عرض مشاركة واحدة
  #588  
قديم 15-07-2025, 01:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,797
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة
الحلقة (588)
صــ 186 إلى صــ 195





12967 - حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال، حدثنا محمد بن سلمة الحراني قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، عن باذان مولى أم هانئ ابنة أبي طالب، عن ابن عباس، عن تميم الدرايّ في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" ، قال: برئ الناس منها غيري وغير عديّ بن بدّاء = وكانا نصرانيّين يختلفان إلى الشأم قبل الإسلام. فأتيا الشأم لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بريل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جامُ فضّة يريد به الملك، وهو عُظم تجارته، (1) فمرض، فأوصى إليهما، وأمرهما أن يُبلغا ما ترك أهله. قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجامَ فبعناه بألف درهم، فقسمناه أنا وعديّ بن بدّاء، [فلما قدمنا إلى أهله، دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام، فسألوا عنه] ، (2) فقلنا: ما ترك غيرَ هذا، وما دفع إلينا غيره: قال تميم: فلما أسلمتُ بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، تأثَّمت من ذلك، (3) فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، وأدّيت إليهم خمسمئة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها! فوثبوا إليه، (4) فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
في المخطوطة: "وهي عظم" ، وأثبت ما في المطبوعة، لمطابقته لما في المراجع الأخرى. وقوله: "عظم تجارته" ، أي: معظمها، يعني أن الجام كان أنفس ما معه وأغلاه ثمنًا.

(2)
هذه الجملة التي بين القوسين، ليست في المخطوطة ولا المطبوعة، وهي ثابتة في المراجع الأخرى، وأثبتها من نص الناسخ والمنسوخ.

(3)
"تأثم من الشيء" ، تحرج منه، ووجده إثمًا يريد البراءة منه.

(4)
قوله: "فوثبوا إليه" ، حذفها ناشر المطبوعة، وهي ثابتة في المخطوطة، وفي الناسخ والمنسوخ.

فسألهم البينة، فلم يجدوا. فأمرهم أن يستحلفوه بما يُعَظَّم به على أهل دينه، فحلف، فأنزل الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله: "أن ترد أيمان بعد أيمانهم" ، فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا، (1) فنزعتُ الخمسمئة من عدي بن بدَّاء. (2)
12968 - حدثنا القاسم، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة وابن سيرين وغيره = قال، وثنا الحجاجُ، عن ابن جريج، عن عكرمة = دخل حديث بعضهم في بعض: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية، قال: كان عدي وتميم الداري، وهما من لَخْم، نصرانيَّان، يتَّجران إلى مكة في الجاهلية. فلما هاجرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حوَّلا متجرهما إلى المدينة، فقدم ابن أبي مارية، مولى عمرو بن العاص المدينة، وهو يريد الشأم تاجرًا، فخرجوا جميعًا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، مرض ابن أبي مارية، فكتب وصيَّته بيده تم دسَّها في متاعه، ثم أوصى إليهما. فلما مات فتحا متاعه، فأخذا ما أرادا، ثم قدما على أهله فدفعا ما أرادا، ففتح أهله متاعه، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به، وفقدوا شيئًا، فسألوهما عنه، فقالوا: هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا. قال لهما أهله: فباع شيئًا أو ابتاعه؟ قالا لا! قالوا: فهل استهلك من متاعه شيئًا؟ (3) قالا لا! قالوا: فهل تَجَر
(1)
في المخطوطة: "حلفا" ، بغير فاء، وأثبت ما في المطبوعة والمراجع.

(2)
الأثر: 12967 - "الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني" ، "أبو مسلم الحراني" ، ثقة مأمون، مضت ترجمته برقم: 10411، وكان في المطبوعة هنا: "الحسن بن أبي شعيب" أسقط "بن أحمد" ، مع ثبوتها في المخطوطة، وعذره أنه رأى الناسخ كتب "الحسن بن يحيى أحمد قال ابن أبي شعيب" ، وضرب على "يحيى" وعلى "قال" ، فضرب هو أيضا على "بن أحمد" فحذفها! ! وهو تساهل رديء.

