
08-07-2025, 02:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,993
الدولة :
|
|
رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى

تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (13)
سُورَةُ النمل
من صــ 331 الى صــ 340
الحلقة (552)
"صفحة رقم 331"
إن دعوت دعوت قال المهدوي : وجاء وقوع ) إنهم لكاذبون ( بعده على الحمل على المعنى لأن المعنى إن إتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر وقع عليه التكذيب كما يوقع عليه الخبر قال مجاهد : قال المشركون من قريش نحن وأنتم لا نبعث فإن كان عليكم وزر فعلينا أي نحن نحمل عنكم ما يلزمكم والحمل ها هنا بمعنى الحمالة لا الحمل على الظهر وروي أن قائل ذلك الوليد بن المغيرة ) وليحملن أثقالكم وأثقالا مع أثقالهم ( يعني ما يحمل عليهم من سيئات من ظلموه بعد فراغ حسناتهم روي معناه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد تقدم في آل عمران قال أبو أمامة الباهلي : ) يؤتى بالرجل يوم القيامة وهو كثير الحسنات فلا يزال يقتص منه حتى تفنى حسناته ثم يطالب فيقول الله عز وجل إقتصوا من عبدي فتقول الملائكة ما بقيت له حسنات فيقول خذوا من سيئات المظلوم فإجعلوا عليه ) ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وقال قتادة : من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء ونظيره قوله تعالى ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ونظير هذا قوله عليه السلام : ) من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) روي من حديث أبي هريرة وغيره وقال الحسن قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) من دعا إلى هدى فاتبع عليه وعمل به فله مثل أجور من إتبعه ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع عليها وعمل بها بعده فعليه مثل أوزار من عمل بها ممن إتبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ) ثم قرأ الحسن : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم قلت : هذا مرسل وهو معنى حديث أبي هريرة خرجه مسلم ونص حديث أنس بن مالك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن له مثل أوزار من إتبعه ولا ينقص من أوزارهم شيئا وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فإن له مثل أجور من إتبعه
"صفحة رقم 332"
ولا ينقص من أجورهم شيئا ) خرجه بن ماجة في السنن وفي الباب عن أبي جحيفة وجرير وقد قيل : إن المراد أعوان الظلمة وقيل : أصحاب البدع إذا اتبعوا عليها وقيل : محدثو السنن الحادثة إذا عمل بها من بعدهم والمعنى متقارب والحديث يجمع ذلك كله
العنكبوت : ) 14 ( ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
) العنكبوت 14 : 15 (
قوله تعالى : ) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا مسين عاما ( ذكر قصة نوح تسلية لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أي إبتلي النبيون قبلك بالكفار فصبروا وخص نوحا بالذكر لأنه أول رسول أرسل إلى الأرض وقد امتلأت كفرا على ما تقدم بيانه في هود وأنه لم يلق نبي من قومه ما لقي نوح على ما تقدم في هود عن الحسن وروي عن قتادة عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) أول نبي أرسل نوح ) قال قتادة : وبعث من الجزيرة وأختلف في مبلغ عمره فقيل : مبلغ عمره ما ذكره الله تعالى في كتابه قال قتادة : لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة ودعاهم ثلاثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة وقال بن عباس : بعث نوح لأربعين سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الغرق ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا وعنه أيضا : أنه بعث وهو بن مئتين وخمسين سنة ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين وعاش بعد الطوفان مائتي سنة وقال وهب : عمر نوح ألفا وأربعمائة سنة وقال كعب الأحبار : لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان سبعين عاما فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين عاما وقال عون بن أبي شداد : بعث نوح وهو بن خمسين وثلاثمائة سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة
"صفحة رقم 333"
