
15-07-2025, 11:52 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (618)
صــ 486 إلى صــ 495
القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما طلع القمر فرآه إبراهيم طالعًا، وهو "بُزُوغه" .
* * *
يقال منه: "بزغت الشمس تَبْزُغُ بزُوغًا" ، إذا طلعت، وكذلك القمر.
* * *
= "قال هذا ربي فلما أفل" ، يقول: فلما غاب = "قال" ، إبراهيم، "لئن لم يهدني ربي" ، ويوفقني لإصابة الحق في توحيده = "لأكونن من القوم الضالين" ، أيْ: من القوم الذين أخطؤوا الحق في ذلك، فلم يصيبوا الهدى، وعبدوا غير الله.
* * *
وقد بينا معنى "الضلال" ، في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله (2) "فلما رأى الشمس بازغة" ، فلما رأى إبراهيم الشمس طالعةً، قال: هذا الطالعُ ربّي = "هذا أكبر" ، يعني: هذا أكبر من الكوكب والقمر = فحذف ذلك لدلالة الكلام عليه =
(1) انظر تفسير "الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة: (ضلل) .
(2) "بقوله" ، ساقطة من المخطوطة والمطبوعة، وهي حق سياقة الكلام.
"فلما أفلت" ، يقول: فلما غابت، (1) قال إبراهيم لقومه = "يا قوم إنّي بريء مما تشركون" ، أي: من عبادة الآلهة والأصنام ودعائه إلهًا مع الله تعالى ذكره. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن خليله إبراهيم عليه السلام: أنه لما تبيّن له الحق وعرَفه، شهد شهادةَ الحقّ، وأظهر خلاف قومِه أهلِ الباطل وأهلِ الشرك بالله، ولم يأخذه في الله لومة لائم، ولم يستوحش من قِيل الحقِّ والثبات عليه، مع خلاف جميع قومه لقوله، وإنكارهم إياه عليه، وقال لهم: "يا قوم إنّي بريء مما تشركون" مع الله الذي خلقني وخلقكم في عبادته من آلهتكم وأصنامكم، (3) إني وجهت وجهي في عبادتي إلى الذي خلق السماوات والأرض، الدائم الذي يبقى ولا يفنى، ويُحْيي ويميت = لا إلى الذي يفنى ولا يبقى، ويزول ولا يدوم، ولا يضر ولا ينفع.
ثم أخبرهم تعالى ذكره: أن توجيهه وجهه لعبادته، بإخلاص العبادة له، والاستقامة في ذلك لربه على ما يحبُّ من التوحيد، لا على الوجه الذي يوجَّه له وَجْهه من ليس بحنيف، ولكنه به مشرك، (4) إذ كان توجيه الوجه على غير التحنُّف غير نافع موجِّهه، (5) بل ضارّه ومهلكه = "وما أنا من المشركين" ،
(1) انظر تفسير "أفل" و "بزغ" فيما سلف قريبًا.
(2) انظر تفسير "برئ" فيما سلف ص: 293.
(3) انظر تفسير "فطر" فيما سلف ص: 283، 284.
(4) انظر تفسير "الحنيف" فيما سلف 3: 104 - 108، 6 494، 9: 250.
(5) في المطبوعة: "إذا كان توجيه الوجه لا على التحنيف" ، وفي المخطوطة: ". . . توجيه الوجه على التحنف" ، والصواب ما أثبت.
ولست منكم، أي: لست ممن يدين دينكم، ويتّبع ملّتكم أيُّها المشركون.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول:
13465م - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول قوم إبراهيم لإبراهيم: تركت عبادة هذه؟ فقال: "إني وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض" ، فقالوا: ما جئت بشيء! ونحن نعبده ونتوجّهه! فقال: لا حنيفًا!! قال: مخلصًا، لا أشركه كما تُشْركون.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وجادل إبراهيم قومه في توحيد الله وبراءته من الأصنام، (1) وكان جدالهم إياه قولُهم: أن آلهتهم التي يعبدونها خير من إلهه. قال إبراهيم: "أتحاجوني في الله" ، يقول: أتجادلونني في توحيدي الله وإخلاصي العمل له دون ما سواه من آلهة = "وقد هدان" ، يقول: وقد وفقني ربي لمعرفة وحدانيته، (2) وبصّرني طريق الحقّ حتى أيقنتُ أن لا شيء يستحق أن يعبد سواه (3) = "ولا أخاف ما تشركون به" ، يقول: ولا أرهب من آلهتكم التي
(1) انظر تفسير "المحاجة" فيما سلف 3: 121، 5: 429، 430، 6: 280، 473، 492.
