عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-07-2025, 11:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (631)
صــ 41 إلى صــ 50






إذا جاءت آمنوا واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل يا رسول الله ربك ذلك! فسأل، فأنزل الله فيهم وفي مسألتهم إياه ذلك: "قل" للمؤمنين بك يا محمد= "إنما الآيات عند الله وما يشعركم" ، أيها المؤمنون بأن الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين بالله، أنهم لا يؤمنون به= ففتحوا "الألف" من "أنّ" .
* * *
ومن قرأ ذلك كذلك، عامة قرأة أهل المدينة والكوفة، وقالوا: أدخلت "لا" في قوله: (لا يؤمنون) صلة، (1) كما أدخلت في قوله: (مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ) ، [سورة الأعراف: 12] ، وفي قوله: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ، [سورة الأنبياء: 95] ، وإنما المعنى: وحرام عليهم أن يرجعوا= وما منعك أن تسجُد.
* * *
وقد تأوَّل قوم قرؤوا، ذلك بفتح "الألف" من (أنها) بمعنى: لعلها. وذكروا أن ذلك كذلك في قراءة أبيّ بن كعب.
* * *
وقد ذكر عن العرب سماعًا منها: "اذهب إلى السوق أنك تشتري لي شيئًا" ، بمعنى: لعلك تشتري. (2)
وقد قيل: إن قول عدي بن زيد العِبَاديّ:
أَعَاذِلَ، مَا يُدْرِيكِ أَنَّ مَنِيَّتِي إلَى سَاعَةٍ فِي الْيَومِ أَوْ فِي ضُحَى الغَدِ (3)
(1)
(( الصلة )) . الزيادة، والإلغاء، انظر فهارس المصطلحات.

(2)
انظر في هذا معاني القرآن للفراء 1: 349، 350، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 204.

(3)
جمهرة أشعار العرب 103، اللسان (أنن) ، وغيرهما. من قصيدة له حكيمة، يقول قبله: وعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُوُمُنِي ... فَلَمَّا غَلَتْ فِي الَّلوْمِ قُلْتُ لها: اقْصِدي

أعَاذِلَ، إن اللَّوْمَ في غير كُنْهِهِ ... عَلَيّ ثُنًى، مِنْ غَيِّكِ المُتَرَدِّدِ
أعَاذِلَ، إنَّ الجهْل مِنْ لَذَّةِ الفَتَى ... وَإنَّ المَنَايَا لِلرِّجَالِ بِمَرْصَدِ
أعَاذِلَ، مَا أَدْنَى الرشادَ مِنَ الفَتَى ... وأَبْعَدَهُ مِنْهُ إِذَا لَمْ يُسَدَّدِ
أعَاذِلَ، من تُكْتَبْ لَهُ النَّارُ يَلْقَهَا ... كِفِاحًا، وَمَنْ يُكْتَبْ لَهُ الفَوْزُ يُسْعَدِ
أَعَاذِلَ، قد لاقيتُ ما يَزَغُ الفتى ... وَطَابَقْتُ في الحِجْلَيْنِ مَشْيَ المُقيَّدِ
بمعنى: لعل منيَّتي; وقد أنشدوا في بيت دريد بن الصمة: (1)
ذَرِينِي أُطَوِّفْ فِي البِلادِ لأَنَّنِي ... أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلا مُخَلَّدَا (2)
بمعنى: لعلني. والذي أنشدني أصحابُنا عن الفراء: "لعلَّني أَرَى ما ترَيْن" . وقد أنشد أيضًا بيتُ توبة بن الحميِّر:
لَعَلَّك يَا تَيْسًا نزا فيِ مَرِيرَةٍ ... مُعَذِّبُ لَيْلَى أَنْ تَرَانِي أَزُورُهَا (3)
(1)
في المطبوعة: (( وقد أنشدوني )) ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
هكذا جاء البيت في المخطوطة والمطبوعة، وهو خطأ من أبي جعفر، أو من الفراء، بلا شك فإن الشطر الأخير من هذا الشعر، هو من شعر حطائط بن يعفر، وقد خرجته آنفًا 3: 78، واستوفيت الكلام عنه هناك، وأشرت إلى الموضع من اختلاف الشعر. وأما قوله: (( ذريتي أطوف واستوفيت الكلام عنه هناك، وأشرت إلى هذا الموضع من اختلاف الشعر. وأما قوله: (( ذريني أطوف في البلاد لعلني )) ، فهو كثير في أشعارهم، وأما شعر دريد بن الصمة الذي لاشك فيه، فهو هذا:

