
15-07-2025, 02:22 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,755
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (609)
صــ 396 إلى صــ 405
ومن قرأ "السبيل" بالنصب، فإنما جعل تبيين ذلك محصورًا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القراءة في قوله: "ولتستبين" ، فسواء قرئت بالتاء أو بالياء، لأن من العرب من يذكر "السبيل" = وهم تميم وأهل نجد = ومنهم من يؤنث "السبيل" = وهم أهل الحجاز. وهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، ولغتان مشهورتان من لغات العرب، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءته بالأخرى، ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى = بعد أن يرفع "السبيل" = للعلة التي ذكرنا. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "نفصل الآيات" قال أهل التأويل.
13300 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "وكذلك نفصل الآيات" ، نبين الآيات.
13301 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في: "نفصل الآيات" ، نبين.
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين بربّهم من قومِك، العادلين به الأوثان والأنداد، الذين يدعونك إلى موافقتهم على دينهم وعبادة الأوثان: إنّ الله نهاني أن أعبد الذين
(1) انظر تفسير "السبيل" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) = وتفسير "استبان" في مادة (بين) من فهارس اللغة.
تدعون من دونه، فلن أتبعكم على ما تدعونني إليه من ذلك، ولا أوافقكم عليه، ولا أعطيكم محبّتكم وهواكم فيه. وإن فعلت ذلك، فقد تركت محجَّة الحق، وسلكت على غير الهدى، فصرت ضالا مثلكم على غير استقامة. (1)
* * *
وللعرب في "ضللت" لغتان: فتح "اللام" وكسرها، واللغة الفصيحة المشهورة هي فتحها، وبها قرأ عامة قرأة الأمصار، وبها نقرأ لشهرتها في العرب. وأما الكسر فليس بالغالب في كلامها، والقراأة بها قليلون. فمن قال "ضَلَلتُ" قال: "أَضِلُّ" ، ومن قال "ضَلِلتُ" قال في المستقبل "أَضَلُّ" . وكذلك القراءة عندنا في سائر القرآن: (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلنَا) بفتح اللام [سورة السجدة: 10] .
* * *
القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم، الداعين لك إلى الإشراك بربك = "إني على بيّنة من ربي" ، أي إني على بيان قد تبينته، وبرهان قد وضح لي = "من ربي" ، يقول: من توحيدي، (2) وما أنا عليه من إخلاص عُبُودته (3) من غير إشراك شيء به.
* * *
وكذلك تقول العرب: "فلان على بينة من هذا الأمر" ، إذا كان على بيان
(1) انظر تفسير "الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) .
(2) في المطبوعة: "توحيده" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(3) في المطبوعة: "عبوديته" ، وأثبت ما في المخطوطة.
منه، (1) ومن ذلك قول الشاعر: (2)
أَبَيِّنَةً تَبْغُونَ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ ... وقَوْلِ سُوَيْدٍ قَدْ كَفَيْتُكُمُ بِشْرَا (3)
* * *
"وكذبتم به" يقول: وكذبتم أنتم بربكم = و "الهاء" في قوله "به" من ذكر الرب جلّ وعز = "ما عندي ما تستعجلون به" ، يقول: ما الذي تستعجلون من نقم الله وعذابه بيدي، ولا أنا على ذلك بقادر. وذلك أنهم قالوا حين بعث الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتوحيده، فدعاهم إلى الله، وأخبرهم أنه رسوله إليهم: هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ [سورة الأنبياء: 3] . وقالوا للقرآن: هو أضغاث أحلام. وقال بعضهم: بل هو اختلاق اختلقه. وقال آخرون: بل محمد شاعر، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون = فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: أجبهم بأن الآيات بيد الله لا بيدك، وإنما أنت رسول، وليس عليك إلا البلاغ لما أرسلت به، وأنّ الله يقضي الحق فيهم وفيك، ويفصل به بينك وبينهم، فيتبين المحقُّ منكم والمبطل (4) = "وهو خير الفاصلين" ، أي: وهو خير من بيّن وميّز بين المحق والمبطل وأعدلهم، لأنه لا يقع في حكمه وقضائه حَيْف إلى أحد لوسيلة له إليه ولا لقرابة ولا مناسبة، ولا في قضائه جور، لأنه لا يأخذ الرشوة في الأحكام فيجور، فهو أعدل الحكام وخيرُ الفاصلين.
