
17-07-2025, 04:02 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (697)
صــ 131 إلى صــ 140
وإنما أثبت هؤلاء الياء في "الأم" ، لأنها غير مناداة، وإنما المنادى هو "الابن" دونها. وإنما تسقط العرب "الياء" من المنادى إذا أضافته إلى نفسها، لا إذا أضافته إلى غير نفسها، كما قد بينا. (1)
* * *
وقيل: إن هارون إنما قال لموسى عليه السلام: "يا ابن أم" ، ولم يقل: "يا ابن أبي" ، وهما لأب واحد وأم واحدة، استعطافا له على نفسه برحم الأم. (2)
* * *
وقوله: "إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني" ، يعني بالقوم، الذين عكفوا على عبادة العجل وقالوا: "هذا إلهنا وإله موسى" ، وخالفوا هارون. وكان استضعافهم إياه: تركهم طاعته واتباع أمره= (3) = "وكادوا يقتلونني" ، يقول: قاربوا ولم يفعلوا. (4)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "فلا تشمت" .
فقرأ قرأة الأمصار ذلك: (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ) ، بضم "التاء" من "تشمت" وكسر "الميم" منها، من قولهم: "أشمت فلان فلانًا بفلان" ، إذا سره فيه بما يكرهه المشمت به.
* * *
وروي عن مجاهد أنه قرأ ذلك: (فَلا تَشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ) .
15142- حدثني بذلك عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، قال حميد بن قيس: قرأ مجاهد: (فَلا تَشْمِتْ بِيَ الأعَدَاءُ) .
15143- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن حميد قال: قرأ مجاهد: (فَلا تَشْمِتْ بِيَ الأعَدَاءُ) .
15144- حدثت عن يحيى بن زياد الفراء قال، حدثنا سفيان بن عيينة،
(1) (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 394.
(2) (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 394.
(3) (2) انظر تفسير (( استضعف )) فيما سلف ص: 76، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(4) (3) انظر تفسير (( كاد )) فيما سلف 2: 218.
عن رجل، عن مجاهد، أنه قال: (لا تُشْمِتْ) . (1)
* * *
وقال الفراء: قال الكسائي: ما أدرى، فلعلهم أرادوا: فلا تشمت بي الأعداءُ، فإن تكن صحيحة فلها نظائر. العرب تقول: "فَرِغت وفَرَغت" ، فمن قال: "فَرغت" ، قال: "أنا أفرُغ" ، ومن قال: "فرِغت" ، قال: "أنا أفرَغُ" ، وكذلك: "ركِنت" "وركَنت" ، و "شمِلهم أمرٌ" (2) "وشمَلهم" ، (3) في كثير من الكلام. قال: "والأعداء" رفع، لأن الفعل لهم، لمن قال: "تشمَت" أو "تشمِت" . (4)
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة إلا بها، قراءةُ من قرأ: (فَلا تُشْمِتْ) : بضم "التاء" الأولى، وكسر "الميم" من: "أشمتُّ به عدوه أشمته به" ، ونصبِ "الأعداء" ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليها، وشذوذ ما خالفها من القراءة، وكفى بذلك شاهدا على ما خالفها. هذا مع إنكار معرفة عامة أهل العلم بكلام العرب: "شمت فلان فلانًا بفلان" ، و "شمت فلان بفلان يشمِت به" ، وإنما المعروف من كلامهم إذا أخبروا عن شماتة الرجل بعدوِّه: "شمِت به" بكسر "الميم" : "يشمَت به" ، بفتحها في الاستقبال.
* * *
وأما قوله: "ولا تجعلني مع القوم الظالمين" ، فإنه قولُ هارون لأخيه موسى. يقول: لا تجعلني في موجدتك عليَّ وعقوبتك لي ولم أخالف أمرك، محلَّ من عصاك فخالف أمرك، وعبد العجل بعدك، فظلم نفسه، وعبد غيرَ من له العبادة، ولم أشايعهم على شيء من ذلك، كما:-
(1) (1) الأثر: 15144 - رواه الفراء في معاني القرآن 1: 394، وقال عند قوله: (( عن رجل )) : (( أظنه الأعرج )) ، يعني: (( حميد بن قيس المكى )) المذكور في الإسنادين السالفين.
