عرض مشاركة واحدة
  #590  
قديم 15-07-2025, 01:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,797
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (590)
صــ 206 إلى صــ 215








12982 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، فيحلفان بالله: "لا نشتري به ثمنًا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين، أنّ صاحبكم لبهذا أوصى، وأنّ هذه لتركته" . فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: "إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما، فضحتكما في قومكما، ولم أجز لكما شهادة، وعاقبتكما" . فإن قال لهما ذلك، فإنّ ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وخافوا الله، أيها الناس، وراقبوه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبةً، وأن تُذْهبوا بها مال من يَحْرم عليكم ماله، وأن تخونوا من اتَّمنكم (1) = "واسمعوا" ، يقول: اسمعوا ما يقال لكم وما توعظون به، فاعملوا به، وانتهوا إليه = "والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، يقول: والله لا يوفِّق من فَسَق عن أمر ربّه، فخالفه وأطاع الشيطانَ وعصى ربَّه.
* * *
وكان ابن زيد يقول: "الفاسق" ، في هذا الموضع، هو الكاذب. (2)
12983 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "والله لا يهدي القومَ الفاسقين" ، الكاذبين، يحلفون على الكذب.
* * *
(1)
انظر ما كتبته في "اتمن" فيما سلف ص: 197، تعليق: 3.

(2)
انظر تفسير "الفاسق" بهذا المعنى من تفسير ابن زيد، فيما سلف رقم: 12103 في الجزء 10: 376. ثم انظر تفسير "الفسق" فيما سلف من فهارس اللغة (فسق) .

وليس الذي قال ابن زيد من ذلك عندي بمدفُوعٍ، إلا أن الله تعالى ذكره عَمَّ الخبر بأنه لا يهدي جميع الفسَّاق، ولم يخصص منهم بعضًا دون بعض بخبر ولا عقلٍ، فذلك على معاني "الفسق" كلها، حتى يخصِّص شيئًا منها ما يجب التسليمُ له، فيُسلِّم له.
* * *
ثم اختلف أهل العلم في حكم هاتين الآيتين، هل هو منسوخ، أو هو مُحكَم ثابت؟
فقال بعضهم: هو منسوخ
* ذكر من قال ذلك:
12984 - حدثنا أبو كريب قال، ثنا ابن إدريس، عن رجل قد سماه، عن حماد، عن إبراهيم قال: هي منسوخة.
12985 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: هي منسوخة = يعني هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" ، الآية.
* * *
وقال جماعة: هي محكمة وليست بمنسوخة. وقد ذكرنا قولَ أكثرهم فيما مضَى.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن حكم الآية غيرُ منسوخ (1) وذلك أن من حكم الله تعالى ذكره الذي عليه أهل الإسلام، من لدن بعث الله تعالى ذكره نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، أنّ من ادُّعِي عليه
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "أن حكم الآية منسوخ" ، وهو خطأ فاحش، فإن أبا جعفر يقول بعد ذلك أنها غير منسوخة، كما سترى، فالصواب ما أثبته.

