عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 15-07-2025, 01:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (598)
صــ 286 إلى صــ 295






القول في تأويل قوله: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) }
قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة والبصرة: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ، بضم "الياء" وفتح "الراء" ، بمعنى: من يُصرف عنه العذاب يومئذ.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: (مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ) ، بفتح "الياء" وكسر "الراء" ، بمعنى: من يصرف الله عنه العذاب يومئذ.
* * *
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي، قراءة من قرأه: (يَصْرِفْ عَنْهُ) ، بفتح "الياء" وكسر "الراء" ، لدلالة قوله: "فقد رحمه" على صحة ذلك، وأنّ القراءة فيه بتسمية فاعله. ولو كانت القراءة في قوله: "من يصرف" ، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، كان الوجه في قوله: "فقد رحمه" أن يقال: "فقد رُحِم" غير مسمى فاعله. وفي تسمية الفاعل في قوله: "فقد رحمه" ، دليل بيِّن على أن ذلك كذلك في قوله: "من يَصرف عنه" .
* * *
وإذا كان ذلك هو الوجه الأولَى بالقراءة، فتأويل الكلام: منْ يصرف عنه من خلقه يومئذ عذابه فقد رحمه = "وذلك هو الفوز المبين" ، ويعني بقوله: "وذلك" ، وصرفُ الله عنه العذاب يوم القيامة، ورحمته إياه = "الفوز" ، أي: النجاة من الهلكة، والظفر بالطلبة (1) = "المبين" ، يعني الذي بيَّن لمن رآه أنه الظفر بالحاجة وإدراك الطَّلِبة. (2)
(1)
انظر تفسير "الفوز" فيما سلف ص: 245، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "مبين" فيما سلف ص: 265، تعليق 3، والمراجع هناك.

وبنحو الذي قلنا في قوله: "من يصرف عنه يومئذ" قال أهل التأويل:
* ذكر من قال ذلك:
13115 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله "من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه" ، قال: من يصرف عنه العذاب.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن يصبك الله (1) = "بضر" ، يقول: بشدة في دنياك، وشظَف في عيشك وضيق فيه، (2) فلن يكشف ذلك عنك إلا الله الذي أمرك أن تكون أوّل من أسلم لأمره ونهيه، وأذعن له من أهل زمانك، دون ما يدعوك العادلون به إلى عبادته من الأوثان والأصنام، ودون كل شيء سواها من خلقه = "وإن يمسسك بخير" ، يقول: وإن يصبك بخير، أي: برخاء في عيش، وسعة في الرزق، وكثرة في المال، فتقرّ أنه أصابك بذلك = "فهو على كل شيء قدير" ، يقول تعالى ذكره: والله الذي أصابك بذلك، فهو على كل شيء قدير (3) هو القادر على نفعك وضرِّك، وهو على كل شيء يريده قادر، لا يعجزه شيء يريده، ولا يمتنع منه شيء طلبه، ليس كالآلهة الذليلة المَهينة التي لا تقدر على اجتلاب نفع على أنفسها ولا غيرها، ولا دفع ضر عنها ولا غيرها. يقول تعالى ذكره: فكيف
(1)
انظر تفسير "المس" فيما سلف 10: 482، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الضر" فيما سلف 7: 157/10: 334.

(3)
انظر تفسير "قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر) .

تعبد من كان هكذا، أم كيف لا تخلص العبادة، وتقرُّ لمن كان بيده الضر والنفع، والثواب والعقاب، وله القدرة الكاملة، والعزة الظاهرة؟
* * *
القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وهو" ، نفسَه، يقول: والله الظاهر فوق عباده (1) = ويعني بقوله: "القاهر" ، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم. وإنما قال: "فوق عباده" ، لأنه وصف نفسه تعالى ذكره بقهره إياهم. ومن صفة كلّ قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه.
فمعنى الكلام إذًا: والله الغالب عبادَه، المذلِّلهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه = "وهو الحكيم" ، يقول: والله الحكيم في علِّوه على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره (2) = "الخبير" ، بمصالح الأشياء ومضارِّها، الذي لا يخفي عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمه دَخَل. (3)
* * *
(1)
في المطبوعة: "والله القاهر" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب في التفسير.

(2)
انظر تفسير "الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) .

