عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 16-07-2025, 05:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (673)
صــ 461 إلى صــ 470





الخلق غيرهم، كان بيِّنًا أن ما قاله أبو مجلز من أنهم ملائكة، قولٌ لا معنى له، وأن الصحيح من القول في ذلك ما قاله سائر أهل التأويل غيره. هذا مع مَنْ قال بخلافه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من الأخبار، وإن كان في أسانيدها ما فيها، وقد:-
14715- حدثني القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني جرير عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: "هم آخر مَنْ يفصل بينهم من العباد، وإذا فرغ ربُّ العالمين من فصله بين العباد قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلكم الجنة، وأنتم عُتَقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم. (1) "
* * *
القول في تأويل قوله: {يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون أهل الجنة بسيماهم، وذلك بياض وجوههم، ونضرةُ النعيم عليها = ويعرفون أهل النار كذلك بسيماهم، وذلك سواد وجوههم، وزرقة أعينهم، فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم: "سلام عليكم" .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(1)
الأثر: 14715 - (( عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبي، روى له الجماعة، مضى برقم: 14203، 14209.

و (( أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي )) ، ثقة، روى له الجماعة مضى كثيراص، آخرها أيضًا رقم: 14203، 14209. وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( أبو زرعة، عن عمرو بن جرير )) ، وهو خطأ.
وهذا خبر مرسل حسن، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 87، وزاد إلى ابن المنذر. ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 482.
* ذكر من قال ذلك:
14716- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: يعرفون أهل النار بسواد الوجوه، وأهل الجنة ببياض الوجوه.
14717 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: أنزلهم الله بتلك المنزلة، ليعرفوا من في الجنة والنار، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه، ويتعوَّذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين، وهم في ذلك يحيّون أهل الجنة بالسلام، لم يدخلوها، وهم يطمعون أن يدخلوها، وهم داخلوها إن شاء الله.
14718 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بسيماهم) ، قال: بسواد الوجوه، وزُرقة العيون.
14719- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون، وسيما أهل الجنة مبيَضَّة وجوههم.
14720- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرَفوهم ببياض الوجوه، وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه.
14721- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوبٌ عِظام، وكان حَسْمُ أمرهم لله، فأقيموا ذلك المقام، إذا
نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه، فقالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) ، وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض الوجوه، فذلك قوله: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) .
14722- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، زعموا أن أصحاب الأعراف رجال من أهل الذنوب، أصابوا ذنوبًا، وكان حَسْم أمرهم لله، فجعلهم الله على الأعراف. فإذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه، فتعوذوا بالله من النار. وإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم: "أن سلام عليكم" ، قال الله: (لم يدخلوها وهم يطمعون) . قال: وهذا قول ابن عباس.
14723- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يعرفون كلا بسيماهم) ، يعرفون الناس بسيماهم، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم.
14724- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يعرفون كلا بسيماهم) ، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم.
14725- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: أهل الجنة بسيماهم. بيض الوجوه = وأهل النار بسيماهم، سود الوجوه. قال: وقوله (يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: أصحاب الجنة وأصحاب النار = "ونادوا أصحاب الجنة" ، قال: حين رأوا وجوههم قد ابيضت.
14726- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: بسواد الوجوه.
14727- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن مبارك، عن
الحسن: (بسيماهم) ، قال: بسواد الوجوه وزرقة العيون.
* * *
و "السيماء" ، العلامة الدالة على الشيء، في كلام العرب. وأصله من "السِّمَة" ، نقلت واوها التي هي فاء الفعل، إلى موضع العين، كما يقال: "اضمحلّ" و "امضحلّ" . وذكر سماعًا عن بعض بني عقيل: "هي أرض خامة" ، يعني "وَخِمة" . ومنه قولهم: "له جاه عند الناس" ، بمعنى "وجه" ، نقلت واوه إلى موضع عين الفعل. (1) وفيها لغات ثلاث: "سيما" مقصورة، و "سيماء" ، ممدودة، و "سيمياء" ، بزيادة ياء أخرى بعد الميم فيها، ومدها، على مثال "الكبرياء" ، (2) كما قال الشاعر: (3)
غُلامٌ رَمَاهُ الله بِالحُسْنِ إذْ رَمَى ... لَهُ سِيمِيَاءُ لا تَشُقُّ عَلَى البَصَرْ (4)
* * *
وأما قوله: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) ، أي: حلت عليهم أمنة الله من عقابه وأليم عذابه. (5)
* * *
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: (لم يدخلوها وهم يطمعون) .
فقال بعضهم: هذا خبر من الله عن أهل الأعراف: أنهم قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف، غير أنهم قالوه وهم يطمعون في دخولها.
* ذكر من قال ذلك:
14728- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أهل الأعراف يعرفون الناسَ، فإذا مرُّوا عليهم
(1)
انظر (( جاه )) فيما سلف 6: 415.

