
16-07-2025, 05:07 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (661)
صــ 341 إلى صــ 350
أيمانهم) ، قال: حيث يبصرون = (ومن خلفهم) = (وعن شمائلهم) ، حيث لا يبصرون.
14379- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14380- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور قال، تذاكرنا عند مجاهد قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، فقال مجاهد: هو كما قال، يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم = زاد ابن حميد، قال: "يأتيهم من ثَمَّ" .
14381- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد، فذكر نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل، فأصدّهم عن الحق، وأحسِّن لهم الباطل. وذلك أن ذلك عَقِيب قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، فاخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرَهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله دينِ الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي أمرهم الله به، فيصدّهم عنه، وذلك "من بين أيديهم وعن أيمانهم" = ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه، فيزيّنه لهم ويدعوهم إليه، وذلك "من خلفهم وعن شمائلهم" .
* * *
وقيل: ولم يقل: "من فوقهم" ، لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم.
* ذكر من قال ذلك:
14382- حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، ولم يقل:
"من فوقهم" ، لأن الرحمة تنزل من فوقهم.
* * *
وأما قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) . فإنه يقول: ولا تجد، ربِّ، أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتَك التي أنعمت عليهم، كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به، من إسجادك له ملائكتك، وتفضيلك إياه عليَّ = و "شكرهم إياه" ، طاعتهم له بالإقرار بتوحيده، واتّباع أمره ونهيه.
* * *
وكان ابن عباس يقول في ذلك بما:-
14383- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) ، يقول: موحِّدين.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا}
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن إحلاله بالخبيث عدوِّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته، وطرده إياه عن جنته، إذ عصاه وخالف أمره، وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به. يقول: قال الله له عند ذلك: (اخرج منها) ، أي من الجنة = (مذؤُومًا مدحورًا) ، يقول: مَعِيبًا.
* * *
و "الذأم" ، العيب. يقال منه: "ذأمَه يذأمه ذأمًا فهو مذؤوم" ، ويتركون الهمز فيقولون: ذِمْته أذيمه ذيمًا وذامًا"، و "الذأم" و"الذيم "، أبلغ في العيب من" الذمّ "، وقد أنشد بعضهم هذا البيت: (1) "
(1) هو الحارث بن خالد المخزومي.
صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ ... فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أَذِيمُهَا (1)
وأكثر الرواة على إنشاده "ألومها" .
* * *
وأما المدحور: فهو المُقْصَى، يقال: "دحره يدحَرُه دَحْرًا ودُحُورًا" ، إذا أقصاه وأخرجه، ومنه قولهم: "ادحَرْ عنكَ الشيطان" . (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14384- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، يقول: اخرج منها لعينًا منفيًّا.
14385- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "مذؤومًا" ممقوتًا.
14386- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبى قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (قال اخرج منها مذؤومًا) ، يقول: صغيرًا منفيًّا.
14387- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، أما "مذؤومًا" ، فمنفيًّا، وأما "مدحورا" ، فمطرودًا.
14388- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مذؤومًا) ، قال: منفيًّا = (مدحورًا) ، قال: مطرودًا.
14389- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي
(1) مضى البيت وشرحه وتخريجه، وبغير هذه الرواية فيما سلف 1: 265.
(2) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 212.
جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (اخرج منها مذؤومًا) ، قال: منفيًّا. = و "المدحور" ، قال: المصغَّر.
14390- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال:، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: (اخرج منها مذؤومًا) ، قال: منفيًّا.
14391- حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، سأل ابن عباس: ما (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، قال: مقيتًا. (1)
14392- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، فقال: ما نعرف "المذؤوم" و "المذموم" إلا واحدًا، ولكن تكون حروف منتقصة، وقد قال الشاعر لعامر: يا "عام" ، ولحارث: "يا حار" ، (2) وإنما أنزل القرآن على كلام العرب.
