما عنى بذلك أن بعضهم أولى بميراث بعض، وأن الله ورَّث بعضهم من بعض بالهجرة والنصرة، دون القرابة والأرحام، وأن الله نسخ ذلك بعدُ بقوله: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) ، [سورة الأنفال: 75 \ وسورة الأحزاب: 6] .
* ذكر من قال ذلك:
16331- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) ، يعني: في الميراث، جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام، قال الله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا) ، يقول: ما لكم من ميراثهم من شيء، وكانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله هذه الآية: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [سورة الأنفال: 75 \ وسورة الأحزاب: 6] ، في الميراث، فنسخت التي قلبها، وصار الميراث لذوي الأرحام.
16332- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) ، يقول: لا هجرة بعد الفتح، إنما هو الشهادة بعد ذلك = (والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) ، إلى قوله: (حتى يهاجروا) . وذلك أن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل: منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة، خرج إلى
(1)
انظر تفسير "الولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

قوم مؤمنين في ديارهم وعَقارهم وأموالهم = و (آووا ونصروا) ، (1) وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة، وشهروا السيوف على من كذّب وجحد، فهذان مؤمنان، جعل الله بعضهم أولياء بعض، فكانوا يتوارثون بينهم، إذا توفي المؤمن المهاجر ورثه الأنصاري بالولاية في الدين. وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر. فبرَّأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم، وهي الولاية التي قال الله: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) . وكان حقا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قاتلوا، إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، فلا نصر لهم عليهم، إلا على العدوِّ الذين لا ميثاق لهم. ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحقْ كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا. فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبًا مفروضًا بقوله: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة الأنفال: 75] ، وبقوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [سورة التوبة: 71] .
16333- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الثلاث الآيات خواتيم الأنفال، فيهن ذكر ما كان والىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مهاجري المسلمين وبين الأنصار في الميراث. ثم نسخ ذلك آخرها: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
16334- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا) ، إلى قوله: (بما تعملون بصير) ، قال: بلغنا أنها كانت في الميراث، لا يتوارث المؤمنون الذين هاجروا، والمؤمنون الذين لم يهاجروا. قال: ثم نزل بعد: (وَأُولُو
(1)
في المطبوعة: "وفي قوله: آووا ونصروا" . زاد ما ليس في المطبوعة.

الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، فتوارثوا ولم يهاجروا = قال ابن جريج، قال مجاهد: خواتيم "الأنفال" الثلاث الآيات، فيهن ذكر ما كان واليَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين المسلمين وبين الأنصار في الميراث، ثم نسخ ذلك آخرها: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) .
16335- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا) ، إلى قوله: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) ، قال: لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئًا، فنسخ ذلك بعد ذلك، فألحق الله (1) (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) ، [سورة الأحزاب: 6] ، أي: من أهل الشرك، فأجيزت الوصية، (2) ولا ميراث لهم، وصارت المواريث بالملل، والمسلمون يرث بعضهم بعضًا من المهاجرين والمؤمنين، ولا يرث أهل ملتين.
16336- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسن، عن يزيد، عن عكرمة والحسن قالا (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله) ، إلى قوله: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) ، كان الأعرابي لا يرث المهاجر، ولا يرثه المهاجر، فنسخها فقال: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
16337- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(1)
في المطبوعة: "قول الله" ، مكان "فألحق الله" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.

(2)
في المخطوطة: "حرت الوصية" ، هكذا غير منقوط، وكأن الصواب ما في المطبوعة.

ولو قرئت: "خيرت الوصية" (بالبناء للمجهول) ، لكان وجها.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]