وخمسين سنة فكان مبلغ عمره ألف سنة وستمائة سنة وخمسين سنة ونحوه عن الحسن قال الحسن : لما أتى ملك الموت نوحا ليقبض روحه قال : يا نوح كم عشت في الدنيا قال : ثلاثمائة قبل أن أبعث وألف سنة إلا خمسين عاما في قومي وثلاثمائة سنة وخمسين سنة بعد الطوفان قال ملك الموت : فكيف وجدت الدنيا قال نوح : مثل دار لها بابان دخلت من هذا وخرجت من هذا وروي من حديث أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لما بعث الله نوحا إلى قومه بعثه وهو بن خمسين ومائتي سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وبقي بعد الطوفان خمسين ومائتي سنة فلما أتاه ملك الموت قال يا نوح يا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر ويا مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا قال مثل رجل بنى له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر وقد قيل : دخل من أحدهما وجلس هنيهة ثم خرج من الباب الآخر وقال بن الوردي : بنى نوح بيتا من قصب فقيل له : لو بنيت غير هذا فقال : هذا كثير لمن يموت وقال أبو المهاجر : لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما في بيت من شعر فقيل له : يا نبي الله بن بيتا فقال : أموت اليوم أو أموت غدا وقال وهب بن منبه : مرت بنوح خمسمائة سنة لم يقرب النساء وجلا من الموت وقال مقاتل وجويبر : إن آدم عليه السلام حين كبر ورق عظمه قال يا رب إلى متى أكد وأسعى قال يا آدم حتى يولد لك ولد مختون فولد له نوح بعد عشرة أبطن وهو يومئذ بن ألف سنة إلا ستين عاما وقال بعضهم : إلا أربعين عاما والله أعلم فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس وهو أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وكان إسم نوح السكن وإنما سمي السكن لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه فهو أبوهم وولد له سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم وفي كل هؤلاء خير وولد حام القبط والسودان والبربر وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وليس في شيء من هؤلاء خير وقال بن عباس : في ولد سام بياض وأدمة وفي ولد حام سواد وبياض قليل وفي ولد يافث وهم الترك والصقالبة الصفرة والحمرة وكان له ولد رابع وهو كنعان الذي غرق والعرب تسميه يام وسمي نوح نوحا لأنه ناح على قومه ألف سنة
"صفحة رقم 334"
إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى فإذا كفروا بكى وناح عليهم وذكر القشيري أبو القاسم عبد الكريم في كتاب التخبير له : يروى أن نوحا عليه السلام كان إسمه يشكر ولكن لكثرة بكائه على خطيئته أوحى الله إليه يا نوح كم تنوح فسمي نوحا فقيل : يا رسول الله فأي شيء كانت خطيئته فقال : ) أنه مر بكلب فقال في نفسه ما أقبحه فأوحى الله إليه أخلق أنت أحسن من هذا وقال يزيد الرقاشي : إنما سمي نوحا لطول ما ناح على نفسه فإن قيل : فلم قال : ألف سنة إلا خمسين عاما ولم يقل تسعمائة وخمسين عاما ففيه جوابان : أحدهما أن المقصود به تكثير العدد فكان ذكره الألف أكثر في اللفظ وأكثر في العدد الثاني ما روي أنه أعطي من العمر ألف سنة فوهب من عمره خمسين سنة لبعض ولده فلما حضرته الوفاة رجع في إستكمال الألف فذكر الله تعالى ذلك تنبيها على أن النقيصة كانت من جهته ) فأخذهم الطوفان ( قال بن عباس وسعيد بن جبير وقتادة : المطر الضحاك : الغرق وقيل : الموت روته عائشة رضي الله عنها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومنه قول الشاعر : أفناهم طوفان موت جارف قال النحاس : يقال لكل كثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت طوفان ) وهم ظالمون ( جملة في موضع الحال وألف سنة منصوب على الظرفإلا خمسين عاما منصوب على الإستثناء من الموجب وهو عند سيبويه بمنزلة المفعول لأنه مستغنى عنه كالمفعول فأما المبرد أبو العباس محمد بن يزيد فهو عنده مفعول محض كأنك قلت إستثنيت زيدا تنبيه روى حسان بن غالب بن نجيح أبو القاسم المصري حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن بن المسيب عن أبي بن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) كان جبريل يذاكرني فضل عمر فقلت يا جبريل ما بلغ فضل عمر قال لي يا محمد لو لبثت معك ما لبث نوح في قومه ما بلغت لك فضل عمر ) ذكرهالخطيب أبو بكر أحمد بن ثابت البغدادي وقال : تفرد بروايته حسان بن غالب عن مالك وليس بثابت من حديثه قوله تعالى : ) فأنجيناه وأصحاب السفينة ( معطوف على الهاء ) وجعلناها آية للعالمين ( الهاء والألف في جعلناها للسفينة أو للعقوبة أو للنجاة ثلاثة أقوال
"صفحة رقم 335"
العنكبوت : ) 16 ( وإبراهيم إذ قال . . . . .