(2) (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( ركبت وركبت )) ، والصواب في معاني القرآن للفراء.
(3) (3) في معاني القرآن: (( وشملهم شر )) .
(4) (4) معاني القرآن للفراء 1: 394.
15145- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولا تجعلني مع القوم الظالمين" ،) قال: أصحاب العجل.
15146- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بمثله.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال موسى، لما تبين له عذر أخيه، وعلم أنه لم يفرط في الواجب الذي كان عليه من أمر الله، في ارتكاب ما فعله الجهلة من عبدة العجل: "رب اغفر لي" ، مستغفرًا من فعله بأخيه، ولأخيه من سالفٍ سلف له بينه وبين الله: (1) تغمد ذنوبنا بستر منك تسترها به (2) = "وأدخلنا في رحمتك" ، يقول: وارحمنا برحمتك الواسعة عبادك المؤمنين، فإنك أنت أرحم بعبادك من كل من رحم شيئًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "إن الذين اتخذوا العجل" إلهًا= "سينالهم غضب من ربهم" ، بتعجيل الله لهم ذلك (3) = "وذلة" ، وهي الهوان، لعقوبة الله
(1) (1) في المطبوعة: (( من سالف له )) ، أسقط (( سلف )) ، وهي من المخطوطة.
(2) (2) انظر تفسير (( المغفرة )) فيما سف من فهارس اللغة (غفر) .
(3) (3) انظر تفسير (( نال )) فيما سلف 12: 408، تعليق: 3، والمراجع هناك.
إياهم على كفرهم بربهم= (1) "في الحياة الدنيا" ، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة.
* * *
وكان ابن جريج يقول في ذلك بما: -
15147- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين" ، قال: هذا لمن مات ممن اتخذ العجل قبل أن يرجع موسى عليه السلام، ومن فرّ منهم حين أمرهم موسى أن يقتل بعضهم بعضًا.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله ابن جريج، وإن كان قولا له وجه، فإن ظاهر كتاب الله، مع تأويل أكثر أهل التأويل، بخلافه. وذلك أن الله عم بالخبر عمن اتخذ العجل أنه سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا، وتظاهرت الأخبار عن أهل التأويل من الصحابة والتابعين بأن الله إذ رجع إلى بني إسرائيل موسى عليه السلام، تابَ على عبدة العجل من فعلهم بما أخبر به عن قيل موسى عليه السلام في كتابه، وذلك قوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [سورة البقرة: 54] ، ففعلوا ما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم. فكان أمرُ الله إياهم بما أمرهم به من قتل بعضهم أنفُس بعض، عن غضب منه عليهم بعبادتهم العجل. فكان قتل بعضهم بعضًا هوانًا لهم وذلة أذلهم الله بها في الحياة الدنيا، وتوبة منهم إلى الله قبلها. وليس لأحد أن يجعل خبرًا جاء الكتاب بعمومه، في خاصٍّ مما عمه الظاهر، بغير برهان من حجة خبر أو عقل. ولا نعلم خبرًا جاء بوجوب نقل ظاهر قوله: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم" ، إلى باطن خاصّ = ولا من العقل عليه دليل، فيجب إحالة ظاهره إلى باطنه.
* * *
(1) (1) انظر تفسير (( الذلة )) فيما سلف 2: 212 / 7: 171 / 11: 421.