و "محمد بن سلمة الحراني الباهلي" ، ثقة، مضت ترجمته برقم: 175، وقد ورد في إسناد محمد ابن إسحق، مئات من المرات.
و "أبو النضر" هو "محمد بن السائب الكلبي" ، ضعيف جدًا، رمي بالكذب. وقد روى الثوري عن الكلبي نفسه أنه قال: "ما حدثت عني، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فهو كذب، فلا تروه" . مضت ترجمته برقم: 72، 246، 248.
وأما "باذان، مولى أم هانئ" ، أو "باذام" فهو "أبو صالح" ، ثقة، مضى برقم: 112، 168 وغيرها. وهو مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/144، وابن أبي حاتم 1/1/431.
وكان في المطبوعة والمخطوطة، والناسخ والمنسوخ جميعًا "زاذان، مولى أم هانئ" ، وهذا شيء لم يقله أحد، ولذلك غيرته إلى الصواب الذي أجمعوا عليه، وكأنه خطأ من الناسخ.
وأما "تميم الداري" ، و "عدي بن بداء" فقد سلفا في الأثر السابق.
وأما "بريل بن أبي مريم" ، مولى بني سهم، أو مولى عمرو بن العاص السهمي، صاحب هذه التجارة، فقد ترجم له ابن حجر في الإصابة في "بديل" بالدال، وكذلك ابن الأثير في أسد الغابة. وكان بديل مسلمًا من المهاجرين.
يقال في اسمه "بديل بن أبي مريم" ، و "بديل بن أبي مارية" ، ثم اختلف في "بديل" ، فروي بالدال، وروي "بريل" بالراء، وروي "بزيل" بالزاي، وروي "برير" ، وقال ابن الأثير: "والذي ذكره الأئمة في كتبهم: يزيل، بضم الباء وبالزاي، ونحن نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى" . هكذا قال ووعد، ثم لم أجد له ذكرًا في كتابه بعد ذلك، فلا أدري أنسي ابن الأثير، أم في كتابه خرم أو نقص!!
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 5: 308، ما لم يذكره في الإصابة، فقال: "بزيل" بموحدة، وزاي، مصغر. وكذا ضبطه ابن ماكولا، ووقع في رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن تميم نفسه عنه الترمذي والطبري (يعني هذا الخبر) : بديل، بدال، بدل الزاي. ورأيته في نسخة من تفسير الطبري: بريل، براء بغير نقطة. ولابن مندة من طريق السدي، عن الكلبي: بديل بن أبي مارية ". ثم قال:" ووهم من قال فيه: بديل بن ورقاء، فإنه خزاعي، وهذا سهمي، وكذا وهم من ضبطه بذيل، بالذال المعجمة "."
وكان في المطبوعة "بديل" ، ولكني أثبت ما في المخطوطة، وأخشى أن تكون مخطوطتنا هذه، هي "النسخة الصحيحة من تفسير الطبري" التي ذكرها الحافظ ابن حجر، أو هي منقولة عن النسخة التي ذكرها ووصفها وصححها.
وهذا الخبر، رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 133، والترمذي في سننه في كتاب التفسير؛ بهذا الإسناد نفسه. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح. وأبو النضر، الذي روى عنه محمد بن إسحق هذا الحديث، هو عندي: محمد بن السائب الكلبي، يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير. سمعت محمد بن إسمعيل. يقول: محمد بن سائب الكلبي، يكنى أبا النضر، ولا نعرف لسالم أبي النضر المديني رواية عن أبي صالح (باذان) مولى أم هانئ. وقد روي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار، عن غير هذا الوجه" ، ثم ساق الترمذي الأثر السالف بإسناده.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 341، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم في المعرفة.
(3)
قولهم: "فهل استهلك من متاعه شيئًا" ، أي: أضاعه وافتقده، وهذا حرف لم تقيده كتب اللغة، استظهرت معناه من السياق. وقد جاء في حديث عائشة (صحيح مسلم 2: 59، وتفسير الطبري رقم: 9640) أن عائشة: "استعارت من أسماء قلادة فهلكت" ، أي: ضاعت، كما فسرته فيما سلف 8: 404، رقم: 2. فقوله: "استهلك" هنا، من معنى هذا الحرف الذي لم تقيده كتب اللغة ببيان واضح، وهو "استفعل" ، بمعنى: وجده قد ضاع. وهو من صحيح القياس وجيده، وهذا شاهده إن شاء الله.

