عرض مشاركة واحدة
  #891  
قديم 04-07-2025, 03:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,288
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

عذاب القبر ونعيمه غيب يجب التسليم به

إن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، ويوسع له في قبره مد بصره، أي: فيكون في سعة، وهذا من أمور الغيب، لأن القبور كما هو مشاهد تختلف عما جاء في هذا، ولكن أمور الغيب يجب التصديق بها سواء عرف الكنه والحقيقة أو لم تعرف، ومعلوم أن هذه الأمور لا تعرف، لكن الإنسان لا يجعل إيمانه مبنياً على مشاهدة ومعاينة، فيقول: ما رأيته صدقت به وما لم أره لا أصدق به! فهذا لا يجوز؛ لأن المؤمن من شأنه أن يكون مصدقاً لكل ما جاء الخبر به عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، أدركه عقله أو لم يدركه، والإسلام لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه يأتي بما تحار فيه العقول ولا تدركه، فتلك أمور خفية وأمور واقعة وحاصلة والناس لا يشاهدونها ولا يعاينونها، ولو فتح الإنسان القبر ما رأى نعيماً يأتي من الجنة، ولكن لا ينفي ذلك، لأن الخبر جاء بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب التصديق به. وقد وجد مما يوضح ذلك في الحياة الدنيا أن الجسد والروح تتنعمان، وكذلك يحصل لهما العذاب في الحياة الدنيا، ويكون الأشخاص متقاربين ومن حولهم لا يدرك ما حصل لهذا من العذاب ولهذا من النعيم، وذلك عندما يكونوا نائمين، ثم يحصل لهذا في نومه نعيم وراحة وأنس وسرور، والآخر بجواره يحصل له عذاب في نومه، ويحصل له حزن وخوف وذعر، وكل واحد لا يعلم ما بصاحبه، والناس الذين يكونون بجوارهما أيضاً لا يدركون الشيء الذي قد حصل لكل منهما، فهذه أمور مشاهدة في الحياة الدنيا تحصل للروح وللجسد، والنوم أخو الموت؛ لأنه يحصل للإنسان في نومه من هذه الأمور مثل ما يحصل له في موته وفي قبره من نعيم أو عذاب، فهذا مثال يوضح ما يجري في القبور، والناس لا يدركون كنهه وحقيقته في هذه الحياة الدنيا. قوله: [ (قال: ويفتح له فيها مد بصره) ]. أي: أن قبره يوسع ويكون حيث ينتهي بصره، ومعلوم أن القبور بالنسبة لما يعقله الناس متجاورة ومتلاصقة، لكن أمور الآخرة غيب كما عرفنا، فهذا يفتح له باب إلى الجنة، وهذا يفتح له باب إلى النار، وهذا يوسع له في قبره، وهذا يضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه، والله على كل شيء قدير، والواجب التصديق، وهذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله أهله، والغيب هو كل ما غاب عن الأبصار مما لا يعرف إلا بالشرع، قال تعالى في مدح أهله والثناء عليهم: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:1-3]، فجعل من أول صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب، وليس إيمانهم مبنياً على مشاهدة ومعاينة.
سؤال الكافر في القبر وعذابه فيه


