تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثالثة
قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد ]. يزيد بن زريع مر ذكره. و خالد هو ابن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق رابعة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: (رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قصيراً أعضل، ليس عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه قد زنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك قبلتها؟ قال: لا والله إنه قد زنى الآخر، قال: فرجمه ثم خطب فقال: ألا كلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن الله إن يمكني من أحد منهم إلا نكلته عنهن) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه في قصة ماعز رضي الله عنه، وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترف مراراً بأنه قد زنى. قوله: [ (رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قصيراً أعضل ليس عليه رداء) ]. يعني: هذا وصف لماعز أنه رجل قصير، ليس بالطويل، أعضل يعني: مشتد العضلات، أو عنده عضلات قوية، فهذا هو المقصود بالأعضل. قوله: [ (ليس عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه قد زنى) ]. يعني: شهد على نفسه بأن قال: إني زنيت ويكررها أربع مرات. قوله: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلعلك قبلتها؟ قال: لا والله إنه قد زنى الآخر) ]. يعني: اعتبر أن التقبيل زنى، أي: خشي أن يكون اعتبر ما ليس بزنى أنه زنى، كالتقبيل أو المباشرة أو اللمس أو ما إلى ذلك، ومعلوم أن الحد إنما يكون إذا حصل الجماع الذي لا خفاء فيه، والذي فيه الإيلاج، وأما ما يتعلق بالمباشرة فإن ذلك لا يكون فيه الحد، وإنما يكون فيه التعزير، ثم قال: إنه قد زنى الآخر يعني: يذم نفسه. قوله: [ (قال: فرجمه ثم خطب) ]. يعني: أمر برجمه، والرسول صلى الله عليه وسلم ما باشر رجمه ولكنه أمر برجمه، ولهذا ينسب الفعل إليه؛ لكونه الآمر به وليس لكونه المباشر له، ولهذا الرسول قال: (ارجموه)، وهم ذهبوا به ورجموه، وقد مر أنه قال: ردوني إلى رسول الله، فإذاً: قوله: (رجمه) أي: أمر برجمه. قوله: [ (ثم خطب فقال: ألا كلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن الله إن يمكني من أحد منهم إلا نكلته عنهن) ]. خطب عليه الصلاة والسلام وقال: ما بال الرجل إذا سافر للجهاد في سبيل الله ويخلف بعض الأشخاص الذين يوصونهم بأهاليهم فتحدثه نفسه بالسوء فيعطي الواحدة من نساء من سافروا للجهاد واستخلفوا ذلك الشخص الذي يكون قائماً بشئونهن ومشرفاً عليهن، وقاضياً لحوائجهن، يمنحها الكثبة يعني: المقدار من اللبن أو غيره، ثم يفعل بها الفاحشة ثم إنه قال: إن مكنني الله من أحد منهم لأجعلنه نكالاً لغيره، يعني: من حصل منه شيء من ذلك، وهذا فيه تهديد وتخويف حتى لا يقدم من تحدثه نفسه بسوء إلى فعل تلك الفاحشة التي هي من أعظم الفواحش وهي الزنا. قوله: [ (ألا كلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس) ]. خلف أحدهم يعني: غيره في أهله، ولهذا جاء في الحديث: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا) معناه: أنه يقوم بالنيابة عنه في قضاء حوائجهم، والمحافظة عليهم، ودفع الشر عنهم، فيكون وكيلاً له يقوم مقامه، (يكون له نبيب كنبيب التيس) وهو الصوت الذي يحصل له من شدة الشهوة والرغبة في الجماع. قوله: [ (له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن الله إن يمكني من أحد منهم إلا نكلته عنهن) ]. يعني: جعلته نكالاً لغيره.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق رابعة
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق خامسة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة بهذا الحديث، والأول أتم، قال: (فرده مرتين) قال سماك : فحدثت به سعيد بن جبير فقال: (إنه رده أربع مرات) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: أنه رده مرتين، وعن سعيد بن جبير قال: أربع مرات، ولعل المقصود من ذلك أن مرتين صارت مع بعض، ومرتين مع بعض، فتكون أربع مرات، فيكون الأول فيه اختصار بمعنى: أنه ذكر المرتين الأوليين دون المرتين الأخريين، فلا ينافي ما جاء من أنه رده أربع مرات، فيكون جاء بعض الرواة فذكر المرتين الأوليين وترك ذكر المرتين الأخيرتين، وبعضهم ذكر الأربع.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق خامسة
