عرض مشاركة واحدة
  #778  
قديم 14-07-2025, 09:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (20)
سُورَةُ الكافرون

من صــ 221 الى صــ232
الحلقة (778)



ابن حجر وغيره قال ابن المنذر : وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وحكى ذلك عن الشافعي وأستحب ذلك أصحاب الرأي ورأت جماعة إرسال اليد وممن روينا ذلك عنه ابن المنذر والحسن البصري وإبراهيم النخعي قلت : وهو مروي أيضا عن مالك قال بن عبد البر : إرسال اليدين ووضع اليمنى على الشمال كل ذلك من سنة الصلاة الرابعة وأختلفوا في الموضع الذي توضع عليه اليد فروي عن علي بن أبي طالب : أنه وضعهما على صدره وقال سعيد بن جبير وأحمد بن حنبل : فوق السرة وقال : لا بأس إن كانت تحت السرة وقالت طائفة : توضع تحت السرة وروي ذلك عن علي وأبي هريرة والنخعي وأبي مجلز وبه قال سفيان الثوري وإسحاق الخامسة وأما رفع اليدين في التكبير عند الأفتتاح والركوع والرفع من الركوع والسجود فأختلف في ذلك فروى الدارقطني من حديث حميد عن أنس قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يرفع يديه إذا دخل في الصلاة وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد لم يروه عن حميد مرفوعا إلا عبد الوهاب الثقفي والصواب : من فعل أنس وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم يكبر وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ويفعل ذلك حين يرفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمده ولا يفعل ذلك حين يرفع رأسه من السجود قال ابن المنذر : وهذا قول الليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وحكى ابن وهب عن مالك هذا القول وبه أقول لأنه الثابت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالت طائفة : يرفع المصلي يديه حين يفتتح الصلاة ولا يرفع فيما سوى ذلك هذا قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي
"صفحة رقم 222"
قلت : وهو المشهور من مذهب مالك لحديث ابن مسعود ) خرجه الدارقطني من حديث إسحاق بن أبي إسرائيل ( قال : حدثنا محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : صليت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلم يرفعوا أيديهم إلا أولا عند التكبيرة الأولى في إفتتاح الصلاة قال إسحاق : به نأخذ في الصلاة كلها قال الدارقطني : تفرد به محمد بن جابر ) وكان ضعيفا ( عن حماد عن إبراهيم وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلا عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو الصواب وقد روى يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء : أنه رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين أفتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من الصلاة قال الدارقطني : وإنما لقن يزيد في آخر عمره : ثم لم يعد فتلقنه وكان قد أختلط وفي ) مختصر ما ليس في المختصر ( عن مالك : لا يرفع اليدين في شيء من الصلاة قال ابن القاسم : ولم أر مالكا يرفع يديه عند الإحرام قال : وأحب إلي ترك رفع اليدين عند الإحرام
الكوثر : ) 3 ( إن شانئك هو . . . . .
)
3 (

