
17-07-2025, 05:06 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (698)
صــ 141 إلى صــ 150
ساطع، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه! فضرب دونه بالحجاب. ودنا القوم، حتى إذا دخلوا في الغمام وقَعوا سجودًا، فسمعوه وهو يكلِّم موسى، يأمره وينهاه: افعل، ولا تفعل! فلما فرغ الله من أمره، انكشف عن موسى الغمام. أقبل إليهم، (1) فقالوا لموسى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة! فأخذتهم الرجفة= وهي الصاعقة= فَافْتُلِتَتْ أرواحهم، (2) فماتوا جميعًا، وقام موسى عليه السلام يناشد ربّه ويدعوه ويرغب إليه، ويقول: رب لو شئت أهلكتهم من قبلُ وإياي! قد سفهوا! أفتهلك مَنْ ورائي من بني إسرائيل؟ (3)
15154- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: كان الله أمرَه أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختار سبعين رجلا فبرزَ بهم ليدعوا ربَّهم. فكان فيما دَعَوُا الله قالوا: اللهم أعطِنا ما لم تعط أحدًا بعدنا! فكره الله ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرجفة. قال موسى: ربِّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيَّاي!
15155- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا خالد بن حيان، عن جعفر، عن ميمون: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: لموعدهم الذي وعدهم.
15156 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: اختارهم لتمام الوعد.
* * *
وقال آخرون: إنما أخذتهم الرجفة من أجل دَعْواهم على موسى قتلَ هارون.
(1) (1) في المطبوعة: (( وانكشف عن موسى أقبل )) ، غير ما في المخطوطة. كما فعل آنفاً في رقم: 957.
(2) (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( فالتقت أرواحهم )) ، ولا معنى لها، صوابها ما أثبته. (( افتلتت نفسه )) (بالبناء للمجهول) : مات فلتة، أي بغتة. وانظر ما سلف 2: 87، تعليق: 1.
(3) (3) الأثر: 15153 - مضى هذا الخبر برقم 957، ومراجعه هناك.
* ذكر من قال ذلك:
15157- حدثنا ابن بشار وابن وكيع قالا حدثنا يحيى بن يمان قال، حدثنا سفيان قال، حدثني أبو إسحاق، عن عمارة بن عبد السَّلولي، عن علي رضي الله عنه قال: انطلق موسى وهارون وشبر وشبير، فانطلقوا إلى سفح جَبَلٍ، فنام هارون على سرير، فتوفاه الله. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون؟ قال: توفّاه الله. قالوا: أنت قتلته، حسدتنا على خُلقه ولينه= أو كلمة نحوها= قال: فاختاروا من شئتم! قال: فاختاروا سبعين رجلا. قال: فذلك قوله: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: فلما انتهوا إليه، قالوا: يا هارون، من قتلك؟ قال: ما قتلني أحد، ولكنني توفّاني الله! قالوا: يا موسى لن تعصَي بعد اليوم! قال: فأخذتهم الرجفة. قال: فجعل موسى يرجع يمينًا وشمالا وقال: "يا رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء" ، قال: فأحياهم الله وجعلهم أنبياءَ كلهم. (1)
15158- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن رجل من بني سلول، أنه سمع عليًّا رضي الله عنه يقول في هذه الآية: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، قال: كان هارون
(1) الأثر: 15157 - (( عمارة بن عبد السلولي )) ، هو أخو (( سليم بن عبد السلولى )) و (( زيد بن عبد السلولي )) ، قال العجلي: (( هم ثلاثة إخوة: سليم بن عبد، وعمارة بن عبد، وزيد بن عبد، ثقات، سلوليون، كوفيون )) . روى عن علي، وحذيفة. لم يرو عنه غير أبي إسحق الهمداني.قال أحمد بن حنبل: (( عمارة بن عبد، مستقيم الحديث، لا يروى عنه غير أبي إسحق )) . وقال أبو حاتم: (( شيخ مجهول لا يحتج بحديثه )) . مترجم في ابن سعد 6: 158، وابن أبي حاتم 3/1/367، وميزان الاعتدال 2: 248، ومر ذكره في التعليق على رقم 8754.