تجارة؟ (1) قالا لا! قالوا: فإنا قد فقدنا بعضَه! فاتُّهما، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" إلى قوله: "إنا إذا لمن الآثمين" . قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما في دُبُر صلاة العصر: بالله الذي لا إله إلا هو، ما قبضنا له غيرَ هذا، ولا كتمنا ". قال: فمكثنا ما شاء الله أن يمكثَا، (2) ثم ظُهِرَ معهما على إناء من فضةٍ منقوش مموَّه بذهب، (3) فقال، أهله: هذا من متاعه؟ قالا نعم، ولكنا اشترينا منه، ونسينا أن نذكره حين حلفنا، فكرهنا أن نكذِّب أنفسنا! (4) فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية الأخرى:" فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان "، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيَّبا ويستحقَّانه. ثم إنّ تميمًا الداري أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: صدق الله ورسوله: أنا أخذت الإناء! (5) "
12969- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" ، الآية كلها. قال: هذا شيء [كان] حين لم يكن الإسلام إلا بالمدينة، (6) وكانت الأرض كلها كفرًا، (7) فقال الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" ، من المسلمين = "أو آخران من غيركم" ، من غير أهل الإسلام = "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، قال: كان الرجل يخرج مسافرًا، والعرب أهلُ كفر، فعسى أن يموت في سفره، فيُسند وصيته إلى رجلين منهم = "فيقسمان بالله إن ارتبتم" ، في أمرهما. إذا قال الورثة: كان مع صاحبنا كذا وكذا، فيقسمان بالله: ما كان معه إلا هذا الذي قلنا = "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا" ، أنما حلفا على باطل وكذب = "فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" بالميت = "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين" ، ذكرنا أنه كان مع صاحبنا كذا وكذا، قال هؤلاء: لم يكن معه! قال: ثم عثر على بعض المتاع عندهما، فلما عثر على ذلك رُدّت القسامة على وارثه، (8) فأقسما، ثم ضمن هذان. قال الله تعالى: "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" ، (9) فتبطل أيمانهم = "واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، الكاذبين، الذين يحلفون على الكذب. وقال ابن زيد: قدم تميمٌ الداريّ وصاحب له، وكانا يومئذ مشركين، ولم يكونا أسلما، فأخبرا أنهما أوصى إليهما رجلٌ، وجاءا بتركته. فقال أولياء الميت:
(1)
"تجر يتجر تجرًا وتجارة" (على وزن: نصر ينصر) : باع وشرى. وأرادوا به هنا معنى الشراء بالعوض، فيما أستظهر، فإنهم قد سألوه قبل عن البيع والابتياع.

(2)
في المطبوعة: "فمكثنا ما شاء الله أن نمكث" ، غير الناشر ما في المخطوطة، وأفسد.

(3)
"ظهر" (بالبناء للمجهول) ، أي: عثر معها على إناء.

(4)
في المخطوطة: "نفسا" غير منقوطة، ولو شئت قرأتها: "نفسينا" ، مكان "أنفسنا" ، وهما صواب.

(5)
الأثر: 12968 - "أبو سفيان" هو: المعمري، "محمد بن حميد اليشكري" ، مضى برقم: 1787، 8829.