أي مبغضك وهو العاص بن وائل وكانت العرب تسمى من كان له بنون وبنات ثم مات البنون وبقى البنات : أبتر فيقال : إن العاص وقف مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يكلمه فقال له جمع من صناديد قريش : مع من كنت واقفا فقال : مع ذلك الأبتر وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكان من خديجة فأنزل الله جل شأنه : إن شانئك هو الأبتر أي المقطوع ذكره من خير الدنيا والآخرة وذكر عكرمة عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية إذا مات ابن الرجل قالوا : بتر فلان فلما مات إبراهيم ابن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد فأنزل الله جل ثناؤه
"صفحة رقم 223"
إن شانئك هو الأبتر يعني بذلك أبا جهل وقال شمر بن عطية : هو عقبة بن أبي معيط وقيل : إن قريشا كانوا يقولون لمن مات ذكور ولده : قد بتر فلان فلما مات لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إبنه القاسم بمكة وإبراهيم بالمدينة قالوا : بتر محمد فليس له من يقوم بأمره من بعده فنزلت هذه الآية قاله السدي وإبن زيد وقيل : إنه جواب لقريش حين قالوا لكعب بن الأشرف لما قدم مكة : نحن أصحاب السقاية والسدانة والحجابة واللواء وأنت سيد أهل المدينة فنحن خير أم هذا الصنيبر الأبيتر من قومه قال كعب : بل أنتم خير فنزلت في كعب : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت الآية ونزلت في قريش : إن شانئك هو الأبتر قاله ابن عباس أيضا وعكرمة وقيل : إن الله عز وجل لما أوحى إلى رسوله ودعا قريشا إلى الإيمان قالوا : أنبتر منا محمد أي خالفنا وأنقطع عنا فأخبر الله تعالى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أنهم هم المبتورون قاله أيضا عكرمة وشهر بن حوشب قال أهل اللغة : الأبتر من الرجال : الذي لا ولد له ومن الدواب الذي لا ذنب له وكل أمر أنقطع من الخير أثره فهو أبتر والبتر : القطع بترت الشيء بترا : قطعته قبل الإتمام والإنبتار : الإنقطاع والباتر : السيف القاطع والأبتر : المقطوع الذنب تقول منه : بتر ) بالكسر ( يبتر بترا وفي الحديث ) ما هذه البتيراء ) وخطب زياد خطبته البتراء لأنه لم يمجد الله فيها ولم يصل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ابن السكيت : الأبتران : العير والعبد قال سميا أبترين لقلة خيرهما وقد أبتره الله : أي صيره أبتر ويقال : رجل أباتر ) بضم الهمزة ( : الذي يقطع رحمه قال الشاعر : لئيم نزت في أنفه خنزوانة على قطع ذي القربى أحذ أباتر والبترية : فرقة من الزيدية نسبوا إلى المغيرة بن سعد ولقبه الأبتر وأما الصنبور فلفظ مشترك قيل : هو النخلة تبقى منفردة ويدق أسفلها ويتقشر يقال : صنبر أسفل النخلة
وقيل : هو الرجل الفرد الذي لا ولد له ولا أخ. وقيل : هو مثعب الحوض خاصة ؛ حكاه أبو عبيد. وأنشد :
ما بين صنبور إلى الإزاء
والصنبور : قصبة تكون في الإداوة من حديد أو رصاص يشرب منها. حكى جميعه الجوهري رحمه الله. والله سبحانه وتعالى أعلم.
سورة الكافرون
وهي مكية ؛ في قول ابن عباس وعكرمة. ومدنية ؛ في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك. وهي ست آيات.
وفي الترمذي من حديث أنس : أنها تعدل ثلث القرآن. وفي كتاب (الرد لأبي بكر الأنباري) : أخبرنا عبدالله بن ناجية قال : حدثنا يوسف قال حدثنا القعنبي وأبو نعيم عن موسى بن وردان عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تعدل ربع القرآن" . ورواه موقوفا عن أنس. وخرج الحافظ أبو محمد عبدالغني بن سعيد عن ابن عمر قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الفجر في سفر ، فقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} . و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ثم قال : "قرأت بكم ثلث القرآن وربعه" . وروى جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أتحب يا جبير إذا خرجت سفرا أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا" ؟ قلت : نعم. قال : "فاقرأ هذه السور الخمس من أول {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} -إلى- {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وأفتتح قراءتك ببسم الله الرحمن الرحيم" .قال : فوالله لقد كنت غير كثير المال ، إذا سافرت أكون أبذهم هيئة ، وأقلهم زادا ، فمذ قرأتهن صرت من أحسنهم هيئة ، وأكثرهم زادا ، حتى أرجع من سفري ذلك.
وقال فروة بن نوفل الأشجعي : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني قال : "أقرأ عند منامك {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فإنها براءة من الشرك" . خرجه أبو بكر الأنباري وغيره. وقال ابن عباس : ليس في القرآن أشد غيظا لإبليس منها ؛ لأنها توحيد وبراءة من الشرك. وقال الأصمعي : كان يقال? {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} المقشقشتان ؛ أي أنهما تبرئان من النفاق. وقال أبو عبيدة : كما يقشقش الهناء الجرب فيبرئه. وقال ابن السكيت : يقال للقرح والجدري إذا يبس وتقرف ، وللجرب في الإبل إذا قفل : قد توسف جلده ، وتوسف جلده ، وتقشقش جلده.
بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ
1-
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}