ذَرِينِي أُطَوِّفْ فِي البِلادِ لَعَلَّنِي ... ألاَُقِي بِإثْرٍ ثُلةً من مُحَارِبٍ
ولعل أبا جعفر نسي، فكتب ما كتب. وشعر دريد هذا مروي في الأصمعيات ص12 (ص: 119، طبعة المعارف) ، من قصيدة قالها بعد مقتل أخيه عبد الله، ذكر فيها ما أصاب خضر محارب من القتل والاستئصال، يقول قبله:
فَلَيْتَ قُبُورًا بالمَخَاضَةِ أَخْبَرَتْ ... فَتُخْبِرَ عَنَّا الخُضْرَ، خُضْرَ مُحَارِبِ
رَدَسْنَاهُمُ بِالخَيْلِ حَتى تَملأََّتْ ... عَوَافِي الضِّبَاعِ وَالذِّئَابِ السَّوَاغِبِ
ذَرِينِي أُطَوِّف ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3)
من قصيدة فيما جمعته من شعره، وسيبويه 1: 312. يقول ذلك لزوج ليلى الأخيلية صاحبته، يتوعده لمنعه من زيارتها، وتعذيبه في سببه، ويجعله كالتيس ينزو في حبله. وقوله (( في مريرة )) ، (( المريرة )) الحبل المفتول المحكم الفتل.

"لهَنَّك يا تيسًا" ، بمعنى: "لأنّك" التي في معنى "لعلك" ، وأنشد بيت أبي النجم العجليّ:
قُلْتُ لِشَيْبَانَ ادْنُ مِنْ لِقَائِهِ ... أَنَّا نُغَدِّي القَوْمَ مِنْ شِوَائِهِ (1)
بمعنى: (2) لعلنا نغدِّي القوم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات في ذلك بتأويل الآية، قولُ من قال: ذلك خطاب من الله للمؤمنين به من أصحاب رسوله= أعنى قوله: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) = وأن قوله: "أنها" ، بمعنى: لعلَّها.
وإنما كان ذلك أولى تأويلاته بالصواب، لاستفاضة القراءة في قرأة الأمصار بالياء من قوله: (لا يؤمنون) .
ولو كان قوله: (وما يشعركم) خطابًا للمشركين، لكانت القراءة في قوله: (لا يؤمنون) ، بالتاء، وذلك، وإن كان قد قرأه بعض قرأة المكيين كذلك، فقراءةٌ خارجة عما عليه قرأة الأمصار، وكفى بخلاف جميعهم لها دليلا على ذهابها وشذوذها. (3)
* * *
وإنما معنى الكلام: وما يدريكم، أيها المؤمنون، لعل الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين لا يؤمنون، فيعاجلوا بالنقمة والعذاب عند ذلك، ولا يؤخَّروا به.
* * *
(1)
المعاني الكبير لابن قتيبة: 393، الخزانة 3: 591، وروايتها (( كما نغدي )) قال ابن قتيبه: (قال أبو المجم وذكر ظليما ... (( شيبان )) ابنه، قلت له: اركب في طلبه. (( كما )) بمعنى (( كيما )) ، يقول: كيما نصيده فنغدي القوم به مشويًا) .