و "الحسين" الراوي عنه، هو "سنيد بن داود" ، مضى مرارًا.
و "ابن أبي مارية" ، هو "بديل بن أبي مارية" ، وقد بينت ذلك في التعليق على الأثر السالف.
وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 342، وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(6)
الزيادة بين القوسين، لا بد منها للسياق، وكان في المخطوطة: ". . . لم يكن السلام" ، والصواب ما في المطبوعة.

(7)
في المطبوعة: "كفر" بالرفع، وأخشى أن يكون الأصل: "وكانت الأرض كلها دار كفر" ، أو ما أشبه ذلك، وتركت ما في المطبوعة على حاله، وهو صواب أيضًا.

(8)
"القسامة" (بفتح القاف) ، أراد بها هنا: اليمين.

(9)
قوله تعالى: "بعد أيمانهم" لم تكن في المخطوطة ولا المطبوعة، والصواب إثباتها.

كان مع صاحبنا كذا وكذا، وكان معه إبريق فضة! وقال الآخران: لم يكن معه إلا الذي جئنا به! فحلفا خَلْف الصلاة، ثم عثر عليهما بعدُ والإبريق معهما. فلما عثر عليهما، رُدَّت القسامة على أولياء الميت بالذي قالوا مع صاحبهم، ثم ضمنهما الذي حلف عليه الأوليان.
12970- حدثنا الربيع قال، حدثنا الشافعي قال، أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان = قال بكير، قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك = في قول الله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، أن رجلين نصرانيين من أهل دارِين، أحدهما تميمي، والآخر يماني، صاحَبهما مولًى لقريش في تجارة، فركبوا البحر، ومع القرشي مال معلومٌ قد علمه أولياؤه، من بين آنية وبزّ ورِقَة. (1) فمرض القرشي، فجعل وصيته إلى الداريّين، فمات، وقبض الداريّان المال والوصية، فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا ببعض ماله، وأنكر القوم قلّة المال، فقالوا للداريَّين: إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما أتيتمونا به، فهل باع شيئًا أو اشترى شيئًا، فوُضِع فيه، (2) وهل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا لا! قالوا: فإنكما خنتمانا! فقبضوا المال، ورفعوا أمرهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى آخر الآية. فلما نزل: أن يُحْبسا من بعد الصلاة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقاما بعد الصلاة، فحلفا بالله رب السموات: "ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، وإنا لا نشتري بأيماننا"
(1)
"البز" : الثياب، أو ضروب منها، وبائعها يقال له: "البزاز" . و "الرقة" (بكسر الراء وفتح القاف) : الفضة، وأصلها "الورق" (بفتح الواو وكسر الراء) ، ثم حذفت الواو، وجعلت الهاء في آخرها عوضًا عن الواو.

(2)
يقال: "وضع في تجارته يوضع ضعة، ووضيعة فهو موضوع فيها" ويقال: "أوضع" (كلاهما بالبناء للمجهول) ، ويقال: "وضع في تجارته وضعًا" (مثل: فرح فرحًا) : غبن فيها، وخسر من رأس المال.

ثمنًا قليلا من الدنيا، ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين ". فلما حلفا خلَّى سبيلهما. ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناءً من آنية الميت، فأُخذ الداريَّان، فقالا اشتريناه منه في حياته! وكذبا، فكلِّفا البينة، فلم يقدرا عليها. فرفعوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى ذكره:" فإن عثر "، يقول: فإن اطُّلع =" على أنهما استحقا إثمًا "، يعني الداريين، إن كتما حقًّا =" فآخران "، من أولياء الميت =" يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان "، فيقسمان بالله:" إنّ مال صاحبنا كان كذا وكذا، وإن الذي يُطلب قبل الداريين لحقّ، وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين "، هذا قول الشاهدين أولياء الميت =" ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها "، يعني: الداريَّين والناس، أن يعودوا لمثل ذلك. (1) "
* * *
قال أبو جعفر: ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا، دليلٌ واضح على صحة ما قلنا، من أنّ حكم الله تعالى ذكره باليمين على الشاهدين في هذا الموضع، إنما هو من أجل دعوى وَرَثته على المسنَد إليهما الوصية، خيانةً فيما دفع الميت من ماله إليهما، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيه المدعي ذلك قِبَله إلا بيمين = وأن نقل اليمين إلى ورثة الميت بما أوجبه الله تعالى ذكره، بعد أن عثر على الشاهدين [أنهما استحقا إثمًا] ، في أيمانهما، (2) ثم ظُهِر على كذبهما فيها، إن القوم ادَّعوا
(1)
الأثر: 12970 - "معاذ بن موسى الجعفري" ، "أبو سعيد" ، لم أجد له ترجمة إلا في تعجيل المنفعة: 406، لم يزد على أن قال: "معاذ بن موسى، عن بكير بن معروف."