وهذا الخبر، ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 561، 562: (( وهذا أثر غريب جدا، وعمارة بن عبد هذا، لا أعرفه )) . فقد تبين مما ذكرت أنه معروف، وأن ابن كثير لم يستوعب بحثه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 128، ونسبه إلى عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في كتاب: من عاش بعد الموت، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ ولم أجده في كتاب (( من عاش بعد الموت )) المطبوع، فدل هذا علي نقص النسخة المطبوعة منه.
حسنَ الخلق محبَّبًا في بني إسرائيل. قال: فلما مات، دَفَنَه موسى. قال: فلما أتى بني إسرائيل، قالوا له: أين هارون؟ قال: مات! فقالوا: قتلته! قال: فاختار منهم سبعين رجلا. قال: فلما أتوا القبرَ قال موسى: أقُتِلت أو مِتّ! قال مت! فأُصعقوا، فقال موسى: ربِّ ما أقول لبني إسرائيل؟ إذا رجعت يقولون: أنت قتلتهم! قال: فأحيُوا وجُعِلوا أنبياء.
15159- حدثني عبد الله بن الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبي قال، حدثنا الربيع بن حبيب قال: سمعت أبا سعيد =يعني الرقاشي= وقرأ هذه الآية: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، فقال: كانوا أبناءَ ما عدا عشرين، ولم يتجاوزوا الأربعين، وذلك أن ابن عشرين قد ذهب جهلُه وصباه، وأنّ من لم يتجاوز الأربعين لم يفقد من عقله شيئًا. (1)
* * *
وقال آخرون: إنما أخذت القوم الرَّجفة، لتركهم فِراق عبدة العجل، لا لأنهم كانوا من عَبَدته.
* ذكر من قال ذلك:
15160- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، فقرأ حتى بلغ: "السفهاء منا" ، ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: إنما تناولتهم الرجفة، لأنهم لم يزايلوا
(1) (1) الأثر: 15159 - (( عبد الله بن الحجاج بن المنهال )) لم أجد له ترجمة. وأبوه (( الحجاج بن المنهال الأنماطي )) ، مضى مرارا كثيرة.
و (( الربيع بن حبيب الحنفي )) ، (( أبو سعيد )) . روى عن الحسن، وابن سيرين، وأبي جعفر الباقر. روى عنه أبو داود الطيالسي، ويحيى القطان، وعبد الصمد بن عبد الوارث. وثقه أحمد ويحيى. مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/253، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 457. و (( أبو سعيد الرقاشي )) هو فيما أرجح (( قيس، مولى أبي ساسان حضين بن المنذر الرقاشي )) . وكان أبو سعيد قليل الحديث. مترجم في ابن سعد 7/1/154 والكبير 4/1/151، وابن أبي حاتم 3/2/106. وهناك أيضا (( أبو سعيد الرقاشي )) ، البصري وهو (( بيان بن جندب الرقاشى )) ، روى عن أنس. مترجم في الكبير 1/2/133، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 424، ولسان الميزان 2: 69. قال ابن حبان في الثقات: (( يخطئ )) .
القوم حين نَصَبُوا العجل، وقد كرهوا أن يجامِعُوهم عليه.
15161- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" ، ممن لم يكن قال ذلك القول، على أنهم لم يجامعوهم عليه، فأخذتهم الرجفة من أجل أنهم لم يكونوا باينوا قومَهم حين اتخذوا العجل. قال: فلما خرجوا ودعوا، أماتهم الله ثم أحياهم. فلما أخذتهم الرجفة قال: "رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا" .
15162- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، قال مجاهد: "واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا" = و "الميقات" ، الموعد= فلما أخذتهم الرجفة بعد أن خرج موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاءَ فلم يستجب لهم، علم موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصابَه قومهم= قال أبو سعد (1) فحدثني محمد بن كعب القرظي قال: لم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ويأمروهم بالمعروف. قال: فأخذتهم الرجفة، فماتوا ثم أحياهم الله.