2-
{لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}

3-
{وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}

4-
{وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ}

5-
{وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}

ذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس : أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبدالمطلب ، وأمية بن خلف ؛ لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله ، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا ، كنا قد شاركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك ، كنت قد شركتنا في أمرنا ، وأخذت بحظك منه ؛ فأنزل الله عز وجل {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} .
وقال أبو صالح عن ابن عباس : أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو استلمت بعض هذه الآلهة لصدقناك ؛ فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه السورة فيئسوا منه ، وآذوه ، وآذوا أصحابه. والألف واللام ترجع إلى معنى المعهود
وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة لأي ؛ لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كفره ، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم. ونحوه عن الماوردي : نزلت جوابا ، وعني بالكافرين قوما معينين. لا جميع الكافرين ؛ لأن منهم من آمن ، فعبد الله ، ومنهم من مات أو قتل على كفره. ، وهم المخاطبون بهذا القول ، وهم المذكورون. قال أبو بكر بن الأنباري : وقرأ من طعن في القرآن : قل للذين كفروا {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وزعم أن ذلك هو الصواب ، وذلك افتراء على رب العالمين ، وتضعيف لمعنى هذه السورة ، وإبطال ما قصده الله من أن يذل نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزري ، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لب وحجا. وذلك أن الذي يدعيه من اللفظ الباطل ، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى ، وتزيد تأويلا ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم. فمعنى قراءتنا : قل للذين كفروا : يأيها الكافرون ؛ دليل صحة هذا : أن العربي إذا قال لمخاطبه قل لزيد أقبل إلينا ، فمعناه قل لزيد يا زيد أقبل إلينا. فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم ، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى ؛ إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم ، فيقول لهم : {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} . وهو يعلم أنهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر ، ويدخلوا في جملة أهله إلا وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد ، أو تقع به من جهتهم أذية. فمن لم يقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} كما أنزلها الله ، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وسبيل أهل الإسلام ألا يسارعوا إلى مثلها ، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه ، التي منحه الله إياها ، وشرفه بها.
وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ؛ كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله. قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ؛ قال الله تعالى : {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} . {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ } . {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} . و {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} . كل هذا على التأكيد.
وقد يقول القائل : إرم إرم ، اعجل اعجل ؛ ومنه قوله عليه السلام في الحديث الصحيح : "فلا آذن ، ثم لا آذن ، إنما فاطمة بضعة مني" . خرجه مسلم. وقال الشاعر :
هلا سألت جموع كندة ... يوم ولوا أين أينا
وقال آخر :
يا لبكر انشروا لي كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار
وقال آخر :
يا علقمة يا علقمة يا علقمة ... خير تميم كلها وأكرمه
وقال آخر :
يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنك إن يصرع أخوك تصرع
وقال آخر :
ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثمَّت اسلمي ... ثلاث تحيات وإن لم تكلم
ومثله كثير. وقيل : هذا على مطابقة قولهم : تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، ثم نعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، ثم تعبد آلهتنا ونعبد إلهك ، فنجري على هذا أبدا سنة وسنة. فأجيبوا عن كل ما قالوه بضده ؛ أي إن هذا لا يكون أبدا. قال ابن عباس : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : نحن نعطيك من المال ما تكون به أغنى رجل بمكة ، ونزوجك من شئت ، ونطأ عقبك ؛ أي نمشي خلفك ، وتكف عن شتم آلهتنا ، فإن لم تفعل فنحن نعرض عليك خصلة واحدة هي لنا ولك صلاح ، تعبد آلهتنا اللات والعزى سنة ،
ونحن نعبد إلهك سنة ؛ فنزلت السورة. فكان التكرار في {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ؛ لأن القوم كرروا عليه مقالهم مرة بعد مرة. والله أعلم. وقيل : إنما كرر بمعنى التغليظ. وقيل : أي {لا أَعْبُدُ} الساعة {مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ} الساعة {مَا أَعْبُدُ} . ثم قال : {وَلا أَنَا عَابِدٌ} في المستقبل {مَا عَبَدْتُمْ.وَلا أَنْتُمْ} في المستقبل {عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} . قاله الأخفش والمبرد. وقيل : إنهم كانوا يعبدون الأوثان ، فإذا ملوا وثنا ، وسئموا العبادة له ، رفضوه ، ثم أخذوا وثنا غيره بشهوة نفوسهم ، فإذا مروا بحجارة تعجبهم ألقوا هذه ورفعوا تلك ، فعظموها ونصبوها آلهة يعبدونها ؛ فأمر عليه السلام أن يقول لهم : {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} اليوم من هذه الآلهة التي بين أيدكم. ثم قال : {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أي وإنما أنتم تعبدون الوثن الذي اتخذتموه ، وهو عندكم الآن. {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} أي بالأمس من الآلهة التي رفضتموها ، وأقبلتم على هذه. {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} فإني أعبد إلهي. وقيل : إن قوله تعالى : {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} . {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} في الاستقبال. وقوله : {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} على نفي العبادة منه لما عبدوا في الماضي. ثم قال : {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} على التكرير في اللفظ دون المعنى ، من قبل أن التقابل يوجب أن يكون : ولا أنتم عابدون ما عبدت ، فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد ، إشعارا بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل ، مع أن الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر. وأكثر ما يأتي ذلك في أخبار الله عز وجل. وقال : {مَا أَعْبُدُ} ، ولم يقل : من أعبد ؛ ليقابل به {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} وهي أصنام وأوثان ، ولا يصلح فيها إلا {ما} دون {من} فحمل الأول على الثاني ، ليتقابل الكلام ولا يتنافى. وقد جاءت {ما} لمن يعقل. ومنه قولهم : سبحان ما سخركن لنا. وقيل : إن معنى الآيات وتقديرها : قل يا أيها الكافرون لا أعبد الأصنام التي تعبدونها ، ولا أنتم عابدون الله عز وجل الذي أعبده ؛ لإشراككم به ، واتخاذكم الأصنام ، فإن زعمتم أنكم تعبدونه ، فأنتم كاذبون ؛ لأنكم تعبدونه مشركين. فأنا لا أعبد ما عبدتم ، أي مثل عبادتكم ؛ {فما} مصدرية. وكذلك
{وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} مصدرية أيضا ؛ معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي ، التي هي توحيد.
6-
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}