(2) انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .
(3) في المطبوعة والمخطوطة: "حتى ألفت أن لا شيء يستحق أن يعبد سواه" ، وهو لا معنى له، صواب قراءته ما أثبت.
تدعونها من دونه شيئًا ينالني به في نفسي من سوء ومكروه. (1) وذلك أنهم قالوا له: "إنا نخاف أن تمسَّك آلهتنا بسوء من برص أو خبل، لذكرك إياها بسوء" ! فقال لهم إبراهيم: لا أخاف ما تشركون بالله من هذه الآلهة أن تنالَنِي بضر ولا مكروه، لأنها لا تنفع ولا تضر = "إلا أن يشاء ربي شيئًا" ، يقول: ولكن خوفي من الله الذي خلقني وخلق السماوات والأرض، فإنه إن شاء أن ينالني في نفسي أو مالي بما شاء من فناء أو بقاءٍ، أو زيادة أو نقصان أو غير ذلك، نالني به، لأنه القادر على ذلك.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن جريج يقول:
13466 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان" ، قال: دعا قومُه مع الله آلهةً، وخوّفوه بآلهتهم أن يصيبَه منها خَبَل، فقال إبراهيم: "أتحاجوني في الله وقد هدان" ، قال: قد عرفت ربّي، لا أخاف ما تشركون به.
* * *
= "وسع ربي كل شيء علمًا" ، يقول: وعلم ربي كلَّ شيء، فلا يخفى عليه شيء، (2) لأنه خالق كل شيء، وليس كالآلهة التي لا تضرّ ولا تنفع ولا تفهم شيئًا، وإنما هي خشبة منحوتةٌ، وصورة ممثلة = "أفلا تتذكرون" ، يقول: أفلا تعتبرون، أيها الجهلة، فتعقلوا خطأ ما أنتم عليه مقيمون، (3) من عبادتكم صورةً مصوّرة وخشبة منحوتة، لا تقدر على ضر ولا على نفع، ولا تفقه شيئًا ولا تعقله = وترككم عبادةَ من خلقكم وخلق كلّ شيء، وبيده الخير، وله القدرة على كل شيء، والعالم لكل شيء.
* * *
(1) في المطبوعة: "ينالني في نفسي" بحذف "به" وهي ثابتة في المخطوطة، ولكنه أساء كتابة "ينالني" ، فاجتهد الناشر، فحذف.
(2) انظر تفسير "السعة" فيما سلف 10: 423، تعليق: 4، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "التذكر" فيما سلف ص: 442، تعليق: 1، والمراجع هناك.
القول في تأويل قوله: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) }
قال أبو جعفر: وهذا جواب إبراهيم لقومه حين خوفوه من آلهتهم أن تمسَّه، لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه، فقال لهم: وكيف أخاف وأرهب ما أشركتموه في عبادتكم ربَّكم فعبدتموه من دونه، وهو لا يضر ولا ينفع؟ ولو كانت تنفع أو تضر، لدفعت عن أنفسها كسرِى إياها وضربي لها بالفأس! وأنتم لا تخافون الله الذي خلقكم ورزقكم، وهو القادر على نفعكم وضركم في إشراككم في عبادتكم إياه = "ما لم ينزل به عليكم سلطانًا" ، يعني: ما لم يعطكم على إشراككم إياه في عبادته حُجّة، ولم يضع لكم عليه برهانًا، ولم يجعل لكم به عذرًا (1) = "فأي الفريقين أحقّ بالأمن" ، (2) يقول: أنا أحق بالأمن من عاقبة عبادتي ربّي مخلصًا له العبادة، حنيفًا له ديني، بريئًا من عبادة الأوثان والأصنام، أم أنتم الذين تعبدون من دون الله أصنامًا لم يجعل الله لكم بعبادتكم إياها برهانًا ولا حجة (3) = "إن كنتم تعلمون" ، يقول: إن كنتم تعلمون صدق ما أقول، وحقيقة ما أحتجُّ به عليكم، فقولوا وأخبروني: أيُّ الفريقين أحق بالأمن؟
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك، كان محمد بن إسحاق يقول فيما:-
13467 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال محمد بن إسحاق في قوله: "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله" ، يقول:
(1) انظر تفسير "السلطان" فيما سلف 7: 279/9: 336، 337، 360.