(2)
انظر تفسير (( سيما )) فيما سلف 5: 594 - 597 /7: 189، 190.

(3)
هو أسيد بن عنقاء الفزاري.

(4)
سلف البيت وتخريجه فيما سلف 5: 595 /7: 189.

(5)
انظر تفسير (( سلام )) فيما سلف ص: 114، تعليق: 1، والمراجع هناك.

بزُمْرة يُذْهب بها إلى الجنة قالوا: "سلام عليكم" . يقول الله لأهل الأعراف: لم يدخلوها، وهم يطمعون أن يدخلوها.
14729- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، تلا الحسن: (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم، إلا لكرامة يريدها بهم.
14730- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قال: أنبأكم الله بمكانهم من الطمع.
14731- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال، قال سعيد بن جبير، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال: أما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم، فانتزع من أيديهم، (1) يقول الله: (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قال: في دخولها. قال ابن عباس: فأدخل الله أصحاب الأعراف الجنة.
14732- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة وعطاء: (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قالا في دخولها.
* * *
وقال آخرون: إنما عني بذلك أهلَ الجنة، وأن أصحاب الأعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة: "سلام عليكم" ، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها، ولم يدخلوها بعدُ.
* ذكر من قال ذلك:
14733- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قال: الملائكة، يعرفون الفريقين جميعًا بسيماهم. وهذا قبل أن
(1)
في المطبوعة: (( ما انتزع )) ، والصواب من المخطوطة.

يدخل أهل الجنة الجنة، أصحاب الأعراف ينادون أصحابَ الجنة: أنْ سلام عليكم، لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا صرفت أبصارُ أصحاب الأعراف تلقاء أصحاب النار = يعني: حِيالَهم ووِجاههم = فنظروا إلى تشويه الله لهم = (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) ، الذين ظلموا أنفسهم، فأكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه.
14734- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: وإذا مروا بهم = يعني بأصحاب الأعراف = بزمرة يُذهب بها إلى النار، قالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) .
14735- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم، قالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) .
14736- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي مكين، عن أخيه، عن عكرمة: (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) ، قال: تحرد وجوههم للنار، فإذا رأوا أهل الجنة ذهبَ ذلك عنهم. (1)
(1)
الأثر: 14736 - (( أبو مكين )) ، هو (( نوح بن ربيعة الأنصاري )) ، مضى برقم: 9742 - 9839. وكان وكيع يهم فيقول: (( أبو مكين )) هو (( نوح بن أبان )) ، أخو (( الحكم بن أبان )) ، ونبهوا على هذا الوهم. انظر ترجمة (( نوح بن ربيعة )) في التهذيب وابن أبي حاتم 4 / 1 / 482.