* * *
(1) الأثر: 14391 - (( أبو عمرو القرقساني )) ، (( عثمان بن يحيى )) ، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب. ويزيد الأمر إشكالا أني وجدت أبا جعفر في تاريخه يذكر إسنادًا عن شيخ يقال له (( عثمان بن يحيى )) ، فيه نصه: (( حدثني عثمان بن يحيى، عن عثمان القرقساني، قال حدثنا سفيان بن عيينة )) ، فجعل بين (( عثمان بن يحيى )) و (( سفيان بن عيينة )) رجلا يقال له (( عثمان القرقساني )) ! والذي في التفسير يدل على أن الراوي عن سفيان بن عيينة هو (( عثمان بن يحيى )) نفسه. فظني أن في إسناد التاريخ خطأ، ولعل صوابه: (( حدثني عثمان بن يحيى بن عثمان القرقساني، قال حدثنا سفيان بن عيينة )) . هذا ما وجدت، فعسى أن يجتمع عندي ما أتبين به صواب ذلك أو خطأه.
(2) في المطبوعة: (( ولكن يكون منتقصة، وقال العرب لعامر ... )) ، وبين الكلام بياض. وفي المخطوطة: (( ولكن تكون ف منتقصة. وقد قال الشاعر ... )) بياض بين الكلام، فغير ناشر المطبوعة ما في المخطوطة بلا أمانة. وفي المخطوطة فوق البياض (( كذا )) وفي الهامش حرف (ط) للدلالة على الخطأ. ودلتني لافاء بعد البياض أن صواب هذا الذي بيض له ناسخ المخطوطة هو (( حروف )) ، فاستقام الكلام.
ومثال الترخيم في (( عامر )) قول الحطيئة لعامر بن الطفيل: يَا عَامِ، قد كُنْتَ ذَا بَاعٍ وَمَكْرُمَةٍ ... لَوْ أَنَّ مَسْعَاةَ مَنْ جَارَيْتَهُ أَمَمُ
ومثال الترخيم في (( الحارث )) قول زهير: يَا حارِ، لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ ... لَم يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي وَلا مَلِكُ
القول في تأويل قوله: {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) }
قال أبو جعفر: وهذا قسم من الله جل ثناؤه. أقسم أن مَنْ اتبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس وأطاعه وصَدَّق ظنه عليه، أن يملأ من جميعهم = يعني: من كفرة بني آدم تُبّاع إبليس، ومن إبليس وذريته = جهنم. فرحم الله امرأً كذّب ظن عدوِّ الله في نفسه، وخيَّب فيها أمله وأمنيته، ولم يمكّن من طمعَ طمعٍ فيها عدوَّه، (1) واستغشَّه ولم يستنصحه، فإن الله تعالى ذكره إنما نبّه بهذه الآيات عباده على قِدَم عداوة عدوِّه وعدوهم إبليس لهم، وسالف ما سلف من حسده لأبيهم، وبغيه عليه وعليهم، وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديمًا في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته، وليتذكر أولو الألباب، فينزجروا عن طاعة عدوه وعدوهم إلى طاعته ويُنيبوا إليها.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) }
قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لآدم: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما) . فأسكن جل ثناؤه آدم وزوجته الجنة
(1) في المطبوعة: (( ولم يكن ممن طمع فيها عدوه )) ، غير ما في المخطوطة لأنه لم يفهمه، فأساء غاية الإساءة، وافسد الكلام.
بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها، وأباح لهما أن يأكلا من ثمارها من أيّ مكان شاءا منها، ونهاهما أن يقربا ثمر شجرة بعينها.
* * *
وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك، وما نرى من القول فيه صوابًا، في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (1)
* * *
= (فتكونا من الظالمين) ، يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربِّه، وفعل ما ليس له فعله.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فوسوس لهما) ، فوسوس إليهما، وتلك "الوسوسة" كانت قوله لهما: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ، وإقسامه لهما على ذلك.
* * *
وقيل: "وسوس لهما" ، والمعنى ما ذكرت، كما قيل: "غَرِضت إليه" ، بمعنى: اشتقْتُ إليه، وإنما تعني: غَرضت من هؤلاء إليه. (2) فكذلك معنى ذلك.
(1) انظر ما سلف 1: 512 - 524.
(2) في المطبوعة: (( كما قيل: عرضت له، بمعنى: استبنت إليه )) ، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا، فأتانا بلغو مبتذل لا معنى له. وكان في المخطوطة: (( كما قيل: عرضت إليه بمعنى: اشتقت إليه )) ، هكذا، وصواب قراءتها ما أثبت.