قوله: [ (قال: وإن الكافر -فذكر موته- قال: وتعاد روحه في جسده) ] الروح تعاد إلى الجسد عند السؤال، ولها اتصال بالجسد وانفصال منه، وتكون على صورة طير كما جاء في الحديث: (أن نسمة المؤمن على صورة طير تعلق بالجنة، وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر)، وهذا يدلنا على أن الروح تنعم وحدها، وأيضاً تنعم متصلة بالجسد، والعذاب والنعيم للروح والجسد كما عرفنا. قوله: [ (ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري) ]. أي أنه يسأل عن ربه فيخبر بأنه ليس عنده جواب، وأنه لا يدري ماذا يقول. قوله: [ (فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري! فينادي مناد من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار، وألبسوه من النار) ]. كذب لأنه بلغته الرسالة، وبلغه العلم عن الرب والدين والنبي، ومع ذلك بقي على كفره، فيكون كاذباً أنه لا يدري، بل كان عالماً في الحياة الدنيا، ولكن الاستكبار والخذلان الذي حصلا له منعاه من الإيمان بالله عز وجل، والدخول في الدين، والشهادة بالألوهية لله عز وجل، والنبوة للرسول صلى الله عليه وسلم، فهو كاذب فيما يقول، وإلا فقد وصله العلم والخبر عن الله وعن الدين وعن النبي. ولهذا يؤتى له بالفراش من النار، والفراش هو الذي يكون تحته، ويلبس من النار، أي يكون له لباس من النار. قوله: [ (وافتحوا له باباً إلى النار) ]. فيأتيه من حرها وسمومها، فيكون معذباً فيها وهو في قبره، كما قال الله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]. قوله: [ (ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) ]. وهذا مقابل المؤمن الذي وسع له في قبره حتى صار مد بصره، فهذا أفرش من الجنة، وهذا أفرش من النار، وهذا ألبس من الجنة وهذا ألبس من النار، وهذا فتح له باب من الجنة وهذا فتح له باب إلى النار، وهذا يوسع له قبره حتى يكون مد بصره، وهذا يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله! قوله: [ (زاد في حديث جرير قال: ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار تراباً) ]. ومن تعذيبه أيضاً أنه يضرب بهذه المرزبة التي لو ضرب بها الجبل لكان هذا حاله، ولذلك قال: (فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين، فيصير تراباً، قال: ثم تعاد فيه الروح).
تراجم رجال إسناد حديث البراء بن عازب في أسئلة القبر للمؤمن والكافر


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ، ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو معاوية ]. محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظ هناد عن الأعمش ]. و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المنهال ]. منهال بن عمرو ، وهو صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن زاذان ]. وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث البراء في سؤال القبر من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا الأعمش حدثنا المنهال عن أبي عمر زاذان قال: سمعت البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر نحوه ]. ثم ذكر الحديث من طريق أخرى، وأحال على ما سبق وأنه نحوه. قوله: [ حدثنا هناد بن السري حدثنا عبد الله بن نمير ]. عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش حدثنا المنهال عن أبي عمر زاذان قال: سمعت البراء ]. وقد مر ذكرهم.
الأسئلة



عذاب القبر غير خاص بهذه الأمة


السؤال: هل السؤال في القبر خاص بهذه الأمة؟ الجواب: الأحاديث وردت بأنه يسأل عن هذا الرجل، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قول الله عز وجل: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27] يدل على أن الناس في قبورهم يسألون ويفتنون، وهي ليست خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن هذه الأمة هي التي تسأل عن نبيها محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الذي رسالته عامة إلى الثقلين؛ لكن الآية بعمومها تدل على أن التثبيت يحصل في الدنيا وفي الآخرة، ومعلوم أن ذلك لمن حصل منه الإيمان، سواء كان من هذه الأمة أو من غيرها.

حكم من ينكر عذاب القبر


السؤال: ما حكم من ينكر عذاب القبر؟ الجواب: معلوم أن إنكار عذاب القبر إنكار لشيء معلوم بالأحاديث الكثيرة المتواترة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالذي يكون عالماً به يخشى عليه أن يكون كافراً؛ لأن هذا مما تواترت به الأحاديث وجاءت وجاء به القرآن في قوله عز وجل: (( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ))، فعذاب القبر ثابت في هذه الآية الكريمة في حق آل فرعون : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]. فالذي ينكر عذاب القبر فهو منكر لما جاء في القرآن، فتقام عليه الحجة ويبين له ما جاء في القرآن وما جاء في السنة، وإذا أصر على ذلك فالذي يظهر أنه يكون كافراً، لأنه مكذب بما جاء في القرآن، ومكذب بما جاء في السنن المتواترة.

