عرض مشاركة واحدة
  #589  
قديم 15-07-2025, 01:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (589)
صــ 196 إلى صــ 205





لإجماع الحجة من القرأة عليها، مع موافقتها التأويل الذي ذكرْنا عن الصحابة والتابعين.
12972- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن وكريب، عن علي: أنه كان يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانْ) . (1)
12973 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن واصل مولى أبي عُيينة، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبيّ بن كعب: أنه كان يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَان) . (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأما أولى القراءات بالصَّواب في قوله: "الأوليان" عندي،
(1)
الأثر: 12972 - "أبو إسحق" ، هو السبيعي.

و "أبو عبد الرحمن" هو "السلمي" القارئ، "عبد الله بن حبيب" مضى برقم: 82.
و "كريب" هو "كريب بن أبي كريب" ، روى عن علي. وروى عنه أبو إسحق، مترجم في الكبير4/1/231، وابن أبي حاتم 3/2/168، ولم يذكرا فيه جرحا. وترجمه في لسان الميزان، وقال: "يروي المقاطيع، من ثقات ابن حبان" .
(2)
الأثر: 12973 - "مالك بن إسمعيل بن درهم النهدي" ، "أبو غسان" ، مضى برقم: 2989، 4433، 4926، 8292. وأخشى أن يكون راوي هذا الخبر هو "مؤمل بن إسمعيل العدوي" ، لا "مالك بن إسمعيل" ، ولكن هكذا ثبت في المخطوطة.

و "حماد بن زيد بن درهم الأزدي" ، مضى برقم: 856، 1682، 5454.
و "واصل مولى أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة" ، ثقة، روى عن يحيى بن عقيل الخزاعي، والحسن البصري، ورجاء بن حيوة، وأبي الزبير المكي. روى عنه هشام بن حسان من أقرانه، ومهدي بن ميمون، وحماد بن زيد، وغيرهم. مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/172، وابن أبي حاتم 4/2/30. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "وائل بن أبي عبيدة" ، وهو خطأ لا شك فيه، بيانه في التاريخ الكبير للبخاري.
و "يحيى بن عقيل الخزاعي البصري" ، روى عن يحيى بن يعمر، وابن أبي أوفى، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين: "ليس به بأس" ، مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/292 وابن أبي حاتم 4/2/176.
وأما "يحيى بن يعمر القيس الجدلي" ، فهو ثقة جليل، يروي عن الصحابة والتابعين. كان نحويًا صاحب علم بالعربية والقرآن، وهو أول من نقط المصاحف. مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/311، وابن أبي حاتم 4/2/196.
فقراءة من قرأ: (الأَوْلَيَانِ) لصحة معناها. (1) وذلك لأن معنى: "فآخران يقومان مقامهما من الذين استُحِقّ عليهم الأوليان" :فآخران يقومان مقامهما من الذي استُحقّ] فيهم الإثم، (2) ثم حذف "الإثم" ، وأقيم مقامه "الأوليان" ، لأنهما هما اللذان ظَلَما وأثِما فيهما، بما كان من خيانة اللذين استحقا الإثم، وعُثر عليهما بالخيانة منهما فيما كان اُّتمنهما عليه الميت، (3) كما قد بينا فيما مضى من فعل العرب مِثل ذلك، من حذفهم الفعل اجتراء بالاسم، (4) وحذفهم الاسم اجتزاء بالفعل. (5) ومن ذلك ما قد ذكرنا في تأويل هذه القصة، وهو قوله: "شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان" ، ومعناه: أن يشهد اثنان، وكما قال: "فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنًا" ، فقال: "به" ، فعاد بالهاء على اسم الله، وإنما المعنى: لا نشتري بقسمنا بالله، فاجتزئ بالعود على اسم الله بالذكر، والمراد به: "لا نشتري بالقسم بالله" ، استغناء بفهم السامع بمعناه عن ذكر اسم القسم. وكذلك اجتزئ، بذكر "الأوليين" من ذكر "الإثم" الذي استحقه الخائنان لخيانتهما إيَّاهما، إذ كان قد جرى ذكر ذلك بما أغنى السامع عند سماعه إياه عن إعادته، وذلك قوله: "فإن عثر على أنَّهما استحقا إثمًا" .
* * *
وأما الذين قرءوا ذلك (الأَوَّلِينَ) ، فإنهم قصدوا في معناه إلى الترجمة به عن "الذين" ، فأخرجوا ذلك على وجه الجمع، إذْ كان "الذين" جميعًا، (6) وخفضًا،
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "بصحة معناها" بالباء، والصواب ما أثبته.

