عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15-07-2025, 11:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,797
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (617)
صــ 476 إلى صــ 485






13461 - حدثني العباس بن الوليد قال، أخبرني أبي قال، حدثنا ابن جابر قال، وحدثنا الأوزاعيُّ أيضًا = قال: حدثني خالد بن اللجلاج قال: سمعت عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداةٍ، فقال له قائل: ما رأيتك أسفرَ وجهًا منك الغداة! (1) قال: ومالي، وقد تبدّى لي ربّي في أحسن صورة، (2) فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى، (3) يا محمد؟ قلت: أنت أعلم [يا رب] ! (4) فوضع يده بين كتفي فوجدت بردَها بين ثدييّ، (5) فعلمت ما في السماوات والأرض. (6) ثم تلا هذه الآية: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين" . (7)
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "ما رأيت أسعد منك اليوم" ، وهو خطأ، صوابه من منتخب ذيل المذيل لأبي جعفر الطبري، تاريخه 13: 59، حيث روى الخبر بتمامه هناك. وقوله: "أسفر وجهًا منك الغداة" ، يعني: أحسن إشراقًا وإضاءة، يقال: "سفر وجهه حسنا، وأسفر" ، إذا أشرق وأضاء، ومنه في التنزيل العزيز: "وجوه يومئذ مسفرة" .

(2)
في المطبوعة: "ما لي قد أتاني ربي" ، وفي المخطوطة: "ومالي وقد ستاني ربي" غير منقوطة، محرفة، صوابها من ذيل المذيل لأبي جعفر.

(3)
في المطبوعة: "ففيم يختصم" لم يحسن قراءة المخطوطة، وهو الموافق لما في ذيل المذيل.

(4)
زيادة ما بين القوسين من رواية أبي جعفر في ذيل المذيل.

(5)
قوله: "فوجدت بردها بين ثديي" ؛ أسقطه ناشر المطبوعة، لأنه كان في المخطوطة هكذا: "فوضع يده بين كتفي، ثديي" ، أسقط الناسخ ما بين الكلامين، والصواب زيادته من رواية أبي جعفر في ذيل المذيل.

(6)
في ذيل المذيل: "ما في السماء والأرض" .

(7)
الأثر: 13461 - هذا خبر مشكل جدًّا، كما سترى بعد، وكان في المخطوطة والمطبوعة محرفًا أشد التحريف، وكان إسناده أشد تحريفًا، ولكني صححته بعون الله تعالى ذكره، من رواية أبي جعفر في ذيل المذيل (تاريخ الطبري 13: 59، 60) .