15163- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عون، عن سعيد بن حيان، عن ابن عباس: أن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه، إنما أخذتهم الرجفة، أنهم لم يرضَوا ولم ينهَوا عن العجل.
15164- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عون قال، حدثنا سعيد بن حيان، عن ابن عباس، بنحوه.
* * *
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: "قومه سبعين رجلا لميقاتنا" . فقال بعض نحويي البصرة: معناه: واختار موسى من قومه سبعين رجلا = فلما نزع "من" أعمل الفعل، كما قال الفرزدق:
(1) (1) في المخطوطة والمطبوعة: (( قال ابن سعد )) ، والصواب ما أثبت، كما سلف في إسناد الخبر.
وَمِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرِّجَالَ سَمَاحَةً وَجُودًا، إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ (1)
وكما قال الآخر: (2)
أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ، فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبٍ (3)
(1) (1) ديوانه: 516، النقائض: 696، سيبويه 1: 18، الكامل 1: 21، أملى الشجرى 1: 186، الخزانة 3: 669، 672، اللسان (خير) وغيرها كثير. وهو أول قصيدة ناقض بها جريراً، وذكر فيها فضائل قومه بني تميم ومآثرهم، وعنى بهذا البيت أباه غالبا، وهو أحد أجواد بني تميم، ثم قال بعده:ومِنَّا الَّذِي أَعْطَى الرَّسُولُ عَطِيَّةً ... أُسَارَى تَمِيمٍ، والعُيُونُ دَوَامِعُ
يعني الأقرع بن حابس، الذي كلم رسول الله في أصحاب الحجرات، وهم بنو عمرو بن جندب ابن العنبر بن عمرو بن تميم، فرد رسول الله سبيهم. ثم أفاض في ذكر مآثرهم.
(2) (2) هو أعشى طرود: (( إياس بن عامر بن سليم بن عامر )) . وروى هذا البيت أيضاً في شعر نسب إلى عمرو بن معد يكرب، وإلى العباس بن مرداس، وإلى زرعة بن السائب، وإلى خفاف بن فدية (الخزانة 1: 166) .
(3) ديوان الأعشين: 284، سيبويه 1: 17، والمؤتلف والمختلف: 17، الكامل 1: 21، أمالي الشجري 1: 265 / 2: 240، الخزانة 1: 164 - 167، وغيرها كثير. فمن نسبها إلى أعشى طرود قال من بعد أبيات يذكر وصية أبيه له: إِنِّي حَوَيْتُ عَلَى الأَقْوَامِ مَكْرُمَة ... قِدْمًا، وَحَذَّرَنِي مَا يَتَّقُونَ أَبِي
وَقَالَ لِي قَوْلَ ذِي عِلْمٍ وَتَجْرُبَةٍ ... بِسَالِفَاتِ أُمُورِ الدَّهْرِ وَالحِقَبِ
أَمَرْتُكَ الرُّشْدَ، فافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ... فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبِ
لا تَبْخَلَنَّ بِمَالٍ عَنْ مَذَاهِبِهِ ... فِي غَيْرِ زَلَّةِ إِسْرَافٍ وَلا تَغَبِ
فَإنّ وُرَّاثَهُ لَنْ يَحْمَدُوكَ بِهِ ... إِذَا أَجَنُّوكَ بَيْنَ اللِّبْنِ وَالخَشَبِ
(( التغب )) : الهلاك، يعني إهلاك المال في غير حقه. ويروى: (( ذا مال وذا نسب )) بالسين، وهو أجود، لأن النشب هو المال نفسه. وقوله: (( بين النشب والخشب )) ، يعني: ما يسوى عليه في قبره من الطين والخشب.