ويعني بقوله: "وكذلك نجزي المفترين" ، وكما جَزيت هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلهًا، من إحلال الغضب بهم، والإذلال في الحياة الدنيا على كفرهم ربّهم، ورِدَّتهم عن دينهم بعد إيمانهم بالله، كذلك نجزي كل من افترى على الله، فكذب عليه، وأقر بألوهية غيره، وعبد شيئًا سواه من الأوثان، بعد إقراره بوحدانية الله، وبعد إيمانه به وبأنبيائه ورسله وقِيلَ ذلك، إذا لم يتب من كفره قبل قتله. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15148- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب قال: تلا أبو قلابة: "سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا" الآية، قال: فهو جزاء كل مفترٍ يكون إلى يوم القيامة: أن يذله الله عز وجل.
15149- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب قال: قرأ أبو قلابة يومًا هذه الآية: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين" ، قال: هي والله لكل مفترٍ إلى يوم القيامة.
15150- ... قال حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد، عن ثابت، وحميد: أن قيس بن عُبَاد، وجارية بن قدامة، دخلا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقالا أرأيت هذا الأمر الذي أنت فيه وتدعو إليه، أعهدٌ عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم رأيٌ رأيته؟ قال: ما لكما ولهذا؟ أعرضا عن هذا! فقالا والله لا نعرضُ عنه حتى تخبرنا! فقال: ما عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كتابًا في قراب سيفي هذا! فاستلَّه، فأخرج الكتاب من قراب سيفه، وإذا فيه: "إنه لم يكن نبيّ إلا له حرم، وأنّي حرمت المدينة"
(1) (1) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف 12: 562، تعلق: 1، والمراجع هناك.
كما حرّم إبراهيم عليه السلام مكة، لا يحمل فيها السلاحُ لقتال. من أحدث حدثًا أو آوى مُحدِثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عَدْل ". فلما خرجا قال أحدهما لصاحبه: أما ترى هذا الكتاب؟ فرجعا وتركاه وقالا إنا سمعنا الله يقول" إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم "، الآية، وإن القوم قد افتروا فرية، ولا أدري إلا سينزل بهم ذلة. (1) "
15151- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة: في قوله: "وكذلك نجزي المفترين" قال: كل صاحب بدعة ذليلٌ.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره أنه قابلٌ من كل تائب إليه من ذنب أتاه، صغيرةً كانت معصيته أو كبيرةً، كفرًا كانت أو غير كفر، كما
(1) (1) الأثر: 15150 - كان إسناد هذا الخبر في المطبوعة هكذا: (( قال، حدثنا حماد، عن ثابت: أن حميد بن قيس بن عباد، وحارثه بن قدامة )) ،
وفي المخطوطة: (( قال حدثنا حماد عن ثابت وحميد بن قيس بن عباد، وحارثه بن قدامة )) . (( حارثة )) غير منقوطة. وهما جميعاً خطأ، صوابه ما أثبت. و (( حماد )) هو: (( حماد بن سلمة )) ، ثقة مشهور، مضى مرارًا. و (( ثابت )) هو (( ثابت بن أسلم البنانى )) ، مضى مرارًا.
و (( حميد )) هو (( حميد الطويل )) ، وهو: (( حميد بن أبي حميد )) ، الإمام المشهور، مضى مرارًا، وهو خال (( حماد بن سلمة )) .
وأما (( قيس بن عباد القيسى الضبعى )) ، فهو ثقة قليل الحديث، روى عنه الحسن. قدم المدينة في خلافة عمر. وهو ممن قتلهم الحجاج في من خرج مع ابن الأشعث. مترجم في التهذيب، وابن سعد 7 / 1 / 95، والكبير 4/1/145، وابن أبي حاتم 3/12/101، وفي الإصابة في القسم الثالث.
وأما (( جارية بن قدامة بن زهير بن الحصين السعدي )) ، يقال هو بن عم الأحنف بن قيس، ويقال هو: عمه. وقال الطبراني: (( ليس بعم الأحنف أخي أبيه، ولكنه كان يدعوه عمه على سبيل الإعظام له )) .
وجارية تميمى من أشراف تميم وكان شجاعاً فاتكاً، وهو صحابي ثابت الصحبة. مترجم في التهذيب، وابن سعد 7/1/38، والكبير 1/2/236، وابن أبي حاتم 1/1/520، وفي الإصابة، وغيرها.
