عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 10-07-2025, 09:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,356
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (16)
سُورَةُ الجاثية
من صــ 151 الى صــ 160
الحلقة (644)



ثم يصب الملك فيه ماء حميما قد انتهى حره فيقع في بطنه ؛ فيقول الملك : ذق العذاب. ونظيره {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج : 19] .
الآية : 49 - 50 {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ، إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ}
قوله تعالى : {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} قال ابن الأنباري : أجمعت العوام على كسر "إن" وروي عن الحسن عن علي رحمه الله {ذق أنك} بفتح {أن} ، وبها قرأ الكسائي. فمن كسر {إن} وقف على {ذق} . ومن فتحها لم يقف على {ذق} ؛ لأن المعنى ذق لأنك وبأنك أنت العزيز الكريم. قال قتادة : نزلت في أبي جهل وكان قد قال : ما فيها أعز مني ولا أكرم ؛ فلذلك قيل له : {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} . وقال عكرمة : التقى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو جهل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله أمرني أن أقول لك أولى لك فأولى" فقال : بأي شيء تهددني ! والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا ، إني لمن أعز هذا الوادي وأكرمه على قومه ؛ فقتله الله يوم بدر وأذله ونزلت هذه الآية. أي يقول له الملك : ذق إن أنت العزيز الكريم بزعمك. وقيل : هو على معنى الاستخفاف والتوبيخ والاستهزاء والإهانة والتنقيص ؛ أي قال له : إنك أنت الذليل المهان. وهو كما قال قوم شعيب لشعيب : {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود : 87] يعنون السفيه الجاهل في أحد التأويلات على ما تقدم. وهذا قول سعيد بن جبير. {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي تقول لهم الملائكة : إن هذا ما كنتم تشكون فيه في الدنيا.
الآية : 51 - 53 {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ}
قوله تعالى : {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} لما ذكر مستقر الكافرين وعذابهم ذكر نزل المؤمنين ونعيمهم. وقرأ نافع وابن عامر {في مقام} بضم الميم. الباقون بالفتح. قال الكسائي : المقام المكان ، والمقام الإقامة ، كما قال :
عفت الديار محلها فمقامها
قال الجوهري : وأما المقام والمقام فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة ، وقد يكون بمعنى موضع القيام ؛ لأنك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح ، وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم ، لأن الفعل إذا جاوز الثلاث فالموضع مضموم الميم ، لأنه مشبه ببنات الأربعة ، نحو دحرج وهذا مدحرجنا. وقيل : المقام (بالفتح) المشهد والمجلس ، و(بالضم) يمكن أن يراد به المكان ، ويمكن أن يكون مصدرا ومقدر فيه المضاف ، أي في موضع إقامة. {أمين} يؤمن فيه من الآفات {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} بدل من {مَقَامٍ أَمِينٍ} . {يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ} لا يرى بعضهم قفا بعض ، متواجهين يدور بهم مجلسهم حيث داروا. والسندس : ما رق من الديباج. والإستبرق : ما غلظ منه. وقد مضى في "الكهف" .