أما الشعر المنسوب إلى عمرو بن معد يكرب أو غيره فهو: إِنِّي حَوَيْتُ عَلَى الأقْوَامِ مَكْرُمَةً ... قِدْمًا، وَحَذَّرَنِي مَا يَتَّقُونَ أَبِي
فَقَالَ لِي قَوْلَ ذِي رَأيٍ وَمَقْدِرَةٍ ... مُجَرَّبٍ عَاقِلٍ نَزْهٍ عَنْ الرَّيَبِ
قَدْ نِلْتَ مَجْدًا فَحَاذِرْ أَنْ تُدَنِّسُهُ ... أبٌ كَرِيمٌ، وجَدٌّ غَيْرُ مُؤْتَشَبِ
أَمَرْتُكَ الخَيْرَ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
واتْرُكْ خَلائِقَ قَوْمٍ لا خَلاقَ لَهُمْ ... وَاعْمِدْ لأَخْلاقِ أَهْلِ الفَضْلِ والأدَبِ
وَإِنْ دُعِيتَ لِغَدْرٍ أوْ أُمِرْتَ بِهِ ... فَاهْرُبْ بِنَفْسِكَ عَنْهُ آبِدَ الْهَرَبِ
وقال الراعي:
اخْتَرْتُكَ النَّاسَ إِذْ غَثَّتْ خَلائِقُهُمْ وَاعْتَلَّ مَنْ كَانَ يُرْجَى عِنْدَهُ السُّولُ (1)
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة: إنما استُجيز وقوع الفعل عليهم إذا طرحت "من" ، لأنه مأخوذ من قولك: "هؤلاء خير القوم" و "خير من القوم" ، فلما جازت الإضافة مكان "من" ولم يتغير المعنى، (2) استجازُوا: أن يقولوا: "اخترتكم رجلا" ، و "اخترت منكم رجلا" ، وقد قال الشاعر: (3)
فَقُلْتُ لَهُ: اخْتَرْهَا قَلُوصًا سَمِينَةً (4)
(1) (1) لم أجد البيت في مكان. وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( إذ عنت )) بالعين المهملة والنون. ولا معنى لها، ورجحت أن الصواب (( غثت )) بالغين والثاء. يقال: (( غثثت في خلقك وحالك غثاثة وغثوثة )) ، ولذلك إذا ساء خلقه وحاله. و (( الغث )) الردئ من كل شيء. و (( اعتل )) ، طلب العلل لمنع العطاء.
(2) (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( فإذا جازت الإضافة )) ، وأثبت صواب سياقها من معاني القرآن للفراء، فهو نص كلامه.
(3) (3) هو الراعي النميري.
(4) (4) طبقات فحول الشعراء، لابن سلام: 450، وما قبلها، وشرح الحماسة 4: 37، وما قبله، ومعاني القرآن للفراء 1: 395 (وهذا روايته) ، وغيرها. وهو من شعر قاله الراعى لما نزل به ضيف من بنى كلاب في سنة حصاء مجدبة، وليس عنده قرى، والكلابي على ناب له (وهي الناقة المسنة) ، فأمر الراعى ابن أخيه حبتراً، فنحرها من حيث لا يعلم الكلابي، فأطمعه لحمها، فقال الراعي في قصيدته يذكر أنه نظر إلى ناقة الكلابي: فَأَبْصَرْتُهَا كَوْمَاءَ ذَاتَ عَرِيَكَةٍ ... هِجَانًا مِنَ الَّلاتِي تَمَتَّعْنَ بِالصَّوَى
فَأَوْمَضْتُ إيمَاضًا خَفَيًّا لِحَبْتَرٍ ... وَللهِ عَيْنًا حَبْتَرٍ! أَيَّمَا فَتَى
فَقُلْتُ لَهُ: أَلْصِقْ بِأَبْيَسِ سَاقِهَا ... فَإنْ يُجْبَرِ العُرْقُوبُ لا يَرْقَأُ النَّسَا
فَقَامَ إِلَيْهَا حَبْتَرٌ بِسِلاحِهِ، ... مَضَى غَيْرَ مَنْكُودٍ، ومُنْصُلَهُ انْتَضَى
كَأَنِّي وَقَدْ أشْبَعْتُهُ مِنْ سِنَامِهَا ... كَشَفْتُ غِطَاءً عَنْ فُؤَادِي فَانْجَلَى
وهذا تصوير جميل جيد، لهذه الحادثة الطريفة. ثم قال: فَقُلْتُ لِرَبِّ النَّابِ: خُذْهَا فَتِيَّةً ... وَنَابٌ عَلَيْهَا مِثْلُ نَابِكَ فِي الحَيَا
أي: خذ مكانها ناقة فتية، وناقة أخرى مسنة مثل نابك المسنة، يوم يأتي الخصب، وتحيي أموالنا.