وعند الشافعي، رحمه الله تعالى ". وكان في المطبوعة:" سعيد بن معاذ بن موسى "وهو خطأ، مخالف للمخطوطة."
و "بكير بن معروف الأسدي" ، "أبو معاذ النيسابوري، الدامغاني" صاحب التفسير، وهو صاحب مقاتل. قال ابن عدي: "ليس بكثير الرواية، وأرجو أنه لا بأس به، وليس حديثه بالمنكر جدًا" ، مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/117، وابن أبي حاتم 1/1/406.
وكان في المطبوعة: "بكر" ، وهو خطأ صرف.
وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 10: 164 من طريق إسمعيل بن قتيبة، عن أبي خالد يزيد بن صالح، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان. ثم رواه (10: 165) من طريق أبي العباس الأصم، عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي، ثم أحال لفظه على الذي قبله.
(2)
هذه الزيادة بين القوسين، لا بد منها، استظهرتها من نص الآية.

فيما صَحَّ أنه كان للميت دعوًى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الأملاك، مما يكون اليمينُ فيها على ورثة الميت دون المدَّعَى، وتكون البينة فيها على المدعي= وفسادِ ما خالف في هذه الآية ما قلنا من التأويل. (1)
وفيها أيضًا، (2) البيانُ الواضح على أن معنى "الشهادة" التي ذكرها الله تعالى في أول هذه القصة إنما هي اليمين، كما قال الله تعالى في مواضع أُخر: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، [سورة النور:6] . فالشهادة في هذا الموضع، معناها القَسم، من قول القائل: "أشهد بالله إني لمن الصادقين" ، (3) وكذلك معنى قوله: "شهادة بينكم" إنما هو: قسَم بينكم = "إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية" ، أن يقسم اثنان ذوا عدل منكم، إن كانا اتُّمنا على مال فارتيب بهما، أو اتُّمِنَ آخران من غير المؤمنين فاتُّهما. (4) وذلك أن الله تعالى ذكره، لما ذكر نقل اليمين من اللذين ظُهر على خيانتهما إلى الآخرين، قال: "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" . ومعلومٌ أنّ أولياء الميت المدعين قِبل اللذين ظُهر على خيانتهما، غير جائز أن يكونا شهداء، بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حق مدعًى عليه لمدّع. لأنه لا يعلم لله تعالى ذكره حكم قضى فيه لأحد بدعواه ويمينه على مدعًى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدعَى عليه ولا برهان. فإذ كان معلومًا أن قوله: "لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، إنما معناه: قسمُنا أحق من قَسَمهما = وكان قسم اللذين عُثر على أنهما أثِمَا، هو الشهادة التي ذكر
(1)
في المطبوعة: "مما قلنا من التأويل" ، وفي المخطوطة: "ما قبلنا من التأويل" ، وصواب القراءة ما أثبت.

(2)
قوله: "وفيها أيضًا" ، الضمير عائد على قوله في أول الفقرة السالفة: "ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا" ، وهي عطف عليه.

