
16-07-2025, 01:29 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (659)
صــ 321 إلى صــ 330
فيما مضى من خطاب العرب الرجلَ بالأفعال تضيفها إليه، والمعنيُّ في ذلك سلفه، (1) وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول الله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) ، [سورة البقرة: 63] . وما أشبه ذلك من الخطاب الموجَّه إلى الحيّ الموجود، والمراد به السلف المعدوم، فكذلك ذلك في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صوَّرناه.
وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الذي يتلو ذلك قوله: (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم، قبل أن يصوِّر ذريته في بطون أمهاتهم، بل قبل أن يخلُق أمهاتهم.
و "ثم" في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، (2) وذلك كقول القائل: "قمت ثم قعدت" ، لا يكون "القعود" إذ عطف به بـ "ثم" على قوله: "قمت" إلا بعد القيام، (3) وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها، وذلك كقول القائل: "قمت وقعدت" ، فجائز أن يكون "القعود" في هذا الكلام قد كان قبل "القيام" ، لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفًا، لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين، أو إن كانا في وقتين، أيهما
(1) انظر هذا من خطاب العرب فيما سلف 2: 38، 39 ثم ص: 164، 165، ومواضع أخرى بعد ذلك في فهرس مباحث العربية والنحو وغيرها.
(2) انظر القول في (( ثم )) فيما سلف ص: 233.
(3) كان في هذه الجملة في المخطوطة تكرار، ووضع الناسخ في الهامش (كذا) ، والصواب ما في المطبوعة.
المتقدم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إنّ قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا.
فإن ظن ظانّ أن العربَ، إذ كانت ربما نطقت بـ "ثم" في موضع "الواو" في ضرورة شعره، كما قال بعضهم:
سَأَلْتُ رَبِيعَةَ: مَنْ خَيْرُهَا ... أَبًا ثُمَّ أُمًّا? فَقَالَتْ: لِمَهْ? (1)
بمعنى: أبًا وأمًّا، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره= فإن ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهومٌ ووجه معروف.
* * *
وقد وجَّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب، لأنها لا تدخل "ثم" في الكلام وهي مرادٌ بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدِّمونها في الكلام، (2) إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير، وذلك كقولهم: "قام ثم عبد الله عمرو" ، فأما إذا قيل: "قام عبد الله ثم قعد عمرو" ، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله، إذا كان الخبر صدقًا، فقول الله تبارك وتعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا) ، نظير قول القائل: "قام عبد الله ثم قعد عمرو" ، في أنه غير جائز أن يكون أمرُ الله الملائكةَ بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير، لما وصفنا قبل.
* * *
وأما قوله للملائكة: (اسجدوا لآدم) ، فإنه يقول جل ثناؤه: فلما صوّرنا
(1) لم أعرف قائله.
(2) في المخطوطة: (( وإن كان يعبر فنرنها في الكلام )) ، فلم استبن لقراءتها وجهًا أرضاه، فتركت ما في المطبوعة على حاله، لأنه مستقيم المعنى إن شاء الله.
آدم وجعلناه خلقًا سويًّا، ونفخنا فيه من روحنا، قلنا للملائكة: "اسجدوا لآدم" ، ابتلاء منا واختبارًا لهم بالأمر، ليعلم الطائع منهم من العاصي، = (فسجدوا) ، يقول: فسجد الملائكة، إلا إبليس فإنه لم يكن من الساجدين لآدم، حين أمره الله مع مَنْ أمرَ من سائر الملائكة غيره بالسجود.
* * *
وقد بينا فيما مضى، المعنى الذي من أجله امتحن جَلّ جلاله ملائكته بالسجود لآدم، وأمْرَ إبليس وقصصه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
(1) انظر ما سلف 1: 501 - 512.
القول في تأويل قوله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لإبليس، إذ عصاه فلم يسجد لآدم إذ أمره بالسجود له. يقول: قال الله لإبليس: = (ما منعك) ، أيّ شيء منعك = (ألا تسجد) ، أن تدع السجود لآدم = (إذ أمرتك) ، أن تسجد = "قال أنا خير منه" ، يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم = "خلقتني من نار وخلقته من طين" .
