شرح حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) من طريق أخرى
[ قال أبو داود : حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث أنه قال: حدثنا زكريا بن سليم بإسناده نحوه زاد: (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال: ارموا واتقوا الوجه، فلما طفئت أخرجها فصلى عليها) وقال في التوبة نحو حديث بريدة) ]. أورد أبو داود حديث ابن أبي بكرة من طريق أخرى وفيه: (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة). يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ برميها، وأنه رماها بحصاة مثل الحمصة، فبدأ بالرمي وهم رموا وراءه، ولكن هذا غير ثابت، والإمام ليس بلازم أنه يباشر الرمي وإنما يأمر به، وإن كان بعض أهل العلم قال: إنه يستحب له أن يباشر وأن يشارك فيه، ولكن الأمر في ذلك واسع، إن شارك شارك، وإن لم يشارك فالأمر ليس بلازم، ولكن كون الرسول شارك وأنه رماها بحصاة مثل الحمصة، فإن هذه الحجرة الصغيرة التي تساوي هذه الحبة الصغيرة التي يقال لها الحمصة لا تؤثر، فالحديث ضعيف وليس هناك ما يشهد له، والذي حدث أبا داود مجهول غير معروف؛ لأنه قال: حدثت، ففيه انقطاع، وفيه أيضاً ذلك الشخص المقبول الذي هو زكريا أبو عمران الذي سبق أن مر وهو زكريا بن سليم ، وفيه أيضاً الشيخ المبهم، يعني: فيه ثلاث علل وليس له شواهد.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة ) من طريق أخرى
[ قال أبو داود : حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث ]. عبد الصمد بن عبد الوارث صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زكريا بن سليم بإسناده نحوه ]. زكريا بن سليم مر ذكره وهو زكريا أبو عمران .
الجمع بين قوله: (فحفر لها إلى الثندوة) وقوله: (ارموا واتقوا الوجه)
قال في هذا الحديث: (ارموا واتقوا الوجه)، وفي الحديث السابق: (فحفر لها إلى الثندوة)، ومن المعلوم أنه إذا حفر لها إلى الثدي لم يبق إلا الرأس بما فيه من الوجه. على كل: ما دام أنه إلى الثندوة ففيه الرقبة، وفيه الظهر، وفيه قفاء الرأس، ثم أيضاً هذا اللفظ (ارموا واتقوا الوجه) ما جاء إلا من هذه الطريق التي فيها ضعف، فهذه الرواية ضعيفة؛ ولأن المقصود في هذا أنه ينتهي بالقتل، وسواءً جاء الرجم من قبل الوجه أو جاء من جميع الجهات، ثم أيضاً يصعب اتقاء الوجه للذي يرجم من جهات مختلفة، والإسناد كما عرفنا ضعيف.
شرح حديث العسيف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه: (أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله! فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم قال: تكلم. قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -والعسيف الأجير- فزنى بامرأته، فأخبروني أن ما على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد إليك، وجلد ابنه مائة، وغربه عاماً وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهما، وأنهما قالا: إن رجلين جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وهو أفقه منه: نعم اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم فقال: تكلم، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -يعني: كان أجيراً عند هذا الرجل الذي هو خصمه- وأنه زنى بامرأته، وأنه أخبر بأن ابنه عليه الرجم، فأراد أن يخلص ابنه فدفع إلى ذلك الرجل الذي هو زوج المرأة مائة من الغنم ووليدة أي: جارية، ثم بعد ذلك سأل أهل العلم وقالوا: إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وجلد ابنه مائة جلدة وغربه عاماً وقال: اغد يا أنيس -وهو رجل من أسلم- إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها). هذا الحديث فيه إثبات الرجم على من كان محصناً، وإثبات الجلد مائة وتغريب عام لمن كان غير محصن، والحديث مشهور بحديث العسيف؛ لأنه جاء فيه: (إن ابني كان عسيفاً على هذا) وجاء بعض الرواة ففسر العسيف بأنه الأجير؛ لأن قوله: والعسيف: الأجير، هذا تفسير من بعض الرواة وبيان أن العسيف هو الأجير وزناً ومعنى. فقال زوج المرأة: اقض بيننا بكتاب الله، والثاني قال: اقض بيننا بكتاب الله يعني: كما قال صاحبي، وائذن لي أن أتكلم، ثم إنهما قالا: (اقض بيننا بكتاب الله)، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يقضي إلا بكتاب الله، فكيف خاطباه بهذا الخطاب؟ قيل: إن المقصود من ذلك: أنه لا يقضي بينهما بشيء فيه صلح أو فيه رفق بهما جميعاً ويكون ذلك عن طريق التراضي بينهما، وإنما يريدان حكماً جازماً فاصلاً فيما لهما وما عليهما؛ ومعلوم أن القاضي قد يصلح بين المتخاصمين فيتفقان على شيء، وإذا حصل ذلك ولم ينته إلى حكم فإن ذلك سائغ، لكن لابد أن يكون برضا الطرفين، يعني: الحق لا يعدوهما، فإذا اصطلحا واتفقا فإن النتيجة أن كلاً منهما سيذهب مسروراً بسبب الصلح، وأما القضاء فإن واحداً منهما يكون مسروراً والثاني غير مسرور؛ لأنه قد حكم عليه، فهما أرادا أن يكون الحكم إنما هو بشيء يفصل بينهما، فصاحب الحق يأخذ حقه، والذي ليس له حق لا يكون له شيء. قوله: [ (اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي) ] قيل: إن مما يشير إلى فقهه أدبه وكونه استأذن في الكلام؛ لأنه قال مثل ما قال صاحبه، وأنه وافق صاحبه على ما قال، ولكنه طلب أن يؤذن له في الكلام، فالرسول أذن له أن يتكلم فقال الرجل: إن ابني كان عسيفاً على هذا -كان أجيراً عند هذا- فزنى بامرأته، يعني: أن الزنا سببه كونه أجيراً عندهم، وهذا يدلنا على خطورة وجود الأجانب بين النساء في البيوت مثلما هو منتشر في هذا الزمان من التوسع في استقدام الخدم والخادمات، ووجود السائق مع البنات والنساء، والخادمة تكون مع البنين والرجال في البيت فيخلون بها؛ فيترتب على ذلك فساد، ويترتب على ذلك فتن، وإذا كان هذا حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا العسيف الذي كان عند امرأة ذلك الرجل، وأنه زنى بها بسبب الاتصال والاحتكاك الذي يكون بينهما فكيف بزماننا؟! فالواجب هو الاستغناء عنهم ما أمكن، وإذا اضطر الإنسان فليتخذ الحيطة لذلك بحيث لا يخلو ولا يتصل بالنساء، ولا يخاطب النساء، ولا تكون له أية علاقة بالنساء، وإنما علاقته تكون بالرجال، وإذا احتيج إلى أن يذهب بهن أو يذهب بالمرأة أو بالفتاة فيكون معها محرمها، وإذا كان أيضاً أمكن أن يكون الخادم معه زوجته فيركب هو وزوجته، ومعهم بنات أو نساء الرجل المستأجر فإن هذا يكون أسلم، أما حصول الاختلاط فإنه يترتب على ذلك الأضرار الكثيرة العريضة، ولهذا نسمع كثيراً من الحوادث التي تجري وما يحصل من إقامة الحدود بسبب تلك الجنايات التي تكون في البيوت من الخدم والخادمات، فإن الأضرار في ذلك كثيرة وعظيمة، ولهذا ينبغي أن يحذر التوسع أو الإقدام على استقدام الخدم إلا لضرورة، ومع الضرورة يكون الاحتياط، بحيث لا تقترب المرأة الخادمة من الرجال، ولا تخالطهم، والسائق أو الخادم لا يخالط النساء ولا يتصل بهن، وإنما يكون في معزل عنهن، فهن في جانب وهو في جانب. قوله: [ (إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته) ] هذا فيه بيان سبب الزنا، وهو كونه عسيفاً عنده، فزنى بامرأته، والزنا -كما هو معلوم- يكون سهلاً فيما إذا كان الشخص في البيوت أو له علاقة واتصال بالنساء، وليس مثل الرجل الذي ليس له علاقة؛ لأن هذا يتسور الجدران أو يكسر الأبواب، وأما الأول فيدخل ويخرج بسهولة ويسر، فهو ليس أجنبياً بحيث يستغرب دخوله عليهن، وإنما يدخل ويخرج كأهل البيت، فإذا حصل الاختلاط بين الخادم ونساء البيت، أو بين الرجال من أهل البيت مع الخادمات فإنه يحصل بذلك الفتن، ويحصل بذلك الزنا، ويحصل بذلك الشرور التي لا حد