حصول العذاب لغير المقبورين


السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم هنا في الحديث: (إن المسلم إذا سئل في القبر) هل له مفهوم؟ الجواب: ذكر القبر هنا ليس له مفهوم من ناحية أنه لا يسأل إلا من كان مقبوراً، بل كل واحد يسأل، ولكن ذُكر القبر لأن الغالب على الناس أنهم يقبرون، والحالات الأخرى التي هي غير الدفن في القبور ليست بشيء بالنسبة لمن يدفن، وذلك كمن تأكله السباع، أو يغرق في البحر، أو تأكله الحيتان، أو يحترق بالنار ولا يبقى له رفات، فلا يقال إن هذا يسلم من عذاب القبر، فإن عذاب القبر سيصل إلى من يستحقه وإلى من هو أهل له، سواء قبر أو لم يقبر، والله عز وجل على كل شيء قدير، فهو قادر أن يوصل العذاب إلى من يستحقه وإن لم يقبر. وأمور البرزخ تختلف عن أمور الدنيا، فعلى الإنسان أن يؤمن بما جاء به الوحي ويؤمن بالغيب وإن لم يدرك الكنه والحقيقة، ولا يكون الإنسان مؤمناً بالمشاهدة والمعاينة فقط، بل عليه الإيمان بالغيب، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ما يجري في القبور من العذاب تسمعه البهائم، وقد سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخفى الله ذلك عن الجن والإنس، ولو ظهر لهم ذلك وأدركوا ما يجري في القبور من الأهوال لما تدافنوا. وأيضاً: شاء أن يكون من الناس من يؤمن بالغيب، ومنهم من لا يؤمن إلا بالمشاهدة والمعاينة ولا يؤمن بالغيب، فشاء الله أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن يكون ما يجري في القبر غيباً، حتى يتميز من يكون موفقاً ومن يكون مخذولاً، ولو حصل للناس ما يجري في الآخرة لما صار الناس إلى هذا الانقسام الذي شاءه الله من شقي وسعيد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، كما ثبت في صحيح مسلم ، ولو سمعوا ما يجري في القبور لأصابهم الذعر والخوف وقد يحصل لهم الموت ولا يدفن بعضهم بعضاً لكثرة من يموت بسبب ذلك، فالله عز وجل شاء أن يخفى هذا على الناس وأن يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ولهذا فإن البهائم والحيوانات تسمع بما يجري في القبور من العذاب، والجن والإنس لا يسمعون، كما جاء في بعض الأحاديث. فالحاصل أن العذاب يصل إلى كل من يستحقه سواء قبر أو لم يقبر، ولا يقال: كيف يصل إليه وقد تفرقت أجزاؤه في البحر أو في البر؟ فإن الله على كل شيء قدير، وأمور الآخرة تختلف عن الدنيا، والواجب التصديق بكل ما جاء به القرآن والسنة من كل غيب، وعدم التردد في ذلك. ومعلوم أيضاً أن من دفن فإن الأرض تأكله وتذهب أجزاؤه فيها، والله يعيد تلك الأجزاء من التراب: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:2-3]، وقال الله عز وجل: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4]، يعني: فنحن نستخرجهم من الأرض، فجميع الذرات التي اختلطت بالتراب يستخرجها الله تعالى، ويعود الجسم كما كان، كما جاء في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه وقال لأولاده: (إذا أنا مت فأحرقوني وذروا نصف الرماد في البر ونصفه في البحر، فأخشى إن قدر الله علي أن يعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، ففعلوا، فأمر الله عز وجل البحر بأن أخرج ما فيه، والبر أخرج ما فيه، حتى عادت كل ذرة إلى مكانها). ثم أيضاً لو فتح القبر لم نر جنة ولا ناراً، مع أن الجنة والنار موجودتان، وقد أري رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة والنار في صلاة الكسوف، ورأى العناقيد المتدلية، ومد يده، ورأى الصحابة يده تمتد ولم يروا ما مدت إليه؛ لأنهم ما رأوا الجنة، ولما عرضت عليه النار تكعكع ورجع القهقرى، ولما فرغ من صلاته سألوه فقال: (عرضت علي الجنة فرأيت عناقيد العنب متدلية، ومددت يدي لآخذ عنقوداً منها ثم تركته، ولو أخذت منه لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)، ولكن الله شاء أن تكون أمور الآخرة غيباً ولا تكون علانية؛ ليتميز من يؤمن ومن لا يؤمن، ومن يكون من أهل الشقاء ومن يكون من أهل السعادة.