دَعْوى ممَّا يملكه بنو آدم، أنّ المدَّعَى عليه لا يبرئه مما ادُّعي عليه إلا اليمين، إذا لم يكن للمدَّعِي بيّنة تصحح دَعواه = وأنه إن اعترف في يَدِ المدَّعى [عليه] سلعةً له، (1) فادَّعَى أنها له دون الذي في يده، فقال الذي هي في يده: "بل هي لي، اشتريتها من هذا المدَّعِي" ، أنّ القول قول من زَعَم الذي هي في يده أنه اشتراها منه، دون من هي في يده مع يمينه، إذا لم يكن للذي هي في يده بيّنة تحقق به دعواه الشراءَ منه.
فإذ كان ذلك حكم الله الذي لا خلافَ فيه بين أهل العلم، وكانت الآيتان اللتان ذكر الله تعالى ذكره فيهما أمرَ وصية الموصِي إلى عدلين من المسلمين، أو إلى آخرين من غيرهم، إنما ألزَم النبي صلى الله عليه وسلم، فيما ذكر عنه، الوصيَّين اليمينَ حين ادَّعَى عليهما الورثة ما ادَّعوا، ثم لم يلزم المدَّعَى عليهما شيئًا إذ حلفا، حتى اعترفت الورثة في أيديهما ما اعترفُوا من الجام أو الإبريق أو غير ذلك من أموالهم، فزعما أنهما اشترياه من ميتهم، فحينئذ ألزم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ورثَة الميِّت اليمين، لأن الوصيين تحوَّلا مُدَّعِيين بدعواهما ما وجدَا في أيديهما من مال الميِّت أنه لهما، اشتريَا ذلك منه، فصارَا مُقِرَّين بالمال للميِّت، مدَّعيين منه الشراء، فاحتاجا حينئذ إلى بيِّنةٍ تصحِّح دعواهما، وصارتْ وورثة الميتِ ربِّ السلعة، (2) أولى باليمين منهما. فذلك قوله تعالى ذكره: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، الآية.
(1)
في المطبوعة: "وأنه إن اعترف وفي يدي المدعي سلعة" ، غير ما في المخطوطة، وفيها: "وأنه إن اعترف في يد المدعي سلعة" ، فأثبت ذلك، وهو الصواب، وزدت "عليه" بين القوسين، لأنه حق المعنى.

وقوله: "اعترف" بمعنى: عرفها وميزها، كما سيأتي في سائر الفقرة.
(2)
في المطبوعة: ". . . تصحح دعواهما، وورثة الميت رب السلعة" ، حذف قوله "وصارت" ، مع أن الكلام لا يستقيم إلا بها، وهي في المخطوطة ثابتة، إلا أن الناسخ أساء كتابتها.

فإذ كان تأويل ذلك كذلك، فلا وجه لدعوَى مدَّعٍ أن هذه الآية منسوخة، لأنه غير جائز أن يُقْضَى على حُكم من أحكام الله تعالى ذكره أنه منسوخ، إلا بخبَرٍ يقطع العذرَ: أمّا من عند الله، أو من عند رسوله صلى الله عليه وسلم، أو بورود النَّقل المستفيض بذلك. فأمَّا ولا خبر بذلك، ولا يدفع صحته عقل، فغير جائز أن يقضى عليه بأنه منسوخ.
* * *
القول في تأويل قوله: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (109) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واتقوا الله، أيها الناس. واسمعوا وَعْظه إياكم وتذكيرَه لكم، واحذروا يَوْم يَجْمع الله الرسل = ثم حذف "واحذروا" ، واكتفى بقوله: "واتقوا الله واسمعوا" ، عن إظهاره، كما قال الراجز:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا (1)
يريد: "وسقيتها ماء باردًا" ، فاستغنى بقوله "علفتها تبنًا" من إظهار "سقيتها" ، إذ كان السامع إذا سَمِعه عرف معناه. فكذلك في قوله: "يوم يجمع الله والرسل" ، حذف "واحذروا" لعلم السامع معناه، اكتفاءً بقوله: "واتقوا الله واسمعوا" ، إذ كان ذلك تحذيرًا من أمر الله تعالى ذكره، خلقَه عقابَه على معاصيه.
* * *
وأما قوله: "ماذا أُوجبتم" ، فإنه يعني به: ما الذي أجابتكم به أممكم، (2) حين
(1)
مضى تخريج البيت وتفسيره فيما سلف 1: 264، وكان في المطبوعة هنا: "حتى غدت همالة" ، غير ما في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "ماذا" فيما سلف 4: 292، 346، 347/8: 359.