"العباس بن الوليد بن مزيد العذري الآملي البيروتي" شيخ الطبري، ثقة، روى عنه كثيرًا مضى برقم: 891، 11014، 11821. وأبوه: "الوليد بن مزيد العذري البيروتي" ، ثقة؛ مضى برقم: 11821. قال الأوزاعي شيخه: "كتبه صحيحة" ، وقال النسائي: "هو أحب إلينا في الأوزاعي من الوليد بن مسلم، لا يخطئ، ولا يدلس" . و "ابن جابر" هو: "عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، ثقة، روى له الجماعة، روى عنه الأوزاعي، والوليد بن مزيد البيروتي، وغيرهما. ومضى برقم: 6655. وكان في المطبوعة والمخطوطة:" أبو جابر "، وهو خطأ، صوابه من ذيل المذيل وغيره."
و "خالد بن اللجلاج العامري" ، كان ذا سن وصلاح، جريء اللسان على الملوك، في الغلظة عليهم. قال البخاري: "سمع عمر بن الخطاب، وأباه" . وقال ابن أبي حاتم: "روي عن عمر، مرسل، وعن أبيه، ولأبيه صحبة، وعن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي" وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. مترجم في التهذيب، والكبير2/1/156، وابن أبي حاتم 1/2/349. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "خالد الحلاج" ، وهو خطأ صرف. وأما "عبد الرحمن بن عائش الحضرمي" ، فأمره وأمر صحبته مشكل من قديم، وسيأتي ذكر ذلك. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبد الرحمن بن عياش" ، وحذف ناشر المطبوعة "الحضرمي" ، وهي ثابتة في المخطوطة. والصواب من رواية أبي جعفر في ذيل المذيل. ولكن أعجب العجب أنه جاء كذلك في المسند 5: 243: "عبد الرحمن بن عياش الحضرمي" ، مع أني لم أجد أحدًا ذكر في ترجمته خلافًا في اسم أبيه "عائش" ، فمن عجيب الاتفاق، وهو قليل مثله، أن يأتي كذلك في مخطوطة الطبري والمسند جميعًا، وهو اتفاق عجيب على الخطأ في كتابين متباينين. والذي في المسند خطأ لا شك فيه أيضًا، لأني وجدت ابن كثير في تفسيره 7: 220، ونقل الخبر عن هذا الموضع من مسند أحمد، وفيه "عبد الرحمن بن عائش" على الصواب. وتحريف "عائش" إلى "عياش" جائز قريب، لشهرة "عياش" وكثرة من تسمى به، ولخفاء "عائش" وندرة من تسمى به. و "عبد الرحمن بن عائش الحضرمي" مترجم في التهذيب، وفي ابن سعد 7/2/150، في الصحابة، وفي ذيل المذيل للطبري (13: 59، 60) ، وفي الاستيعاب لابن عبد البر: 399، وابن أبي حاتم 2/2/262، وأسد الغابة 3: 303، 304، وفي الإصابة، وفي ميزان الاعتدال 2: 108. و "عبد الرحمن بن عائش" مختلف في صحبته، فممن صرح بصحبته، ابن سعد، وابن جرير في ذيل المذيل، وابن حبان أما ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الأثير في أسد الغابة، فذكر أنه لا تصح صحبته، لأن حديثه مضطرب. وأما أبو حاتم فقال: "أخطأ من قال: له صحبة، هو عندي تابعي" . أما أبو زرعة فقال: "عبد الرحمن بن عائش، ليس بمعروف" . وعد الحافظ ابن حجر في الإصابة من عده في الصحابة فقال: "وذكره في الصحابة: محمد بن سعد، والبخاري، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو الحسن بن سميع، وأبو القاسم، والبغوي، وأبو زرعة الحراني، وغيرهم" . وقد استوفى الكلام في ترجمته في الإصابة وقال البخاري: "له حديث واحد، إلا أنهم مضطربون فيه" ، يعني هذا الحديث. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: "قلت: وقد وجدت له حديثًا آخر مرفوعًا، وحديثا آخر موقوفًا" وهذا الخبر رواه أبو جعفر في ذيل المذيل (تاريخه 13: 59، 60) بهذا الإسناد، وأشار إليه الترمذي في تفسير "سورة ص" من سننه (12: 116، 117 شرح ابن عربي) ، بعد أن ذكر حديث معاذ بن جبل، من طريق زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي أنه حدثه عن مالك بن يحامر السكسكي، عن معاذ بن جبل، وذكر الحديث = "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسمعيل (البخاري) عن هذا الحديث فقال: هذا أصح من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال، حدثنا خالد بن اللجلاج، حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وهذا غير محفوظ، هكذا ذكر الوليد في حديثه عن عبد الرحمن بن عائش قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد، عن عبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم = وهذا أصح، وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم" . وقد استوفى الحافظ ابن حجر في الإصابة، في ترجمة "عبد الرحمن بن عائش" وجوه الاختلاف والاضطراب في هذا الخبر، وما قالوه في الكتب التي ذكرتها من أنه لم يقل في حديثه: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم" ، إلا الوليد بن مسلم. وقد ذكر أن الوليد بن مسلم لم ينفرد برواية ذلك، بل رواه أيضًا ثقة ثبت عن الأوزاعي، صحيح الحديث عنه، هو "الوليد بن مزيد البيروتي" بمثل رواية "الوليد بن مسلم" ، وإذن فالاضطراب فيه لم يأت من طريق "الوليد بن مسلم" . وذكر الحافظ سائر المتابعات التي تؤيد الوليد بن مسلم في روايته. وأما الخبر بغير هذا الإسناد، فقد رواه أحمد في مسنده 5: 243، والترمذي، كما أشرت إليه آنفًا. ثم رواه أحمد من حديث ابن عباس في مسنده رقم: 3484، بمثله. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 5: 319 - 321 من حديث جماعة من الصحابة، من حديث ابن عباس، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وأنس بن مالك، وأبي أمامة الباهلي، وطارق بن شهاب، وعدي بن حاتم، وأبي عبيدة بن الجراح، وثوبان. وهذا قدر كاف في تخريج هذا الخبر المضطرب، تراجع فيه سائر الكتب التي ذكرتها. وكتبه محمود محمد شاكر.
القول في تأويل قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما واراه الليل وغيّبه. (1)
* * *
يقال منه: "جنَّ عليه الليل" ، و "جنَّه الليل" ، و "أجنه" ، و "أجنّ عليه" . وإذا ألقيت "على" ، كان الكلام بالألف أفصح منه بغير "الألف" ، "أجنه الليل" ، أفصح من "أجن عليه" و "جنّ عليه الليل" ، أفصح من "جنَّه" ، وكل ذلك مقبول مسموع من العرب. (2) "جنّه الليل" ، في أسد = "وأجنه"
(1)
في المطبوعة: "داراه الليل وجنه" ، والصواب من المخطوطة.