لها. قوله: [ (إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم) ] معناه: أنه يموت رجماً بالحجارة، فأراد أن يتخلص من الرجم، وألا يظهر أمره لئلا يرجم ولده، فاتفق مع زوج المرأة على أن يعطيه مائة من الغنم ووليدة، ويسلم من تبعة ذلك، ثم إنه سأل أهل العلم فأخبروه بأن ابنه ليس عليه رجم، وإنما عليه جلد وتغريب، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضى مع خصمه الذي أخذ منه الغنم والوليدة فقال والد العسيف: اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم فقال: تكلم، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله)، وكتاب الله عز وجل قيل: إن المراد به: حكم الله، ومعلوم أن كل ما جاء عن الله وعن رسوله فهو حكم الله سواء كان كتاباً أو سنة؛ لأن كلام الرسول هو من الله، وقد قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فالسنة هي من الله عز وجل وليست من الرسول صلى الله عليه وسلم، فكلها أحكام الله وكلها من الله، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها ولم يتعبد بتلاوتها كما يتعبد بتلاوة القرآن. وقيل: إن كتاب الله المقصود به: القرآن، وإن الرجم موجود فيه، وكذلك الجلد موجود فيه؛ لأن الجلد موجود في سورة النور، والرجم موجود في الآية التي نسخت وهي: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). فإذاً: إن أريد بالكتاب القرآن فإن ذلك موجود فيه، وإن أريد بذلك الحكم مطلقاً فإن الكتاب والسنة كلها حكم الله وكلها في كتاب الله، ولهذا جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي قال فيه: (لعن الله النامصة والمتنمصة) فقال: ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، وكانت امرأة سمعت ذلك الكلام فجاءت إليه وقالت: يا أبا عبد الرحمن ! إني قرأت المصحف من أوله إلى آخره ما وجدت فيه هذا الذي تقول، قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فالسنة هي من الله، وهي حكم الله عز وجل. قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ثم قال: الوليدة والغنم رد عليك) مردودة عليك، يعني: هذا الصلح الذي حصل على باطل وعلى أمر محرم فإنه مردود ومنقوض، والغنم ترد على صاحبها، والوليدة ترد على صاحبها؛ لأن ذلك مبني على باطل ولم يكن مبنياً على حق. وهذا يدل على أن الصلح إذا كان مخالفاً للكتاب والسنة فإنه ينقض ويرد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (والوليدة والغنم رد عليك)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وهذا لفظ مسلم ، وفي لفظ الصحيحين: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد). قوله: [ (وجلد ابنه مائة جلدة وغربه عاماً) ]؛ لأن هذا هو حده وهذا حكمه في الكتاب قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، والتغريب في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمر أنيساً الأسلمي أن يذهب إلى امرأة ذلك الرجل التي ادعي أنه زنى بها قال: (إن اعترفت فارجمها)، وهذا يدلنا على أن اعتراف شخص لا علاقة له بالشخص الآخر إلا أن يعترف، فلو أنكرت لا تؤاخذ ولا يقبل قوله عليها، وإنما تؤاخذ باعترافها أو بشهادة أربعة شهود، هذا هو الذي يك
تراجم رجال إسناد حديث العسيف
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي ، وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. و زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وكأن أبا داود رحمه الله أورد في هذا الباب حديث العسيف؛ لأن فيه رجم المرأة، فكأنه لما ترجم للجهنية أورد بعد ذلك ما يتعلق بالمرأة كما أنه فيما يتعلق بماعز ذكر قصة الرجال الذين أقيم عليهم الحد فذكرهم في باب ما يتعلق بماعز بن مالك ، وذكر فيما يتعلق بالمرأة الجهنية قصة المرأة الأخرى التي هي صاحبة العسيف.