) العنكبوت 16 : 19 (
قوله تعالى : ) وإبراهيم ( قال الكسائي : وإبراهيم منصوب ب أنجينا يعني أنه معطوف على الهاء وأجاز الكسائي أن يكون معطوفا على نوح والمعنى وأرسلنا إبراهيم وقول ثالث : أن يكون منصوبا بمعنى واذكر إبراهيم ) إذ قال لقومه اعبدوا الله ( أي أفردوه بالعبادة ) واتقوه ( أي اتقوا عقابه وعذابه ) ذلكم خير لكم ( أي من عبادة الأوثان ) إن كنتم تعلمون ( قوله تعالى : ) إنما تعبدون من دون الله أوثانا ( أي أصناما قال أبو عبيدة : الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة الجوهري : الوثن الصنم والجمع وثن وأوثان مثل أسد وآساد ) وتخلقون إفكا ( قال الحسن : معنى تخلقون تنحتون فالمعنى إنما تعبدون أوثانا وأنتم تصنعونها وقال مجاهد : الإفك الكذب والمعنى تعبدون الأوثان وتخلقون الكذب وقرأ أبو عبد الرحمن : وتخلقون وقرئ : تخلقون بمعنى التكثير من خلق وتخلقون من تخلق بمعنى تكذب وتخرص وقرئ : إفكا وفيه وجهان : أن يكون مصدرا نحو كذب ولعب والإفك مخففا منه كالكذب واللعب وأن يكون صفة على فعل أي خلقا أفكا أي ذا إفك وباطل وأوثانا نصب ب تعبدون وما كافة ويجوز في غير القرآن رفع أوثان على أن تجعل ما إسما لأن وتعبدون صلته وحذفت الهاء لطول الاسم وجعل أوثان خبر إن فأما وتخلقون إفكا فهو منصوب بالفعل لا غير وكذا ) لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند
"صفحة رقم 336"
الله الرزق ( أي اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فإياه فاسألوه وحده دون غيره ) وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم ( فقيل : هو من قوله إبراهيم أي التكذيب عادة الكفار وليس على الرسل إلا التبليغ قوله تعالى : ) أو لم يروا كيف يبديء الله الخلق ( قراءة العامة بالياء على الخبر والتوبيخ لهم وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم قال أبو عبيد : لذكر الأمم كأنه قال أو لم ير الأمم كيف وقرأ أبو بكر والأعمش وبن وثاب وحمزة والكسائي : تروا بالتاء خطابا لقوله : وإن تكذبوا وقد قيل : وإن تكذبوا خطاب لقريش ليس من قول إبراهيم ) ثم يعيده ( يعني الخلق والبعث وقيل : المعنى أو لم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا وخلق من الولد ولدا وكذلك سائر الحيوان أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء والإيجاد فهو القادر على الإعادة ) إن ذلك على الله يسير ( لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون
العنكبوت : ) 20 ( قل سيروا في . . . . .