* * *
فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس، ألحقته الملامة على السجود، أم على ترك السجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود، فكيف قيل له: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) ؟ وإن كان النكير على السجود، فذلك خلافُ ما جاء به التنزيل في سائر القرآن، وخلاف ما يعرفه المسلمون!
قيل: إن الملامة لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لآدم إذ أمره بالسجود له.
غير أن في تأويل قوله: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) ، بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافًا، أبدأ بذكر ما قالوا، ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب.
فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد = و "لا" ها هنا زائدة، كما قال الشاعر: (1)
أبَى جُودُهُ لا البُخْلَ، وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ ... نَعَمْ، مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُوعَ قَاتِلهْ (2)
وقال: فسرته العرب: "أبى جوده البخل" ، وجعلوا "لا" زائدةً حشوًا ها هنا، وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجر "البخل" ، ويجعل "لا" مضافة إليه، أراد: أبى جوده "لا" التي هي للبخل، ويجعل "لا" مضافة، لأن "لا" قد تكون للجود والبخل، لأنه لو قال له: "امنع الحق ولا تعط المسكين" فقال: "لا" كان هذا جودًا منه.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله، غير أنه زعم أن العلة في دخول "لا" في قوله: (أن لا تسجد) ، أن في أول الكلام جحدا = يعني بذلك قوله: (لم يكن من الساجدين) ، فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد، الجحدَ، كالاستيثاق والتوكيد له. قال: وذلك كقولهم: (3)
(1) لا يعرف قائله.
(2) اللسان (نعم) ، أمالي ابن الشجري 2: 228، 231، شرح شواهد المغنى 217، وكان في المخطوطة والمطبوعة: (( لا يمنع الجوع )) ، كما أثبته، وكذلك ورد عن الفارسي في اللسان. وأما في المراجع الأخرى فروايته: (( لا يمنع الجود )) .
(3) لم يعرف قائله.
مَا إنْ رَأَيْنَا مِثْلَهُنَّ لِمَعْشَرٍ ... سُودِ الرُّؤُوسِ، فَوَالِجٌ وَفُيُولُ (1)
فأعاد على الجحد الذي هو "ما" جحدًا، وهو قوله "إن" ، فجمعهما للتوكيد.
* * *
وقال آخر منهم: ليست "لا" ، بحشو في هذا الموضع ولا صلة، (2) ولكن "المنع" هاهنا بمعنى "القول" ، وإنما تأويل الكلام: مَنْ قال لك لا تسجد إذ أمرتك بالسجود = ولكن دخل في الكلام "أن" ، إذ كان "المنع" بمعنى "القول" ، لا في لفظه، كما يُفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول، وهو له في اللفظ مخالف، كقولهم: "ناديت أن لا تقم" ، و "حلفت أن لا تجلس" ، وما أشبه ذلك من الكلام. وقال: خفض "البخل" من روى: "أبى جوده لا البخل" ، (3) بمعنى: كلمة البخل، لأن "لا" هي كلمة البخل، فكأنه قال: كلمة البخل.
* * *
وقال بعضهم: معنى "المنع" ، الحول بين المرء وما يريده. قال: والممنوع مضطّر به إلى خلاف ما منع منه، كالممنوع من القيام وهو يريده، فهو مضطر من الفعل إلى ما كان خلافًا للقيام، إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه، فيوثر أحدهما على الآخر فيفعله. قال: فلما كانت صفة "المنع" ذلك، فخوطب إبليس بالمنع فقيل له: (ما منعك ألا تسجد) ، كان معناه كأنه قيل له: أيّ شيء اضطرك إلى أن لا تسجد؟
* * *
قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفًا قد كفى دليلُ الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود
(1) معاني القرآن للفراء 1: 176، 374 و (( الفوالج )) جمع (( فالج )) ، وهو جمل ذو سنامين كان يجلب من السند للفحلة. و (( الفيول) ، جمع (( فيل )) .
(2) (( الصلة )) : الزيادة، كما سلف، انظر فهارس المصطلحات.