فيه معنى التهديد ؛ وهو كقوله تعالى : {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} أي إن رضيتم بدينكم ، فقد رضينا بديننا. وكان هذا قبل الأمر بالقتال ، فنسخ بآية السيف. وقيل : السورة كلها منسوخة. وقيل : ما نسخ منها شيء لأنها خبر. ومعنى {لَكُمْ دِينُكُمْ} أي جزاء دينكم ، ولي جزاء ديني. وسمى دينهم دينا ، لأنهم اعتقدوه وتولوه. وقيل : المعنى لكم جزاؤكم ولي جزائي ؛ لأن الدين الجزاء. وفتح الياء من {وَلِيَ دِينِ} نافع ، والبزي عن ابن كثير باختلاف عنه ، وهشام عن ابن عامر ، وحفص عن عاصم. وأثبت الياء في {ديني} في الحالين نصر بن عاصم وسلام ويعقوب ؛ قالوا : لأنها اسم مثل الكاف في قمت. الباقون بغير ياء ، مثل قوله تعالى : " {فَهُوَ يَهْدِينِ} . {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} ونحوه ، اكتفاء بالكسرة ، واتباعا لخط المصحف ، فإنه وقع فيه بغير ياء."
سورة النصر
وهي مدنية بإجماع. وتسمى سورة "التوديع" . وهي ثلاث آيات.
وهي آخر سورة نزلت جميعاً ؛ قاله ابن عباس في صحيح مسلم.
بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ
1-
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}

النصر : العون مأخوذ من قولهم : قد نصر الغيث الأرض : إذا أعان على نباتها ، من قحطها. قال الشاعر :
إذا انسلخ الشهر الحرام فودعي ... بلاد تميم وأنصري أرض عامر
ويروى :
إذا دخل الشهر الحرام فجاوزي ... بلاد تميم وأنصري أرض عامر
يقال : نصره على عدوه ينصره نصرا ؛ أي أعانه. والاسم النصرة ، واستنصره على عدوه : أي سأله أن ينصره عليه. وتناصروا : نصر بعضهم بعضا. ثم قيل : المراد بهذا النصر نصر الرسول على قريش ؛ الطبري. وقيل : نصره على من قاتله من الكفار ؛ فإن عاقبة النصر كانت له. وأما الفتح فهو فتح مكة ؛ عن الحسن ومجاهد وغيرهما. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : هو فتح المدائن والقصور. وقيل : فتح سائر البلاد. وقيل : ما فتحه عليه من العلوم. و {إِذَا} بمعنى قد ؛ أي قد جاء نصر الله ؛ لأن نزولها بعد الفتح. ويمكن أن يكون معناه : إذا يجيئك.
2-
{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً}