) العنكبوت 20 : 25 (
"صفحة رقم 337"
قوله تعالى : ) قل سيروا في الأرض ( أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض ) فانظروا كيف بدأ الخلق ( على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم لتعلموا بذلك كمال قدرة الله ) ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ( وقرأ أبو عمرو وبن كثير : النشاءة بفتح الشين وهما لغتان مثل الرأفة والرآفة وشبهه الجوهري : أنشأه الله خلقه والاسم النشأة والنشاءة بالمد عن أبي عمرو بن العلاء ) إن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ( أي بعدله ) ويرحم من يشاء ( أي بفضله ) وإليه تقلبون ( ترجعون وتردون ) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ( قال الفراء : معناه ولا من في السماء بمعجزين الله وهو غامض في العربية للضمير الذي لم يظهر في الثاني وهو كقول حسان : فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء أراد ومن يمدحه وينصره سواء فأضمر من وقاله عبد الرحمن بن زيد ونظيره قوله سبحانه : وما منا إلا له مقام معلوم أي من له والمعنى إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه وقال قطرب : ولا في السماء لو كنتم فيها كما تقول : لا يفوتني فلان بالبصرة ولا ها هنا بمعنى لا يفوتني بالبصرة لو صار إليها وقيل : لا يستطيعون هربا في ألارض ولا في السماء وقال المبرد : والمعنى ولا من في السماء على أن من ليست موصولة ولكن تكون نكرة وفي السماء صفة لها فأقيمت الصفة مقام الموصوف ورد ذلك علي بن سليمان وقال : لا يجوز وقال : إن من إذا كانت نكرة فلا بد من وصفها فصفتها كالصلة ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة قال : والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقلون والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله كما قال : ولو كنتم في بروج مشيدة ) وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( ويجوز نصير بالرفع على الموضع وتكون من زائدة ) والذين كفروا بآيات الله ولقائه ( أي بالقرآن أو بما نصب من الأدلة والأعلام ) أولئك يئسوا من رحمتي ( أي من الجنة ونسب اليأس إليهم والمعنى أو يسوا وهذه
"صفحة رقم 338"
الآيات اعتراض من الله تعالى تذكيرا وتحذيرا لأهل مكة ثم عاد الخطاب إلى قصة إبراهيم فقال : ) فما كان جواب قومه ( حين دعاهم إلى الله تعالى ) إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه ( ثم اتفقوا على تحريفه ) فأنجاه الله من النار ( أي من إذابتها ) إن في ذلك ( أي في إنجائه من النار العظيمة حتى لم تحرقه بعد ما ألقي فيها ) لآيات ( وقراءة العامة : جواب بنصب الباء على أنه خبر كان وأن قالوا في محل الرفع اسم كان وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار : جواب بالرفع على أنه اسم كان وأن في موضع الخبر نصبا ) وقال ( إبراهيم ) إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ( وقرأ حفص وحمزة : مودة بينكم وبن كثير وأبو عمرو والكسائي : مودة بينكم والأعشى عن أبي بكر عن عاصم وبن وثاب والأعمش : مودة بينكم الباقون مودة بينكم فأما قراءة بن كثير ففيها ثلاثة أوجه ذكر الزجاج منها وجهين : أحدهما أن المودة إرتفعت على خبر إن وتكون ما بمعنى الذي والتقدير أن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا مودة بينكم والوجه الآخر أن يكون على إضمار مبتدإ أي هي مودة أو تلك مودة بينكم والمعنى آلهتكم أو جماعتكم مودة بينكم قال بن الأنباري : ) أوثانا ( وقف حسن لمن رفع المودة بإضمار ذلك مودة بينكم ومن رفع المودة على أنها خبر إن لم يقف والوجه الثالث الذي لم يذكره أن يكون مودة رفعا بالإبتداء وفي الحياة الدنيا خبره فأما إضافة مودة إلى بينكم فإنه جعل بينكم إسما غير ظرف والنحويون يقولون جعله مفعولا على السعة وحكى سيبويه : يا سارق الليلة أهل الدار ولا يجوز أن يضاف إليه وهو ظرف لعلة ليس هذا موضع ذكرها ومن رفع مودة ونونها فعلى معنى ما ذكر وبينكم بالنصب ظرفا ومن نصب مودة ولم ينونها جعلها مفعولة بوقوع الإتخاذ عليها وجعل إنما حرفا واحدا ولم يجعلها بمعنى الذي ويجوز نصب المودة على أنه مفعول من أجله كما تقول : جئتك ابتغاء الخير وقصدت فلانا مودة له بينكم بالخفض ومن نون مودة ونصبها فعلى ما ذكر بينكم بالنصب من غير إضافة قال بن الأنباري : ومن قرأ : مودة بينكم
"صفحة رقم 339"
و مودة بينكم لم يقف على الأوثان ووقف على الحياة الدنيا ) ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ( نتبرأ الأوثان من عبادها والرؤساء من السفلة كما قال الله عز وجل : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) ومأواكم النار ( هو خطاب لعبدة الأوثان الرؤساء منهم والأتباع وقيل : تدخل فيه الأوثان كقوله تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم
العنكبوت : ) 26 ( فآمن له لوط . . . . .