(2)
هذا بيان لا تصيبه في كتب اللغة، فقيده هناك، وانظر معاني القرآن للفراء 1: 341.

وجنه "في تميم. (1) والمصدر من:" جن عليه "،" جنًّا وجُنُونًا وجَنَانًا "، = ومن" أجنّ "" إجنانًا ". ويقال:" أتى فلان في جِنّ الليل ". (2) و" الجن "من ذلك لأنهم استجنُّوا عن أعين بني آدم فلا يرون. وكل ما توارى عن أبصار الناس، فإن العرب تقول فيه:" قد جَنّ "، ومنه قول الهذلي: (3) "
وَمَاءٍ وَرَدْتُ قُبَيْلَ الكَرَى ... وَقَدْ جَنَّهُ السَّدَفُ الأَدْهَمْ (4)
وقال عبيد:
وَخَرْقٍ تَصِيحُ البُومُ فِيهِ مَعَ الصَّدَى ... مَخُوفٍ إذَا مَا جَنَّهُ اللَّيْلُ مَرْهُوبِ (5)
ومنه: "أجننت الميت" ، إذا واريته في اللحد، و "جننته" ، وهو نظير
(1)
يعني أن الأولى أشهر في لغة بني أسد، وأن الثانية أشهر في لغة بني تميم.

(2)
"جن الليل" (بكسر الجيم) : اختلاط ظلمته.

(3)
هو البريق الهذلي، واسمه: "عياض بن خويلد الخناعي" ، وروى الأصمعي أن قائل الشعر هو "عامر بن سدوس الخناعي" .

(4)
ديوان الهذليين 3: 56، وما بقي من أشعار الهذليين رقم: 31، واللسان (سدف) (جنن) ، من أبيات يمجد فيها نفسه، وبعد البيت: مَعِي صَاحِبٌ مِثْلُ نَصْل السِّنانِ ... عَنِيفٌ عَلَى قِرْنِهِ مِغْشَمُ

ويروى: "وما وردت علي خيفة" ، ويروى "قبيل الصباح" ، وكله حسن. و "السدف" : الظلمة من أول الليل أو آخره، عند اختلاط الضوء. و "الأدهم" : الضارب إلى السواد.
(5)
ديوانه: 33، ذكر نفسه في هذا البيت ثم قال بعده: قَطَعْتُ بِصَهْبَاءِ السَّرَاةِ شِمِلَّةٍ ... تَزِلُّ الوَلايَا عَنْ جَوَانِبِ مَكْرُوبِ