(2)
الذي وضعته بين الأقواس، هو حق السياق والمعنى، فإن السياق يقتضي أن يذكر الآية، ثم يذكر تأويلها، وهكذا فعلت، وهو الصواب إن شاء الله.

(3)
في المطبوعة: "ائتمنهما" ، وانظر ما كتبته سالفًا ص: 172، تعليق 1، 2، وص: 193 تعليق: 4.

(4)
"الفعل" ، هو المصدر، كما سلف مرارًا، وانظر فهارس المصطلحات.

(5)
انظر ما سلف ص: 160.

(6)
في المطبوعة: "جمعا" ، وأثبت ما في المخطوطة.

إذ كان "الذين" مخفوضًا، وذلك وجه من التأويل، غير أنه إنما يقال للشيء "أوّل" ، إذا كان له آخر هو له أوّل. وليس للذين استحق عليهم الإثم، آخرهم له أوّل. بل كانت أيمان اللذين عثر على أنهما استحقَّا إثمًا قبل أيمانهم، فهم إلى أن يكونوا = إذ كانت أيمانهم آخرًا = أولى أن يكونوا "آخرين" ، من أن يكونوا "أوّلين" ، وأيمانهم آخرة لأولى قبلها.
* * *
وأما القراءة التي حكيت عن الحسن؛ فقراءةٌ عن قراءَة الحجة من القرأة شاذة، وكفى بشذوذها عن قراءتهم دليلا على بُعدها من الصواب.
* * *
واختلف أهل العربية في الرافع لقوله: "الأوليان" ، إذا قرئ كذلك.
فكان بعض نحويي البصرة (1) يزعم أنه رفع ذلك، بدلا من: "آخران" في قوله: "فآخران يقومان مقامهما" . وقال: إنما جاز أن يبدل "الأوليان" ، وهو معرفة، من "آخران" وهو نكرة، لأنه حين قال: "يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم" ، كان كأنه قد حدَّهما حتى صارا كالمعرِفة في المعنى، فقال: "الأوليان" ، فأجرى المعرفة عليهما بدلا. قال: ومثل هذا = مما يجري على المعنى = كثير، واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الراجز: (2)
عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِكُ الأُمُورَا ... صَوْمُ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا
وَبَادِنًا مُقَلَّدًا مَنْحُورَا (3)
(1)
في المخطوطة والمطبوعة: "فقال بعض نحويي. . ." ، والصواب ما أثبت.

(2)
لم أعرف قائله.

(3)
"البادن" : الضخم السمين المكتنز، ولم أجدهم قالوا: "البادن" وأرادوا به "البدنة" (بفتح الباء والدال) ، وهي الناقة التي كانوا يسمنونها ثم تهدى إلى البيت، ثم تنحر عنده. ولعل الراجز استعملها على الصفة، ومع ذلك فهي عندي غريبة تقيد. و "المقلد" ، الذي وضعت عليه القلائد، إشعارًا بأنه هدي يساق إلى الكعبة. ذكر الراجز ما نذره إذا ولى هذا الرجل أمور الناس.

قال: فجعله: عليَّ واجب، لأنه في المعنى قد أوجب. (1)
* * *
وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك ويقول: لا يجوز أن يكون "الأوليان" بدلا من: "آخران" ، من أجل أنه قد نَسَق "فيقسمان" على "يقومان" في قوله (2) "فآخران يقومان" ، فلم يتمّ الخبر بعد "مِنْ" . (3) قال: ولا يجوز الإبدال قبل إتمام الخبر. (4) وقال: غير جائز: "مررت برجل قام زيدٍ وقَعَد" ، و "زيد" بدل من "رجل" .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: "الأوليان" مرفوعان بما لم يسمَّ فاعله، وهو قوله: (اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ) وأنهما وُضِعا موضع الخبر عنهما، (5) فعمل فيهما ما كان عاملا في الخبر عنهما. وذلك أن معنى الكلام: "فآخران يقومان مَقامهما من الذين استُحِقَّ عليهم الإثم بالخيانة" ، فوضع "الأوليان" موضع "الإثم" كما قال تعالى ذكره في موضع آخر: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [سورة التوبة: 19] ، ومعناه: أجعلتم سقاية الحاجِّ وعمارةَ المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر
(1)
تركت هذه الجملة كما هي في المخطوطة والمطبوعة. وإن كنت أرجح أنه استشهد بالرجز على أنه نصب "صوم شهور" ، وعطف عليه "وبادنًا مقلدًا منحورًا" ، على معنى: قد أوجبت على نفسي صوم شهور، وبادنًا مقلدًا منحورًا. فإن صح ذلك فيكون صواب هذه العبارة: "فجعله: على واجب = لأنه في المعنى: قد أوجبت" .