) العنكبوت 26 : 27 (
قوله تعالى : ) فآمن له لوط ( لوط أول من صدق إبراهيم حين رأى النار عليه بردا وسلاما قال بن إسحاق آمن لوط بإبراهيم وكان بن أخته وآمنت به سارة وكانت بنت عمه ) وقال إني مهاجر إلى ربي ( قال النخعي وقتادة : الذي قال : إني مهاجر إلى ربي هو إبراهيم عليه السلام قال قتادة هاجر من كوثا وهي قرية من سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام ومعه بن أخيه لوط بن هاران بن تارخ وامرأته سارة قال الكلبي : هاجر من أرض حران إلى فلسطين وهو أول من هاجر من أرض الكفر قال مقاتل : هاجر إبراهيم وهو بن خمس وسبعين سنة وقيل : الذي قال : إني مهاجر إلى ربي لوط عليه السلام ذكر البيهقي عن قتادة قال : أول من هاجر إلى الله عز وجل بأهله عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قتادة : سمعت النضر بن أنس يقول سمعت أبا حمزة يعني أنس بن مالك يقول : خرج عثمان بن عفان ومعه رقية بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أرض الحبشة فأبطأ على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خبرهم فقدمت امرأة من قريش فقالت : يا محمد رأيت ختنك ومعه امرأته قال : ) على أي حال رأيتهما ) قالت : رأيته وقد حمل
"صفحة رقم 340"
امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط ) قال البيهقي : هذا في الهجرة الأولى وأما الهجرة الثانية إلى الحبشة فهي فيما زعم الواقدي سنة خمس من مبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلى ربي ( أي إلى رضا ربي وإلى حيث أمرني ) إنه هو العزيز الحكيم ( تقدم وتقدم الكلام في الهجرة فيالنساء وغيرها قوله تعالى : ) ووهبنا له إسحاق ( أي من الله عليه بالأولاد فوهب له إسحاق ولدا ويعقوب ولد ولد وإنما وهب له إسحاق من بعد إسماعيل ويعقوب من إسحاق ) وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ( فلم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا من صلبه ووحد الكتاب لأنه أراد المصدر كالنبوة والمراد التوراة والإنجيل والفرقان فهو عبارة عن الجمع فالتوراة أنزلت على موسى من ولد إبراهيم والإنجيل على عيسى من ولده والفرقان على محمد من ولده ( صلى الله عليه وسلم ) وعليهم أجمعين ) وآتيناه أجره في الدنيا ( يعني اجتماع أهل الملل عليه قاله عكرمة وروى سفيان عن حميد بن قيس قال : أمر سعيد بن جبير إنسانا أن يسأل عكرمة عن قوله جل ثناؤه : وآتيناه أجره في الدنيا فقال عكرمة : أهل الملل كلها تدعيه وتقول هو منا فقال سعيد بن جبير : صدق وقال قتادة : هو مثل قوله : وآتيناه في الدنيا حسنة أي عاقبة وعملا صالحا وثناء حسنا وذلك أن أهل كل دين يتولونه وقيل : آتيناه أجره في الدنيا أن أكثر الأنبياء من ولده ) وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( ليس في الآخرة داخلا في الصلة وإنما هو تبيين وقد مضى في البقرة بيانه وكل هذا حث على الاقتداء بإبراهيم في الصبر على الدين الحق
العنكبوت : ) 28 ( ولوطا إذ قال . . . . .
) العنكبوت 28 : 35 (
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|