قوله تعالى : {وَرَأَيْتَ النَّاسَ} أي العرب وغيرهم. {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} أي جماعات : فوجا بعد فوج. وذلك لما فتحت مكة قالت العرب : أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم ، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ، فليس لكم به يدان. فكانوا يسلمون أفواجا : أمة أمة. قال الضحاك : والأمة : أربعون رجلا. وقال عكرمة ومقاتل : أراد بالناس أهل اليمن. وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين طائعين ، بعضهم يؤذنون ، وبعضهم يقرؤون القرآن ، وبعضهم يهللون ؛ فسر النبي صلى الله عليه وسلم لك ، وبكى عمر وابن عباس. وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وجاء أهل اليمن رقيقة أفئدتهم ، لينة طباعهم ، سخية قلوبهم ، عظيمة خشيتهم ، فدخلوا في دين الله أفواجا. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتاكم أهل اليمن ، هم أضعف قلوبا ، وأرق أفئدة الفقه يمان ، والحكمة يمانية" . وروى أنه
صلى الله عليه وسلم قال : "إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن" وفيه تأويلان : أحدهما : أنه الفرج ؛ لتتابع إسلامهم أفواجا. والثاني : معناه أن الله تعالى نفس الكرب عن نبيه صلى الله عليه وسلم بأهل اليمن ، وهم الأنصار. وروى جابر بن عبدالله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون منه أفواجا" ذكره الماوردي ، ولفظ الثعلبي : وقال أبو عمار حدثني جابر لجابر ، قال : سألني جابر عن حال الناس ، فأخبرته عن حال اختلافهم وفرقتهم ؛ فجعل يبكي ويقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون من دين الله أفواجا" .
3-
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}

قوله تعالى : {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} أي إذا صليت فأكثر من ذلك. وقيل : معنى سبح : صل ؛ عن ابن عباس : {بِحَمْدِ رَبِّكَ} أي حامدا له على ما آتاك من الظفر والفتح. {وَاسْتَغْفِرْهُ} أي سل الله الغفران. وقيل : {فَسَبِّحْ} المراد به : التنزيه ؛ أي نزهه عما لا يجوز عليه مع شكرك له. {وَاسْتَغْفِرْهُ} أي سل الله الغفران مع مداومة الذكر. والأول أظهر. روى الأئمة واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلا يقول : "سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي" وعنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي" . يتأول القرآن. وفي غير الصحيح : وقالت أم سلمة : كان النبي صلى الله عليه وسلم آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال : "سبحان الله وبحمده ، استغفر الله وأتوب"
إليه "- قال -" فإني أمرت بها "- ثم قرأ - {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخرها. وقال أبو هريرة : اجتهد النبي بعد نزولها ، حتى تورمت قدماه. ونحل جسمه ، وقل تبسمه ، وكثر بكاؤه. وقال عكرمة : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد اجتهادا في أمور الآخرة ما كان منه عند نزولها. وقال مقاتل : لما نزلت قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ، ومنهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص ، ففرحوا واستبشروا ، وبكى العباس ؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" ما يبكيك يا عم ؟ "قال : نعيت إليك نفسك. قال :" إنه لكما تقول "؛ فعاش بعدها ستين يوما ، ما رئي فيها ضاحكا مستبشرا. وقيل : نزلت في منى بعد أيام التشريق ، حجة الوداع ، فبكى عمر والعباس ، فقيل لهما : إن هذا يوم فرح ، فقالا : بل فيه نعي النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" صدقتما ، نعيت إليّ نفسي ". وفي البخاري وغيره عن ابن عباس قال : كان عمر بن الخطاب يأذن لأهل بدر ، ويأذن لي معهم. قال : فوجد بعضهم من ذلك ، فقالوا : يأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله فقال لهم عمر : إنه من قد علمتم. قال : فأذن لهم ذات يوم ، وأذن لي معهم ، فسألهم عن هذه السورة : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فقالوا : أمر الله جل وعز نبيه صلى الله عليه وسلم إذا فتح عليه أن يستغفره ، وأن يتوب إليه. فقال : ما تقول يا ابن عباس ؟ قلت : ليس كذلك ، ولكن أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم حضور أجله ، فقال : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، فذلك علامة موتك. {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} . فقال عمر رضي الله عنه : تلومونني عليه ؟ وفي البخاري فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول. ورواه الترمذي ، قال : كان عمر يسألني مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له عبدالرحمن بن عوف : أتسأله ولنا بنون مثله ؟ فقال له عمر : إنه من حيث نعلم. فسأله عن هذه الآية : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} . فقلت : إنما هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعلمه إياه ؛ وقرأ السورة إلى آخرها. فقال له عمر : والله ما أعلم منها إلا ما تعلم. قال : هذا"





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 44.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]