الإيمان بالكتب المنزلة غير المحرفة، وحفظ الله عز وجل للقرآن الكريم
ومعلوم أن الإيمان بالكتب المنزلة السابقة إنما هو ما أنزل وليس بالكتب المبدلة، وإنما المقصود من ذلك أن التوراة فيها تحريف وتبديل، ولكن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أصلها الذي نزل من عند الله عز وجل، وإلا فإنه قد حصل فيها تحريف وتبديل، ولم تكن كما أنزلها الله عز وجل، فالتحريف حاصل لها قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحاصل لها بعد ذلك، ولا يزال التغيير والتبديل في الكتب المنزلة على مر الدهور والعصور إلا القرآن فإنه محفوظ بحفظ الله، فلا يدخله تغيير ولا تبديل، ولهذا حفظه الله تعالى أولاً بتمكين النبي صلى الله عليه وسلم من حفظه واستيعابه من جبريل، وأنه لا يفوته شيء، وكان عليه الصلاة والسلام في أول الأمر عندما يلقي عليه جبريل القرآن يحرك لسانه به حتى لا يفوته منه شيء، فأمره الله عز وجل بألا يحرك لسانه به، وأخبره أن عليه جمعه وقرآنه، وأن عليه أن يصغي لتلاوة جبريل إياه عند إلقائه عليه، ثم إنه يكون محفوظاً له بحيث لا يفوته منه شيء، فكان بعد ذلك يصغي ولا يحرك لسانه، وإذا انتهى وإذا هو محفوظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحفظوه واعتنوا به حتى جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله أنه قال: كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن. ثم أيضاً القرآن نزل منجماً ومفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، ولم ينزل دفعة واحدة كالكتب السابقة؛ وذلك فيه تسهيل لحفظه؛ لأنهم كلما نزل عليهم آيات اشتغلوا بحفظها، فإذا جاءت الآيات التي بعدها وإذا هم قد حفظوا ما مضى، وبالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم مع حفظه إياه كان جبريل يدارسه القرآن في كل رمضان مرة، يعني: جبريل يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والرسول يسمع، والعكس الرسول يقرأ وجبريل يسمع، فيعارضه القرآن، وفي العام الذي قبض فيه عارضه إياه مرتين، والمعارضة كانت لكل ما نزل قبل ما مضى، وكل هذا من حفظ الله عز وجل للكتاب. ثم أيضاً ما وفق الله عز وجل له الصحابة من كونهم حفظوه في الصدور، ثم قاموا بحفظه في السطور، حيث جمعه أبو بكر الجمعة الأولى في صحف، ثم جمعه عثمان رضي الله عنه في مصحف، ومصحف عثمان رضي الله عنه هو الذي بين أيدي الناس، والذي يتوارثه الناس عصراً بعد عصر، هذا هو الذي جمعه عثمان رضي الله عنه وأرضاه. ثم ما وفق الله عز وجل من حصول الحفظ للملايين من المسلمين للقرآن عن ظهر قلب، ولو حصل خطأ في حرف من الحروف لتنبه لذلك الملايين من الناس الذين يبينون الخطأ، وأذكر من الأمثلة التي تذكر بهذه المناسبة أن الجامعة الإسلامية كانت فيما مضى ولا تزال ترسل طلاباً في أوائل شهر رمضان أو قرب شهر رمضان إلى البلاد المختلفة في أوروبا وغيرها ليقوموا بصلاة التراويح ببعض الجماعات الإسلامية هناك، فكان منهم طالب منذ زمن بعيد ذهب وهو من حفاظ القرآن، وكان ليست معه الورقة الصفراء التي هي الورقة الصحية، فجعلوه في مكان يسمونه: محجراً صحياً، فجلس فيه ثلاثة أيام ولما جاء إلى ذلك المكان وجد مصحفاً فيه تحريف وتبديل وتقديم وتأخير وكان حافظاً لكتاب الله، فقرأ ذلك المصحف وصححه بخط يده من أوله إلى آخره، ثم تركه في مكانه، فهذا الحافظ لكتاب الله لما وجد التحريف والتبديل والتغيير في ذلك المصحف صححه بخطه وجعله على الصواب، فهذا من حفظ الله عز وجل لكتابه، كون الملايين من المسلمين يحفظون القرآن عن ظهر قلب، ولو حصل أي خطأ لتنبه له الحفاظ، فلا سبيل إلى تحريفه وتغييره، ولا سبيل إلى تبديله، بل هو محفوظ بحفظ الله؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظه حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. قوله: [ (فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال: ائتوني بأعلمكم) ]. معلوم أن الذي يؤمن به ويقال: إنه من عند الله هو المنزل وليس المبدل، ولهذا جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) فنحن نؤمن بالمنزل، ولا نؤمن بالذي عندهم والذي بين أيديهم والذي قالوا: إنه من عند الله، مع أنهم غيروا وبدلوا، ولكننا لا نصدق بكل ما يقولون، ولا نكذب بكل ما يقولون، فإذا كان الشيء الذي يقولونه لا يليق بالله عز وجل ولا بالرسل فإن هذا يكذب ولا يكون هذا من عند الله، كونه لا يليق برسل الله ولا يليق بنسبته إلى الله عز وجل، وكونه من الأمور القبيحة، فمثل هذا يكذب، ولكن إذا كان الشيء له معنى صحيح وحكم وكلام جميل، ولا يدرى هل هو من كلام الله المنزل أو ليس من كلام الله المنزل؟ فهذا هو الذي لا يصدق ولا يكذب؛ لأنه ليس كل كلام جميل يكون من عند الله حتى يقال: إن هذا صدق، بل ما كان من عند الله هو الذي نزله على رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولهذا قال الرسول: (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم)؛ لأنهم لو كذبوا بكل شيء أمكن أن يكذبوا بالحق الذي فيه، ولو صدقوا بكل شيء أمكن أن يصدقوا بباطل، ولكن إذا سكتوا وأمسكوا وقالوا: (( آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ))، فعند ذلك يكونون قد أخذوا بما فيه السلامة وما هو الحق الذي لا إشكال فيه وهو إيماننا بالمنزل: وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ [العنكبوت:46]. قوله: [ (ثم قال: ائتوني بأعلمكم، فأتي بفتى شاب..) ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع ]. حديث مالك عن نافع الذي هو الأول، وهو الطريق الرباعي، والذي هو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثانية
قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني هشام بن سعد ]. هشام بن سعد ، صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أن زيد بن أسلم حدثه ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره.
شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدثنا رجل من مزينة ح وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس قال: قال محمد بن مسلم : سمعت رجلاً من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب فحدثنا عن أبي هريرة وهذا حديث معمر وهو أتم قال: (زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله قلنا: فتيا نبي من أنبيائك، قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ قالوا: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأَخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما). قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]. كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رجم اليهوديين. قوله: [ (زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف) ]. وهم يريدوا أن يحصلوا عقوبة أخف من العقوبة التي عندهم في التوراة وهي الرجم، وهذا يدل على أن تحاكمهم ليس بحثاً عن الحق، وإنما يريدون شيئاً يوافق أهواءهم وما يشتهونه، فهذا هو، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه خير بين الحكم فيهم وعدم الحكم؛ لأنهم ما جاءوا يقصدون الحق أو يريدونه، ولكنه أمر بأن يحكم بينهم بالعدل والقسط، وأن يحكم بينهم بما أنزل الله. قوله: [ (فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله قلنا: فتيا نبي من أنبيائك) ]. يعني: أنهم عولوا على ما جاء عن نبي من أنبياء الله، وهم لا يريدون الحق، ولكن إن حكم بما يناسبهم قبلوه، وإن حكم بما لا يناسبهم ردوه. قوله: [ (قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب) ]. يعني: أنهم جاءوا إليه وهو في المسجد وسألوه هذا السؤال، فلم يكلمهم وإنما ذهب إلى بيت مدراسهم أي: المكان الذي يجتمعون فيه للدراسة والقراءة فوقف على الباب وسألهم. قوله: [ (فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد) ]. يحمم يعني: يسود وجهه بالفحم، ويجبه بمعنى: أنه يركب على دابة ويكون وجهه إلى مؤخرها، وإذا كانوا اثنين فإنها تتقابل ظهورهما، يعني: لا يجعلان في اتجاه الدابة، بل يجعل واحد إلى اتجاه الدابة والثاني إلى خلفها، وذلك يدل على أن هذه فضيحة؛ لأن هذه هيئة غريبة، وهي التي تسمى: التجبيه. قوله: [ (والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: الموجودون تكلموا بهذا الكلام وسكت واحد منهم، فلما رآه سكت قصده بالسؤال وقال: أنشدك! قوله: [ (فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة) ]. يعني: ألح عليه في السؤال بأن يجيبه فيما يجدونه في كتابهم فيمن زنى وهو محصن. قوله: [ (فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟) ]. ما أول شيء تركتم فيه أمر الله وتحولتم إلى هذا الشيء الذي تفعلونه من التحميم والتجبيه والجلد؟ قوله: [ (قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم) ]. يعني: قريب الملك زنى فلم يقم عليه الرجم، فترك الرجم وأخر، ثم زنى رجل من أسرة فأراد أن يرجمه فقالوا: لا حتى يرجم ذلك الذي من أسرتك. قوله: [ (ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم) ]. يعني: فاتفقوا على هذه العقوبة التي يقيمونها على كل أحد سواءً كان شريفاً أو ضعيفاً. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما) ]. حكم عليهما بما في القرآن وبما في السنة، وهو أيضاً مطابق لحكم التوراة. قوله: [ قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]، كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم ]. هذا الذي ذكره عن الزهري قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو من الأنبياء الذين يحكمون بالتوراة، وإنما المقصود بالأنبياء الذين يحكمون بالتوراة هم أنبياء بني إسرائيل، وهم كثيرون من بعد موسى وكانوا يحكمون بالتوراة، ومعلوم أن الفرق بين الرسول والنبي أن الرسول: هو الذي تنزل عليه شريعة ابتداءً ويحكم بها، وأما الأنبياء فإنهم يؤمرون بأن يحكموا بشرائع سابقة ولم ينزل عليهم كتاب، كأنبياء بني إسرائيل من بعد موسى الذين أمروا بأن يحكموا بالتوراة وهي لم تنزل عليهم، وإنما نزلت على موسى، فإذاً: النبي هو الذي أمر بأن يحكم بشريعة سابقة والرسول هو الذي أنزل عليه شرع ابتداءً.
تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثالثة
قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى ]. هو محمد بن يحيى الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من مزينة ]. رجل من مزينة وهذا مبهم. [ ح وحدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد المصري ، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال محمد بن مسلم ]. محمد بن مسلم هو ابن شهاب ، وهناك جاء بلفظ الزهري ، وفي هذا الطريق جاء بلفظ محمد بن مسلم ولهذا معرفة الكنى والألقاب والأنساب مهمة، وذلك أن الشخص إذا ذكر باسمه في موضع وبنسبه في موضع أو ذكر بكنيته في موضع يعرف أنه شخص واحد وليس شخصين. [ عن رجل من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ]. هذا من الكلام من الطريق الثاني وهو طريق أحمد بن صالح . [ ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب فحدثنا عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. وهذا الحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود ؛ ولعله من جهة الرجل المزني المبهم، ولكن كثيراً منه متفق مع ما جاء في الأحاديث.
شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق رابعة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني قال: حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: (زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد كان الرجم مكتوباً عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبيه، يضرب مائة بحبل مطلي بقار، ويحمل على حمار وجهه مما يلي دبر الحمار، فاجتمع أحبار من أحبارهم فبعثوا قوماً آخرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سلوه عن حد الزاني وساق الحديث فقال فيه: قال: ولم يكونوا من أهل دينه فيحكم بينهم، فخير في ذلك قال: فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [المائدة:42]) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله وفيه بعض الفروق. قوله: [ (زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) ]. وهذا فيه ذكر الإحصان. قوله: [ (وقد كان الرجم مكتوباً عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبيه) ]. التجبيه مر ذكره. قوله: [ (يضرب مائة بحبل) ]. وهذا بيان طريقة الجلد عندهم، وأنه يضرب مائة بحبل مطلي بالقار. قوله: [ (ويحمل على حمار وجهه مما يلي دبر الحمار) ]. فهذا هو التجبيه. قوله: [ (فاجتمع أحبار من أحبارهم بعثوا قوماً آخرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سلوه عن حد الزاني وساق الحديث فقال فيه: قال: ولم يكونوا من أهل دينه) ]. يعني: دين النبي صلى الله عليه وسلم، فخير بالحكم فيهم، وكما أشرت لعل من أسباب تخييره لكونهم لا يريدون الحق، وإنما يأتون يبحثون عن شيء يتابع أهواءهم، ولهذا قال: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [المائدة:49].
تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق رابعة
قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: حدثني محمد -يعني ابن سلمة - ]. هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدث سعيد بن المسيب ]. يحدث سعيد بن المسيب يعني: هو مثل الذي قبله، فسعيد المسيب محدَّث وليس بمحدِّث في هذا الإسناد، فيكون مثل الذي قبله فيه الرجل المبهم.
شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق خامسة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا أبو أسامة قال مجالد أخبرنا عن عامر عن جابر بن عبد الله قال: (جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم، فأتوه بابني صوريا فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجمهما) ]. قوله: [ (جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوه بابني صوريا فنشدهما) ]. جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: (ائتوني برجلين من علمائكم) فأتوه بابني صوريا ، فنشدهما ماذا يجدون في التوراة في أمرهما! قوله: [ (قالوا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل) ]. قالوا: إن في كتابهم أنه إذا شهد أربعة منهم بأن ذكره في فرجها كالميل في المكحلة فإنهما يرجمان فقال: فما بالكم لم تفعلوا، يعني: ذلك الذي هو موجود في التوراة؟ قالوا: إنه ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، وأرادوا أن يكثر نسلهم وألا ينقرضوا، وأن يكون الإبقاء عليهم وعدم قتلهم زيادة في عددهم، وأن القتل يكون فيه نقص لهم، فأرادوا ألا يكون القتل فغيروه وبدلوه إلى شيء آخر لا قتل فيه. قوله: [ (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما) ]. فدعا بالشهود، فأتي بأربعة فشهدوا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما، وهذا يدل على أن الذي هو موجود في التوراة هو نظير ما هو موجود في هذه الشريعة من أن الشهود أربعة، وكذلك الاعتراف، وأن الحكم هو الرجم في حق من كان محصناً.
تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق خامسة
قوله: [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي ]. يحيى بن موسى البلخي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو أسامة ]. هو أبو أسامة حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجالد ]. مجالد هو ابن سعيد ، وهو ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا الإسناد فيه: (قال: مجالد أخبرنا) وهذا فيه تقديم الاسم على الصيغة، يعني: الذي قبله قال: أخبرنا مجالد ، وهو أبو أسامة يعني: بدل ما قال أبو أسامة : أخبرنا مجالد ، قال أبو أسامة : مجالد أخبرنا، فهذا فيه تقديم الاسم على الصيغة، وهذا يأتي استعماله ولكنه قليل، والأصل والأكثر هو أن الصيغة تقدم على الاسم، فيقال: أخبرنا فلان، فعل وفاعل، وأما كونه يكون مبتدأ وخبراً والخبر هو الجملة (أخبرنا) فإن هذا قليل في الاستعمال، وممن يستعمله شعبة ، فإنه يأتي في بعض الأسانيد عن شعبة بن الحجاج أنه يقول: فلان أخبرنا، وهنا أبو أسامة وهو حماد بن أسامة قال: مجالد أخبرنا، وهو من قبيل تقديم اسم الراوي على الصيغة التي أسند إليه من روى عنه بها.