وختمها بالبيت الحكيم: تَرَى المَرْءَ يَصْبُو لِلحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَفِي طُولِ عَيْش المَرْءِ أَبْرَحُ تَعْذِيبِ
وصدق غاية الصدق! وكان في المطبوعة: "الليل مرهب" ، والصواب من المخطوطة. و "الخرق" (بفتح فسكون) : الفلاة الواسعة، ورواية الديوان: "تصيح الهام" ، و "الهام" ذكر البوم، ورواية أبي جعفر أجود، لأن "الصدى" هو أيضًا ذكر البوم.
"جنون الليل" ، في معنى غطيته. ومنه قيل للترس "مِجَنّ" لأنه يُجنّ من استجنَّ به فيغطّيه ويواريه.
* * *
وقوله: "رأى كوكبًا" ، يقول: أبصر كوكبًا حين طلع = "قال هذا ربي" ، فروي عن ابن عباس في ذلك، ما:-
13462 - حدثني به المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين" ، يعني به الشمس والقمر والنجوم = "فلما جنّ عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربي" ، فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لا أحب الآفلين = "فلما رأى القمر بازغًا قال هذا ربي" ، فعبده حتى غاب، فلما غاب قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين = "فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر" فعبدها حتى غابت، فلما غابت قال: يا قوم إنّي بريء مما تشركون.
13463 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحبّ الآفلين" ، علم أن ربّه دائم لا يزول. فقرأ حتى بلغ: "هذا ربي هذا أكبر" ، رأى خلقًا هو أكبرَ من الخلقين الأوّلين وأنور. (1)
وكان سبب قيل إبراهيم ذلك، ما:-
13464- حدثني به محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثني محمد بن إسحاق = فيما ذكر لنا، والله أعلم = أن آزر كان رجلا من أهل
(1)
في المطبوعة: "وأي خلق" ، وهو فاسد المعنى، وفي المخطوطة: "وأي خلقا" ، وصواب قراءتها ما أثبت.