الأسئلة
سبب حضانة رجل من المسلمين لولد الغامدية دون زوجها
السؤال: لماذا دفع بالولد إلى رجل من المسلمين، أليس زوجها أحق بهذا الولد؛ لأنه ولد على فراشه؟ الجواب: لا يدرى هل لها زوج أو ليس لها زوج؟ لأنها لو كانت فراشاً لكان الولد للفراش، ولكن الذي يبدو أنها ليست ذات زوج، وإلا فإن الشرع يحافظ على الأنساب، ولهذا جاء في الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، كل ذلك محافظة على الأنساب وعدم ضياعها ما دام أن ذلك ممكن. وقوله: (رجل من المسلمين) هذا لفظ عام قد يكون من أقرباء المرأة وقد يكون من غير أقربائها.
توجيه اختلاف الروايات في حديث الغامدية
السؤال: في حديث رجم الغامدية ذكر في طريق أنها شدت عليها ثيابها ولم يذكر الحفر، وفي طريق أخرى ذكر الحفر ولم يذكر أنها شدت عليها ثيابها، وفي الحديث الأول قال: (والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة) وفي الحديث الثاني قال: (لو تابها صاحب مكس) هل يدل هذا على أن الوقائع متعددة؟ الجواب: يحتمل، ولكن ليس بعيداً أن تكون القصة واحدة ويكون الرسول قال هذا، وقال هذا، وكل أتى بما حفظ.
جواز سؤال المفضول مع وجود الفاضل
السؤال: هل يستفاد من حديث العسيف جواز سؤال المفضول مع وجود الفاضل لأنه سأل الصحابة مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: يمكن ذلك، وهذا لعله كان في مكان آخر، وأنه لم يكن متمكناً من الوصول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس بلازم أن يكونوا كلهم معه في بلد واحد، يعني: بلدهم غير البلد الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سأل من كان حوله، فالذي يظهر أن هذا هو السبب والله أعلم، وإلا فإنه إذا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في البلد الذي هو فيه فهو المرجع للجميع.
مشروعية الإجارة شرعاً وعقلاً
السؤال: يقول الخطابي : وفيه إثبات الإجارة والخلاف فيها قليل، وقد أبطلها قوم؛ لأنهم زعموا أنها ليست بعين مرئية ولا صفة معلومة؟ الجواب: نعم، الإجارة أجمع عليها العلماء، والذي يخالف فيها هم شُذاذ من أهل البدع، لا يعول على شذوذهم ولا على قولهم، وقد ذكر ذلك ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد قال: إنه خالف فيها أبو بكر بن الأصم و ابن علية وقالوا: إن المعقود عليه المنفعة، والمنفعة ليست موجودة عند العقد، وأن المنفعة توجد شيئاً فشيئاً، ومعلوم أن هذا قول باطل، والناس لا يستغنون عن الإجارة، ومن الذي يستغني عن الإجارة؟! فلو كانت الإجارة ممنوعة لا تجوز فمعنى ذلك أن الإنسان لابد أن يصير عارفاً لكل المهن، وأنه لا يحتاج إلى غيره، فيكون خبازاً ويكون حداداً ويكون نجاراً ويخدم نفسه بنفسه، والناس إما أن يحسنوا إليه وأما أن يشتغلوا به بالمجان، وأما هو فيتعلم المهن كلها حتى لا يحتاج إلى الناس، وهذا غير ممكن وغير معقول، بل الناس يحتاج بعضهم إلى بعض، ويكون عند هذا ما يحتاج إليه هذا، وعند هذا ما يحتاج إليه هذا، والإجارة إنما هي على المنفعة، والمنفعة توجد شيئاً فشيئاً؛ لأن المنفعة لو كانت موجودة لصار بيعاً؛ لأن البيع يكون على الأعيان الموجودة ويتم تسليمها، وأما الإجارة فإنما تسلم العين للاستفادة منها، وبعد انتهاء الأجل ترجع إلى صاحبها. فالذين قالوا بعدم جواز الإجارة من المبتدعة: أبو بكر بن كيسان الأصم المعتزلي و إبراهيم بن إسماعيل بن علية وليس ابن علية الإمام الذي هو إسماعيل ، وإنما ابنه إبراهيم ، وقد ترجم له الذهبي في الميزان وقال: جهمي هالك، الذي هو إبراهيم ، ولهذا عندما يأتي في مسائل الفقه في الأمور الشاذة ذكر ابن علية فالمقصود به إبراهيم الذي هو ابن إسماعيل ، وأبوه إسماعيل إمام محدث مشهور، كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد، وأما ابنه إبراهيم فهذا هو المبتدع الذي قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك.