(2)
"نسق" ، أي: عطف.

(3)
في المطبوعة: "فلم يتم الخبر عند من قال. . ." ، غير ما في المخطوطة، وهذا خطأ محض. الصواب ما في المخطوطة، يريد: بعد "من الذين استحق عليهم الأوليان" .

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "قال" بغير واو، والصواب إثباتها كما يدل عليه السياق.

ثم كتب في المطبوعة بعد ذلك "كما قال: غير جائز. . ." ، بزيادة "كما" ، وهي في المخطوطة، مكتوبة متصلة بالراء، فآثرت قراءتها "وقال" ، لأنه حق السياق.
(5)
في المطبوعة: "وأنهما موضع الخبر" أسقط "وضعا" ، وهي ثابتة في المخطوطة.

= وكما قال: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ، [سورة البقرة: 93] ، وكما قال بعض الهذليين. (1)
يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ ... مِنَ الخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ الْقِطَاطِ (2)
وهو يعني: صاحب حانوت خمر، فأقام "الحانوت" مقامه، لأنه معلوم أن "الحانوت" ، لا يمشي! ولكن لما كان معلومًا عنده أنَّه لا يخفى على سامعه ما قصد إليه من معناه، حذف "الصاحب" ، واجتزأ بذكر "الحانوت" منه. فكذلك قوله: "من الذين استُحِقّ عليهم الأوليان" ، إنما هو من الذين استُحِقّ فيهم خيانتهما، فحذفت "الخيانة" وأقيم "المختانان" ، مقامها. فعمل فيهما ما كان يعمل في المحذوف ولو ظهر.
* * *
وأما قوله: "عليهم" في هذا الموضع، فإن معناها: فيهم، كما قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ، [سورة البقرة: 102] ، يعني: في
(1)
هو المنخل الهذلي

(2)
ديوان الهذليين 2: 21، والمعاني الكبير: 472. واللسان (حنت) (قطط) (خرص) ، من قصيدة له طويلة، يذكر مواضي أيامه، ثم يقول بعد البيت في صفة الخمر: رَكُودٍ في الإنَاءِ لَهَا حُمَيَّا ... تَلَذُّ بأَخْذِها الأَيْدِي السَّوَاطِي

مُشَعْشَعَةٍ كَعَيْنِ الدَّيكِ، لَيْسَتَْتْ، ... إذَا ذِيقَتْ، مِنَ الخَلِّ الخِمَاطِ
وقوله: "الخرس" ، جمع "أخرس" ، وهو الذي ذهب كلامه عيًا أو خلقة. ويعني به: خدمًا من العجم لا يفصحون، فلذلك سماهم "خرسًا" . وروى بعضهم "من الخرص" ، وهو خطأ، فيه نبّه عليه الأزهري رحمه الله.
و "الصراصرة" نبط الشأم. وعندي أنهم سموا بذلك، لشيء كان في أصواتهم وهم يتكلمون، في أصواتهم صياح وارتفاع وامتداد، كأنه صرصة البازي. و "القطاط" جمع "قطط" (بفتحتين) و "قط" (بفتح وتشديد) : وهو الرجل الشديد جعودة الرأس. وقوله: "ركود في الإناء" ، يعني أنها صافية ساكنة. و "حميا الخمر" ، سورتها وأخذها بالبدن. و "الأيدي السواطي" ، التي تسطو إليها، أي: تتناولها معجلة شديدة الرغبة فيها. و "مشعشعة" : قد أرقها مزجها بالماء. و "الخماط" من الخمر: التي أصابتها ريح، فلم تستحكم ولم تبلغ الحموضة.
ملك سليمان، وكما قال: وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [سورة طه: 71] . ف "في" توضع موضع "على" ، و "على" في موضع "في" ، كل واحدة منهما تعاقب صاحبتها في الكلام، (1)
ومنه قول الشاعر: (2)
مَتَى مَا تُنِْكرُوها تَعْرِفُوهَا ... عَلَى أَقْطَارِهَا عَلَقٌ نَفِيثُ (3)
وقد تأوّلت جماعة من أهل التأويل قول الله تعالى ذكره: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم الأوليان" ، أنهما رجلان آخرَان من المسلمين، أو رجلان أعدل من المقسمين الأوَّلَين
* ذكر من قال ذلك:
12974 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن عامر، عن شريح في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض غُرْبة ولم يجد مسلمًا يشهده على
(1)
انظر ما سلف 1: 299/2: 411، 412، وغيرها من المواضع في باب تعاقب الحروف.