كوثى، من قرية بالسوادِ، سواد الكوفة، وكان إذ ذاك ملك المشرق النمرود، (1) فلما أراد الله أن يبعث إبراهيم [عليه السلام، خليل الرحمن، حجة على قومه] ، (2) ورسولا إلى عباده، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم نبيّ إلا هود وصالح، فلما تقارب زمان إبراهيم الذي أراد الله ما أراد، أتى أصحابُ النجوم نمرودَ فقالوا له: تَعَلَّمْ، أنّا نجد في عِلْمنا أن غلامًا يولد في قريتك هذه يقال له "إبراهيم" ، (3) يفارق دينكم، ويكسر أوثانكم، في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا. فلما دخلت السنة التي وصف أصحابُ النجوم لنمرود، بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقريته فحبسها عنده = إلا ما كان من أمّ إبراهيم امرأة آزر، فإنه لم يعلم بحبَلها، وذلك أنها كانت امرأة حَدَثة، فيما يذكر، لم تعرف الحبَل في بطنها، (4) ولِمَا أرادَ الله أن يبلغ بولدها، (5) = يريدُ أن يقتل كل غلام ولد في ذلك الشهر من تلك السنة، حذرًا على ملكه. فجعلَ لا تلد امرأة غلامًا في ذلك الشهر من تلك السنة، إلا أمر به فذبح. فلما وجدت أم إبراهيم الطَّلقَ خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبًا منها، فولدت فيها إبراهيم، وأصلحت من شأنه ما يُصْنع بالمولود، (6) ثم سَدّت عليه المغارة، ثم رجعت إلى بيتها، ثم كانت تطالعه في المغارة فتنظر ما فعل، فتجده حيًّا يمصّ إبهامه، يزعمون، والله أعلم، أن الله جعل رزق إبراهيم فيها وما يجيئه من مصّه. وكان آزر، فيما يزعمون، سأل أمّ إبراهيم عن حمْلها ما فعل، فقالت: ولدت غلامًا فمات! فصدّقها، فسكت عنها. وكان اليوم، فيما يذكرون، على إبراهيم في الشَّباب كالشهر، والشهر كالسنة. فلم يلبث إبراهيم في المغارة إلا خمسة عشر شهرًا حتى قال لأمه: أخرجيني أنظر! فأخرجته عِشاء فنظر، وتفكر في خلق السماوات والأرض، وقال: "إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربّي، ما لي إله غيره" ! ثم نظر في السماء فرأى كوكبًا، قال: "هذا ربي" ، ثم اتّبعه ينظر إليه ببصره حتى غاب، فلما أفل قال: "لا أحب الآفلين" ، ثم طلع القمر فرآه بازغًا، قال: "هذا ربي" ، ثم اتّبعه ببصره حتى غاب، فلما أفل قال: "لئن لم يهدني ربّي لأكونن من القوم الضالين" ! فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس، أعظَمَ الشمسَ، (7) ورأى شيئًا هو أعظم نورًا من كل شيء رآه قبل ذلك، فقال: "هذا ربي، هذا أكبر" ! فلما أفلت قال: "يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين" . ثم رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته، وعرف ربَّه، وبرئ من دين قومه، إلا أنه لم يبادئهم بذلك. وأخبر أنه ابنه، وأخبرته أم إبراهيم أنه ابنه، وأخبرته بما كانت صنعت من شأنه، فسرَّ بذلك آزر وفرح فرحًا شديدًا. وكان آزر يصنع أصنام قومِه التي يعبدونها، ثم يعطيها إبراهيم يبيعها، فيذهب بها إبراهيم، فيما يذكرون، فيقول: "من يشتري ما يضرُّه ولا ينفعه" ، فلا يشتريها منه أحد. فإذا بارت عليه، (8) ذهب بها إلى نهر فصوَّبَ فيه رؤوسها، (9) وقال: "اشربي" ، استهزاء بقومه وما هم عليه من الضلالة، حتى فشا عيبُه إياها واستهزاؤُه بها في قومه وأهل قريته، من غير أن يكون ذلك بلغ نمرودَ الملك. (10)
* * *
قال أبو جعفر: وأنكر قوم من غير أهل الرواية هذا القول الذي روي عن ابن عباس وعمن روي عنه، من أن إبراهيم قال للكوكب أو للقمر: "هذا ربي" ، وقالوا: غير جائز أن يكون لله نبيٌّ ابتعثه بالرسالة، أتى عليه وقتٌ من الأوقات وهو بالغٌ إلا وهو لله موحدٌ، وبه عارف، ومن كل ما يعبد من دونه برئ. قالوا: ولو جاز أن يكون قد أتى عليه بعض الأوقات وهو به كافر، لم يجز أن يختصه بالرسالة، لأنه لا معنى فيه إلا وفي غيره من أهل الكفر به مثله، وليس بين الله وبين أحد من خلقه مناسبة، فيحابيه باختصاصه بالكرامة. قالوا: وإنما أكرم من أكرم منهم لفضله في نفسه، فأثابه لاستحقاقه الثوابَ بما أثابه من الكرامة. وزعموا أن خبرَ الله عن قيل إبراهيم عند رؤيته الكوكب أو القمر أو الشمس: "هذا ربي" ، لم يكن لجهله بأن ذلك غير جائز أن يكون ربّه، وإنما قال ذلك على وجه الإنكار منه أن يكون ذلك ربه، وعلى العيب لقومه في عبادتهم الأصنام، إذْ كان الكوكبُ والقمرُ والشمسُ أضوأ وأحسنَ وأبهجَ من الأصنام، ولم تكن مع ذلك معبودة، وكانت آفلةً زائلة غير دائمة، والأصنام التي [هي] دونها في الحسن وأصغرَ منها في الجسم، أحقُّ أن لا تكون معبودة
(1)
في المطبوعة: "لنمرود بن كنعان" ، وليس ذلك في المخطوطة، ولا في تاريخ الطبري 1: 119، بل الذي هناك: "لنمرود الخاطئ، وكان يقال له: الهاصر. وكان ملكه فيما يزعمون قد أحاط بمشارق الأرض ومغاربها، وكان ببابل. . ." ، فاختصر أبو جعفر الخبر كعادته. وهو خبر قسمه أبو جعفر في تاريخه، فروى صدره هذا، ثم فصل، ثم عاد إلى حديث ابن إسحق.

