عرض مشاركة واحدة
  #649  
قديم 16-07-2025, 01:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (649)
صــ 221 إلى صــ 230




أو ترتدَّ عن دينها الحقِّ فتقتل. فذلك "الحق" الذي أباح الله جل ثناؤه قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به = (ذلكم) ، يعني هذه الأمور التي عهد إلينا فيها ربُّنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه، هي الأمور التي وصَّانا والكافرين بها أن نعمل جميعًا به = (لعلكم تعقلون) ، يقول: وصاكم بذلك لتعقلوا ما وصاكم به ربكم. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير (( وصى )) فيما سلف ص: 189، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره، كما:-
14147- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: التجارة فيه.
14148- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، فليثمر مالَه.
14149- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا فضيل بن مرزوق العنزي، عن سليط بن بلال، عن الضحاك بن مزاحم في قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: يبتغي له فيه، ولا يأخذ من ربحه شيئًا. (1)
(1)
الأثر: 14149 - (( فضيل بن مرزوق العنزي )) ، الرقاشي، الأغر. مضى برقم: 5437. و (( سليط بن بلال )) ، لا أدري من هو، ولم أجد له ترجمة.

14150- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: "التي هي أحسن" ، أن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى فلا يأكل. قال الله: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ، [سورة النساء: 6] . قال: وسئل عن الكسوة، فقال: لم يذكر الله الكسوة، إنما ذكر الأكل.
* * *
وأما قوله: (حتى يبلغ أشده) ، فإن "الأشُدّ" جمع "شَدٍّ" ، كما "الأضُرّ" جمع "ضر" ، وكما "الأشُرّ" جمع "شر" ، (1) و "الشد" القوة، وهو استحكام قوة شبابه وسنه، كما "شَدُّ النهار" ارتفاعه وامتداده. يقال: "أتيته شدَّ النهار ومدَّ النهار" ، وذلك حين امتداده وارتفاعه; وكان المفضل فيما بلغني ينشد بيت عنترة:
عَهْدِي بِهِ شَدَّ النَّهَارِ كَأَنَّمَا ... خُضِبَ اللَّبَانُ وَرَأْسُهُ بِالْعِظْلِمِ (2)
ومنه قول الآخر: (3)
تُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهَارِ ظَعِينَةٌ ... طَوِيلَةُ أَنْقَاءِ اليَدَيْنِ سَحُوقُ (4)
(1)
هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: (( الأضر )) و (( الأشر )) ، ولم أجد لشيء من ذلك أصلا في كتب العربية، وهذان اللفظان محرفان فيما أرجح، ولكني تركتهما على حالهما، حتى أقف على الصواب في قراءتهما إن شاء الله. ولكنهم مثلوا له بقولهم (( قد )) و (( أقد )) وهو قريب التحريف في الأولى، ولكن الثانية مبهمة.

(2)
من معلقته المشهورة، وهذا البيت من أبيات وصف فيها بطلا مثله، يقول قبله: لَمَّا رَآنِي قَدْ قَصَدْتُ أُرِيدُهُ ... أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ

فَطَعَنْتُهُ بِالرُّمْحِ ثُمَّ عَلَوْتُهُ ... بِمُهَنَّدٍ صَافِي الحَدِيدَةِ مِخْذَمِ
و (( اللبان )) الصدر. و (( العظلم )) ، صبغ أحمر. يصفه قتيلا سال دمه، فخصب رأسه وأطرافه، لا حراك به.
(3)
لم أعرف قائله.

(4)
(( الظعينة )) ، يعني زوجته. (( الأنقاء )) جمع (( نقو )) (بكسر فسكون) ، وهو كل عظم فيه مخ، كعظام اليدين والساقين، وامرأة (( سحوق )) : طويلة كأنها نخلة مستوية قد انجرد عنها كربها.

وكان بعض البصريين يزعم أن "الأشد" مثل "الآنُك" . (1)
* * *
فأما أهل التأويل، فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه الإنسان قيل: "بلغ أشدّه" .
فقال بعضهم: يقال ذلك له إذا بلغ الحُلُم.
* ذكر من قال ذلك:
14151- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، أخبرني يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحارث، عن ربيعة في قوله: (حتى يبلغ أشده) ، قال: الحلم.
14152- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، مثله = قال ابن وهب: وقال لي مالك مثله. (2)
14153- حدثت عن الحماني قال، حدثنا هشيم، عن مجاهد، عن عامر: (حتى يبلغ أشده) ، قال: "الأشد" ، الحلم، حيث تكتب له الحسنات، وتكتب عليه السيئات.
* * *
وقال آخرون: إنما يقال ذلك له، إذا بلغ ثلاثين سنة.
* ذكر من قال ذلك:
14154- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (حتى يبلغ أشده) ، قال: أما "أشده" ، فثلاثون
(1)
(( آنك )) (بالمد وضم النون) هو. الرصاص القلعي، وهو القزدير. ويعني أنه مفرد لا جمع.

(2)
الأثران: 14151، 14152 - (( أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري )) ، مضى برقم: 2747، 6613، 10330، وهو ابن أخي (( عبد الله بن وهب )) و (( عمه )) ، هو: (( عبد الله بن وهب )) .