(2) انظر تفسير "الفريق" فيما سلف 8: 548، تعليق: 5، والمراجع هناك.
(3) انظر تفسير "الأمن" فيما سلف 3: 29، 4: 87.
كيف أخاف وثَنًا تعبدون من دون الله لا يضرُّ ولا ينفع، ولا تخافون أنتم الذي يضر وينفع، وقد جعلتم معه شركاء لا تضر ولا تنفع؟ = "فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون" ، أي: بالأمن من عذاب الله في الدنيا والآخرة، الذي يَعْبد الذي بيده الضرّ والنفع، أم الذي يعبد ما لا يضرّ ولا ينفع؟ يضرب لهم الأمثال، ويصرِّف لهم العبر، ليعلموا أنَّ الله هو أحق أن يخاف ويعبد مما يعبُدون من دونه.
13468 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: أفلج الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين خاصمهم، (1) فقال: "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأيّ الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ؟ ثم قال: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" .
13469 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قول إبراهيم حين سألهم: "أيُّ الفريقين أحق بالأمن" ، هي حجة إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
13470- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره، قال إبراهيم حين سألهم: "فأي الفريقين أحق بالأمن" ؟ قال: وهي حجة إبراهيم عليه السلام.
13471 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: "فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ، أمَنْ يعبد ربًّا واحدًا، أم من يعبد أربابًا كثيرة؟ يقول قومه: الذين آمنوا برب واحد. (2)
13472 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
(1) "أفلجت فلانا على خصمه" ، إذا غلبته، و "أفلجه الله عليه" ، آتاه الظفر والفوز والغلبة.
(2) الأثر: 13471 - انظر الأثر التالي رقم: 13475، وأن هذه مقالة قوم إبراهيم.
قوله: "فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ، أمن خاف غير الله ولم يخفه، أم من خاف الله ولم يخف غيره؟ فقال الله تعالى ذكره: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، الآية.
* * *
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الذي أخبر تعالى ذكره عنه أنه قال هذا القول = أعني: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، الآية.
فقال بعضهم: هذا فصلُ القضاء من الله بين إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم، وبين من حاجّه من قومه من أهل الشرك بالله، إذ قال لهم إبراهيم: "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأيّ الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ؟ فقال الله تعالى ذكره، فاصلا بينه وبينهم: الذين صدَّقوا الله وأخلصُوا له العبادة، ولم يخلطوا عبادتهم إياه وتصديقهم له بظلم (1) = يعني: بشرك (2) = ولم يشركوا في عبادته شيئًا، ثم جعلوا عبادتهم لله خالصًا، أحقّ بالأمن من عقابه مكروهَ عبادته ربَّه، (3) من الذين يشركون في عبادتهم إياه الأوثان والأصنامَ، فإنهم الخائفون من عقابه مكروه عبادتهم = أمَّا في عاجل الدنيا فإنهم وجِلون من حلول سخَط الله بهم، وأما في الآخرة، فإنهم الموقنون بأليم عذابِ الله.
(1) انظر تفسير "لبس" فيما سلف ص: 419، تعليق: 1 والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .
(3) في المطبوعة، أسقط قوله: "ربه" .
* ذكر من قال ذلك:
13473 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، يقول الله تعالى ذكره: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، أي: الذين أخلصوا كإخلاص إبراهيم صلى الله عليه وسلم لعبادة الله وتوحيده = "ولم يلبسوا أيمانهم بظلم" ، أي: بشرك = "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ، الأمن من العذاب، والهدى في الحجة بالمعرفة والاستقامة. يقول الله تعالى ذكره: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفعُ درجات من نشاء إن ربّك حكيم عليم" .
13474 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ، قال فقال الله وقضى بينهم: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، قال: بشرك. قال: "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" ، فأما الذنوبُ فليس يبري منها أحدٌ.