وهذا الخبر لم أهتد إليه بهذا الإسناد، وهذه السياقة، في شيء من الكتب، ولكن خبر الصحيفة، عن (( قيس بن عباد )) ، رواه أحمد في مسنده رقم 993، من طريق يحيى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى على، فقلنا: هل عهد إليك نبى الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟ )) ، وساق خبراً آخر. وروى أحمد خبر الصحيفة في مسند علي رضي الله عنه، بأسانيد مختلفة، وألفاظ مختصرة ومطولة، ومؤتلفة ومختلفة. انظر رقم 615، 872، 874، 954، 962، 1037، 1297، 1306، وليس في شيء منها ذكر (( جارية بن قدامة )) . ومع ذلك فخبر أبي جعفر صحيح الإسناد، فكأنهما حادثتان مختلفتان. وكان في المخطوطة: (( ولا أدرى إلا سينزل به ذلة )) والصواب ما صححه ناشر المطبوعة.
قبل من عَبَدة العجل توبتهم بعد كفرهم به بعبادتهم العجل وارتدادهم عن دينهم. يقول جل ثناؤه: والذين عملوا الأعمال السيئة، ثم رجعوا إلى طلب رضى الله بإنابتهم إلى ما يحب مما يكره، وإلى ما يرضى مما يسخط، من بعد سيئ أعمالهم، وصدَّقوا بأن الله قابل توبة المذنبين، وتائبٌ على المنيبين، بإخلاص قلوبهم ويقين منهم بذلك= "لغفور" ، لهم، يقول: لساتر عليهم أعمالهم السيئة، وغير فاضحهم بها= "رحيم" ، بهم، وبكل من كان مثلهم من التائبين. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الألْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ولما سكت عن موسى الغضب" . ولما كفّ عنه وسكن. (2)
* * *
(1) (1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية في فهارس اللغة.
(2) (2) في المطبوعة: (( ولما كف موسى عن الغضب )) ، وهو اجتهاد من ناشر المطبوعة الأولى، ولم يصب. فإن المخطوطة أسقطت تفسير العبارة، وجاء فيها هكذا: (( ولما سكت عن موسى الغضب، وكذلك كل كاف )) ، والتفسير الذي أثبته الناشر الأول تفسير ذكره الزجاج قال: (( معناه: ولما سكن. وقيل: معناه: ولما سكت موسى عن الغضب - على القلب، كما قالوا: أدخلت القلنسوة في رأس، والمعنى: أدخلت رأسي في القلنسوة. قال والقول الأول الذي معناه سكن، هو قول أهل العربية )) . ولو أراد أبو جعفر، لفسره كما فسره الزجاج، فآثرت أن أضع تفسير أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 229، لأن الذي يليه هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن.
وكذلك كل كافٍّ عن شيء: "ساكت عنه" ، وإنما قيل للساكت عن الكلام "ساكت" ، لكفه عنه. (1)
وقد ذكر عن يونس الجرمي أنه قال (2) يقال: "سكت عنه الحزن" ، وكلُّ شيء، فيما زعم، ومنه قول أبي النجم:
وَهَمَّتِ الأفْعَى بِأَنْ تَسِيحَا وَسَكَتَ المُكَّاءُ أَنْ يَصِيحَا (3)
* * *
= "خذ الألواح" ، يقول: أخذها بعد ما ألقاها، وقد ذهب منها ما ذهب = "وفي نسختها هدى ورحمة" ، يقول: وفيما نسخ فيها، أي كتب فيها (4) = "هدى" بيان للحق= "ورحمة للذين هم لربهم يرهبون" ، يقول: للذين يخافون الله ويخشون عقابَه على معاصيه. (5)
* * *
واختلف أهل العربية في وجه دخول "اللام" في قوله: "لربهم يرهبون" ،
(1) (1) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 229.