(3)
انظر تفسير (الخبير "فيما سلف من فهارس اللغة (خبر) ."

القول في تأويل قوله: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يكذّبون ويجحدون نبوَّتك من قومك: أيُّ شيء أعظم شهادة وأكبر؟ ثم أخبرهم بأن أكبر الأشياء شهادة: "الله" ، الذي لا يجوز أن يقع في شهادته ما يجوز أن يقع في [شهادة] غيره من خلقه من السهو والخطأ، والغلط والكذب. (1) ثم قل لهم: إن الذي هو أكبر الأشياء شهادة، شهيدٌ بيني وبينكم، بالمحقِّ منا من المبطل، والرشيد منا في فعله وقوله من السفيه، وقد رضينا به حكمًا بيننا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل:
* ذكر من قال ذلك:
13116 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "أيّ شيء أكبر شهادة" ، قال: أمر محمد أن يسأل قريشًا، ثم أمر أن يخبرهم فيقول: "الله شهيد بيني وبينكم" .
13117- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
* * *
(1)
الزيادة بين القوسين لا بد منها للسياق.

القول في تأويل قوله: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين الذين يكذبونك: "الله شهيد بيني وبينكم" = "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" عقابَه، وأُنذر به من بَلَغه من سائر الناس غيركم = إن لم ينته إلى العمل بما فيه، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، والإيمان بجميعه = نزولَ نقمة الله به. (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
13118 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "أيّ شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا أيها الناس، بلِّغوا ولو آية من كتاب الله، فإنه من بَلَغه آيةٌ من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله، أخذه أو تركه. (2)
13119- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "لأنذركم به ومن بلغ" ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلِّغوا عن الله، فمن بلغه آيه من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله.
13120 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي
(1)
قوله: "نزول" منصوب، مفعول به لقوله قبله: "وأنذر به من بلغه" . = وانظر تفسير "الوحي" فيما سلف ص: 217، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
في المخطوطة: "أخذه أو تاركه" ، وجائر أن تقرأ: "آخذه أو تاركه" .

= عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي: "لأنذركم به ومن بلغ" ، قال: من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ: "ومن بلغ أئنكم لتشهدون" .
13121 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح قال: سألت ليثًا: هل بقي أحدٌ لم تبلغه الدعوة؟ قال: كان مجاهد يقول: حيثما يأتي القرآنُ فهو داعٍ، وهو نذير. ثم قرأ: "لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون" .
13122 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ومن بلغ" ، من أسلم من العجم وغيرهم.
13123- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13124- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خالد بن يزيد قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب في قوله: "لأنذركم به ومن بلغ" ، قال: من بلغه القرآن، فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم.
13125 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" ، يعني أهل مكة = "ومن بلغ" ، يعني: ومن بلغه هذا القرآن، فهو له نذير.
13126- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: سمعت سفيان الثوري يحدّث، لا أعلمه إلا عن مجاهد: أنه قال في قوله: "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" ، العرب = "ومن بلغ" ، العجم.
13127 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
حدثنا أسباط، عن السدي: "لأنذركم به ومن بلغ" ، أما "من بلغ" ، فمن بلغه القرآن فهو له نذير.
13128 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" ، قال يقول: من بلغه القرآن فأنا نذيره. وقرأ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [سورة الأعراف: 158] . قال: فمن بلغه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم نذيره.
* * *
قال أبو جعفر: فمعنى هذا الكلام: لأنذركم بالقرآن، أيها المشركون، وأنذر من بلغه القرآن من الناس كلهم.
* * *
ف "من" في موضع نصب بوقوع "أنذر" عليه، "وبلغ" في صلته، وأسقطت "الهاء" العائدة على "من" في قوله: "بلغ" ، لاستعمال العرب ذلك في صلات "مَن" و "ما" و "الذي" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين، الجاحدين نبوَّتك، العادلين بالله، ربًّا غيره: "أئنكم" ، أيها المشركون = "لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى" ، يقول: تشهدون أنّ معه معبودات غيره من الأوثانَ والأصنام.
* * *
وقال: "أُخْرَى" ، ولم يقل "أخَر" ، و "الآلهة" جمع، لأن الجموع يلحقها،
(1)
انظر معاني القرآن 1: 329.