* * *
وقال آخرون: هذا جوابٌ من قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم لإبراهيم، حين قال لهم: "أيُّ الفريقين أحق بالأمن" ؟ فقالوا له: الذين آمنوا بالله فوحّدوه أحق بالأمن، إذا لم يلبسوا إيمانهم بظلم.
* ذكر من قال ذلك:
13475 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فأيّ الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون" ، أمن يعبد ربًّا واحدًا أم من يعبد أربابًا كثيرة؟ يقول قومه: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، بعبادة الأوثان، وهي حجة إبراهيم = "أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" . (1)
* * *
(1) الأثر: 13475 - انظر الأثر السالف رقم: 13471.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: هذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن أولى الفريقين بالأمن، وفصل قضاءٍ منه بين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبين قومه. وذلك أن ذلك لو كان من قول قوم إبراهيم الذين كانوا يعبدون الأوثان ويشركونها في عبادة الله، لكانوا قد أقروا بالتوحيد واتبعوا إبراهيم على ما كانوا يخالفونه فيه من التوحيد، ولكنه كما ذكرت من تأويله بَدِيًّا. (1)
* * *
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله تعالى بقوله: "ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" .
فقال بعضهم: بشرك.
* ذكر من قال ذلك:
13476- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترونَ إلى قول لقمان: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، [سورة لقمان: 13] ؟ (2)
13477- قال أبو كريب قال، ابن إدريس، حدثنيه أوّلا أبي، عن أبان بن تغلب، عن الأعمش، ثم سمعتُه قيل له: مِنَ الأعمش؟ قال: نعم! (3)
(1) في المطبوعة: "بدءًا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو محض صواب، أي: أولا.
(2) الأثر: 13476 - حديث عبد الله بن مسعود. من طريق الأعمش، رواه أبو جعفر من طرق من رقم: 13476 - 13480، 13483، وانظر رقم: 13507. وحديث عبد الله، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 1: 81، 8: 220) ، بنحوه ورواه مسلم في صحيحه 2: 143، 144، من طريق عبد الله بن إدريس، وأبي معاوية، ووكيع، جميعًا عن الأعمش. ورواه الترمذي في كتاب التفسير، من طريق عيسى بن يونس عن الأعمش. ورواه أحمد من طرق في مسنده رقم: 3589، 4031، 4240، وسأشير إليه في تخريجها بعد.
(3) الأثر: 13477 - ذكره مسلم في صحيحه أيضًا 2: 144، من طريق أبي كريب، بنحو قوله هذا.
"أبان بن تغلب الربعي" ، ثقة، قال ابن عدي: "له نسخ عامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة، وهو من أهل الصدق في الروايات، وإن كان مذهبه الشيعة، وهو في الرواية صالح لا بأس به" .
[فائدة: قال الحافظ في التهذيب: "التشيع في عرف المتقدمين، هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأن عليًّا كان مصيبًا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما. وربما اعتقد بعضهم أن عليًا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان معتقدًا ذلك، ورعًا دينًا صادقًا مجتهدًا، فلا ترد روايته بهذا، لا سيما إن كان غير داعية. وأما التشيع في عرف المتأخرين، فهو الرفض المحض، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة] . وعلة ذكر هذا الخبر الثاني، في التعقيب على الخبر الأول أن عبد الله بن إدريس رواه قبل عن الأعمش مباشرة، وكان رواه قبل عن أبيه، عن أبان بن تغلب، عن الأعمش، لينبه على علو إسناده."
13478- حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي قال، حدثني عمي يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بطلم" ، شقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، ما منّا أحدٌ إلا وهو يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بذلك، ألا تسمعون إلى قول لقمان لابنه إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؟ (1) "
13479- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" ، شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كما تظنُّون، وإنما هو ما قال لقمان لابنه: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. (2)
13480- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: "الذين آمنوا"
(1) الأثر: 13478 - "عيسى بن عثمان بن عيسى بن عبد الرحمن التميمي الرملي" ، ثقة، مضى برقم: 300 وعمه: "يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن التميمي الرملي" ، ثقة، مضى برقم: 300، 6317، 9035.
(2) الأثر: 13489 - رواه أحمد في المسند رقم: 4240، من طريق وكيع أيضًا، بمثله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|