وقال الراجز: (1)
* تَحْتَ الَّتِي اخْتَارَ لَهُ اللهُ الشَّجَرْ * (2)
بمعنى: اختارَها له الله من الشجر. (3)
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول الثاني أولى عندي في ذلك بالصواب، لدلالة "الاختيار" على طلب "من" التي بمعنى التبعيض، ومن شأن العرب أن تحذف الشيء من حَشْو الكلام إذا عُرِف موضعه، وكان فيما أظهرت دلالةٌ على ما حذفت. فهذا من ذلك إن شاء الله.
* * *
(1) (1) هو العجاج.
(2) (2) ديوانه: 15، معاني القرآن للفراء 1: 395، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 229، اللسان (خير) ، ورواية الديوان، ومعاني القرآن: (( تحت الذي )) . وهو من قصيدته في مدح عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، مضت منها أبيات كثيرة، انظر ما سلف 10: 172، تعليق: 2، وهذا البيت في ذكر نبى الله صلى اله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وبيعتهم تحت الشجرة. وهي بيعة الرضوان في عمرة الحديبية، فذكر عهد رسول الله، وعهد الصديق، وعهد عمر، وعهد المهاجرين، وعهد الأنصار، ثم ذكر بيعة الرضوان فقال: وَعُصْبَةِ النَّبِيِّ إِذْ خَافُوا الحَصَرْ ... شَدُّوا لَهُ سُلْطَانَهُ حَتَّى اقْتَسَرْ
بِالْقَتْلِ أَقْوَامًا وَأَقْوَامًا أَسَرْ ... تَحْتَ الَّذِي اخْتَارَ لَهُ اللهُ الشَّجَرْ
وفي المخطوطة: (( تحت التي اختارها له الله )) ، وهو خطأ ظاهر، صوابه ما في المطبوعة.
(3) (3) انظر مجاز القرآن 1: 229، ونصه: (( تحت الشجرة التي اختار له الله من الشجر )) .
وقد بينا معنى "الرجفة" فيما مضى بشواهدها، وأنّها: ما رجف بالقوم وزعزعهم وحرّكهم، (1) أهلكهم بعدُ فأماتهم، (2) أو أصعقهم، فسلب أفهامهم. (3)
* * *
وقد ذكرنا الرواية في غير هذا الموضع وقول من قال: إنها كانت صاعقة أماتتهم. (4)
15165- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فلما أخذتهم الرجفة" ، ماتوا ثم أحياهم.
15166- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "سبعين رجلا لميقاتنا" ، اختارهم موسى لتمام الموعد= "فلما أخذتهم الرجفة" ، ماتوا ثم أحياهم الله.
15167- حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم قال، حدثنا سفيان قال، قال أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس: "فلما أخذتهم الرجفة" ، قال: رُجف بهم.
* * *
(1) (1) في المطبوعة: (( ما رجف بالقوم وأرعبهم )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة لأنها غير منقوطة، ولأنها سيئة الكتابة، فاجتهد واخطأ. وقد مضى اللفظ على الصواب فيما سلف، انظر التعليق التالي رقم: 3، في المراجع.