دعوتموهم إلى توحيدي، والإقرار بي، والعمل بطاعتي، والانتهاء عن معصيتي؟ = "قالوا لا علم لنا" .
* * *
فاختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى قولهم: "لا علم لنا" ، لم يكن ذلك من الرسل إنكارًا أن يكونوا كانوا عالمين بما عملت أممهم، ولكنهم ذَهِلوا عن الجواب من هَوْلِ ذلك اليوم، ثم أجابوا بعد أن ثَابَتْ إليهم عقولهم بالشَّهادة على أممهم.
* ذكر من قال ذلك:
12986 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل. قال، حدثنا أسباط، عن السديّ: "يوم يجمع الله الرسل فيقول مَاذا أجبتم قالوا لا علم لنا" ، قال: فذلك أنهم نزلوا منزلا ذَهِلت فيه العقول، (1) فلما سئلوا قالوا: "لا علم لنا" ، ثم نزلوا منزلا آخر، فشهدوا على قومهم.
12987 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة قال: سمعت الحسن يقول في قوله: "يوم يجمع الله الرسل" ، الآية، قال: من هول ذلك اليوم. (2)
12988 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، فيفزعون، فيقول: ماذا أجبتم؟ فيقولون: لا علم لنا!
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لا علم لنا إلا ما علّمتنا.
(1)
في المطبوعة: "ذلك أنهم لما نزلوا" ، وفي المخطوطة: "فذلك أنهم لما نزلوا" وأثبت ما في المخطوطة، وحذفت "لما" لأنه لا موضع لها هنا، وكأنها زيادة من عجلة الناسخ.

(2)
الأثر: 12987 - هذا إسناد ناقص بلا شك، بين "عتبة" ، و "الحسن البصري" ، فوضعت مكانه النقط، وقد أعجلت أن أجد مثله فيما سلف، فتركته حتى أجد تمامه.

* ذكر من قال ذلك:
12989- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، فيقولون: = لا علم لنا إلا ما علمتنا = "إنك أنتَ علام الغيوب" .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: قالوا لا علم لنا، إلا علمٌ أنت أعلَمُ به منَّا.
* ذكر من قال ذلك:
12990- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا" ، إلا علم أنت أعلم به منا.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: "ماذا أجبتم" ، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟
* ذكر من قال ذلك:
12991 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا بعدكم؟ = "قالوا قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب" .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: "معناه: لا علم لنا، إلا علم أنت أعلم به منّا" ، لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا: "لا علم لنا إنَّك أنتَ علام الغيوب" ، أي: إنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفيِّ العلوم وجليِّها. فإنما نَفى القومُ أن يكون لهم بما سُئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره = لا أنَّهم نَفَوا أن يكونوا علموا ما شاهدُوا. كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنَّهم يُخْبرون بما أجابتهم به الأمم،
وأنهم يسْتشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء، (1) فقال تعالى ذكره: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [سورة البقرة:143] .
* * *
وأما الذي قاله ابن جريج، من أن معناه: "ماذا عملت الأمم بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟" فتأويل لا معنَى له. لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يَحدُث بعدها إلا ما أعلمها الله من ذلك، وإذا سئلت عَمَّا عملت الأمم بعدها والأمر كذلك، فإنما يقال لها: ماذا عَرَّفناك أنه كائن منهم بعدك؟ وظاهرُ خَبر الله تعالى ذكره عن مسألته إيّاهم، يدلّ على غير ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لعباده: احذروا يومَ يجمع الله الرسلَ فيقول لهم: ماذا أجابتكم أممكم في الدنيا = "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس" .
* * *
ف "إذْ" من صلة "أجبتم" ، كأنّ معناها: ماذا أجابت عيسى الأمم التي أرسل إليها عيسى.
* * *
(1)
في المطبوعة: "سيشهدون على تبليغهم" ، حرف ما في المخطوطة وأساء.

فإن قال قائل: وكيف سئلت الرسل عن إجابة الأمم إيَّاها في عهد عيسى، ولم يكن في عهد عيسى من الرُّسل إلا أقلُّ ذلك؟ (1)
قيل: جائزٌ أن يكون الله تعالى ذكره عنى بقوله: "فيقول ماذا أجبتم" ، الرسلَ الذين كانوا أرسلوا في عهد عيسى، فخرَج الخبر مخرج الجميع، والمراد منهم من كان في عهد عيسى، كما قال تعالى ذكره: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [سورة آل عمران: 173] ، والمراد واحدٌ من الناس، وإن كان مخرج الكلام على جميع الناس. (2)
قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: "إذ قال الله" ، حين قال = "يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس" ، يقول: يا عيسى اذكر أياديّ عندك وعند والدتك، (3) إذ قوّيتك برُوح القُدس وأعنتُك به. (4)
* * *
وقد اختلف أهل العربية في "أيدتك" ، ما هو من الفعل.
فقال بعضهم: هو "فعّلتك" ، [ "من الأيد" ] ، كما قولك: "قوّيتك" "فعّلت" من "القوّة" . (5)
* * *
وقال آخرون: بل هو "فاعلتك" من "الأيد" .
(1)
في المطبوعة: "إلا أقل من ذلك" ، زاد "من" ، فأفسد الكلام، والصواب ما في المخطوطة.