وقوله: (( غرضت إليه )) بمعنى: اشتقت إليه، (( إنما تعني: غرضت من هؤلاء إليه )) ، هذا كأنه نص قول الأخفش في تفسير قول ابن هرمة: مَنْ ذَا رَسُولٌ ناصِحٌ فَمُبَلِّغٌ ... عَنِّي عُلَيَّةَ غَيْرَ قَوْلِ الكاذِبِ ?
أَنِّي غَرِضْتُ إلَى تَنَاصُفِ وَجْهِهَا ... غَرَضَ المُحِبِّ إلى الحَبِيبِ الغائِبِ
قوله: (( تناصف وجهها )) ، أي محاسن وجهها التي ينصف بعضها بعضًا في الحسن. قال الأخفش: (( تفسيره: غرضت من هؤلاء إليه، لأن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل )) ويريد الأخفش أنهم يقولون: (( غرض غرضًا )) ، إذا ضجر وقلق ومل، فلما أدخل مع الفعل (( إلى )) ، صار معناه: ضجر من هذا نزاعًا واشتياقًا إلى هذا.
وموضع الاستشهاد أن (( الوسوسة )) الصوت الخفي من حديث النفس، فنقل إبليس ما حاك في نفسه إليهما، فلذلك أدخل على (( الوسوسة )) (( اللام )) و (( إلى )) . ولكن أبا جعفر أدمج الكلام ههنا إدماجًا.
فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من القيل، ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهما، كما قال رؤبة:
* وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الفَلَقْ * (1)
* * *
ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء، وألقى إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين = ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما فغطاه بستره الذي ستره عليهما.
* * *
وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به، ما:-
14393- حدثني به حوثرة بن محمد المنقري قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن ابن منبه، في قوله: (فبدت لهما سوءاتهما) ، قال: كان عليهما نور، لا ترى سوءاتهما. (2)
* * *
(1) ديوانه: 108، اللسان (وسس) ، وهذا بيت من أرجوزته التي مضت منها أبيات كثيرة. وهذا البيت من أبيات في صفة الصائد المختفي، يترقب حمر الوحش، ليصيب منها. يقول لما أحس بالصيد وأراد رميه، وسوس نفسه بالدعاء حذر بالدعاء حذر الخيبة ورجاء الإصابة.
(2) الأثر: 14393 - (( حوثرة بن محمد بن قديد المنقري )) ، أبو الأزهر الوراق روى عنه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن صاعد، وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 /2 / 283.
القول في تأويل قوله: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الشيطان لآدم وزوجته حواء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرَها، إلا لئلا تكونا ملكين.
* * *
= وأسقطت "لا" من الكلام، لدلالة ما ظهر عليها، كما أسقطت من قوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) ، [سورة النساء: 176] . والمعنى: يبين الله لكم أن لا تضلوا.
* * *
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين، كما يقال: "إياك أن تفعل" كراهيةَ أن تفعل.
* * *
= "أو تكونا من الخالدين" ، في الجنة، الماكثين فيها أبدًا، فلا تموتا. (1)
* * *
والقراءة على فتح "اللام" ، بمعنى: ملكين من الملائكة.
* * *
وروي عن ابن عباس، ما:-
14394- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى الأعمى، عن السدّي قال: كان ابن عباس يقرأ: "إلا أَنْ تَكُونَا مَلِكَيْنِ" ، بكسر "اللام" .
* * *
وعن يحيى بن أبي كثير، ما:-
(1) انظر تفسير (( الخلود )) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .
14395- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثني القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون قال، حدثنا يعلى بن حكيم، عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها: "مَلِكَيْنِ" ، بكسر "اللام" .
* * *
وكأنَّ ابن عباس ويحيى وجَّها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك = وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر: (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) ، [سورة طه: 120] .
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها، القراءةُ التي عليها قرأة الأمصار وهي، فتح "اللام" من: "مَلَكَيْنِ" ، بمعنى: ملكين، من الملائكة، لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضًا في قرأة الإسلام من القراءة، فهو الصواب الذي لا يجوزُ خلافه.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وقاسمهما) ، وحلف لهما، كما قال في موضع آخر: (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ) ، [سورة النمل: 49] ، بمعنى تحالفوا بالله، وكما قال خالد بن زهير [ابن] عمّ أبي ذويب: (1)
(1) جاء في المطبوعة والمخطوطة (( خالد بن زهير عم أبي ذؤيب )) ، ولم أجد هذا القول لأحد، بل الذي قالوه أن (( خالد بن زهير الهذلي )) ، هو ابن أخت أبي ذؤيب، أو ابن أخيه، أو: ابن عم أبي ذؤيب. فالظاهر أن صواب الجملة هو ما أثبت. انظر خزانة الأدب 2: 320، 321 /3: 597، 598، 647، 648.