(2)
الزيادة بين القوسين من تاريخ أبي جعفر 1: 119.

(3)
"تعلم" (بفتح التاء والعين وتشديد اللام المفتوحة) فعل أمر بمعنى: اعلم، يكثر ورودها في سيرة ابن إسحق، ويخطئ كثير من الناس في ضبطها من قلة معرفتهم بالكلام.

(4)
"امرأة حدثة" (بفتحات) : حديثة السن صغيرة، بينة الحداثة. والمذكر: "رجل حدث" ، أي شاب صغير. وكان في المطبوعة: "حدبة" بالباء، وهو خطأ صرف، وهي في المخطوطة غير منقوطة، والصواب في تاريخ الطبري.

(5)
في المطبوعة: "ولما أراد الله أن يبلغ بولدها أراد أن يقتل. . ." غير ما كان في المخطوطة، لأنه لم يفهم سياق الكلام، فوضع مكان "يريد" ، "أراد" . وسياق الكلام: ". . . بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقريته فحبسها عنده. . . يريد أن يقتل كل غلام. . ." ، ووضعت العبارة الفاصلة في شأن ولدها بين خطين، لذلك. وقوله "ولما أراد الله. . ." ، أي وللذي أراد الله. وهذه الجملة ليست في تاريخ أبي جعفر، اختصر الكلام هناك كعادته.

(6)
في المطبوعة: "ما يصنع مع المولود" ، أراد الناشر ترجمة كلام أبي جعفر إلى سقم عربيته!! ، والصواب من المخطوطة والتاريخ.

(7)
هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "أعظم الشمس" ، كأنه يعني: استعظمها، ووجدها عظيمة، وهو صواب في المعنى، وأما في التاريخ فهناك: "رأى عظم الشمس" ، وهو صواب أيضًا.

(8)
هكذا في التاريخ، وفي المخطوطة: "وإذا بات عليه" غير منقوطة، فأثبت ما في التاريخ.

(9)
في المطبوعة والمخطوطة: "فضرب فيه رؤوسها" ، والصواب من التاريخ. و "صوب رؤوسها" ، نكسها.

(10)
الأثر: 13464 - هذا الأثر رواه أبو جعفر في تاريخه مطولا 1: 119، 120.

ولا آلهة. (1) قالوا: وإنما قال ذلك لهم، معارضةً، كما يقول أحد المتناظرين لصاحبه معارضًا له في قولٍ باطلٍ قال به بباطل من القول، (2) على وجه مطالبته إياه بالفُرْقان بين القولين الفاسدين عنده، اللذين يصحِّح خصمه أحدَهما ويدعي فسادَ الآخر.
* * *
وقال آخرون منهم: بل ذلك كان منه في حال طفولته، (3) وقبل قيام الحجة عليه. وتلك حال لا يكون فيها كفر ولا إيمان.
* * *
وقال آخرون منهم: إنما معنى الكلام: أهذا ربي؟ على وجه الإنكار والتوبيخ، أي: ليس هذا ربي. وقالوا: قد تفعل العرب مثل ذلك، فتحذف "الألف" التي تدلّ على معنى الاستفهام. وزعموا أن من ذلك قول الشاعر: (4)
رَفَوْنِي وَقَالُوا: يَا خُوَيْلِدُ، لا تُرَعْ! ... فَقُلْتُ، وأَنْكَرْتُ الوُجُوهَ: هُمُ هُمُ? (5)
يعني: أهم هم؟ قالوا: ومن ذلك قول أوس: (6)
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي، وَإنْ كُنْتُ دَارِيًا، ... شُعَيْثَ بنَ سَهْمٍ أم شُعَيْثَ بْنَ مِنْقَرِ (7)
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "والأصنام التي دونها في الحسن" ، وفي المخطوطة: "فأحق" ، ورأيت السياق يقتضي ما أثبت، مع زيادة [هي] بين القوسين.

(2)
السياق: معارضا له. . . بباطل من القول.

(3)
في المطبوعة: "طفوليته" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)
هو أبو خراش الهذلي.