انقطاع عذاب القبر ودوامه


السؤال: هل عذاب القبر دائم أم على حسب عمل الإنسان في الدنيا؟ الجواب: منه ما هو دائم ومنه ما هو غير دائم، فالدائم كما جاء في القرآن في الكفار: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] أي: فهم في عذاب مستمر، وإذا بعثوا انتقلوا من عذاب شديد إلى عذاب أشد، وأما في حق العصاة فلا يقال إنه دائم، فقد يمكن أن يحصل للإنسان نصيبه من العذاب في القبر وبعد ذلك يسلم، ولهذا فإن من مكفرات الذنوب ومن الأشياء التي يحصل بها التخلص من عذاب جهنم: عذاب القبر، فالإنسان يعذب في قبره فيكون ذلك هو نصيبه من العذاب، ثم بعد ذلك يدخل الجنة، وأيضاً: ورد ما يدل على التخفيف، كما جاء في قصة القبرين اللذين مر بهما الرسول صلى الله عليه وسلم وهما يعذبان في ذنبين: فأحدهما كان لا يستبرئ من البول، والثاني كان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة وشقها نصفين، ووضع على كل قبر جريدة وقال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا). وهذا الذي جاء في الحديث من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد بعده أن يضع زهوراً أو أن يضع شيئاً من الأشياء الرطبة أو النبات على قبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم العذاب في القبر وعلم سبب العذاب، وغيره لا يعلم من يعذب ومن ينعم.

عذاب القبر ونعيمه جزء من نعيم الجنة أو عذاب النار


السؤال: هل نعيم القبر وعذابه جزء من نعيم الجنة وعذاب النار؟ الجواب: نعم، فقد جاء في الحديث أنه يفتح للمؤمن باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، والكافر يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها.

فتنة القبر للموحد العاصي


السؤال: هل يمكن أن يجيب المسلم عن أسئلة القبر مع كونه كان مقصراً في الدنيا مع سلامة توحيده؟ الجواب: نعم، فالجواب يوفق له من كان مؤمناً، وأما من كان كافراً أو منافقاً فهذا لا يجيب بالجواب الحسن أبداً. والذين ليس لهم إلا النار وليس لهم إلا العذاب هم المنافقون والكفار، وأما غيرهم من العصاة فيدخلون تحت مشيئة الله، فقد يتجاوز عن العاصي من عذاب القبر ومن عذاب النار، والله تعالى أعلم. والذي يعذب في القبر بالنميمة هو مسلم ولم يكن كافراً؛ لأنه لو كان كافراً لعذاب بعذاب الكفر، والتخفيف إنما يكون لمن يعذب بسبب ذنب، والجواب في القبر يرجى أن يحصل من كل مسلم؛ لكن لا يقال إن من أجاب بالجواب السديد يسلم من عذاب النار، وأن كل المسلمين الذين ليسوا منافقين ولا كفاراً لا يعذبون في القبر، بل يمكن أن يتجاوز الله عنهم فلا يعذبون في القبر ولا في النار، ويمكن أن يعذبوا بعذاب القبر ويكفيهم عن عذاب النار، ويمكن أن يحصل لهم عذاب القبر وعذاب النار، مثل أصحاب الكبائر الذين يدخلون في النار ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين، وبعفو أرحم الراحمين.

لا يسأل الأنبياء في قبورهم

السؤال: هل يسأل الأنبياء في القبر؟ الجواب: الأنبياء -كما هو معلوم- هم الذين يسأل المكلف عنهم في القبور.

