عرض مشاركة واحدة
  #750  
قديم 14-07-2025, 05:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,955
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (19)
سُورَةُ الإنفطار

من صــ 241 الى صــ250
الحلقة (750)



23-
{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} .

24-
{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} .

25-
{وما هو بقول شيطان رجيم} .

26-
{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} .

27-
{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} .

28-
{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} .

29-
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .

قوله تعالى : {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} أي رأى جبريل في صورته ، له ستمائة جناح . {بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} أي بمطلع الشمس من قبل المشرق ؛ لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مبين. أي من جهته ترى الأشياء. وقيل : الأفق المبين : أقطار السماء ونواحيها ؛ قال الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع
الماوردي : فعلى هذا ، فيه ثلاثة أقاويل أحدها : أنه رآه في أفق السماء الشرقي ؛ قاله سفيان. الثاني : في أفق السماء الغربي ، حكاه ابن شجرة. الثالث : أنه رآه نحو أجياد ، وهو مشرق مكة ؛ قاله مجاهد. وحكى الثعلبي عن ابن عباس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : "إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء" قال : لن تقدر على ذلك. قال : "بلى" قال : فأين تشاء أن أتخيل لك ؟ قال : "بالأبطح" قال : لا يسعني. قال : "فبمنى" قال : لا يسعني. قال : "فبعرفات" قال : ذلك بالحري أن يسعني. فواعده فخرج صلى الله عليه وسلم للوقت ، فإذا هو قد أقبل بخشخشة وكلكلة من جبال عرفات ، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب ، ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم خر مغشيا عليه ، فتحول جبريل في صورته ، وضمه إلى صدره. وقال : يا محمد لا تخف ؛ فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، وإن العرش على كاهله ، وإنه ليتضاءل أحيانا من خشية الله ، حتى يصير مثل الوصع - يعني العصفور حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته. وقيل : إن محمدا
عليه السلام رأى ربه عز وجل بالأفق المبين. وهو معنى قول ابن مسعود. وقد مضى القول في هذا في "والنجم" مستوفى ، فتأمله هناك. وفي "المبين" قولان : أحدهما- أنه صفة الأفق ؛ قال الربيع. الثاني- أنه صفة لمن رآه ؛ قاله مجاهد. "وما هو على الغيب بظنين" : بالظاء ، قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ، أي بمتهم ، والظنة التهمة ؛ قال الشاعر :
أما وكتاب الله لا عن سناءة ... هجرت ولكن الظنين ظنين
واختاره أبو عبيد ؛ لأنهم لم يبخلوه ولكن كذبوه ؛ ولأن الأكثر من كلام العرب : ما هو بكذا ، ولا يقولون : ما هو على كذا ، إنما يقولون : ما أنت على هذا بمتهم. وقرأ الباقون "بضنين" بالضاد : أي ببخيل من ضننت بالشيء أضن ضنا [فهو] ضنين. فروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : لا يضن عليكم بما يعلم ، بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه. وقال الشاعر :
أجود بمكنون الحديث وإنني ... بسرك عمن سالني لضنين
والغيب : القرآن وخبر السماء. ثم هذا صفة محمد عليه السلام. وقيل : صفة جبريل عليه السلام. وقيل : بظنين : بضعيف. حكاه الفراء والمبرد ؛ يقال : رجل ظنين : أي ضعيف. وبئر ظنون : إذا كانت قليلة الماء ؛ قال الأعشى :
ما جعل الجد الظنون الذي ... جنب صوب اللجب الماطر
مثل الفراتي إذا ما طما ... يقذف بالبوصي والماهر
والظنون : الدين الذي لا يدري أيقضيه آخذه أم لا ؟ ومنه حديث علي عليه السلام في الرجل يكون له الدين الظنون ، قال : يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقا. والظنون : الرجل السيء الخلق ؛ فهو لفظ مشترك. {وَمَا هُوَ} يعني القرآن {بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} أي مرجوم ملعون ، كما قالت قريش. قال عطاء : يريد بالشيطان الأبيض الذي كان
يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل يريد أن يفتنه. {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} قال قتادة : فإلى أين تعدلون عن هذا القول وعن طاعته. كذا روى معمر عن قتادة ؛ أي أين تذهبون عن كتابي وطاعتي. وقال الزجاج : فأي طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم. ويقال : أين تذهب ؟ وإلى أين تذهب ؟ وحكى الفراء عن العرب : ذهبت الشام وخرجت العراق وانطلقت السوق : أي إليها. قال : سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة ؛ وأنشدني بعض بني عقيل :
تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا ... وأي الأرض تذهب بالصياح
يريد إلى أي أرض تذهب ، فحذف إلى. وقال الجنيد : معنى الآية مقرون بآية أخرى ؛ وهي قوله تعالى : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} المعنى : أي طريق تسلكون أبين من الطريق الذي بينه الله لكم. وهذا معنى قول الزجاج. "إِنْ هُوَ" يعني القرآن {إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} أي موعظة وزجر. و "إن" بمعنى "ما" . وقيل : ما محمد إلا ذكر. {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} أي يتبع الحق ويقيم عليه. وقال أبو هريرة وسليمان بن موسى : لما نزلت {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} قال أبو جهل : الأمر إلينا ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم - وهذا هو القدر ؛ وهو رأس القدرية - فنزلت : "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين" ، فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيرا إلا بتوفيق الله ، ولا شرا إلا بخذلانه. وقال الحسن : والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها. وقال وهب بن منبه : قرأت في سبعة وثمانين كتابا مما أنزل الله على الأنبياء : من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر. وفي التنزيل : {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . وقال تعالى : {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} . وقال تعالى : {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} والآي في هذا كثير ، وكذلك الأخبار ، وأن الله سبحانه هدى بالإسلام ، وأضل بالكفر ، كما تقدم في غير موضع. ختمت السورة والحمد لله.
سورة الانفطار
مكية عند الجميع ، وهي تسع عشرة آية

بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ
1-
{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} .

2-
{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} .

3-
{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} .

4-
{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} .

5-
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}

قوله تعالى : {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} أي تشققت بأمر الله ؛ لنزول الملائكة ؛ كقول : {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} . وقيل : تفطرت لهيبة الله تعالى. والفطر : الشق ؛ يقال : فطرته فانفطر ؛ ومنه فطر ناب البعير : طلع ، فهو بعير فاطر ، وتفطر الشيء : شقق ، وسيف فطار أي فيه شقوق ؛ قال عنترة :
وسيفي كالعقيقة وهو كمعي ... سلاحي لا أفل ولا فطارا
وقد تقدم في غير موضع. {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} أي تساقطت ؛ نثرت الشيء أنثره نثرا ، فانتثر ، والاسم النثار. والنثار بالضم : ما تناثر من الشيء ، ودر منثر ، شدد للكثرة. {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} أي فجر بعضها في بعض ، فصارت بحرا واحدا ، على ما تقدم. قال الحسن : فجرت : ذهب ماؤها ويبست ؛ وذلك أنها أولا راكدة مجتمعة ؛ فإذا فجرت تفرقت ، فذهب ماؤها. وهذه الأشياء بين يدي الساعة ، على ما تقدم في {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} . {وإذا القبور بعثرت} أي قلبت وأخرج ما فيها من أهلها أحياء ؛ يقال : بعثرت المتاع : قلبته ظهرا لبطن ، وبعثرت الحوض وبحثرته : إذا هدمته وجعلت أسفله أعلاه. وقال قوم منهم الفراء : "بعثرت" : أخرجت ما في بطنها من الذهب والفضة. وذلك من أشراط الساعة : أن تخرج الأرض
ذهبها وفضتها. {علمتْ نفسٌ ما قدَّمتْ وأخَّرتْ} مثل : {يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} . وتقدم. وهذا جواب {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} لأنه قسم في قول الحسن وقع على قوله تعالى : {عَلِمَتْ نَفْسٌ} يقول : إذا بدت هذه الأمور من أشراط الساعة ختمت الأعمال فعلمت كل نفس ما كسبت ؛ فإنها لا ينفعها عمل بعد ذلك. وقيل : أي إذا كانت هذه الأشياء قامت القيامة ، فحوسبت كل نفس بما عملت ، وأوتيت كتابها بيمينها أو بشمالها ، فتذكرت عند قراءته جميع أعمالها. وقيل : هو خبر ، وليس بقسم ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.
6-
{يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} .

7-
{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} .

8-
{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} .

9-
{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} .

قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ} خاطب بهذا منكري البعث. وقال ابن عباس : الإنسان هنا : الوليد بن المغيرة. وقال عكرمة : أبي بن خلف. وقيل : نزلت في أبي الأشد بن كلدة الجمحي. عن ابن عباس أيضا : "ما غرك بربك الكريم" أي ما الذي غرك حتى كفرت ؟ "بربك الكريم" أي المتجاوز عنك. قال قتادة : غرة شيطانه المسلط عليه. الحسن : غرة شيطانه الخبيث. وقيل : حمقه وجهله. رواه الحسن عن عمر رضي الله عنه. وروى غالب الحنفي قال : لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} قال : "غره الجهل" وقال صالح بن مسمار : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه قرأ {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ؟ فقال : "غره جهله" . وقال عمر رضي الله عنه : كما قال الله تعالى {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} . وقيل : غره عفو الله ، إذ لم يعاقبه في أول مرة. قال إبراهيم بن الأشعث : قيل : للفضيل بن عياض : لو أقامك الله تعالى
يوم القيامة بين يديه ، فقال لك : {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ؟ ماذا كنت تقول ؟ قال : كنت أقول غرني ستورك المرخاة ، لأن الكريم هو الستار. نظمه ابن السماك فقال :
يا كاتم الذنب أما تستحي ... والله في الخلوة ثانيكا
غرك من ربك إمهاله ... وستره طول مساويكا
وقال ذو النون المصري : كم من مغرور تحت الستر وهو لا يشعر.
وأنشد أبو بكر بن طاهر الأبهري :
يا من غلا في العجب والتيه ... وغره طول تماديه
أملى لك الله فبارزته ... ولم تخف غب معاصيه
وروي عن علي رضي الله عنه أنه صاح بغلام له مرات فلم يلبه فنظر فإذا هو بالباب ، فقال : مالك لم تجبني ؟ فقال. لثقتي بحلمك ، وأمني من عقوبتك. فاستحسن جوابه فأعتقه. وناس يقولون : ما غرك : ما خدعك وسول لك حتى أضعت ما وجب عليك ؟ وقال ابن مسعود : ما منكم من أحد إلا وسيخلو الله به يوم القيامة ، فيقول له : يا ابن آدم ماذا غرك بي ؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ {الَّذِي خَلَقَكَ} أي قدر خلقك من نطفة {فَسَوَّاكَ} في بطن أمك ، وجعل لك يدين ورجلين وعينين وسائر أعضائك {فَعَدَلَكَ} أي جعلك معتدلا سوى الخلق ؛ كما يقال : هذا شيء معدل. وهذه قراءة العامة وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ؛ قال الفراء : وأبو عبيد : يدل عليه قوله تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} . وقرأ الكوفيون : عاصم وحمزة والكسائي : "فعدلك" مخففا أي : أمالك وصرفك إلى أي صورة شاء ، إما حسنا وإما قبيحا ، وإما طويلا وإما قصيرا. وقال [موسى بن علي بن أبي رباح اللخمي عن أبيه عن جده] قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم "إن النطفة"
إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم ". أما قرأت هذه الآية {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} فيما بينك وبين آدم ، وقال عكرمة وأبو صالح :" في أي صورة ما شاء ركبك "إن شاء في صورة إنسان ، وإن شاء في صورة حمار ، وإن شاء في صورة قرد ، وإن شاء في صورة خنزير. وقال مكحول : إن شاء ذكرا ، وإن شاء أنثى. قال مجاهد :" في أي صورة "أي في أي شبه من أب أو أم أو عم أو خال أو غيرهم. و" في "متعلقة بـ" ركب "، ولا تتعلق بـ" عدلك "، على قراءة من خفف ؛ لأنك تقول عدلت إلى كذا ، ولا تقول عدلت في كذا ؛ ولذلك منع الفراء التخفيف ؛ لأنه قدر" في "متعلقة بـ" عدلك "، و" ما "يجوز أن تكون صلة مؤكدة ؛ أي في أي صورة شاء ركبك. ويجوز أن تكون شرطية أي إن شاء ركبك في غير صورة الإنسان من صورة قرد أو حمار أو خنزير ، فـ" ما "بمعنى الشرط والجزاء ؛ أي في صورة ما شاء يركبك ركبك."
قوله تعالى : {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} يجوز أن تكون "كلا" بمعنى حقا و "ألا" فيبتدأ بها. ويجوز أن تكون بمعنى "لا" ، على أن يكون المعنى ليس الأمر كما تقولون من أنكم في عبادتكم غير الله محقون. يدل على ذلك قوله تعالى : {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } وكذلك يقول الفراء : يصير المعنى : ليس كما غررت به. وقيل : أي ليس الأمر كما يقولون ، من أنه لا بعث. وقيل : هو بمعنى الردع والزجر. أي لا وقتروا بحلم الله وكرمه ، فتتركوا التفكر في آياته. ابن الأنباري : الوقف الجيد على "الدين" ، وعلى "ركبك" ، والوقف على "كلا" قبيح. {بَلْ تُكَذِّبُونَ} يا أهل مكة {بِالدِّينِ} أي بالحساب ، و "بل" لنفي شيء تقدم وتحقيق غيره. وإنكارهم للبعث كان معلوما ، وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة.
10-
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} .

11-
{كِرَاماً كَاتِبِينَ} .