(2)
انظر ما سلف: 405 413.

(3)
انظر تفسير "النعمة" فيما سلف من فهارس اللغة (نعم) .

(4)
انظر تفسير "أيد" فيما سلف 2: 319/5: 379/6: 242.

(5)
الزيادة بين القوسين، لا بد منها. وفي المطبوعة: "كما في قوله" بزيادة "في" ، والصواب ما في المخطوطة بحذفها.

وروي عن مجاهد أنه قرأ: (إذْ آيَدْتُك) ، بمعنى "أفعلتك" ، من القوّة والأيد. (1) .
* * *
وقوله: "بروح القدس" ، يعني: بجبريل. يقول: إذ أعنتك بجبريل.
* * *
وقد بينت معنى ذلك، وما معنى "القدس" ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قِيله، لعيسى: "اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس" ، في حال تكليمك الناسَ في المهدِ وكهلا.
* * *
وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره: أنه أيده بروح القدس صغيرًا في المهد،
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 325. وهذا الذي ذكره هنا في "أيدتك" تفصيل أغفله في بيانه السالف في: 2: 319، وهذا من ضروب اختصاره في التفسير، وهو دال أيضًا على طريقته في تأليف هذا التفسير.

(2)
انظر تفسير "روح القدس" فيما سلف 2: 320، 321/5: 379.

وكهلا كبيرًا = فردّ "الكهل" على قوله "في المهد" ، لأن معنى ذلك: صغيرًا، كما قال الله تعالى ذكره: دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، [سورة يونس: 12] .
* * *
وقوله: "وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" ، يقول: واذكر أيضًا نعمتي عليك "إذ علمتك الكتاب" ، وهو الخطّ = "والحكمة" ، وهي الفهم بمعاني الكتاب الذي أنزلته إليك، وهو الإنجيل = "وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير" ، يقول: كصورة الطير (1) = "بإذني" ، يعني بقوله "تخلق" تعمل وتصلح - "من الطين كهيئة الطير بإذني" ، يقول: بعوني على ذلك، وعلمٍ منّي به = "فتنفخ فيها" ، يقول: فتنفخ في الهيئة، قتكون الهيئة والصورة طيرًا بإذني = "وتبرئ الأكمه" ، يقول: وتشفي "الأكمهَ" ، وهو الأعمى الذي لا يبصر شيئًا، المطموس البصر= "والأبرص بإذني" .
* * *
وقد بينت معاني هذه الحروف فيما مضى من كتابنا هذا مفسرًا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
(1)
مكان هذا النقط بياض في المخطوطة، وفي هامشها حرف (ط) ، دلالة على موضع خطأ. فأثبتها كذلك. وإن كنت أرجح أن سياق أبي جعفر يقتضي أن تكون عبارته هكذا:

وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير، يعني بقوله: "تخلق" ، تعمل وتصلح "من الطين كهيئة الطير" ، يقول: كصورة الطير: "بإذني" ، يقول: بعوني على ذلك. . . ومع ذلك، فقد تركت ما في المخطوطة على ما هو عليه.
(2)
انظر تفسير "المهد" فيما سلف 6: 417 = وتفسير "الكهل" 6: 417، 418 = وتفسير "الكتاب" ، و "الحكمة" فيما سلف من فهارس اللغة (كتب) و (حكم) = وأما تفسير "خلق" و "هيأة" بهذا المعنى، فلم يذكره فيما سلف، وإن كان ذلك مضى في 6: 424 وتفسير "أبرأ" 6: 428 = وتفسير "الأكمه" 6: 428 - 430 = وأما "الأبرص" فلم يفسره = وتفسير "الإذن" فيما سلف 10: 145، تعليق: 3، والمراجع هناك.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]