الحكمة من كون الملك الذي يعذب الكافر في القبر أعمى أبكم


السؤال: ما الحكمة من كون الملك الذي يعذب الكافر في قبره أعمى أبكم؟ الجواب: قالوا: يكون أعمى أبكم حتى لا يرحمه؛ لأنه إذا كان يرى أو يسمع فقد يكون فيه شيء من الرحمة، ولكنه إذا كان لا يرى ولا يسمع فإنه يحصل منه العذاب، وليس عنده مجال للرحمة.

مدى صحة القول بأن عذاب القبر يستمر أربعين ليلة


السؤال: نجد في بعض الكتب: أن عذاب القبر يستمر أربعين ليلة، فهل يصح هذا؟ الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على هذا، فهذه أمور غيبية لا يجوز الكلام فيها إلا بدليل.

الدعاء للميت بعد دفنه جماعياً


السؤال: عندنا في البلاد إذا مات شخص يقوم أحد العلماء بعد دفنه ويدعو له والباقون يؤمنون، فهل هذه الطريقة صحيحة أم لا؟ الجواب: الطريقة الصحيحة أن يدعو كل واحد للميت بأن يثبته الله عز وجل وأن يغفر له؛ هذا هو الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أن يأتي واحد ليدعو والناس يؤمنون فلا.

حكم تلقين الميت في القبر


السؤال: في بعض البلاد بعد أن يدعو الناس للميت يخاطبه أحدهم: يا فلان! إذا سئلت عن كذا فأجب بكذا؟ الجواب: هذا شيء مع كونه غير صحيح لا فائدة من ورائه، لأن الإجابة عن أسئلة القبر لا تنبني على التلقين وأنه يقال له: اعمل كذا ولا تعمل كذا، فهذا أمر قد انتهى، والجواب إنما يكون سديداً بتثبيت الله عز وجل.

كشف عذاب القبر لبعض الناس


السؤال: ما قولكم فيما يروى عمن كشف له عن بعض عذاب القبر، كمن رأى قبراً يعذب صاحبه بعذاب معين، ومثل هذا موجود في كتب ابن القيم وغيره؟ الجواب: إذا صح ذلك أو ثبت فإنه ممكن، وهو شيء موجود يمكن أن يطلع عليه، لكن ليس كل خبر يذكر يصدق، فقد تروى أخبار وليس لها أساس.

حكم التقليد في الاعتقاد

السؤال: استدل بعض أهل العلم بحديث فتنة القبر وعدم إجابته على أنه لا يجوز التقليد في الأمور العقدية، والشاهد منه قوله: (سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته)، فهل هذا صحيح؟ الجواب: هذا وارد في التقليد في الشر، فالذي يجيب بأنه سمع الناس يقولون شيئاً فقاله إنما هو فيما يتعلق بالكفر: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22] فهذه هي الطريقة التي كانوا عليها.

الدفن في البقيع لا يشفع للإنسان


السؤال: من كان مستحقاً للعذاب في القبر لكنه دفن في جنة البقيع، فهل يسلم لبركة المكان؟ الجواب: جاء عن أحد الصحابة أن البلاد لا تقدس أهلها، وإنما يقدس الإنسان عمله. ولو دفن في البقيع شخص كافر أو منافق فهل ينفعه كونه دفن في البقيع؟ الجواب: لا ينفعه ذلك، وإنما ينفع الإنسان إيمانه وعمله الصالح، والمهم في الأمر أن يقدم الإنسان لنفسه عملاً صالحاً يلقاه، وسواء دفن في البقيع أو في غير البقيع، وأما أن يبتعد عن الله ثم يقول إن البقيع يشفع له، فهذه أماني كاذبة، وهذا من تلاعب الشيطان بالإنسان. وقول السائل: (جنة البقيع) هذه من تعبير بعض عوام العجم، فهم يقولون: هذه جنة البقيع.

تخفيف العذاب عن الميت بالصدقة عنه


السؤال: هل الصدقة عن الميت تؤثر في تخفيف العذاب عنه في قبره مثلاً؟ الجواب: يرجى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).

