عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17-07-2025, 03:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (695)
صــ 111 إلى صــ 120





وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
15117- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "سأريكم دار الفاسقين" ، قال: مصيرهم في الآخرة.
15118- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
15119- حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم قال، حدثنا مبارك، عن الحسن، في قوله: "سأريكم دار الفاسقين" ، قال: جهنم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: سأدخلكم أرض الشام، فأريكم منازل الكافرين الذين هم سكانها من الجبابرة والعمالقة.
* ذكر من قال ذلك:
15120- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "سأريكم دار الفاسقين" ، منازلهم.
15121- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "دار الفاسقين" ، قال: منازلهم.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: سأريكم دار قوم فرعون، وهي مصر.
* ذكر من قال ذلك:
(1)

* * *
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك، لأن الذي قبل قوله جل ثناؤه: "سأريكم دار الفاسقين" ، أمرٌ من الله لموسى وقومه بالعمل بما في التوراة. فأولى الأمور بحكمة الله تعالى أن يختم ذلك بالوعيد على من ضيّعه وفرَّط في العمل لله، وحاد عن سبيله، دون الخبر عما قد انقطع الخبر عنه، أو عما لم يجر له ذكر.
القول في تأويل قوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: سأنزع عنهم فهم الكتاب.
* ذكر من قال ذلك:
15122- حدثنا أحمد بن منصور المروزي قال، حدثني محمد بن عبد الله بن بكر قال: سمعت ابن عيينة يقول في قول الله: "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق" ، قال يقول: أنزع عنهم فهم القرآن، وأصرفهم عن آياتي. (2)
* * *
(1)
(1) هكذا بياض بالمخطوطة قدره خمسة أسطر، وبهامش المخطوطة بالمداد الأحمر: (( نقص، كذا الأصل )) .

(2)
(2) الأثر: 15122 - (( أحمد بن منصور بن سيار الرمادى )) ، شيخ الطبري، مضى برقم: 10260، 10521. و (( محمد بن عبد الله بن بكر بن سليمان الخزاعى الصنعانى الخلنجى )) ، صدوق. روى عنه النسائى، وأبو حاتم وغيرهما. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3/2/295.

قال أبو جعفر: وتأويل ابن عيينة هذا يدل على أن هذا الكلام كان عنده من الله وعيدًا لأهل الكفر بالله ممن بعث إليه نبينا صلى الله عليه وسلم، دون قوم موسى، لأن القرآن إنما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون، موسى عليه السلام.
* * *
وقال آخرون في ذلك: معناه: سأصرفهم عن الاعتبار بالحجج.
* ذكر من قال ذلك:
15123- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "سأصرف عن آياتي" ، عن خلق السموات والأرض والآيات فيها، سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه سيصرف عن آياته، وهي أدلته وأعلامه على حقيقة ما أمر به عباده وفرض عليهم من طاعته في توحيده وعدله، (1) وغير ذلك من فرائضه. والسموات والأرض، وكل موجود من خلقه، فمن آياته، والقرآن أيضًا من آياته، (2) وقد عم بالخبر أنه يصرف عن آياته المتكبرين في الأرض بغير الحق، وهم الذين حقَّت عليهم كلمة الله أنهم لا يؤمنون، فهم عن فهم جميع آياته والاعتبار والادّكار بها مصروفون، لأنهم لو وفِّقوا لفهم بعض ذلك فهُدوا للاعتبار به، اتعظوا وأنابوا إلى الحق، وذلك غير كائن منهم، لأنه جلّ ثناؤه قال: (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا) ، فلا تبديل لكلمات الله.
* * *
(1)
(1) في المطبوعة: (( على حقيقة ما امر به عباده )) ، فعل بها ما فعل بسوابقها. انظر ما سلف ص: 68، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(2)
(2) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيى) .

القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و= "وتكبرهم فيها بغير الحق" ، تجبرهم فيها، واستكبارهم عن الإيمان بالله ورسوله، والإذعان لأمره ونهيه، (1) وهم لله عبيدٌ يغذوهم بنعمته، (2) ويريح عليهم رزقه بكرة وعشيًّا، (3) = "كل آية" ، يقول: كل حجة لله على وحدانيته وربوبيته، وكل دلالة على أنه لا تنبغي العبادة إلا له خالصة دون غيره. (4) = "لا يؤمنوا بها" ، يقول: لا يصدقوا بتلك الآية أنها دالة على ما هي فيه حجة، ولكنهم يقولون: "هي سحر وكذب" = "وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا" ، يقول: وإن ير هؤلاء الذين وصف صفتهم طريق الهدى والسداد الذي إن سلكوه نجوا من الهلكة والعطب، وصاروا إلى نعيم الأبد، لا يسلكوه ولا يتخذوه لأنفسهم طريقًا، جهلا منهم وحيرة (5) = "وإن يروا سبيل الغي" ، يقول: وإن يروا طريق الهلاك الذي إن سلكوه ضلّوا وهلكوا.
* * *
وقد بينا معنى "الغي" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (6)
(1)
(1) انظر تفسير (( التكبر )) فيما سلف: 70، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
(2) في المطبوعة: (( يغدوهم )) بالدال المهملة، والصواب ما أثبت.

(3)
(3) (( أراح عليه حقه )) ، رده عليه، يقول الشاعر:إلا تريحى علينا الحق طائعة ... دُونَ القُضَاةِ، فَقَاضِينَا إلَى حَكَمِ

(4)
(4) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيى) .

(5)
(5) انظر تفسير (( السبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) . = وتفسير (( الرشد )) فيما سلف 3: 482 / 5: 416 / 7: 576.

(6)
(6) انظر تفسير (( الغي )) فيما سلف 5: 416 / 12: 333.

"يتخذوه سبيلا" ، يقول: يسلكوه ويجعلوه لأنفسهم طريقًا، لصرف الله إياهم عن آياته، وطبعه على قلوبهم، فهم لا يفلحون ولا ينجحون= "ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين" ، يقول تعالى ذكره: صرفناهم عن آياتنا أن يعقلوها ويفهموها فيعتبروا بها ويذكروا فينيبوا، عقوبةً منا لهم على تكذيبهم بآياتنا = "وكانوا عنها غافلين" ، يقول: وكانوا عن آياتنا وأدلتنا الشاهدة على حقيقة ما أمرناهم به ونهيناهم عنه= "غافلين" ، لا يتفكرون فيها، لاهين عنها، لا يعتبرون بها، فحق عليهم حينئذ قول ربنا فعَطِبوا. (1)
* * *
واختلف القرأة في قراءة قوله: "الرشد" .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض المكيين وبعض البصريين: (الرُّشْدِ) ، بضم "الراء" وتسكين "الشين" .
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة وبعض المكيين: (الرَّشَدِ) ، بفتح "الراء" و "الشين" .
* * *
ثم اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك إذا ضمت راؤه وسكنت شينه، وفيه إذا فتحتا جميعًا.
فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: معناه إذا ضمت راؤه وسكنت شينه: الصلاح، كما قال الله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) ، [سورة النساء: 6] ، بمعنى: صلاحًا. وكذلك كان يقرؤه هو= ومعناه إذا فتحت راؤه وشينه: الرشد في الدين، كما قال جل ثناؤه: (تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) [سورة الكهف: 66] ، (2)
(1)
(1) انظر تفسير (( الغفلة )) فيما سلف ص: 75، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(2)
(2) قراءتنا وقراءة السبعة: (( رشدا )) (بضم الراء وسكون الشين) ، وقراءة أبي عمرو من السبعة كما ذكر أبو جعفر، ولذلك استدل بها أبو عمرو في هذا الموضع. ولم يذكر هذه القراءة أبو جعفر في تفسير الآية من سورة الكهف.