سنة، ثم جاء بعدها: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) . [سورة النساء: 6] .
* * *
وفي الكلام محذوف، ترك ذكره اكتفاءً بدلالة ما ظهر عما حذف. وذلك أن معنى الكلام: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" ، فإذا بلغ أشده فآنستم منه رشدًا، فادفعوا إليه ماله = لأنه جل ثناؤه لم ينه أن يُقرب مال اليتيم في حال يُتمه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، ليحِلَّ لوليّه بعد بلوغه أشده أن يقربه بالتي هي أسوأ، (1) ولكنه نهاهم أن يقرَبوه حياطةً منه له، وحفظًا عليه، (2) ليسلموه إليه إذا بلغ أشده.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا" = وأن أوفوا الكيل والميزان. يقول: لا تبخسوا الناس الكيلَ إذا كلتموهم، والوزنَ إذا وزنتموهم، ولكن أوفوهم حقوقهم. وإيفاؤهم ذلك، إعطاؤهم حقوقهم تامة (3) = "بالقسط" ، يعني بالعدل، كما:-
14155- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بالقسط) ، بالعدل.
* * *
وقد بينا معنى: "القسط" بشواهده فيما مضى، وكرهنا إعادته. (4)
* * *
(1)
في المطبوعة: (( ويحل )) بالواو، والذي في المخطوطة حق السياق.

(2)
في المطبوعة: (( أن يقربوا )) ، والصواب ما في المخطوطة.

(3)
انظر تفسير (( الإيفاء )) فيما سلف 9: 426، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير (( القسط )) فيما سلف 10: 334، تعليق: 4، والمراجع هناك.

وأما قوله: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) ، فإنه يقول: لا نكلف نفسًا، من إيفاء الكيل والوزن، إلا ما يسعها فيحلّ لها ولا تحرَجُ فيه. (1) وذلك أن الله جل ثناؤه، علم من عباده أن كثيرًا منهم تَضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجبُ عليها له، فأمر المعطي بإيفاء رب الحق حقَّه الذي هو له، ولم يكلِّفه الزيادة، لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها. وأمر الذي له الحق، بأخذ حقه، ولم يكلفه الرضا بأقل منه، لما في النقصان عنه من ضيق نفسه. فلم يكلف نفسًا منهما إلا ما لا حرج فيه ولا ضيق، فلذلك قال: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) .
وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضع غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وإذا قلتم فاعدلوا) ، وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم فقولوا الحق بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا، (3) ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم، ذا قرابة لكم، ولا تحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره، أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه = (وبعهد الله أوفوا) ، يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا. وإيفاء ذلك: أن
(1)
انظر تفسير (( التكليف )) فيما سلف 5: 45 / 6: 129، 130 / 8: 579.

= وتفسير (( الوسع )) فيما سلف 5: 45 /6: 129، 130.
(2)
انظر ما سلف 5: 45، 46 / 6: 129، 130.

(3)
انظر تفسير (( العدل )) فيما سلف من فهارس اللغة (عدل) .

يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم، وأن يعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك هو الوفاء بعهد الله. (1)
وأما قوله: (ذلكم وصاكم به) ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للعادلين بالله الأوثان والأصنام من قومك: هذه الأمور التي ذكرت لكم في هاتين الآيتين، هي الأشياء التي عهد إلينا ربنا، ووصاكم بها ربكم، وأمركم بالعمل بها = لا بالبحائر، والسوائب، والوصائل، والحام، وقتل الأولاد، ووأد البنات، واتباع خطوات الشيطان (2) = (لعلكم تذكرون) ، يقول: أمركم بهذه الأمور التي أمركم بها في هاتين الآيتين، ووصاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكروا عواقبَ أمركم، وخطأ ما أنتم عليه مقيمون، فتنزجروا عنها، وترتدعوا وتُنيبوا إلى طاعة ربكم.
* * *
وكان ابن عباس يقول: هذه الآيات، هنَّ الآيات المحكمات.
14156- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن قيس، عن ابن عباس قال: هن الآيات المحكمات، قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) . (3)
(1)
انظر تفسير (( العهد )) فيما سلف من فهارس اللغة (عهد) .

= وتفسير (( الإيفاء )) فيما سلف ص: 224، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير (( وصى )) فيما ص: 221، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 14156 - (( على بن صالح بن صالح بن حي الهمداني )) ثقة، مضى برقم: 178، 11975.