الآية : 54 {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}
قوله تعالى : {كَذَلِكَ} أي الأمر كذلك الذي ذكرناه. فيوقف على "كذلك" . وقيل : أي كما أدخلناهم الجنة وفعلنا بهم ما تقدم ذكره ، كذلك أكرمناهم بأن
قوله تعالى : {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} وقد مضى الكلام في العين في "والصافات" . والحور : البيض ؛ في قول قتادة والعامة ، جمع حوراء. والحوراء : البيضاء التي يرى ساقها من وراء ثيابها ، ويرى الناظر وجهه في كعبها ؛ كالمرآة من دقة الجلد وبضاضة البشرة وصفاء اللون. ودليل ، هذا التأويل أنها في حرف ابن مسعود {بعيس عين} . وذكر أبو بكر الأنباري أخبرنا أحمد بن الحسين قال حدثنا حسين
قال حدثنا عمار بن محمد قال : صليت خلف منصور بن المعتمر فقرأ في {حم} الدخان {بعيس عين. لا يذوقون طعم الموت إلا الموتة الأولى } . والعيس : البيض ؛ ومنه قيل للإبل البيض : عيس ، واحدها بعير أعيس وناقة عيساء. قال امرؤ القيس :
يرعن إلى صوتي إذا ما سمعنه ... كما ترعوي عيط إلى صوت أعيسا
فمعنى الحور هنا : الحسان الثاقبات البياض بحسن. وذكر ابن المبارك أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود قال : إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم ، ومن تحت سبعين حلة ، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء. وقال مجاهد : إنما سميت الحور حورا لأنهن يحار الطرف في حسنهن وبياضهن وصفاء لونهن. وقيل : إنما قيل لهن حور لحور أعينهن. والحور : شدة بياض العين في شدة سوادها. امرأة حوراء بينة الحور. يقال : أحورت عينه أحورارا. والحور الشيء ابيض. قال الأصمعي : ما أدري ما الحور في العين ؟ وقال أبو عمرو : الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر. قال : وليس في بني آدم حور ؛ وإنما قيل للنساء : حور العين لأنهن يشبهن بالظباء والبقر. وقال العجاج :
بأعين محورات حور
يعني الأعين النقيات البياض الشديدات سواد. الحدق. والعين جمع عيناء ؛ وهي الواسعة العظيمة العينين. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "مهور الحور العين قبضات التمر وفلق الخبز" . وعن أبي قرصافة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين" . وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : "كنس المساجد مهور الحور" ذكره الثعلبي رحمه الله. وقد أفردنا لهذا المعنى بابا مفردا في (كتاب التذكرة) والحمد لله.
واختلف أيما أفضل في الجنة ؛ نساء الآدميات أم الحور ؟ فذكر ابن المبارك قال : وأخبرنا رشدين عن ابن أنعم عن حبان بن أبي جبلة قال : إن نساء الآدميات من دخل منهن الجنة فضلن على الحور العين بما عملن في الدنيا. وروي مرفوعا إن "الآدميات أفضل من الحور العين سبعين ألف ضعف" . وقيل : إن الحور العين أفضل ؛ لقوله عليه السلام في دعائه : "وأبدله زوجا خيرا من زوجه" . والله أعلم. وقرأ عكرمة {بحور عين} مضاف. والإضافة والتنوين في {بحور عين} سواء.
الآية : 55 {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ}
قال قتادة : {آمِنِينَ} من الموت والوصب والشيطان. وقيل : آمنين من انقطاع ما هم فيه من النعيم ، أو من أن ينالهم من أكلها أذى أو مكروه.
الآية : 56 - 57 {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
قوله تعالى : {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} أي لا يذوقون فيها الموت البتة لأنهم خالدون فيها. ثم قال : {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} على الاستثناء المنقطع ؛ أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا. وأنشد سيبويه :
من كان أسرع في تفرق فالج ... فلبونه جربت معا وأغدت
ثم استثنى بما ليس من الأول فقال :
إلا كناشرة الذي ضيعتم ... كالغصن في غلوائه المتنبت
وقيل : إن {إلا} بمعنى بعد ؛ كقولك : ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك ، أي بعد رجل عندك. وقيل : {إلا} بمعنى سوى ، أي سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا ، كقوله تعالى : {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء : 22] . وهو كما تقول : ما ذقت اليوم طعاما سوى ما أكلت أمس. وقال القتبي : {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} معناه أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة ويلقى الروح والريحان ، وكان موته في الجنة لاتصافه بأسبابها ، فهو استثناء صحيح. والموت عرض لا يذاق ، ولكن جعل كالطعام الذي يكره ذوقه ، فاستعير فيه لفظ الذوق. {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. ، فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ} أي فعل ذلك بهم تفضلا منه عليهم. فـ {فضلا} مصدر عمل فيه {يدعون} . وقيل : العامل فيه {ووقاهم} وقيل : فعل مضمر. وقيل : معنى الكلام الذي قبله ، لأنه تفضل منه عليهم ، إذ وفقهم في الدنيا إلى أعمال يدخلون بها الجنة. "ذلك هو الفوز العظيم" أي السعادة والربح العظيم والنجاة العظيمة. وقيل : هو من قولك فاز بكذا ، أي ناله وظفر به.