وأخوه، يعني وكيع: (( الحكم بن أبان العدني )) ، وهو يروي عن طاوس وعكرمة، ثقة مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 334، وابن أبي حاتم 1 / 2 /113.
14737- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، ابن زيد في قوله: (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) ، فرأوا وجوههم مسودّة، وأعينهم مزرقّة، = (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا) ، من أهل الأرض = (يعرفونهم بسيماهم) ، سيما أهل النار = (قالوا ما أغنى عنكم جمعكم) ، ما كنتم تجمعون من الأموال والعَدَد في الدنيا = (وما كنتم تستكبرون) ، يقول: وتكبُّركم الذي كنتم تتكبرون فيها، (1) كما:
14738- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، فمرّ بهم = يعني بأصحاب الأعراف = ناس من الجبَّارين عرفوهم بسيماهم. قال: يقول: قال أصحاب الأعراف: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) .
14739- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا) ، قال: في النار = (يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم
(1)
انظر تفسير (( الاستكبار )) فيما سلف 11: 540 / 12: 421.

وما كنتم تستكبرون) ، وتكبركم. (1)
14740- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) ، قال: هذا حين دخل أهل الجنةِ الجنةَ، = (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) ، الآية، قلت لأبي مجلز: عن ابن عباس؟ قال: لا بل عن غيره.
14741- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم) ، قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم = (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون. أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) ، قال: هذا حين دخل أهل الجنةِ الجنةَ = (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) .
14742- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم) ، فالرجال، عظماء من أهل الدنيا. قال: فبهذه الصفة عرَف أهلُ الأعراف أهلَ الجنة من أهل النار. وإنما ذكر هذا حين يذهب رئيس أهل الخير ورئيس أهل الشر يوم القيامة = قال: وقال ابن زيد في قوله: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) ، قال: على أهل طاعة الله.
* * *
(1)
في المطبوعة: (( ... جميعكم وتكبركم وما كنتم تستكبرون )) ، وهو كذلك في المخطوطة، إلا أنه فوق (( وتكبركم )) حرف (م) دلالة على أنه مقدم عن مكانه، فرددته إلى الأصل، وهو الصواب.