(3)
في المطبوعة: "إنه لمن الصادقين" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)
انظر ما كتبه في "اتمن" فيما سلف ص: 172، تعليق: 1، 2

الله ذكره تعالى في قوله: "أحق من شهادتهما" = صحَّ أن معنى قوله: "شهادة بينكم" ، بمعنى: "الشهادة" في قوله: "لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، وأنها بمعنى القسم.
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: "من الذين استحق عليهم الأوليان" .
فقرأ ذلك قرأة الحجاز والعراق والشأم: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ، بضم "التاء" .
* * *
وروي عن علي، وأبيّ بن كعب، والحسن البصري أنهم قرءوا ذلك: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ، بفتح "التاء" .
* * *
واختلفت أيضًا في قراءة قوله: "الأوليان" .
فقرأته عامة قراء أهل المدينة والشأم والبصرة: (الأَوْلَيَان) .
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: (الأَوَّلِينَ) .
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوَّلانِ) .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في قوله: "من الذين استحق عليهم" ، قراءة من قرأ بضم "التاء" ، لإجماع الحجة من القرأة عليه، مع مشايعة عامة أهل التأويل على صحة تأويله، (1) وذلك إجماع عامتهم على أن تأويله: فآخران من أهل الميت، الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهم،
(1)
في المطبوعة: "مع مساعدة أهل التأويل" ، وفي المخطوطة: "مع مساعه" غير منقوطة، وآثرت قراءتها كما كتبتها. و "المشايعة" ، الموافقة والمتابعة.

يقومان مقام المستحقَّيْ الإثم فيهما، بخيانتهما ما خانَا من مال الميت.
وقد ذكرنا قائلي ذلك، أو أكثر قائليه، فيما مضى قبل، ونحن ذاكُرو باقيهم إن شاء الله ذلك:
12971 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "شهادة بينكم" ، أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران، لا يحضُره غير اثنين منهم. فإن رضي ورَثته ما عاجل عليه من تركته فذاك، وحلف الشاهدان إن اتُّهما: إنهما لصادقان = "فإن عثر" وُجد، (1) حلف الاثنان الأوليان من الورثة، فاستحقّا وأبطَلا أيمانَ الشَّاهدين.
* * *
وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بفتح "التاء" ، أرادوا أن يوجهوا تأويلَه إلى: "فآخران يقومان مقامهما" ، مقام المؤتمنين اللذين عُثِر على خيانتهما في القَسم، و "الاستحقاق به عليهما" ، دعواهما قِبَلهما = من "الذين استحقَّ" على المؤتمنين على المالِ على خيانتهما القيامَ مقامهما في القَسَم والاستحقاق، الأوليان بالميت. (2) وكذلك كانت قراءة من رُوِيت هذه القراءة عنه، فقرأ ذلك: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ بفتح "التاء" = و "الأوليان" ، (3) على معنى: الأوليان بالميت وماله. وذلك مذهبٌ صحيحٌ، وقراءةٌ غير مدفوعة صحَّتها، غير أنا نختار الأخرى،
(1)
في المطبوعة: "فإن عثر، وجد لطخ حلف الاثنان. . ." ، وقوله: "لطخ" هنا من عجائب الكلام، وفي المخطوطة بعد: "فإن عثر وجد" بياض إلى آخر السطر، مع علامات بعد الكلام بالحمرة. والظاهر أن النسخة التي نقل عنها ناشر المطبوعة، كان فيها في هذا الموضع حرف (ط) دلالة على الخطأ، فكتب مكانها ما كتب. ووضعت أنا مكان البياض في المخطوطة نقطًا، والظاهر أن سياق الكلام كان: "فإن عثر، وجد أنها استحقا إثمًا" حلف الاثنان. . . "، ولكني آثرت ترك البياض كما هو في المخطوطة، والمعنى ظاهر."

(2)
في المطبوعة: "في الأوليان" بزيادة "في" ، أثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.

(3)
في المطبوعة، حذف قوله: "والأوليان" ، وساق الكلام على سياق واحد. وأثبت ما في المخطوطة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]