وَقَاسَمَهَا بِاللهِ جَهْدًا لأَنْتُمُ ... ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورُهَا (1)
بمعنى: وحالفهما بالله، وكما قال أعشى بني ثعلبة:
رَضِيعَيْ لِبَانٍ، ثَدْيَ أُمٍّ تَقَاسَمَا ... بِأَسْحَمَ دَاجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ (2)
بمعنى تحالفا.
* * *
(1) ديوان الهذلين 1: 158، من قصائده التي تقارضها هو وأبو ذؤيب في المرأة التي كانت ضصديقة عبد عمرو بن مالك، فكان أبو ذؤيب رسوله إليها، فلما كبر عبد عمرو احتال لها أبو ذؤيب فأخذها منه وخادنها. وغاضبها أبو ذؤيب، فكان رسوله إلى هذه المرأة ابن عمه خالد بن زهير، ففعل به ما فعل هو بعبد عمرو بن مالك، أخذ منه المرأة فخادنه، فغاضبه أبو ذؤيب وغاضبها، وقال لها حين جاءت تعتذر إليه: تُرِيدينَ كَيْمَا تَجْمَعِينِي وَخَالِدًا! ... وَهَلْ يُجْمَعُ السَّيْفَان وَيْحَكِ فِي غِمْدِ!
أَخَالِدُ، مَا رَاعَيْتَ من ذِي قَرَابَةٍ ... فَتَحْفَظَنِي بِالْغَيْبِ، أوْ بَعْضَ مَا تُبْدِي
دَعَاكَ إلَيْهَا مُقْلَتَاها وَجِيدُهَا ... فَمِلْتَ كَمَا مَالَ المُحِبُّ عَلَى عَمْدِ
ثم قال لخالد: رَعَي خَالِدٌ سِرِّي، لَيَالِيَ نَفْسُهُ ... تَوَالَى على قَصْدِ السَّبِيلِ أُمُورُهَا
فَلَمَّا تَرَامَاهُ الشَّبَابُ وَغَيُّهُ، ... وَفي النَّفْسِ مِنْهُ فِتْنَةٌ وَفُجُورُهَا
لَوَى رَأْسَهُ عَنِّي، ومَالَ بِوُدِّه ... أَغَانِيجُ خَوْدٍ كَانَ قِدْمًا يَزُورُهَا
فأجابه خالد من أبيات: فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أَنْتَ سِرْتَها ... وَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا
فَإنَّ الَّتِي فِينَا زَعَمْتَ، ومِثْلُهَا ... لَفِيكَ، وَلَكِنِّي أَرَاكَ تَجُورُهَا
تَنَقَّذْتَهَا مِنْ عَبْدِ عَمْرو بن مَالِكٍ ... وأَنْتَ صَفِيُّ النَّفْسِ مِنْهُ وَخِيرُها
يُطِيلُ ثَوَاءً عِنْدَها لِيَرُدَّهَا ... وَهَيْهَاتَ مِنْهُ دُورُهَا وقُصُورها
وَقَاسَمَهَا بالله ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
و (( السلوى )) ، العسل. (( شار العسل يشوره )) ، أخذ من موضعه في الخلية.
(2) ديوانه: 150، اللسان (عوض) (سحم) من قصيدة مضت منها أبيات كثيرة. وقد ذكرت هذا البيت في شرح بيت سالف 10: 451، تعليق: 1 = و (( الأسحم )) ، الضارب إلى السواد، و (( عوض )) لما يستقبل من الزمان بمعنى: (( أبدًا )) . واختلفوا في معنى (( بأسحم داج )) ، وإقسامه به. فقالوا: أراد الليل. وقالوا: أراد سواد حلمة سدي أمه. وقيل أراد الرحم وظلمته. قيل: أراد الدم، لسواده، تغمس فيه اليد عند التحالف.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|