الآية : 58 {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ}
قوله تعالى : {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} يعني القرآن ، أي سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي يتعظون وينزجرون. ونظيره : {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر : 17] فختم السورة بالحث على آتباع القرآن وإن لم يكن مذكورا ، كما قال في مفتتح السورة : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان : 3] ، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر : 1] على ما تقدم. {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ}
أي انتظر ما وعدتك من النصر عليهم إنهم منتظرون لك الموت ؛ حكاه
النقاش. وقيل : انتظر الفتح من ربك إنهم منتظرون بزعمهم قهرك. وقيل : انتظر أن يحكم الله بينك وبينهم فإنهم ينتظرون بك ريب الحدثان. والمعنى متقارب. وقيل : ارتقب ما وعدتك من الثواب فإنهم كالمنتظرين لما وعدتهم من العقاب. وقيل : ارتقب يوم القيامة فإنه يوم الفصل ، وإن لم يعتقدوا وقوع القيامة ، جعلوا كالمرتقبين لأن عاقبتهم ذلك. والله تعالى أعلم.
تفسير سورة الجاثية
سورة الجاثية
مقدمة السورة

سورة الجاثية مكية كلها في قول الحسن وجابر وعكرمة. وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية ، هي {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّه} [الجاثية : 14] نزلت بالمدينة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ ذكره الماوردي. وقال المهدوي والنحاس عن ابن عباس : إنها نزلت في عمر رضي الله عنه ، شتمه رجل من المشركين بمكة قبل الهجرة. فأراد أن يبطش به ، فأنزل الله عز وجل : {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّه} [الجاثية : 14] ثم نسخت بقوله : {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة : 5] . فالسورة كلها مكية على هذا من غير خلاف. وهي سبع وثلاثون آية. وقيل ست.
الآية : 1 {حم ، تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}
قوله تعالى : {حم} مبتدأ و {تنزيل} خبره. وقال بعضهم : {حم} اسم السورة. و {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} مبتدأ. وخبره {مِنَ اللَّهِ} . والكتاب القرآن. {الْعَزِيزِ} المنيع. {الْحَكِيمِ} في فعله. وقد تقدم جميعه.
الآية : 3 - 5 {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}
قوله تعالى : {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي في خلقهما {لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ.وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} تقدم جميعه. وقراءة العامة {وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ} {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ} بالرفع فيهما. وقرأ حمزة والكسائي بكسر التاء فيهما. ولا خلاف في الأول أنه بالنصب على اسم {إن} وخبرها {فِي السَّمَاوَاتِ} . ووجه الكسر في {آيات} الثاني العطف على ما عملت فيه ؛ التقدير : إن في خلقكم وما يبث من دابة آيات. فأما الثالث فقيل : إن وجه النصب فيه تكرير {آيات} لما طال الكلام ؛ كما تقول : ضرب زيدا زيدا. وقيل : إنه على الحمل على ما عملت فيه {إن} على تقدير حذف {في} ؛ التقدير : وفي اختلاف الليل والنهار آيات. فحذفت {في} لتقدم ذكرها. وأنشد سيبويه في الحذف :
كل امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا
فحذف {كل} المضاف إلى نار المجرورة لتقدم ذكرها. وقيل : هو من باب العطف على عاملين. ولم يجزه سيبوبه ، وأجازه الأخفش وجماعة من الكوفيين ؛ فعطف {واختلاف} على قوله : {وفي خلقكم} ثم قال : {وتصريف الرياح آيات} فيحتاج إلى العطف على عاملين ، والعطف على عاملين قبيح من أجل أن حروف العطف تنوب مناب العامل ، فلم تقو أن تنوب مناب عاملين مختلفين ؛ إذ لو ناب مناب رافع وناصب لكان رافعا ناصبا في حال. وأما قراءة الرفع فحملا على موضع {إن} مع ما عملت فيه. وقد ألزم النحويون في ذلك أيضا العطف على عاملين ؛ لأنه عطف {واختلاف} على {وفي خلقكم} ، وعطف {آيات} على موضع {آيات} الأول ، ولكنه يقدر على تكرير { في} . ويجوز أن يرفع
على القطع مما قبله فيرفع بالابتداء ، وما قبله خبره ، ويكون عطف جملة على جملة. وحكى الفراء رفع {واختلاف} و {آيات} جميعا ، وجعل الاختلاف هو الآيات.