سبب الذهاب إلى المرأة وسؤالها في حديث العسيف
السؤال: في الحديث أن المرأة لم تأت ولم تعترف، وإنما ذهبوا إليها وسألوها حتى اعترفت، وهذا بخلاف الأحاديث السابقة في التخفيف عن الناس والستر عليهم؟ الجواب: لكن هذا الأمر ظهر وانتشر، وأن هذا اعترف بأنه زنى، والأمر متوجه إليها فهي إما أن تكون متهمة أو بريئة، فإن كانت بريئة فإنه يقام عليه حد القذف؛ لأنه لم يثبت ذلك؛ لأنه لو اعترف أن فلاناً زنى بامرأة وهي منكرة، ولم يكن هناك شهود فإنه يقام عليه حد القذف وحد الزنا، فلما كان الأمر يتعلق بأمر أنيط بها، والحد أقيم عليه وهي معروفة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها لتسأل وتخبر بالذي حصل وهو قذفها، فإن كانت بريئة فإنها تطالب بحد القذف، وإن كانت ليست بريئة واعترفت فإنه يقام عليها الحد كما أقيم على الذي زنى بها.
أمر الغامدية بالانتظار حتى تضع حملها مطلق وليس مقيداً
السؤال: المرأة التي زنت وأمرت بالانتظار إلى أن تضع حملها هل هذا مطلق، أم أنه مقيد بما إذا كان الحمل ظاهراً وقد قربت الولادة؟ الجواب: الذي يبدو أنه مطلق؛ لأنه ما جاء شيء يدل على أن الحمل كبير أو صغير، وإنما أخبرت بأنها حبلى من الزنا، والحبل كما هو معلوم يكون بوجوده وبحصوله ولو كان في أول الأمر يقال: إنه حبل.
جواز تأخير الحد عن المرأة الحامل إذا كان ذلك يؤثر عليها
السؤال: هل تؤخر إقامة الحدود على المرأة الحامل غير الرجم مثل الجلد أو قطع اليد؛ لأنه قد يؤثر على الجنين؟ الجواب: نعم، الشيء الذي فيه تأثير عليها فإنه يؤخر لئلا تحصل الجناية على شخص آخر.
مطالبة الزاني بمبلغ مالي دون إقامة الحد عليه
السؤال: الآن لدينا بعض القبائل لا تقوم بحد الجلد أو الرجم، ولكن يطالبون الزاني أو وليه بمبلغ من المال فيكون كالردع عن قيامه بهذه الفاحشة؟ الجواب: هذا هو نفسه الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (الغنم والوليدة رد عليك).
حكم الجمارك في الشرع
السؤال: هل ما يؤخذ في الجمارك يعتبر من المكس؟ الجواب: نعم، الجمارك هي من المكس، والإنسان لا يعرض نفسه للمخاطر بالتحايل عليها؛ لأنه لو تحايل ربما يعرض نفسه للإهانة، وإذا دفع شيئاً وهو مظلوم فهو إذا لم يحصله في الدنيا يحصله في الآخرة."