وكان البيت في المخطوطة غير منقوط، وفي المطبوعة: (( قلت لسيبان )) ، وهو خطأ. وفيها وفي المخطوطة: (( من سرايه )) ، والصواب ما أثبت.
(2)
في المطبوعة: (( يعني )) ، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
قوله: (( ذهابها )) ، أي هلاكها وفسادها.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: لو أنَّا جئناهم بآية كما سألوا، ما آمنوا، كما لم يؤمنوا بما قبلَها أول مرة، لأن الله حال بينهم وبين ذلك:
* ذكر من قال ذلك:
13751- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) الآية، قال: لما جحد المشركون ما أنزل الله، لم تثبت قلوبهم على شيء، ورُدَّتْ عن كل أمر.
13752- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) ، قال: نمنعهم من ذلك، كما فعلنا بهم أول مرة. وقرأ: (كما لم يؤمنوا به أول مرة) .
13753- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) ، قال: نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لو رُدُّوا من الآخرة إلى الدنيا فلا يؤمنون، كما فعلنا بهم ذلك، فلم يؤمنوا في الدنيا. قالوا: وذلك نظير قوله (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) ، [سورة الأنعام: 28] .
* ذكر من قال قال ذلك:
13754- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أخبر الله سبحانه ما العبادُ قائلون قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه. قال: ولا ينبئك مثلُ خبير: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ، [سورة الزمر: 56-58] ، يقول: من المهتدين. فأخبر الله سبحانه أنهم لو رُدُّوا [إلى الدنيا، لما استقاموا] على الهدى، و [قال] : (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ، (1) وقال: "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة" ، قال: لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه، أخبر عن هؤلاء الذين أقسموا بالله جهدَ أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها: أنَّه يقلب أفئدتهم وأبصارهم ويصرِّفها كيف شاء، وأنّ ذلك بيده يقيمه إذا شاء، ويزيغه إذا أراد= وأنّ قوله: (كما لم يؤمنوا به أول مرة) ، دليل على محذوف من الكلام= وأنّ قوله: "كما" تشبيه ما بعده بشيء قبله.
وإذْ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون معنى الكلام: ونقلب أفئدتَهم، فنزيغها عن الإيمان، وأبصارَهم عن رؤية الحق ومعرفة موضع الحجة، وإن جاءتهم الآية التي سألوها، فلا يؤمنوا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله، كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها قبلَ مجيئها مرَّة قبل ذلك.
* * *
(1)
في المطبوعة: (( فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ... )) حذف بعض ما في المخطوطة. وفي المخطوطة: (( فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا على الهدى وقال: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ... )) فأثبت نص المخطوطة، وزدت ما زدته بين القوسين حتى ستقيم الكلام.