(3) في المطبوعة: (( وقال بعض من روى: أبي جود لا البخل )) ، فغير ما في المخطوطة، وأفسد الكلام إفسادًا.
فأحوجك أن لا تسجد = فترك ذكر "أحوجك" ، استغناء بمعرفة السامعين قوله: (إلا إبليس لم يكن من الساجدين) ، أن ذلك معنى الكلام، من ذكره. (1) ثم عمل قوله: (ما منعك) ، في "أن" ما كان عاملا فيه قبل "أحوجك" لو ظهر، إذ كان قد ناب عنه.
وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب، لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له، وأن لكل كلمة معنًى صحيحًا، فتبين بذلك فسادُ قول من قال: "لا" في الكلام حشو لا معنى لها.
وأما قول من قال: معنى "المنع" ههنا "القول" ، فلذلك دخلت "لا" مع "أن" = فإن "المنعَ" وإن كان قد يكون قولا وفعلا فليس المعروف في الناس استعمالُ "المنع" ، في الأمر بترك الشيء، لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادرًا على فعله وتركه ففعله، لا يقال: "فعله" ، وهو ممنوع من فعله، إلا على استكراه للكلام. وذلك أن المنع من الفعل حَوْلٌ بينه وبينه، فغير جائز أن يكون وهو مَحُولٌ بينه وبينه فاعلا له، لأنه إن جاز ذلك، وجب أن يكون مَحُولا بينه وبينه لا محولا وممنوعًا لا ممنوعًا. (2)
وبعدُ، فإن إبليس لم يأتمر لأمر الله تعالى ذكره بالسجود لآدم كبرًا، فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لآدم، فيجوز أن يقال له: "أي شيء قال لك: لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسجود له؟ ولكن معناه إن شاء الله ما قلت:" ما منعك من السجود له فأحوجك، أو: فأخرجك، أو: فاضطرك إلى أن لا تسجد له "، على ما بيَّنت."
* * *
وأما قوله: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ، فإنه خبرٌ من الله جل ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ سأله: ما الذي منعه من السجود لآدم،
(1) السياق: (( استغناء بمعرفة السامعين ... من ذكره )) .
(2) يعني أنه يجمع الصفتين معًا (( محول بينه وبينه، وغير محول = وممنوع، وغير ممنوع )) ، وهو تناقض.
فأحوجه إلى أن لا يسجد له، واضطره إلى خلافه أمرَه به، وتركه طاعته = أنّ المانعَ كان له من السجود، والداعيَ له إلى خلافه أمر ربه في ذلك: أنه أشد منه أيْدًا، (1) وأقوى منه قوة، وأفضل منه فضلا لفضل الجنس الذي منه خلق، وهو النارُ، على الذي خلق منه آدم، (2) وهو الطين. فجهل عدوّ الله وجه الحق، وأخطأ سبيل الصواب. إذ كان معلومًا أن من جوهر النار الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوًّا، والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حملَ الخبيث بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق، على الاستكبار عن السجود لآدم، والاستخفاف بأمر ربه، فأورثه العطبَ والهلاكَ. وكان معلومًا أن من جوهر الطين الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبُّت، وذلك الذي هو في جوهره من ذلك، (3) كان الداعي لآدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق، إلى التوبة من خطيئته، ومسألته ربَّه العفوَ عنه والمغفرة. ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: "أول مَنْ قاسَ إبليس" ، يعنيان بذلك: القياسَ الخطأ، وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله، وبعده من إصابة الحق، في الفضل الذي خص الله به آدم على سائر خلقه: من خلقه إياه بيده، ونفخه فيه من روحه، وإسجاده له الملائكة، وتعليمه أسماء كلِّ شيء، مع سائر ما خصه به من كرامته. فضرب عن ذلك كلِّه الجاهلُ صفحًا، وقصد إلى الاحتجاج بأنه خُلق من نار وخلق آدم من طين!! (4) وهو في ذلك أيضًا له غير كفء، لو لم يكن لآدم من الله جل ذكره تكرمة شيء غيره، فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده، ويملّ إحصاؤه؟
14355- حدثني عمرو بن مالك قال، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن هشام، عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس، وما عُبِدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. (5)
14356- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن الحسن قوله: (خلقتني من نار وخلقته من طين) ، قال: قاس إبليس وهو أول من قاس.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14357- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة، دون الملائكة الذين في السموات: "اسجدوا لآدم" ، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر، لما كان حدَّث نفسه، من كبره واغتراره، فقال: "لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سنًّا، وأقوى خلقًا، خلقتني من نار وخلقته من طين!" يقول: إنّ النار أقوى من الطين.