التأنيث، (1) كما قال تعالى: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى [سورة طه: 51] ، ولم يقل: "الأوَل" ولا "الأوَّلين" . (2)
* * *
ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد = "لا أشهد" ، بما تشهدون: أن مع الله آلهة أخرى، بل أجحد ذلك وأنكره = "قل إنما هو إله واحد" ، يقول: إنما هو معبود واحد، لا شريك له فيما يستوجب على خلقه من العبادة = "وإنني برئ مما تشركون" ، يقول: قل: وإنني بريء من كلّ شريك تدعونه لله، وتضيفونه إلى شركته، وتعبدونه معه، لا أعبد سوى الله شيئًا، ولا أدعو غيره إلهًا.
* * *
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود بأعيانهم، من وجه لم تثبت صحته، وذلك ما:-
13129 - حدثنا به هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال، جاء النحَّام بن زيد، وقردم بن كعب، وبحريّ بن عمير فقالوا: يا محمد، ما تعلم مع الله إلهًا غيرَه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله، بذلك بعثت، وإلى ذلك أدعو! فأنزل الله تعالى فيهم وفي قولهم: "قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم" إلى قوله: "لا يؤمنون" . (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "أخرى" فيما سلف 3: 459/6: 173.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 329.

(3)
الأثر: 13129 - سيرة ابن هشام 2: 217، وهو تابع الأثر السالف رقم: 12284.هذا، وقد مر هذا الإسناد مئات من المرات، وهو إسناد أبي جعفر إلى ابن إسحق، ثم من ابن إسحق إلى ابن عباس، وهذه أول مرة يذكر أبو جعفر أن هذا الإسناد لم تثبت صحته عنده، كما قدم قبل ذكره.

القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين "آتيناهم الكتاب" ، التوراة والإنجيل = يعرفون أنما هو إله واحد =، لا جماعة الآلهة، وأن محمدًا نبيُّ مبعوث = "كما يعرفون أبناءهم" .
وقوله: "الذين خسروا أنفسهم" ، من نعت "الذين" الأولى.
* * *
ويعنى بقوله: "خسروا أنفسهم" ، أهلكوها وألقوها في نار جهنم، بإنكارهم محمدًا أنه لله رسول مرسل، وهم بحقيقة ذلك عارفون (1) = "فهم لا يؤمنون" ، يقول: فهم بخسارتهم بذلك أنفسهم لا يؤمنون.
* * *
وقد قيل: إنّ معنى "خسارتهم أنفسهم" ، أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار. فإذا كان يوم القيامة، جعل الله لأهل الجنة منازلَ أهل النار في الجنة، وجعل لأهل النار منازلَ أهل الجنة في النار، فذلك خسران الخاسرين منهم، لبيعهم منازلهم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار، بما فرط منهم في الدنيا من معصيتهم الله، وظلمهم أنفسهم، وذلك معنى قول الله تعالى ذكره: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، [سورة المؤمنون: 11] . (2)
* * *
(1)
انظر تفسير "خسر" فيما سلف قريبًا ص: 281، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 329، 230.

وبنحو ما قلنا في معنى قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" قال أهل التأويل. (1)
* ذكر من قال ذلك:
13130 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، يعرفون أنّ الإسلام دين الله، وأن محمدًا رسول الله، يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.
13131- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، النصارى واليهود، يعرفون رسول الله في كتابهم، كما يعرفون أبناءهم.
13132 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، [يعني: النبي صلى الله عليه وسلم: (2) = "كما يعرفون أبناءهم" ، لأن نَعْته معهم في التوراة] .
13133- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. قال: زعم أهل المدينة عن أهل الكتاب ممن أسلم، أنهم قالوا: والله لنحن أعرف به من أبنائنا، من أجل الصفة والنعت الذي نجده
(1)
انظر تأويل نظيرة هذه الآية فيما سلف 3: 187، 188، [سورة: البقرة 146] .

(2)
الأثر: 13132 - هذا الأثر مبتور في المطبوعة والمخطوطة، والزيادة بين القوسين من الدر المنثور 3: 8، من تفسير السدي، من رواية أبي الشيخ، والظاهر أن هذا النقص قديم في نسخ تفسير أبي جعفر، وأن نسخة السيوطي، كانت مبتورة هنا أيضًا، ولذلك لم ينسب هذا الأثر إلا إلى أبي الشيخ وحده، دون ابن جرير.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]