القول في تأويل قوله: {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيِّين بهذا الكلام.
فقال بعضهم: هذا قِيل الله لأهل النار، توبيخًا على ما كان من قِيلهم في الدنيا، لأهل الأعراف، عند إدخاله أصحابَ الأعراف الجنة.
* ذكر من قال ذلك:
14743 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: "أصحاب الأعراف" ، رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان حَسْم أمرهم لله، يقومون على الأعراف، فإذا نظروا إلى أهل الجنة طمعوا أن يدخلوها. وإذا نظروا إلى أهل النار تعوَّذوا بالله منها، فأدخلوا الجنة. فذلك قوله تعالى: "أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" ، يعني أصحابَ الأعراف= "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" .
14744 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك قال، قال ابن عباس: إن الله أدخل أصحابَ الأعراف الجنة لقوله: "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" .
14745 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قال الله لأهل التكبر والأموال: "أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" ، يعني أصحاب الأعراف= "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" .
14746 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أهؤلاء" ، الضعفاء= "الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة"
ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون "، قال: فقال حذيفة:" أصحاب الأعراف "، قوم تكافأت أعمالهم، فقصَّرت بهم حسناتهم عن الجنة، وقصَّرت بهم سيئاتهم عن النار، فجعلوا على الأعراف، يعرفون الناس بسيماهم. فلما قُضِي بين العباد، أذن لهم في طلب الشفاعة، فأتوا آدم عليه السلام، فقالوا: يا آدم، أنت أبونا فاشفع لنا عند ربك! فقال: هل تعلمون أحدًا خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وسبقت رحمته إليه غضبه، (1) وسجدت له الملائكة، غيري؟ فيقولون: لا! قال: فيقول: ما عملت فيه كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، (2) ولكن ائتوا ابني إبراهيم! قال: فيأتون إبراهيم عليه السلام فيسألونه أن يشفع لهم عند ربه، فيقول: هل تعلمون من أحدٍ اتخذه الله خليلا؟ هل تعلمون أحدًا أحرقه قومه في النار في الله، غيري؟ فيقولون: لا! فيقول: ما عملت كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، (3) ولكن ائتوا ابني موسى! فيأتون موسى عليه السلام، فيقول: هل تعلمون من أحد كلمه الله تكليمًا، وقرّبه نجيًّا، غيري؟ فيقولون: لا! فيقول: ما عملت فيه كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، ولكن ائتوا عيسى! فيأتونه فيقولون: اشفع لنا عند ربك! فيقول: هل تعلمون أحدًا خلقه الله من غير أب، غيري؟ فيقولون: لا! فيقول: هل تعلمون من أحد كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله غيري؟ قال: فيقولون: لا! قال: فيقول: أنا حجيجُ نفسي، ما عملت فيه كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، (4) ولكن ائتوا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيأتوني، فأضرب بيدي على صدري، ثم أقول: أنا لها! ثم أمشي حتى أقف بين يدي العرش، فأثني على ربي، فيفتح لي من الثناء ما لم يسمع السامعون بمثله قطُّ، ثم أسجد فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، سل تُعطَه، واشفع تُشَفَّع! فأرفع رأسي فأقول: رب، أمتي! فيقال: هم لك، فلا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرَّب إلا غَبَطني يومئذ بذلك المقام، وهو المقام المحمود. قال: فآتي بهم باب الجنة، فأستفتح فيفتح لي ولهم، فيُذهب بهم إلى نهر يقال له" نهر الحيوان (5) حافتاه قَصَب من ذهب مكلل باللؤلؤ، (6) ترابه المسك، وحصباؤه الياقوت، فيغتسلون منه، فتعود إليهم ألوان أهل الجنة وريح أهل الجنة، (7) ويصيرون كأنهم الكواكب الدرّية، ويبقى في صدورهم شامات بيض يعرفون بها، يقال لهم:" مساكين أهل الجنة "."
14747 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك قال: إن الله أدخلهم بعد أصحاب الجنة، وهو قوله: "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" ، يعني أصحاب الأعراف. وهذا قول ابن عباس.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على هذا التأويل الذي ذكرنا عن ابن عباس، ومن ذكرنا قوله فيه=: قال الله لأهل التكبر عن الإقرار بوحدانية الله، والإذعان لطاعته وطاعة رسله، الجامعين في الدنيا الأموال مكاثرة ورياء: أيها الجبابرة
(1)
في المطبوعة: "رحمة الله إليه غضبه" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
"كنه الشيء" قدره ونهايته وغايته وحقيقته، يريد: ما عملت ما يبلغ بي مرتبة الشفاعة لكم. وفي المطبوعة: "ما علمت" ، وأثبت ما في المخطوطة. وفي تفسير ابن كثير، نقلا عن هذا الموضع من التفسير: "ما علمت كنهه ما أستطيع" ، والصواب ما في مخطوطة الطبري.

(3)
في المطبوعة هنا أيضًا: "ما علمت" ، وأثبت ما في المخطوطة. وفي المخطوطة: "ما عملت فيه ما أستطيع" ، بإسقاط "كنه" سهوًا من الناسخ على الأرجح.

(4)
في المطبوعة: "ما علمت كنه ما أستطيع" ، وأثبت ما في المخطوطة، كما ذكرت في التعليقين السالفين.

(5)
في المطبوعة: "نهر الحياة" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لما في تفسير ابن كثير.

(6)
"القصب" أنابيب مستطيلة مجوفة من الجوهر، أو الذهب أو الفضة. وكان في المطبوعة كما سلف آنفًا ص: 455، تعليق: 1، "قضب" بالضاد، وأثبت ما في المخطوطة، وغيرها من المراجع

(7)
في المخطوطة: "وريح" ، بإسقاط "أهل الجنة" . وفي المطبوعة: "وريحهم" ، وأثبت ما في تفسير ابن كثير 3: 485، نقلا عن هذا الموضع من تفسير الطبري.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]