12-
{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}

قوله تعالى : "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ" أي رقباء من الملائكة {كِرَاماً} أي علي ؛ كقوله : {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس : 16] . وهنا ثلاث مسائل :
الأولى : روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند حدى حالتين : الخراءة أو الجماع ، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجرم [حائط] أو بغيره ، أو ليستره أخوه" . وروي عن علي رضي الله عنه قال : "لا يزال الملك موليا عن العبد ما دام بادي العورة" وروي "إن العبد إذا دخل الحمام بغير مئزر لعنه ملكاه" .
الثانية : واختلف الناس في الكفار هل عليهم حفظة أم لا ؟ فقال بعضهم : لا ؛ لأن أمرهم ظاهر ، وعملهم واحد ؛ قال الله تعالى : {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} . وقيل : بل عليهم حفظة ؛ لقوله تعالى : {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَاماً كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} . وقال : {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} وقال : {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} ، فأخبر أن الكفار يكون لهم كتاب ، ويكون عليهم حفظة. فإن قيل : الذي على يمينه أي شيء يكتب ولا حسنة له ؟ قيل له : الذي يكتب عن شمال يكون بإذن صاحبه ، ويكون شاهدا على ذلك وإن لم يكتب. والله أعلم.
الثالثة : سئل سفيان : كيف تعلم الملائكة أن العبد قد هم بحسنة أو سيئة ؟ قال : إذا هم العبد بحسنة وجدوا منه ريح المسك ، وإذا هم بسيئة وجدوا منه ريح النتن. وقد مضى في "ق" قوله : {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} زيادة بيان لمعنى هذه الآية. وقد كره العلماء الكلام عن الغائط والجماع ، لمفارقة الملك العبد عند ذلك. وقد مضى في آخر "آل عمران" القول في هذا. وعن الحسن : يعلمون لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم. وقيل : يعلمون ما ظهر منكم دون ما حدثتم به أنفسكم. والله أعلم.
13-
{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} .

14-
{وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} .

15-
{يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ} .

16-
{وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} .

17-
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} .

18-
{ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} .

19-
{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}

قوله تعالى : {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} تقسيم مثل قوله : {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} وقال : {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} الآيتين. "يصلونها" أي يصيبهم لهبها وحرها "يوم الدين" أي يوم الجزاء والحساب ، وكرر ذكره تعظيما لشأنه ؛ نحو قوله تعالى : {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} وقال ابن عباس فيما روي عنه : كل شيء من القرآن من قوله : "وما أدراك" فقد أدراه. وكل شيء من قوله "وما يدريك" فقد طوي عنه. {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ} قرأ ابن كثير وأبو عمرو "يوم" بالرفع على البدل من "يوم الدين" أو ردا على اليوم الأول ، فيكون صفة ونعتا لـ "يوم الدين" . ويجوز أن يرفع بإضمار هو. الباقون بالنصب على أنه في موضع رفع إلا أنه ، نصب ، لأنه مضاف غير متمكن ؛ كما تقول : أعجبني يوم يقوم زيد. وأنشد المبرد :
من أي يومي من الموت أفر ... أيومَ لم يقدر أم يوم قدر
فاليومان الثانيان مخفوضان بالإضافة ، عن الترجمة عن اليومين الأولين ، إلا أنهما نصبا في اللفظ ؛ لأنهما أضيفا إلى غير محض. وهذا اختيار الفراء والزجاج. وقال قوم : اليوم الثاني منصوب على المحل ، كأنه قال في يوم لا تملك نفس لنفس شيئا. وقيل : بمعنى : إن هذه الأشياء تكون يوم ، أو على معنى يدانون يوم ؛ لأن الدين يدل عليه ، أو بإضمار اذكر. {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} لا ينازعه فيه أحد ، كما قال : {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} . تمت السورة والحمد لله.
سورة المطففين
مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل
ومدنية في قول الحسن وعكرمة وهي ست وثلاثون آية

قال مقاتل : وهي أول سورة نزلت بالمدينة. وقال ابن عباس وقتادة : مدنية إلا ثماني آيات من قوله : "إن الذين أجرموا" إلى آخرها ، مكي. وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة.
بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيمِ
1-
{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} .

2-
{الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} .

3-
{وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}

فيه أربع مسائل :
الأولى- روى النسائي عن ابن عباس قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ، فأنزل الله تعالى : {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فأحسنوا الكيل بعد ذلك. قال الفراء : فهم من أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا. وعن ابن عباس أيضا قال : هي : أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة نزل المدينة ، وكان هذا فيهم ؛ كانوا إذا اشتروا استوفوا بكيل راجح ، فإذا باعوا بخسوا المكيال والميزان ، فلما نزلت هذه السورة انتهوا ، فهم أو في الناس كيلا إلى يومهم هذا. وقال قوم : نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة ، واسمه عمرو ؛ كان له صاعان يأخذ بأحدهما ، ويعطي بالآخر ؛ قاله أبو هريرة رضي الله عنه.
الثانية- قوله تعالى : {وَيْلٌ} أي شدة عذاب في الآخرة. وقال ابن عباس : إنه واد في جهنم يسيل فيه صديد. أهل النار ، فهو قوله تعالى : {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} أي الذين ينقصون مكاييلهم وموازينهم. وروي عن ابن عمر قال : المطفف : الرجل يستأجر المكيال




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]