وضع الميت في صندوق في السواحل


السؤال: في بلادنا يوجد بعض الأماكن التي تقع في ساحل البحر إذا حفروا قبراً وجدوا الماء قريباً جداً، فلجئوا إلى إدخال الميت في صندوق ثم يضعونه في قبره، فما الحكم؟ الجواب: الذي ينبغي أن يدفن في مكان بعيد من البحر إن أمكن ذلك، وأما إذا كانت الأرض كلها كذلك، وكان الأمر يقتضي ذلك، فلا بأس.

معنى صلاة الميت في قبره

السؤال: جاء عند ابن ماجة وصححه الشيخ الألباني رحمه الله (أن الشمس تمثل للمسئول عند الغروب في قبره، فيقول للملكين: دعاني أصلي! فيقولان: ستفعل) فما المراد بالصلاة هنا؟ الجواب: الله تعالى أعلم، لكن الصلاة هنا قد تكون بمعنى الدعاء، كما جاء في الحديث أن موسى عليه السلام يصلي في قبره كما ثبت في الصحيح، فإذا ثبت ما ذكره السائل فيمكن أن يكون من هذا القبيل.

تخصيص ليلة النصف من شعبان بفضيلة


السؤال: هل توجد فضيلة لليلة النصف من شعبان ويومها؟ الجواب: ليلة النصف من شعبان لم يرد فيها شيء ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان عليه أن يكون دائماً وأبداً على صلة بالله وأن يعبد الله عز وجل دائماً، فلا يخص شيئاً من الليالي والأيام إلا وفقاً للدليل، وإذا لم يأت دليل يدل على تخصيص بعض الليالي وبعض الأيام فإن على الإنسان أن يتقيد بما جاء في النصوص، فلا يحدث شيئاً ولا يعمل شيئاً لم تأت به النصوص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم يثبت في ليلة النصف من شعبان شيء. ولشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة اشتملت على أربع رسائل: رسالة الاحتفال بالنصف من شعبان، والاحتفال بالإسراء والمعراج، والاحتفال بالمولد النبوي، ورؤيا خادم الحجرة، وهي الرؤيا المكذوبة التي تروج بين حين وآخر، وهي مشتملة على الباطل والكذب. فهذه الرسائل الأربع طبعت تحت عنوان التحذير من البدع، وقد ذكر أن ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والإنسان عليه أن يكون متبعاً وألا يكون مبتدعاً، فالشيء الذي ورد يأخذ به، والذي لم يرد يمسك عنه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

من الذي ينفخ في الصور

السؤال: ذكرتم أنه لم يرد نص في أن إسرافيل هو الذي ينفخ في الصور، وقد بحثت فيما بين يدي من المصادر فوقفت على ما يلي: أولاً: في حديث الصور الطويل تسمية الذي ينفخ في الصور بأنه إسرافيل. ثانياً: روى الطبراني في الأوسط تسميته أيضاً بإسرافيل، وقال الهيثمي: إسناده حسن. ثالثاً: في كتاب العظمة لأبي الشيخ بن حيان رويت آثار عن بعض السلف بأنه إسرافيل. رابعاً: قال الطبري في تفسيره: تظاهرت الروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه إسرافيل؟ الجواب: قال ابن كثير في التفسير عند تفسير قوله تعالى: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:73] إنه لا يعلم وجوده في الصحيح، وأما حديث الصور فمعلوم أن فيه كلاماً، وأما هذا الذي ذكره عند الطبراني في الأوسط فنحتاج إلى معرفة مكانه منه؛ حتى يُعرف هل هو ثابت أو غير ثابت، فأنا لا أعلم شيئاً فيما يتعلق بأن إسرافيل ينفخ في الصور، وهو معروف مشهور عند الناس، ومشهور في كتب أهل العلم أنه إسرافيل. وأيضاً كما قلت في التعليل في توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربوبية الله جبريل وميكائيل وإسرافيل يذكر بعض أهل العلم أنهم موكلون بأنواع الحياة الثلاث، وأن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور، ولكن الشأن في الحديث الذي يثبت في ذلك."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]