وقد ذكر لنا في قراءة عبد الله: (وَهُو أَسْرَعُ الْفَاصِلِينَ) .
13302 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قال: في قراءة عبد الله:
(1) انظر تفسير "البينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .
(2) لم أعرف قائله.
(3) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 193.
(4) انظر تفسير "الفصل" فيما سلف 5: 338.
(يَقْضِي الْحَقَّ وَهُو أَسْرَعُ الْفَاصِلِينَ) .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "يقصُّ الحق" . (1)
فقرأه عامة قرأة الحجاز والمدينة وبعض قرأة أهل الكوفة والبصرة: "إنِ الْحُكْمُ إلا لِلهِ يَقُصُّ الْحَقَّ" ، بالصاد، بمعنى "القصص" ، وتأوّلوا في ذلك قول الله تعالى ذكره: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [سورة يوسف: 3] . وذكر ذلك عن ابن عباس.
13303 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال، "يقص الحق" ، وقال: نحن نقص عليك أحسن القصص.
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفة والبصرة: (إنِ الْحُكْمُ إلا لِلهِ يَقْضِي الْحَقَّ) بالضاد، من "القضاء" ، بمعنى الحكم والفصل بالقَضَاء، (2) واعتبروا صحة ذلك بقوله: "وهو خير الفاصلين" ، وأن "الفصل" بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقَصَص.
* * *
وهذه القراءة عندنا أولى القراءَتين بالصواب، لما ذكرنا لأهلِها من العلّة.
* * *
فمعنى الكلام إذًا: ما الحكم فيما تستعجلون به، أيها المشركون، من عذاب الله وفيما بيني وبينكم، إلا الله الذي لا يجور في حكمه، وبيده الخلق والأمر، يقضي الحق بيني وبينكم، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه.
* * *
(1) في المطبوعة والمخطوطة: "يقضي الحق" ، وهو سهو هنا، والصواب ما أثبته.
(2) انظر تفسير "قضى" فيما سلف 2: 542، 543، وسائر فهارس اللغة.
القول في تأويل قوله: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الآلهة والأوثان، المكذبيك فيما جئتهم به، السائليك أن تأتيهم بآية استعجالا منهم بالعذاب: لو أنّ بيدي ما تستعجلون به من العذاب = "لقضي الأمر بيني وبينكم" ، ففصل ذلك أسرع الفصل، بتعجيلي لكم ما تسألوني من ذلك وتستعجلونه، ولكن ذلك بيد الله، الذي هو أعلم بوقت إرساله على الظالمين، الذين يضعون عبادتهم التي لا تنبغي أن تكون إلا لله في غير موضعها، فيعبدون من دونه الآلهة والأصنام، وهو أعلم بوقت الانتقام منهم، وحالِ القضاء بيني وبينهم.
* * *
وقد قيل: معنى قوله: "لقضي الأمر بيني وبينكم" ، بذبح الموت. (1)
13304 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج قال، بلغني في قوله: "لقضي الأمر" ، قال: ذبح الموت.
* * *
وأحسب أن قائل هذا القول، نزع لقوله (2) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ [سورة مريم: 39] ، فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قصة تدل على معنى ما قاله هذا القائل في "قضاء الأمر" ، (3) وليس
(1) في المطبوعة: "الذبح للموت" ، وفي المخطوطة: "الذبح الموت" ، وآثرت قراءتها كما أثبتها.
(2) في المطبوعة والمخطوطة: "أن قائل هذا النوع نزع" ، وهو كلام عجب، لا أظن أبا جعفر يتدانى إلى مثله. والصواب ما أثبته بلا شك.
(3) رواه أبو جعفر في تفسيره 16: 66 (بولاق) ، وهو الخبر الذي جاء فيه أنه يجاه يوم القيامة بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، ثم ينادي في أهل الجنة والنار هل يعرفونه، فيقولون: لا! فيقال: هذا الموت، ثم يؤخذ فيذبح، ثم ينادي: يا أهل النار، خلود فلا موت، ويا أهل الجنة، خلود فلا موت.