بمعنى الاستقامة والصواب في الدين.
* * *
وكان الكسائي يقول: هما لغتان بمعنى واحد، مثل: "السُّقم" و "السَّقَم" ، و "الحُزْن" و "الحَزَن" وكذلك "الرُّشْد" و "الرَّشَد" .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضةٌ القراءة بهما في قرأة الأمصار، متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ بها.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهؤلاء المستكبرون في الأرض بغير الحق، وكلّ مكذِّبٍ حججَ الله ورسله وآياته، وجاحدٍ أنه يوم القيامة مبعوث بعد مماته، ومنكرٍ لقاء الله في آخرته= ذهبت أعمالهم فبطلت، وحصلت لهم أوزارها فثبتت، لأنهم عملوا لغير الله، وأتعبوا أنفسهم في غير ما يرضى الله، فصارت أعمالهم عليهم وبَالا. يقول الله جل ثناؤه: "هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" ، يقول: هل يثابون إلا ثواب ما كانوا يعملون؟ (1) فصار ثواب أعمالهم الخلودَ في نار أحاط بهم سرادقها، إذ كانت أعمالهم في طاعة الشيطان، دون طاعة الرحمن، نعوذ بالله من غضبه. وقد بينا معنى "الحبوط" و "الجزاء" و "الآخرة" ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (2)
(1)
(1) في المطبوعة: (( هل ينالون إلا ثواب )) ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
(2) انظر تفسير (( الحبوط )) فيما سلف 11: 514، تعليق: 2، والمراجع هناك. وتفسير (( الجزاء )) ، و (( الآخرة )) ، فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) و (أخر) .

القول في تأويل قوله: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واتخذ بنو إسرائيل قومُ موسى، من بعد ما فارقهم موسى ماضيًا إلى ربه لمناجاته، ووفاءً للوعد الذي كان ربه وعده = "من حليهم عجلا" ، وهو ولد البقرة، فعبدوه. (1) ثم بين تعالى ذكره ما ذلك العجل فقال: "جسدًا لا خوار" = و "الخوار" : صوت البقر = يخبر جل ذكره عنهم أنهم ضلوا بما لا يضل بمثله أهل العقل. وذلك أن الرب جلّ جلاله الذي له ملك السموات والأرض، ومدبر ذلك، لا يجوز أن يكون جسدًا له خوار، لا يكلم أحدًا ولا يرشد إلى خير. وقال هؤلاء الذين قص الله قصَصهم لذلك: "هذا إلهنا وإله موسى" ، فعكفوا عليه يعبدونه، جهلا منهم، وذهابًا عن الله وضلالا.
* * *
وقد بينا سبب عبادتهم إياه، وكيف كان اتخاذ من اتخذ منهم العجل، فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
وفي "الحلي" لغتان: ضم "الحاء" وهو الأصل = وكسرها، وكذلك ذلك في كل ما شاكله من مثل "صلى" و "جثّي" و "عتّي" ، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب، لاستفاضة القراءة بهما في القراءة، ولا تفاق معنييهما. (3)
* * *
(1)
(1) مضى ذكر (( العجل )) فيما سلف 2: 63، 72، 354، 357 / 9: 356، ولم يفسره إلا في هذا الموضع.

(2)
(2) انظر ما سلف 2: 63 - 68 / ثم ص: 74 - 78.

(3)
(3) في المطبوعة: (( لا تفارق بين معنييهما )) ، غير ما في المخطوطة، فأفسد الكلام ومسخه. والصواب ما في المخطوطة، ولكنى زدت الواو، لأنها حق الكلام.

وقوله: "ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا" ، يقول: ألم ير الذين عكفوا على العجل الذي اتخذوه من حليهم يعبدونه، أن العجل لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا؟ يقول: ولا يرشدهم إلى طريق؟ (1) وليس ذلك من صفة ربهم الذي له العبادة حقًا، بل صفته أنه يكلم أنبياءه ورسله، ويرشد خلقه إلى سبيل الخير، وينهاهم عن سبيل المهالك والردى. يقول الله جل ثناؤه: "اتخذوه" ، أي: اتخذوا العجل إلهًا، وكانوا باتخاذهم إياه ربًّا معبودًا ظالمين لأنفسهم، لعبادتهم غير من له العبادة، وإضافتهم الألوهة إلى غير الذي له الألوهة.
* * *
وقد بينا معنى "الظلم" فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ولما سقط في أيديهم" ،: ولما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف جل ثناؤه صفته، عند رجوع موسى إليهم، واستسلموا لموسى وحكمه فيهم.
* * *
وكذلك تقول العرب لكل نادم على أمر فات منه أو سلف، وعاجز عن شيء: "قد سُقِط في يديه" و "أسقط" ، لغتان فصيحتان، وأصله من الاستئسار، وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه، فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره،
(1)
(1) انظر تفسير (( سبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .

(2)
(2) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .

فيكتفه. فالمرميّ به مسقوط في يدي الساقط به. فقيل لكل عاجز عن شيء، وضارع لعجزه، (1) متندِّمٍ على ما قاله: "سقط في يديه" و "أسقط" . (2)
* * *
وعنى بقوله: "ورأوا أنهم قد ضلوا" ، ورأوا أنهم قد جاروا عن قصد السبيل، وذهبوا عن دين الله، وكفروا بربهم، قالوا تائبين إلى الله منيبين إليه من كفرهم به: "لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين" .
* * *
ثم اختلفت القرأة في قرأةة ذلك.
فقرأه بعض قرأة أهل المدينة ومكة والكوفة والبصرة: (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا) بالرفع، على وجه الخبر.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: (لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا) ، بالنصب، بتأويل: لئن لم ترحمنا يا ربنا= على وجه الخطاب منهم لربهم. واعتلّ قارئو ذلك كذلك بأنه في إحدى القراءتين: (قَالُوا رَبَّنَا لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا وتَغْفِرْ لَنَا) ، وذلك دليل على الخطاب. (3)
* * *
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القراءة في ذلك، القراءة على وجه
(1)
(1) في المطبوعة: (( ومضارع لعجزه )) ، والصواب من المخطوطة.

(2)
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 393، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 228، والذي قاله أبو جعفر تفصيل جيد، وبيان عن أصل الحرف، قلما تصيبه في كتب اللغة.

(3)
(3) في المطبوعة والمخطوطة: (( قالوا لئن ترحمنا ربنا وتغفر لنا )) كسياق الآية في مصحفنا، وهذا لا دليل فيه على الخطاب. ولكن ما أثبته هو الذي فيه الدليل على الخطاب، لتقديم قوله: (( ربنا )) ، وهي قراءة أبي بن كعب، وهي كذلك في مصحف عبد الله بن مسعود، كما ذكر الفراء في معاني القرآن 1: 393. فقوله: (( واعتل قارئو ذلك كذلك بأنه في إحدى القراءتين )) ، أرجح أنه يعني إحدى قراءتي عبد الله بن مسعود، وأيضاً، فإن الآية ستأتى بعد أسطر على الصواب في المخطوطة، ولكن يغيرها ناشر المطبوعة، كما في التعليق التالي.

الخبر بالياء في (يَرْحَمْنَا) ، وبالرفع في قوله: (رَبُّنَا) ، لأنه لم يتقدم ذلك ما يوجب أن يكون موجَّهًا إلى الخطاب.
* * *
والقراءة التي حكيت على ما ذكرنا من قراءتها: (قَالُوا رَبَّنَا لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا) ، (1) لا نعرف صحتها من الوجه الذي يجب التسليم إليه.
* * *
ومعنى قوله: (لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا) ،: لئن لم يتعطف علينا ربنا بالتوبة برحمته، ويتغمد بها ذنوبنا، لنكونن من الهالكين الذين حبطت أعمالهم. (2)
* * *
(1)
(1) في المطبوعة: (( قالوا لئن ترحمنا ربنا )) ، بتأخير (( ربنا )) ، والصواب تقديمها كما في المخطوطة. وهو تصرف سيئ من الناشر. انظر التعليق لسالف.

(2)
(2) انظر تفسير (( الرحمة )) و (( المغفرة )) و (( الخسران )) فيما سلف (رحم) (غفر) (خسر) .

القول في تأويل قوله: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما رجع موسى إلى قومه من بني إسرائيل، رجع غضبان أسفًا، لأن الله كان قد أخبره أنه قد فتن قومه، وأن السامري قد أضلّهم، فكان رجوعه غضبان أسفًا لذلك.
* * *
و "الأسف" شدة الغضب، والتغيظ به على من أغضبه، كما:-
15124- حدثني عمران بن بكار الكلاعي قال، حدثنا عبد السلام بن محمد الحضرمي قال، حدثني شريح بن يزيد قال، سمعت نصر بن علقمة يقول: قال أبو الدرداء: قول الله: "غضبان أسفًا" ، قال: "الأسف" ، منزلة وراء الغضب،




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]