(2)
هو أبو المثلم الهذلي.

(3)
ديوان الهذليين 2: 224، مشكل القرآن: 295، 430، والمعاني الكبير: 969، 970، والاقتضاب: 451، والجواليقي: 373، واللسان (نفث) وغيرها. من أبيات في ملاحاة بينه وبين صخر الغي، من جراد دم كان أبو المثلم يطلب عقله، أي ديته، وقبل البيت: لَحَقٌ بَنِي شُغَارَةَ أن يَقُولوا ... لِصَخْرِ الغَيِّ: مَاذَا تَسْتَبِيثُ?

أي: ماذا تستثير؟ وإنما أراد الحرب، فقال له بعد: "متى ما تنكروها. . ." ، أي: إذا جاءت الحرب أنكرتموها، ولكن ما تكادون تنكرونها، حتى تروا الدم يقطر من نواحيها، يعني كتائب المحاربين. و "العلق" : الدم، و "الأقطار" : النواحي. و "النفيث" ، الدم الذي تنفثه القروح والجروح.
وقد خلط البطليوسي في شرح هذا الشعر، فزعم أن الضمير في قوله: "متى ما تنكروها" ، عائد "إلى المقالة" ، يعني هذا الهجاء بينهما، وأتى في ذلك بكلام لا خير فيه، أراد به الإغراب كعادته.
وصيته، فأشهد يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا، فشهادتهم جائزة. فإن جاء رجلان مسلمان فشهدَا بخلاف شهادتهم، أجيزت شهادة المسلمين، وأبطلت شهادة الآخرين. (1)
12975 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فإن عثر" ، أي: اطلع منهما على خيانة، على أنهما كذبا أو كَتما، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلافِ ما قالا أجيزت شهادة الآخرين، وأبطلت شهادة الأوَّلين.
12976 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء قال: كان ابن عباس يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلَيْنِ) قال، كيف يكون "الأوليان" ، أرأيت لو كان الأوليان صغيرين؟
12977- حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلَيْنِ) قال، وقال: أرأيت لو كان الأوليان صغيرين، كيف يقومان مقامهما؟
قال أبو جعفر: فذهب ابن عباس، فيما أرى، إلى نحو القول الذي حكيتُ عن شريح وقتادة، من أنّ ذلك رجلان آخران من المسلمين، يقومان مقام النَّصرانيين، أو عَدْلان من المسلمين هما أعدل وأجوزُ شهادة من الشاهدين الأولين أو المقسمين.
وفي إجماع جميع أهل العلم على أنْ لا حكم لله تعالى ذكره يجب فيه على شاهدٍ يمينٌ فيما قام به من الشهادة، دليلٌ واضح على أنّ غير هذا التأويل = الذي قاله الحسن ومن قال بقوله في قول الله تعالى ذكره: "فآخران يقومان مقامهما" = أولى به.
(1)
الأثر: 12974 - مضى هذا الخبر برقم: 12909، 12943، وانظر التعليق على رقم: 12909.

وأما قوله "الأوليان" ، فإن معناه عندنا: الأوْلى بالميت من المقسمين الأولين فالأولى. (1) وقد يحتمل أن يكون معناه: الأولى باليمين منهما فالأولى = ثم حذف "منهما" ، (2) والعرب تفعل ذلك فتقول: "فلان أفضل" ، وهي تريد: "أفضل منك" ، وذلك إذا وضع "أفعل" موضع الخبر. وإن وقع موقع الاسم وأدخلت فيه "الألف واللام" ، فعلوا ذلك أيضًا، إذا كان جوابًا لكلام قد مضى، فقالوا: "هذا الأفضل، وهذا الأشرف" ، يريدون: هو الأشرف منك.
* * *
وقال ابن زيد: معنى ذلك: الأوليان بالميت.
12978 - حدثني يونس، عن ابن وهب، عنه.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فيقسم الآخران اللذان يقومان مقام اللَّذين عثر على أنهما استحقا إثمًا بخيانتهما مالَ الميت، الأوْليان باليمين والميِّت من الخائنين: = "لشهادتنا أحقُّ من شهادتهما" ، يقول: لأيماننا أحقُّ من أيمان المقسمَين المستحقَّين الإثم، وأيمانِهما الكاذبة = في أنَّهما قد خانا في كذا وكذا من مال ميّتنا، وكذا في أيمانِهما التي حلفا بها= "وما اعتدينا" ، يقول: وما تجاوزنا الحقَّ في أيماننا.
* * *
وقد بينا أن معنى "الاعتداء" ، المجاوزة في الشيء حدَّه. (3)
* * *
(1)
السياق: "الأولى بالميت. . . فالأولى" .