شرح حديث رجم اليهوديين من طريق سادسة، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم و الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه لم يذكر: (فدعا بالشهود فشهدوا) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى ولكنه مرسل، وأنه مثل الذي قبله إلا أنه لم يذكر في آخره أنه دعا بالشهود فشهدوا، وهو مثل الذي قبله في كونه موجود في التوراة كذا وكذا. قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. الشعبي مر ذكره، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، يعني: كون التابعي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كذا، فهذا من قبيل المرسل، ولكنه يعتضد بالمتصل الذي قبله.
شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق سابعة، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن هشيم عن ابن شبرمة عن الشعبي بنحو منه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مرسل كالذي قبله. وابن شبرمة هو عبد الله بن شبرمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الشعبي بنحو منه ]. الشعبي بنحو منه يعني: بلفظ قريب منه.
شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثامنة، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج بن محمد قال ابن جريج : إنه سمع أبا الزبير ، سمع جابر بن عبد الله يقول: (رجم النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من اليهود وامرأة زنيا) ]. أورد أبو داود حديث جابر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم رجلاً من اليهود وامرأة زنيا)، يعني: رجمهما بسب الزنا. قوله: [ حدثنا إبراهيم بن حسن المصيصي ]. إبراهيم بن حسن المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج بن محمد ]. هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنا سمع أبا الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.
الأسئلة
حكمة سؤال النبي اليهود عن حكم الزاني في التوراة
السؤال: لماذا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحد في شريعتهم؟ أما كان له الحق أن يقيم عليهم الحد المشروع في الإسلام ابتداءً؟ الجواب: الحكم إنما هو بشريعة الإسلام، ولكن فيه بيان معرفة الحكم عندهم وأنهم كذبة محرفون ومبدلون، ويظهر بذلك ما كانوا عليه من الباطل؛ لأنه بهذا السؤال تبين هذا الباطل الذي هم عليه، وأنهم أهل مكر وكيد وخبث، وأنهم يريدون ما يوافق الأهواء، وما يخالفها لا يريدونه ولو كان من عند الله، سواء كان في التوراة أو من عند النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم العقد بين الزاني والزانية خصوصاً إذا كانت حاملاً
السؤال: من المعلوم أن في بعض بلاد المسلمين بعض العادات أنه إذا علم بأن أحداً قد زنى بامرأة فإن القاضي يقوم بعقد النكاح بين الزاني والمزني بها حتى ولو كانت امرأة حاملاً؟ الجواب: إذا كانت المرأة حاملاً فالذي في بطنها ولد زنى، ولا يجمع بين النكاح والسفاح، فالزواج أو العقد عليها إنما يكون إذا خلا بطنها مما فيه من الحمل، وكونه يزوج بها ثم بعد ذلك ينتسب الولد إليه وقد حصل بزنا فهذا لا يجوز؛ لأن هذا ولد من سفاح، والنسب إنما يكون فيما ولد من نكاح، لهذا فهم يتخذونه طريقة إلى إخفاء الجريمة، وأن ذلك الذي جاء من زنا ينسب إليه وهو لا ينسب إليه، فالزاني ليس له ولد، وإنما له الخيبة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر).
حكم الدعاء على النفس
السؤال: هل يجوز أن ندعو على أنفسنا مثل دعوة أبي بن كعب حيث دعا على نفسه بأن يصاب بالحمى، فإني مبتلى ولا أستطيع القيام، أتمنى الجهاد في سبيل الله؟ الجواب: الإنسان يسأل الله العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)؛ لأن من الناس من يتمنى شيئاً ويريده ولكنه إذا وصل إليه تغير وضعه فيلحقه ضرر من هذا الشيء الذي تمناه، يعني: حصل منه مخالفة في أمر ما كان ينبغي أن يخالف فيه."