قوله: "لقضي الأمر بيني وبينكم" من ذلك في شيء، وإنما هذا أمرٌ من الله تعالى ذكره نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول لمن استعجله فصلَ القضاء بينه وبينهم من قوله بآية يأتيهم بها: لو أن العذاب والآيات بيدي وعندي، لعاجلتكم بالذي تسألوني من ذلك، ولكنه بيد من هو أعلم بما يُصلح خلقه، منّي ومن جميع خلقه.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}
قال أبو جعفر: يقول: وعند الله مفاتح الغيب. (1)
و "المفاتح" : جمع "مِفْتَح" ، يقال فيه: "مِفْتح" و "مِفْتَاح" . فمن قال: "مِفْتَح" ، جمعه "مفاتح" ، ومن قال: "مفتاح" ، جمعه "مفاتيح" .
* * *
ويعني بقوله: "وعنده مفاتح الغيب" ، خزائن الغيب، كالذي:-
13305- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وعنده مفاتح الغيب" ، قال، يقول: خزائن الغيب.
13306- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود قال: أعطي نبيُّكم كل شيءٍ إلا مفاتح الغيب. (2)
(1) في المطبوعة: "يقول: وعنده مفاتح الغيب" ، والصواب ما في المخطوطة.
(2) الأثر: 13306 - "عبد الله بن سلمة المرادي" ، تابعي ثقة، من فقهاء الكوفة بعد الصحابة. مضى برقم: 12398.
وهذا خبر الإسناد، رواه أحمد في مسنده: 3659، انظر شرح أخي السيد أحمد لهذا الخبر هناك.
13307 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: "وعنده مفاتح الغيب" ، قال: هن خمس: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ إلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة لقمان: 34] .
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: والله أعلم بالظالمين من خلقه، وما هم مستحقُّوه وما هو بهم صانع، فإنّ عنده علم ما غاب علمه عن خلقه فلم يطلعوا عليه ولم يدركوه، ولن يعلموه ولن يدركوه (1) = "ويعلم ما في البر والبحر" ، يقول: وعنده علم ما لم يغب أيضًا عنكم، لأن ما في البر والبحر مما هو ظاهر للعين، يعلمه العباد. فكأن معنى الكلام: وعند الله علم ما غابَ عنكم، أيها الناس، مما لا تعلمونه ولن تعلموه مما استأثرَ بعلمه نفسَه، ويعلم أيضًا مع ذلك جميع ما يعلمه جميعُكم، لا يخفى عليه شيء، لأنه لا شيءَ إلا ما يخفى عن الناس أو ما لا يخفى عليهم. فأخبر الله تعالى ذكره أن عنده علم كل شيء كان ويكون، وما هو كائن مما لم يكن بعد، وذلك هو الغيب. (2)
* * *
(1) في المطبوعة: "ولم يعلموه، ولن يدركوه" ، وفي المخطوطة: "ولم يعلموه ولا يدركوه" ، والصواب الدال عليه السياق، هو ما أثبته.
(2) انظر تفسير "الغيب" فيما سلف ص: 371 تعليق: 1، والمراجع هناك.
القول في تأويل قوله: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تسقط ورقةٌ في الصحاري والبراري، ولا في الأمصار والقرى، إلا الله يعلمها = "ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" ، يقول: ولا شيء أيضًا مما هو موجود، أو ممّا سيوجد ولم يوجد بعد، إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ، مكتوبٌ ذلك فيه، ومرسوم عددُه ومبلغه، والوقت الذي يوجد فيه، والحالُ التي يفنى فيها.
ويعني بقوله: "مبين" ، أنه يبين عن صحة ما هو فيه، بوجود ما رُسم فيه على ما رُسم. (1)
* * *
فإن قال قائل: وما وجهُ إثباته في اللوح المحفوظ والكتاب المبين، ما لا يخفى عليه، وهو بجميعه عالم لا يُخَاف نسيانَه؟
قيل له: لله تعالى ذكره فعل ما شاء. وجائز أن يكون كان ذلك منه امتحانًا منه لحفَظَته، واختبارًا للمتوكلين بكتابة أعمالهم، فإنهم فيما ذُكر مأمورون بكتابة أعمال العباد، ثم بعرضها على ما أثبته الله من ذلك في اللوح المحفوظ، حتى أثبت فيه ما أثبت كل يوم. وقيل إن ذلك معنى قوله: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، [سورة الجاثية: 29] . وجائز أن يكون ذلك لغير ذلك، مما هو أعلم به، إمّا بحجة يحتج بها على بعض ملائكته، وأما على بني آدم وغير ذلك، وقد:-
(1) انظر تفسير "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .
13308 - حدثني زياد بن يحيى الحسّاني أبو الخطاب قال، حدثنا مالك بن سعير قال، حدثنا الأعمش، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: ما في الأرض من شجرة ولا كمغرِز إبرة، إلا عليها ملك موكّل بها يأتي الله بعلمها: (1) يبسها إذا يبست، ورطوبتها إذا رَطبت. (2)
* * *
(1) في المطبوعة: "يأتي الله يعلمه يبسها" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب، وهذا عبث من الناشر.
(2) الأثر: 13308 - "زياد بن يحيى بن زياد بن حسان الحساني النكري" ، أبو الخطاب، ثقة، روى له الستة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1/2/549.
هذا، وقد جاء في المخطوطة وتفسير ابن كثير "زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب" ، وهو خطأ لا شك فيه، فإن الذي يروي عن "مالك بن سعير" هو "زياد بن يحيى الحساني، أبو الخطاب" ، فضلا عن أنه ليس في الرواة من يسمى "زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب" . و "مالك بن سعير بن الخمس التميمي" ، قال أبو زرعة وأبو حاتم: "صدوق" ، وضعفه أبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وهو مترجم في التهذيب، والبخاري في الكبير 4/1/315، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4/1/209.
و "يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي" هو مولى "عبد الله بن الحارث" ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 12740.
و "عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم" ، هو "ببة" ، ثقة، مضى برقم: 12740.
وهذا الخبر، ذكره ابن كثير في تفسيره من طريق ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري، عن مالك بن سعير، بمثله.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 15، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وأبي الشيخ.
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: وقل لهم، يا محمد، والله أعلم بالظالمين، والله هو الذي يتوفى أرواحكم بالليل فيقبضها من أجسادكم = "ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، يقول: ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار.
ومعنى "التوفي" ، في كلام العرب استيفاء العدد، (1) كما قال الشاعر: (2)
إِنَّ بَنِي الأدْرَم لَيْسُوا مِنْ أَحَدْ ... وَلا تَوَفَّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي العَدَدْ (3)
بمعنى: لم تدخلهم قريش في العدد.
* * *
وأما "الاجتراح" عند العرب، فهو عمل الرجل بيده أو رجله أو فمه، وهي "الجوارح" عندهم، جوارح البدن فيما ذكر عنهم. ثم يقال لكل مكتسب عملا "جارح" ، لاستعمال العرب ذلك في هذه "الجوارح" ، ثم كثر ذلك في الكلام حتى قيل لكل مكتسب كسبًا، بأيّ أعضاء جسمه اكتسب: "مجترِح" . (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13309 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، أما "يتوفاكم بالليل" ففي النوم = وأما "يعلم ما جرحتم بالنهار" ، فيقول: ما اكتسبتم من الإثم.
13310 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" ، يعني: ما اكتسبتم من الإثم.
(1) انظر تفسير: التوفي "فيما سلف 6: 455، 456/8: 73/9: 100/11: 239"
(2) هو منظور الوبري.
(3) اللسان (وفي) ، وسيأتي في التفسير 21: 61 (بولاق) ، وكان في المطبوعة هنا: "إن بني الأدم" ، وفي اللسان "إن بني الأدرد" ، وهما خطأ، صوابه ما جاء في التفسير بعد.
و "بنو الأدرم" هو بنو "تيم بن غالب بن فهر بن مالك" ، وهم من قريش الظواهر، لا قريش الأباطح. وهذا الراجز يهجوهم بأن قريشًا أهل الأباطح، لا يجعلون بني الأدرم (وهم من قريش الظواهر) تمامًا لعددهم، ولا يستوفون بهم عددهم إذا عدوا.
(4) انظر تفسير "الجوارح" و "الاجتراح" فيما سلف 9: 543، 544.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|