(2) (2) انظر ما سلف ص: 129، تعليق: 3.
(3) (3) لم أجد البيتين. وكان في المطبوعة: (( تسبحا )) و (( تضبحا )) ، وهو خطأ وفساد، ولأبي النجم أبيات كثيرة من الرجز على هذا الوزن، ولم أجد الرجز بتمامه. وصواب قراءة ما كان في المخطوطة هو ما أثبت.
(4) (4) انظر تفسير (( النسخة )) فيما سلف 2: 472. = وكان في المطبوعة هنا، مكان قوله: (( أي: كتب فيها )) ، ما نصه: (( أي: منها )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة، لأن الناسخ كتبها بخط دقيق في آخر السطر، فوصل الكلام بعضه ببعض، فساءت كتابته.
(5) (5) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .
مع استقباح العرب أن يقال في الكلام: "رهبت لك" : بمعنى رهبتك= "وأكرمت لك" ، بمعنى أكرمتك. فقال بعضهم: ذلك كما قال جل ثناؤه: (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) ، [سورة يوسف: 43] ، أوصل الفعل باللام.
* * *
وقال بعضهم: من أجل ربِّهم يرهبون.
* * *
وقال بعضهم: إنَّما دخلت عَقِيب الإضافة: الذين هم راهبون لربهم، وراهبُو ربِّهم= ثم أدخلت "اللام" على هذا المعنى، لأنها عَقِيب الإضافة، لا على التكليف. (1)
* * *
وقال بعضهم: إنما فعل ذلك، لأن الاسم تقدم الفعل، فحسن إدخال "اللام" .
* * *
وقال آخرون: قد جاء مثله في تأخير الاسم في قوله: (رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) [سورة النمل: 72] . (2)
* * *
وذكر عن عيسى بن عمر أنه قال: سمعت الفرزدق يقول: "نقدت له مائة درهم" ، يريد: نقدته مائة درهم. (3) قال: والكلام واسع.
* * *
(1) (1) في المطبوعة: لا على التعليق )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وكأنه يعني بقوله: (( التكليف )) معنى التعليق )) ، لأن (( التكليف )) هو (( التحميل )) ، ولم أجد تفسير هذه الكلمة في مكان آخر، ولعلها من اصطلاح بعض قدماء النحاة.
(2) (2) انظر ما سلف 6: 511 / 7: 164، ومعاني القرآن للفراء 1: 233.
(3) (3) نقله الفراء في معاني القرآن 1: 233 عن الكسائى، قال: (( سمعت بعض العرب يقول: نقدت لها مئة درهم، يريد: نقدتها مئة، لامرأة تزوجها )) .
القول في تأويل قوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واختار موسى من قومه سبعين رجلا للوقت والأجل الذي وعده الله أن يلقاه فيه بهم، (1) للتوبة مما كان من فعل سفهائهم في أمر العجل، كما: -
15152- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال: إن الله أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناسٍ من بني إسرائيل، يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعدًا، فاختار موسى قومه سبعين رجلا على عينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا. فلما أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة، فإنك قد كلمته، فأرناه! فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رَبِّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم، لو شئتَ أهلكتهم من قبل وإيّاي! (2)
15153- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا الخيِّر فالخيرَ، وقال: انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم، واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتَطَهَّروا، وطهِّروا ثيابكم! فخرج بهم إلى طور سيْناء، لميقات وقَّته له ربه. وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم. فقال السبعون =فيما ذكر لي= حين صنعوا ما أمرهم به، وخرجوا معه للقاء ربِّه، لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربِّنا! فقال: أفعل. فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمودُ الغمام، حتى تغشى الجبلَ كله. ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا! وكان موسى إذا كلمه الله وقَع على جبهته نور
(1) (1) انظر تفسير (( الميقات )) فيما سلف 3: 553 - 555 / 13: 87، 90.
(2) (2) الأثر: 15152 - مضى مطولا برقم 958، ومراجعه هناك.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|