وإذا كان ذلك تأويله، كانت "الهاء" من قوله: (كما لم يؤمنوا به) ، كناية ذكر "التقليب" .
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونذر هؤلاء المشركين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها عند مجيئها (1) = في تمرُّدهم على الله واعتدائهم في حدوده، (2) يتردَّدون، لا يهتدون لحق، ولا يبصرون صوابًا، (3) قد غلب عليهم الخِذْلان، واستحوذ عليهم الشيطانُ.
* * *
(1)
انظر تفسير (( يذر )) فيما سلف 11: 529، تعليق: 2 والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( الطغيان )) فيما سلف 10: 475، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير (( العمه )) فيما سلف 1: 309 - 311.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، آيسْ من فلاح هؤلاء العادلين بربهم الأوثانَ والأصنام، القائلين لك: "لئن جئتنا بآية لنؤمنن لك" ، فإننا لو نزلنا إليهم الملائكة حتى يروها عيانًا، وكلمهم الموتى بإحيائنا إياهم حُجَّةً لك، ودلالة على نبوّتك، وأخبروهم أنك محقٌّ فيما تقول، وأن ما جئتهم به حقٌّ من عند الله، وحشرنا عليهم كل شيء فجعلناهُم لك قبلا
ما آمنوا ولا صدّقوك ولا اتبعوك إلا أن يشاء الله ذلك لمن شاء منهم = (ولكن أكثرهم يجهلون) ، يقول: ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن ذلك كذلك، يحسبون أن الإيمان إليهم، والكفرَ بأيديهم، متى شاؤوا آمنوا، ومتى شاؤوا كفروا. وليس ذلك كذلك، ذلك بيدي، لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرشد فأضللته.
* * *
وقيل: إن ذلك نزل في المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عند الله، من مشركي قريش.
* ذكر من قال ذلك:
13755- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: نزلت في المستهزئين الذين سألوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم الآية، فقال: "قل" ، يا محمد، "إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون" ، ونزل فيهم: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) .
* * *
وقال آخرون: إنما قيل: (ما كانوا ليؤمنوا) ، يراد به أهل الشقاء، وقيل: (إلا أن يشاء الله) ، فاستثنى ذلك من قوله: (ليؤمنوا) ، يراد به أهل الإيمان والسعادة.
* ذكر من قال ذلك:
13756- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن ابن عباس قوله: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا) ، وهم أهل الشقاء = ثم قال: (إلا أن يشاء الله) ، وهم أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ ابن عباس، لأن الله جل ثناؤه عمَّ بقوله: (ما كانوا ليؤمنوا) ، القوم الذين تقدّم ذكرهم في قوله: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيه ليؤمنن بها) .
وقد يجوز أن يكون الذين سألوا الآية كانوا هم المستهزئين الذين قال ابن جريج إنهم عُنوا بهذه الآية، ولكن لا دلالة في ظاهر التنزيل على ذلك، ولا خبر تقوم به حجة بأن ذلك كذلك. والخبر من الله خارجٌ مخرجَ العموم، فالقول بأنَّ ذلك عنى به أهل الشقاء منهم أولى، لما وصفنا.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) .
فقرأته قرأة أهل المدينة: "قِبَلا" ، بكسر "القاف" وفتح "الباء" ، بمعنى: معاينةً= من قول القائل: "لقيته قِبَلا" ، أي معاينة ومُجاهرةً.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين والبصريين: (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا) ، بضم "القاف" ، "والباء" .
وإذا قرئ كذلك، كان له من التأويل ثلاثة أوجه:
أحدها أن يكون "القبل" جمع "قبيل" ، كالرُّغُف التي هي جمع "رغيف" ، و "القُضُب" التي هي جمع "قضيب" ، ويكون "القبل" ، الضمناء والكفلاء= وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وحشرنا عليهم كل شيء كُفَلاء يكفلون لهم بأن الذي نعدهم على إيمانهم بالله إن آمنوا، أو نوعدهم على كفرهم بالله إن هلكوا على كفرهم، ما آمنوا إلا أن يشاء الله.
والوجه الآخر: أن يكون "القبل" بمعنى المقابلة والمواجهة، من قول القائل: "أتيتُك قُبُلا لا دُبُرًا" ، إذا أتاه من قبل وجهه.
والوجه الثالث: أن يكون معناه: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلةً قبيلةً، صنفًا صنفًا، وجماعة جماعةً، فيكون "القبل" حينئذ جمع "قبيل" ، الذي هو ج
مع "قبيلة" ، فيكون "القبل" جمع الجمع. (1)
* * *
وبكل ذلك قد قالت جماعة من أهل التأويل.
* ذكر من قال: معنى ذلك: معاينةً.
13757- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، يقول: معاينة.
13758- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، حتى يعاينوا ذلك معاينة= (ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) .
* * *
* ذكر من قال: معنى ذلك: قبيلة قبيلة، صنفًا صنفًا.
13759- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن يزيد: من قرأ: (قُبُلا) ، معناه: قبيلا قبيلا.
13760- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: (قُبُلا) ، أفواجًا، قبيلا قبيلا.
13761- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أحمد بن يونس، عن أبي خيثمة قال، حدثنا أبان بن تغلب قال، حدثني طلحة أن مجاهدًا قرأ في "الأنعام" : (كل شيء قُبُلا) ، قال: قبائل، قبيلا وقبيلا وقبيلا.
* * *
* ذكر من قال: معناه: مقابلةً.
13762- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 350، 351.

وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، يقول: لو استقبلهم ذلك كله، لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله.
13763- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وحشرنا عليهم كل شيء قبلا) ، قال: حشروا إليهم جميعًا، فقابلوهم وواجهوهم.
13764- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن يزيد: قرأ عيسى: (قُبُلا) ومعناه: عيانًا.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا، قراءةُ من قرأ: (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا) ، بضم "القاف" و "الباء" ، لما ذكرنا من احتمال ذلك الأوجهَ التي بينّا من المعاني، وأن معنى "القِبَل" داخلٌ فيه، وغير داخل في القبل معاني "القِبَل" .
* * *
وأما قوله: (وحشرنا عليهم) ، فإن معناه: وجمعنا عليهم، وسقنا إليهم. (1)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مسلِّيَه بذلك عما لقي من كفرة قومه في ذات الله، وحاثًّا له على الصبر على ما نال فيه: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا) ، يقول: وكما ابتليناك، يا محمد، بأن جعلنا لك من مشركي قومك أعداء شياطينَ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول،
(1)
انظر تفسير (( حشر )) فيما سلف 457: 11، تعليق: 5، والمراجع هناك.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]