وفي المخطوطة والمطبوعة: (( علي بن أبي صالح )) ، وهو خطأ لا شك فيه، والزيادة سهو من الناسخ، وإنما هو (( علي بن صالح )) ، فهو الذي يروي عن إسحاق السبيعي، ويروي عنه وكيع، وكما في المستدرك، كما سيأتي في التخريج.
و (( أبو إسحاق )) هو السبيعي.
و (( عبد الله بن قيس )) ، راوى هذا الخبر، خص براوية هذا الخبر عن ابن عباس، ورواية أبي إسحاق السبيعي عنه. مترجم في التهذيب (5: 365) ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 138.
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 288، وقال: (( صحيح )) ، ووافقه الذهبي. وقد أشرت إلى ذلك في تخريج الخبر رقم: 6573، فراجعه.
ورواه الحاكم أيضًا في المستدرك 2: 317، بإسناد آخر من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن ابن عباس، وقال: (( هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي.
و (( عبد الله بن خليفة الهمداني )) ، مضى برقم: 5796.
14157- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي قال، سمعت يحيى بن أيوب يحدّث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبيد الله بن عديّ بن الخيار قال، سمع كعب الأحبار رجلا يقرأ: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، فقال: والذي نفس كعب بيده، إنّ هذا لأوَّل شيء في التوراة: "بسم الله الرحمن الرحيم" ، قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ". (1) "
14158- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن رجل، عن الربيع بن خثيم أنه قال لرجل: هل لك في صحيفة عليها خاتم محمد؟ ثم قرأ هؤلاء الآيات: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) .
14159- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الرازي، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة قال: قال الربيع: ألا أقرأ عليكم صحيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ = لم يقل: "خاتمها" = فقرأ هذه الآيات: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) .
(1)
الأثر: 14157 - (( وهب بن جرير بن حازم الأزدي )) ، الحافظ الثقة.

وأبو (( جرير بن حازم الأزدي )) ، ثقة، روى له الجماعة.
و (( يحيى بن أيوب الغافقي )) ، ثقة، مضى برقم: 3877، 4330.
و (( يزيد بن أبي حبيب المصري )) ، مضى مرارًا، آخرها: 11871.
و (( مرثد بن عبد الله اليزني )) ، الفقيه المصري، مضى برقم: 2839، 2840، 10890.
و (( عبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي القرشي )) ثقة، قليل الحديث، من فقهاء قريش وعلمائهم، أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرين. مترجم في التهذيب.
وهذا خبر إسناده صحيح إلى كعب الأحبار.
14160- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: جاء إليه نفر فقالوا: قد جالست أصحابَ محمد، فحدثنا عن الوَحي. فقرأ عليهم هذه الآيات من "الأنعام" : (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) ، قالوا: ليس عن هذا نسألك! قال: فما عندنا وحيٌ غيره.
14161- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن.
14162- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإذا قلتم فاعدلوا) ، قال: قولوا الحق.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم، أيها الناس، في هاتين الآيتين من قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، وأمركم بالوفاء به، هو "صراطه" = يعني: طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده = (مستقيمًا) ، يعني: قويمًا لا اعوجاج به عن الحق (1) = (فاتبعوه) ، يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجًا تسلكونه، فاتبعوه (2) = (ولا تتبعوا السبل) ، يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه، ولا تركبوا منهجًا غيره، ولا تبغوا دينًا خلافه (3) ، من
(1)
انظر تفسير (( الصراط المستقيم )) فيما سلف ص: 113، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( الاتباع )) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) .

(3)
في المخطوطة: (( دينا خلاه )) ، وعلى (( خلاه )) ، حرف (ط) دلالة على الخطأ أو الشك، والذي في المخطوطة مستقيم جيد.

اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات = (فتفرق بكم عن سبيله) ، يقول: فيشتّت بكم، إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان، اتباعُكم إياها = "عن سبيله" ، يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الذي وصّى به الأنبياء، وأمر به الأمم قبلكم (1) = (ذلكم وصاكم به) ، يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم: "إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل" ، وصاكم به "لعلكم تتقون" ، يقول: لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها، وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها، فيحل بكم نقمته وعذابه. (2)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14163- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، قال: البدع والشبهات.
14164- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14165- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا تتبعوا السبل) ، البدع والشبهات.
14166- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل
(1)
انظر تفسير (( السبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .

(2)
انظر تفسير (( الوصية )) و (( الاتقاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (وصى) و (وقي) .

فتفرق بكم عن سبيله) ، وقوله: (وَأَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى: 13] ، ونحو هذا في القرآن. قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك مَنْ كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
14167- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، يقول: لا تتبعوا الضلالات.
14168- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا حماد، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: هذا سبيل الله. ثم خط عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا فقال: هذه سُبُل، على كل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليها. ثم قرأ هذه الآية: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) . (1)
14169- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، قال: "سبيله" ، الإسلام، و "صراطه" ، الإسلام. نهاهم أن يتبعوا السبل سواه = (فتفرق بكم عن سبيله) ، عن الإسلام.
14170- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبان: أن رجلا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفُه في الجنة، وعن يمينه جوادُّ، وعن يساره جَوَادُّ، وثمَّ رجال يدعون من مرّ بهم. فمن أخذ في تلك الجوادِّ انتهت به
(1)
الأثر: 14168 - صحيح الإسناد، رواه أحمد في المسند رقم: 4142، 4437، بنحوه. وقد فصل ابن كثير في تفسيره شرح هذا الإسناد، وما فيه من اختلاف الرواية 3: 427 - 429. وسيأتي برقم: 14170، موقوفًا على ابن مسعود.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]