(2) (2) في المطبوعة، زاد (( واو )) فكتب: (( وأهلكهم )) عطفاً على ما قبله، فأفسد معنى أبي جعفر. وإنما أراد أبو جعفر أن الرجفة: إما أن تعقب الهلاك، وتصعق من تنزل به فتسلبه فهمه من شدة الروع.
(3) (3) انظر تفسير (( الرجفة )) فيما سلف: 12: 544، 545، 566.
(4) (4) انظر ما سلف قديماً 2: 84 - 90، ثم ما سلف حديثاً ص: 140.
القول في تأويل قوله: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: أتهلك هؤلاء الذين أهلكتهم بما فعل السفهاء منا، أي: بعبادة من عبد العجل؟ قالوا: وكان الله إنما أهلكهم لأنهم كانوا ممن يَعبد العجل. وقال موسى ما قال، ولا علم عنده بما كان منهم من ذلك. (1)
* ذكر من قال ذلك:
15168- حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أتهلكنا بما فعل السفهاء منا" ، فأوحى الله إلى موسى: إن هؤلاء السبعين ممن اتخذ العجلَ! فذلك حين يقول موسى: "إن هي إلا فتنتك تُضل بها من تشاء وتهدي من تشاء" . (2)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إن إهلاكك هؤلاء الذين أهلكتهم، هلاك لمن وراءهم من بني إسرائيل، إذا انصرفت إليهم وليسوا معي= و "السفهاء" ، على هذا القول، كانوا المهلَكين الذين سألوا موسى أن يُرِيهم ربَّهم.
* ذكر من قال ذلك:
15169- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: لما أخذت الرجفة السبعين فماتوا جميعًا، قام موسى يناشد ربّه ويدعوه ويرغب
(1) (1) انظر تفسير (( السفهاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (سفه) = وتفسير (( الهلاك )) فيما سلف (هلك) .
(2) (2) الأثر: 15168 - مضى قديمًا برقم 958 بتمامه، ومضى صدره قريبًا برقم: 15152
إليه، يقول: "رب لو شئتَ أهلكتهم من قبل وإيّاي" ، قد سفهوا، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما فعل السفهاء منا؟ أي: إن هذا لهم هلاكٌ، قد اخترت منهم سبعين رجلا الخيِّر فالخيِّر، أرجع إليهم وليس معى رجل واحد! فما الذي يصدِّقونني به، أو يأمنونني عليه بعد هذا؟ (1)
* * *
وقال آخرون في ذلك بما: -
15170- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أتهلكنا بما فعل السفهاء منا" ، أتؤاخذنا وليس منا رجلٌ واحد تَرَك عبادتك، ولا استبدل بك غيرك؟
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين بتأويل الآية، قولُ من قال: إن موسى إنما حزن على هلاك السبعين بقوله: "أتهلكنا بما فعل السفهاء منا" ، وأنّه إنما عنى ب "السفهاء" عبدةَ العجل. وذلك أنه محالٌ أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم كان تخيَّر من قومه لمسألة ربِّه ما أراه أن يسألَ لهم إلا الأفضل فالأفضل منهم، ومحالٌ أن يكون الأفضل كان عنده مَنْ أشرك في عبادة العجل واتخذَه دون الله إلهًا.
* * *
قال: فإن قال قائل: فجائز أن يكون موسى عليه السلام كان معتقدًا أن الله سبحانه يعاقب قومًا بذنوب غيرهم، فيقول: أتهلكنا بذنوب من عبد العجل، ونحن من ذلك برآء؟ قيل: جائز أن يكون معنى "الإهلاك" قبض الأرواح على غير وجه العقوبة، كما قال جل ثناؤه: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) ، [سورة النساء: 176] = يعني: مات= فيقول: أتميتنا بما فعل السُّفهاء منَّا؟ (2)
* * *
(1) الأثر: 15169 مضى قديما برقم 957 بتمامه، ومضى قريبا بتمامه رقم: 15153.
(2) انظر تفسير (( الهلاك )) فيما سلف 9: 30 / 104: 147، وفهارس اللغة (هلك) .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|