(2)
في المطبوعة: "ثم حذف فيهما" ، وهو خطأ صرف، وهي في المخطوطة غير منقوطة.

(3)
انظر تفسير "الاعتداء" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا) .

"إنا إذًا لمن الظالمين" يقول: "إنّا إن كنا اعتدينا في أيماننا، فحلفنا مبطلين فيها كاذبين =" لمن الظالمين "، يقول: لَمِنْ عِدَادِ مَنْ يأخذ ما ليس له أخذه، (1) ويقتطع بأيمانه الفاجرة أموال الناس. (2) "
* * *
القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ذلك" ، هذا الذي قلت لكم في أمر الأوصياء = إذا ارتبتم في أمرهم، واتهمتموهم بخيانة لمالِ من أوصى إليهم، من حبسهم بعد الصلاة، واستحلافكم إيَّاهم على ما ادَّعى قِبَلهم أولياء الميت = "أدنى" لهم "أن يأتوا بالشهادة على وجهها" ، يقول: هذا الفعل، إذا فعلتم بهم، أقربُ لهم أن يصدُقوا في أيمانهم، (3) ولا يكتموا، ويقرُّوا بالحق ولا يخونوا (4) = "أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم" ، يقول: أو يخاف هؤلاء الأوصياء إن عثر عليهم أنهم استحقُّوا إثمًا في أيمانهم بالله، أن تردَّ أيمانهم على أولياء الميت، بعد أيمانهم التي عُثِر عليها أنها كذب، فيستحقُّوا بها ما ادّعوا قِبَلهم من حقوقهم، فيصدقوا حينئذٍ في أيمانهم وشهادتهم، مخافةَ الفضيحة على أنفسهم، وحذرًا أن يستحقّ عليهم ما خانُوا فيه أولياء الميِّت وورثته.
* * *
(1)
في المطبوعة: "لمن عدا ومن يأخذ" ، غير ما في المخطوطة، وأساء أقبح الإساءة.

(2)
انظر تفسير "الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(3)
انظر تفسير "أدنى" فيما سلف 6: 78/7: 548.

(4)
انظر تفسير "على وجهه" فيما سلف 2: 511.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد تقدّمت الروايةُ بذلك عن بعضهم، نحن ذاكرو الرواية في ذلك عن بعضِ من بَقي منهم.
12979 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فإن عُثر على أنهما استحقّا إثمًا" ، يقول: إن اطُّلع على أنّ الكافرين كذبَا = "فآخران يقومان مقامهما" ، يقول: من الأولياء، فحلفا بالله أنّ شهادة الكافرين باطلة، وأنا لم نعتد، فتردّ شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء. يقول تعالى ذكره: ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها، أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم. وليس على شُهود المسلمين أقسْام، وإنما الأقسام إذا كانوا كافرين.
12980 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة" الآية، يقول: ذلك أحرَى أن يصدقوا في شهادتهم، وأن يخافوا العَقِب. (1)
12981 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أو يخافوا أن تردَّ أيمان بعد أيمانهم" ، قال: فتبطل أيمانهم، وتؤخذ أيمانُ هؤلاء.
* * *
وقال آخرون: [معنى ذلك تحبسونهما من بعد الصلاة. ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، على أنهما استحقا إثمًا، فآخران يقومان مقامهما] . (2)
* ذكر من قال ذلك:
(1)
في المطبوعة: "وأن يخافوا العقاب" ، والصواب ما في المخطوطة و "العقب" (بفتح فكسر) : العاقبة، وذلك عاقبة أمرهما في وبطلان أيمانهم، وعاقبة رد الفضيحة على أنفسهم.

(2)
هذه الجملة كلها مضطربة المعنى، ولا تطابق الأثر التالي، وظني أن في الكلام سقطًا، أسقط الناسخ سطرًا أو نحوه، وتركتها على حالها في المخطوطة والمطبوعة، ولكني وضعتها بين قوسين، شكًّا مني في صحتها.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.70 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]