14358- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (خلقتني من نار) ، قال: ثم جعل ذريته من ماء.
* * *
(1) في المطبوعة: (( أشد منه يدا )) ، والصواب من المخطوطة، و (( الأيد )) ، القوة.
(2) في المطبوعة: (( من الذي خلق منه آدم )) ، زاد (( من )) ، والمخطوطة سقط منها حرف الجر المتعلق بفضل الجنس، والصواب ما أُبت.
(3) في المطبوعة: (( وذلك الذي في جوهره ... )) حذف (( هو )) ، وفي المخطوطة: (( وذلك الذي هو من جوهره من ذلك )) ، وصوابها (( في جوهره )) ، وإنما هو خطأ من الناسخ.
(4) في المطبوعة: (( بأنه خلقه من نار )) ، واليد ما في المخطوطة.
(5) الأثر: 14355 - (( عمرو بن مالك الراسبي الغبري )) ، أبو عثمان البصري، شيخ الطبري. قال ابن عدي: (( منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث )) ، وقال ابن أبي حاتم: (( ترك أبي التحديث عنه )) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 /1 / 259.
و (( يحيى بن سليم الطائفي )) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 4894، 7831.
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله عدوّ الله ليس لما سأله عنه بجواب. وذلك أن الله تعالى ذكره قال له: ما منعك من السجود؟ فلم يجب بأن الذي منعه من السجود أنه خُلِقَ من نار وخلق آدم من طين، (1) ولكنه ابتدأ خبرًا عن نفسه، فيه دليل على موضع الجواب فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) }
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله لإبليس عند ذلك: (فاهبط منها) .
وقد بيَّنا معنى "الهبوط" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
= (فما يكون لك أن تتكبر فيها) ، يقول تعالى ذكره: فقال الله له: "اهبط منها" ، يعني: من الجنة = "فما يكون لك" ، يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي وأمري.
* * *
فإن قال قائل: هل لأحد أن يتكبر في الجنة؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة، فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله، فأما غيرها، فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله، والمستكين لطاعته.
* * *
(1) في المطبوعة: (( أنه خلقه من نار )) ، والجيد في المخطوطة.
(2) انظر تفسير (( الهبوط )) فيما سلف 1: 534، 548 /2: 132، 239.
وقوله: (فاخرج إنك من الصاغرين) ، يقول: فاخرج من الجنة، إنك من الذين قد نالهم من الله الصَّغَار والذلّ والمَهانة.
* * *
يقال منه: "صَغِرَ يَصْغَرُ صَغَرًا وصَغارًا وصُغْرَانًا" ، وقد قيل: "صغُرَ يَصْغُرُ صَغارًا وصَغارَة" . (1)
* * *
وبنحو ذلك قال السدي. (2)
14359- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فاخرج إنك من الصاغرين) ، و "الصغار" ، هو الذل.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) }
قال أبو جعفر: وهذه أيضًا جَهْلة أخرى من جَهَلاته الخبيثة. سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه. وذلك أنه سأل النَّظِرة إلى قيام الساعة، وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق. ولو أعطي ما سأل من النَّظِرة، كان قد أعطي الخلودَ وبقاءً لا فناء معه، وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جل ثناؤه له: (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [سورة الحجر: 37-38 / سورة ص: 80، 81] ، وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء، لأنه لا شيء يبقى فلا يفنى، غير ربِّنا الحيِّ الذي لا يموت. يقول الله تعالى
(1) انظر تفسير (( الصغار )) فيما سلف ص: 96.
(2) في المطبوعة: (( وبنحو الذي قلنا قال السدي )) ، وأثبت ما في المخطوطة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|