الآية : 6 {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}
قوله تعالى : {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} أي هذه آيات الله أي حججه وبراهينه الدالة على وحدانيته وقدرته. {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} أي بالصدق الذي لا باطل ولا كذب فيه. وقرئ {يتلوها} بالياء. {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ} أي بعد حديث الله وقيل بعد قرآنه {وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} وقراءة العامة بالياء على الخبر. وقرأ ابن محيصن وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي {تؤمنون} بالتاء على الخطاب.
الآية : 7 - 8 {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ، يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
قوله تعالى : {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} {ويل} واد في جهنم. توعد من ترك الاستدلال بآياته. والأفاك : الكذاب. والإفك الكذب. {أَثِيمٍ} أي مرتكب للإثم. والمراد فيما روي : النضر بن الحارث وعن ابن عباس أنه الحارث بن كلدة. وحكى الثعلبي أنه أبو جهل وأصحابه. {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ} يعني آيات القرآن. {ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} أي يتمادى على كفره متعظما في نفسه عن الانقياد مأخوذ من صر الصرة إذا شدها. قال معناه ابن عباس وغيره. وقيل : أصله من إصرار الحمار على العانة وهو أن ينحني عليها صارا أذنيه. و {أن} من {كأن} مخففة من الثقيلة ؛ كأنه لم يسمعها ، والضمير ضمير الشأن ؛ كما في قوله :
كأن ظبية تعطو إلى ناضر السلم
ومحل الجملة النصب ، أي يصر مثل غير السامع. وقد تقدم في أول "لقمان" القول في هذه الآية. وتقدم معنى {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} في "البقرة" .
الآية : 9 - 10 {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ، مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
قوله تعالى : {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً} نحو قوله في الزقوم : إنه الزبد والتمر وقوله في خزنة جهنم : إن كانوا تسعة عشر فأنا ألقاهم وحدي. {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} مذل مخز. {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي من وراء ما هم فيه من التعزز في الدنيا والتكبر عن الحق جهنم. وقال ابن عباس : {من ورائهم جهنم} أي أمامهم ، نظيره : {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم : 16] أي من أمامه. قال :
أليس ورائي إن تراخت منيتي ... أدب مع الولدان أزحف كالنسر
{وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئاً} أي من المال والولد ؛ نظيره : {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [آل عمران : 10] أي من المال والولد. {شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} يعني الأصنام. {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي دائم مؤلم.
الآية : 11 {هَذَا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ}
قوله تعالى : {هَذَا هُدىً} ابتداء وخبر ؛ يعني القرآن. وقال ابن عباس : يعني كل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ} أي جحدوا دلائله.
{لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} الرجز العذاب ؛ أي لهم عذاب من عذاب أليم دليله قوله تعالى : {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة : 59] أي عذابا. وقيل : الرجز القذر مثل الرجس ؛ وهو كقوله تعالى : {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم : 16] أي لهم عذاب من تجرع الشراب القذر. وضم الراء من الرجز ابن محيصن حيث وقع. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحفص {أليم} بالرفع ؛ على معنى لهم عذاب أليم من رجز. الباقون بالخفض نعتا للرجز.
الآية : 12 - 13 {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
قوله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ذكر كمال قدرته وتمام نعمته على عباده ، وبين أنه خلق ما خلق لمنافعهم. {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} يعني أن ذلك فعله وخلقه وإحسان منه وإنعام. وقرأ ابن عباس والجحدري وغيرهما {جميعا مِنُّهُ} بكسر الميم وتشديد النون وتنوين الهاء ، منصوبا على المصدر. قال أبو عمرو : وكذلك سمعت مسلمة يقرؤها {مِنَّةً} أي تفضلا وكرما. وعن مسلمة بن محارب أيضا "جميعا منه" على إضافة المن إلى هاء الكناية. وهو عند أبي حاتم خبر ابتداء محذوف ، أي ذلك ، أو هو منه. وقراءة الجماعة ظاهرة. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .
الآية : 14 {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
قوله تعالى : {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا} جزم على جواب {قل} تشبيها بالشرط والجزاء كقولك : قم تصب خيرا. وقيل : هو على حذف اللام. وقيل : على معنى قل




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]