(5)
ديوان الهذليين 2: 144، الخزانة 1: 211 واللسان، (رفأ) (رفو) ، وغيرها كثير. هي مطلع شعر له في فرة فرها على رجليه، فوصف ذلك وحسن فرته. وقوله: "رفوني" ، أي: سكنوني، كأن قلبه قد طار شعاعًا، فضموا بعضه إلى بعض. يقال: "رفوته من الرعب" و "رفأته" .

(6)
ينسب أيضًا للأسود بن يعفر النهشلي، واللعين المنقري.

(7)
سيبويه 1: 485، البيان والتبين 4: 40، 41، الكامل 1: 384، 2: 115، الخزانة 4: 450، شرح شواهد المغني: 51، وغيرها كثير. قال الجاحظ: "وذكروا أن حزن بنالحارث، أحد بني العنبر، ولد" محجنًا "، فولد محجن:" شعيب بن سهم "، فأغير على إبله، فأتى أوس بن حجر يستنجده، فقال له أوس: أو خير من ذلك، أحضض لك قيس بن عاصم! وكان يقال إن" حزن بن الحارث "هو" حزن بن منقر "، فقال أوس: سَائِلُ بِهَا مَوْلاَكَ قَيْسَ بن عَاصِمٍ ... فَمَوْلاَكَ مَوْلَى السَّوْءِ إنْ لَمْ يُغَيِّرِ"

لَعَمْرُكَ مَا أدْرِي: أمِنْ حزن مِحْجَنٍ ... شُعَيْثُ بن سَهْمٍ أمْ لِحَزْنِ بن مِنْقَرِ
فَما أنْتَ بالمَوْلَى المُضَيِّعِ حَقَّهُ ... وَمَا أنْتَ بِالْجَارِ الضَّعِيفِ المُسَترِ
فسعى قيس في إبله حتى ردها على آخرها ". والبيت برواية الجاحظ لا شاهد فيه. وكان في المطبوعة في المواضع كلها:" شعيب "بالباء، وهو خطأ. وفي المطبوعة:" أو شعيب "والصواب" أم "كما في المخطوطة وسائر الروايات."
بمعنى: أشعيث بن سهم؟ فحذف "الألف" ، ونظائر ذلك. وأما تذكير "هذا" في قوله: "فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي" ، فإنما هو على معنى: هذا الشيء الطالع ربِّي.
* * *
قال أبو جعفر: وفي خبر الله تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر: "لئن لم يهدني ربّي لأكونن من القوم الضالين" ، الدليلُ على خطأ هذه الأقوال التي قالها هؤلاء القوم، وأنّ الصوابَ من القول في ذلك، الإقرارُ بخبر الله تعالى الذي أخبر به عنه، والإعراض عما عداه. (1)
وأما قوله: "فلما أفل" ، فإن معناه: فلما غاب وذهب، كما:-
13465 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، قال ابن إسحاق: "الأفول" ، الذهاب.
يقال منه: "أفل النجم يأفُلُ ويأفِلُ أفولا وأفْلا" ، إذا غاب، ومنه قول ذي الرمة:
مَصَابِيحُ لَيْسَتْ بِالَّلوَاتِي تَقُودُهَا ... نُجُومٌ، وَلا بالآفِلاتِ الدَّوَالِكِ (2)
ويقال: "أين أفلت عنا" بمعنى: أين غبت عنا؟ (3)
* * *
(1)
انظر أيضًا معاني القرآن للفراء 1: 341.

(2)
ديوانه: 425، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 199، الأزمنة 2: 49، كتاب القرطين 1: 261، اللسان (دلك) ، من قصيدة طويلة، وصف بها الإبل، وهذا البيت من صفة الإبل. "مصابيح" جمع "مصباح" ، و "المصباح" التي تصبح في مبركها لا ترعى حتى يرتفع النهار، وهو مما يستحب من الإبل، وذلك لقوتها وسمنها. يقول: ليست بنجوم آفلات، ولكنها إبل.

(3)
هذا مجاز لا تكاد تجده في كتاب آخر.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]