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى ، الملقب الزمن ، وهو مشهور بكنيته، ولهذا يأتي ذكره عند الحافظ ابن حجر عندما يذكر الشيوخ والتلاميذ يقول: و أبو موسى ولا يقول: محمد المثنى وإنما يذكر روى عن فلان وفلان و أبي موسى ، فأبو موسى المراد به محمد بن المثنى ؛ لأنه مشهور بكنيته، ولهذا يذكر بها اختصاراً عن الاسم واسم الأب ولقبه الزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ؛ لأنه توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة مائتين وستة وخمسين و محمد بن المثنى توفي سنة مائتين واثنتين وخمسين ومثله في ذلك محمد بن بشار و يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فإن هؤلاء الثلاثة محمد بن المثنى و محمد بن بشار و يعقوب بن إبراهيم الدورقي من شيوخ أصحاب الكتب الستة وماتوا في سنة واحدة، وهم من صغار شيوخ البخاري الذي هو أول أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر وهو الملقب بغندر البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة ]. سماك و جابر بن سمرة قد مر ذكرهما. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أثر سماك في تعريف الكثبة الواردة في حديث رجم ماعز، وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل المصري حدثنا خالد -يعني ابن عبد الرحمن - قال: قال شعبة : فسألت سماكاً عن الكثبة فقال: اللبن القليل ]. أورد أبو داود هذا الأثر المقطوع عن سماك بن حرب وأن شعبة الذي روى عنه سأله عن الكثبة ما معناها؟ فقال: اللبن القليل، وهذا يقال له: مقطوع؛ لأنه متن انتهى إلى من دون الصحابي، وكل متن ينتهي إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع وهو غير المنقطع، فإن المنقطع من صفات الأسانيد، والمقطوع من صفات المتون، فسقوط بعض الرواة من الإسناد يقال له: منقطع، وأما المقطوع فهو: أن يكون الإسناد متصلاً وقد يكون منقطعاً، ولكن المقصود أنه انتهى إلى من دون الصحابي. قوله: [ حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل المصري ]. عبد الغني بن أبي عقيل المصري ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن خالد -يعني ابن عبد الرحمن - ]. خالد بن عبد الرحمن صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن شعبة عن سماك ]. شعبة و سماك قد مر ذكرهما.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق سادسة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لماعز بن مالك : (أحق ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني عنك أنك وقعت على جارية بني فلان؟ قال: نعم. فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس ، وأنه بلغه أنه حصل منه كذا وكذا، وقد جاء هو بنفسه، يعني: يكون هو جاء بنفسه فاستوضح صلى الله عليه وسلم منه، وأن هذا الذي بلغني عنك أنه صحيح فقال: نعم، وكرر ذلك أربع مرات يطلب منه أن يطهره، فأمر برجمه عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم) ]. ويكون الجمع بين الإتيان وأنه بلغه عنه: كأنه جاء والرسول قد بلغه ذلك من قبل فقال: أحق؟ قال: نعم، وكرر ذلك يطلب منه أن يطهره، فيكون معنى ذلك أن الرسول بلغه الخبر من قبل، ولم يطلبه، ولكنه جاء بنفسه يطلب إقامة الحد عليه ويطلب تطهيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عنه، ثم بعد ذلك شهد على نفسه أربع شهادات فأمر برجمه. قوله: [ حدثنا مسدد عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. قد مر ذكر الإسناد.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق سابعة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو أحمد أخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده، ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين، فقال: شهدت على نفسك أربع مرات اذهبوا به فارجموه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه تفصيل المرات، وهناك سبق أن مر وقال: مرتين، وهنا قال: مرتين، ثم مرتين، فمعنى ذلك أنه جاءت مرتين على حدة مع بعض، ثم جاءت مرتين بعدها، فصار المجموع أربعاً، فلا ينافي ما جاء في بعض الروايات أنها مرتين، وفي بعضها أنها أربع؛ لأنه ذكر المرتين فيه اختصار، فلا تنافي بين ما جاء من ذكر المرتين وما جاء من ذكر الأربع، فإن بعضها ذكرت فيها الأربع مع بعض، وفي بعضها ذكرت الأربع مفرقة ثنتين ثنتين، وفي بعضها ذكرت الثنتين مختصرة، يعني: باختصار دون أن يضاف إليها المرتان الأخريان.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق سابعة
قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو أحمد ]. هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. قد مر ذكر الثلاثة.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثامنة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير حدثني يعلى عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ح وحدثنا زهير بن حرب و عقبة بن مكرم قالا: حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يعلى -يعني: ابن حكيم - يحدث عن عكرمة عن ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت؟ قال: لا. قال: أفنكتها؟ قال: نعم. قال: فعند ذلك أمر برجمه) ولم يذكر موسى عن ابن عباس وهذا لفظ وهب ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، فذكر طريقين: إحداهما مرسلة، عكرمة يضيف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، والطريق الثانية: متصلة فيها ذكر عكرمة عن ابن عباس والتحويل جاء بعد نهاية الإسناد ثم رجع إلى الإسناد الثاني من أوله. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟) ]. لما جاء إليه وقال: إنه زنى قال: (لعلك قبلت أو نظرت أو غمزت؟) يعني: لعله فهم أن ما ليس بزنا زنا، وظن أن التقبيل يكون زنا، وظن أن كونه نظر بشهوة زنا، أو كونه لمسها يكون زنا، وأنه يستحق عليه إقامة الحد، فكل ذلك يقول: لا، ثم بعد ذلك أفصح فقال: (أنكتها؟) والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان من عادته أن يفصح، ولكنه كان يكني، ولكن لما كان الأمر فيه خطورة وشدة، والأمر ليس بالهين ذكره بالاسم الصريح، كل ذلك من أجل التحقق من أن الذنب الذي حصل يستحق عليه الرجم، وهو الزنا الحقيقي، فلهذا أمر برجمه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثامنة
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يعلى ]. هو يعلى بن حكيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. عكرمة عن النبي، وهذا مرسل؛ لأن التابعي إذا أضاف الشيء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يقال له: مرسل، وهذا اصطلاح المحدثين، وليس كما جاء في البيقونية: ومرسل منه الصحابي سقط. فلو كان الساقط صحابياً فلا يضر؛ لأنه لو ذكر الصحابي وهو مبهم فهو معتبر وحجة؛ لأن الصحابة المجهول فيهم في حكم المعلوم، والمرسل من قبيل المردود ليس من أجل أن الساقط صحابي؛ لأنه لو كان ما سقط إلا الصحابي ما فيه إشكال، ولكن كان ضعيفاً أو مردوداً أو من قبيل المردود؛ لأن الساقط يحتمل أن يكون صحابياً وأن يكون تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي يحتمل أن يكون ضعيفاً وأن يكون ثقة، فمن أجل ذلك رد المرسل، وأما لو كان السقوط للصحابي فقط فهذا لا يؤثر. وهنا الطريق الثانية بينت أن الساقط هو صحابي، وهو عبد الله بن عباس ، فإذاً: هذه الطريق المرسلة عرف الواسطة فيها، وأنه صحابي، وعلى هذا فتعريف صاحب البيقونية في أن المرسل ما سقط منه الصحابي هذا تعبير غير دقيق؛ لأن المرسل في اصطلاح المحدثين هو الذي يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ويحتمل أن يكون واسطته صحابياً أو تابعياً، وإذا كان تابعياً يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً, وأما الصحابي فلا يحتاج إلى أن يضاف إليه كلام، وإنما الكلام والتعديل والتجريح يكون لغير الصحابة، أما الصحابي فيكفيه شرفاً أن يقال: أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن له صحبة. وأما المرسل باصطلاح الفقهاء أو الاصطلاح العام فإنه يطلق على السقوط في الإسناد؛ لكون الراوي يروي عمن لم يعاصره أو من عاصره ولم يعرف أنه لقيه، وهذا يسمى المرسل الخفي. وأما إن روى عمن لم يعاصره فإنه يكون مرسلاً واضحاً، فهو السقوط وهو أعم، ولهذا يأتي في بعض تراجم الرجال وهم متأخرون ليسوا من التابعين يقال: يرسل، أو أرسل عن فلان، معناه: أنه يطلق الإرسال على الانقطاع. [ ح وحدثنا زهير بن حرب ]. ح التحويل أتى بها بعد نهاية الإسناد ثم رجع إلى إسناد جديد. وزهير بن حرب هو أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وهو من الذين أكثر عنهم الإمام مسلم رحمه الله؛ لأنه روى عنه ألفاً ومائتي حديث، وأكثر منه عند مسلم أبو بكر بن أبي شيبة ؛ لأنه روى عنه ألفاً وخمسمائة وزيادة، فيعتبر أبو خيثمة زهير بن حرب ممن أكثر عنهم الإمام مسلم ، حيث روى عنه ألفاً ومائتي حديث وزيادة، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا وهب بن جرير ]. هو وهب بن جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت يعلى -يعني ابن حكيم - يحدث عن عكرمة عن ابن عباس ]. يعلى بن حكيم و عكرمة و ابن عباس قد مر ذكرهم. [ قالا: ولم يذكر موسى عن ابن عباس وهذا لفظ وهب ]. ولم يذكر موسى عن ابن عباس الذي هو الإسناد الأول. وهذا لفظ وهب أي: الذي فيه الاتصال، وهو أعرف بحديث أبيه من غيره؛ لأنه يروي عن أبيه جرير .
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق تاسعة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة أخبره: أنه سمع أبا هريرة يقول: (جاء الأسلمي نبي الله صلى الله عليه وسلم، فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل في الخامسة فقال: أنكتها؟ قال: نعم. قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم. قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ قال: نعم. قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً، قال: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به فرجم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله! قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: يا نبي الله! من يأكل من هذا؟ قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ماعز وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن الأسلمي -وهو ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه ذكره هنا بنسبته، ولم يذكر اسمه ولا اسم أبيه - جاء نبي الله وقال: إنه زنى أربع مرات، يعني: ليس المقصود أنه زنى أربع مرات، وإنما المقصود من ذلك أنه شهد على نفسه أربع مرات، إذاً: المرات ترجع إلى الإخبار عن نفسه كما جاء ذلك مبيناً في الروايات، ولا يرجع إلى تكرار وتعدد الزنا. قوله: [ (جاء الأسلمي نبي الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات) ]. يعني: شهد أربع مرات، وكلمة: (أربع مرات) ترجع إلى: شهد ولا ترجع إلى أصاب أو أتى. قوله: [ (كل ذلك يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل في الخامسة فقال: أنكتها؟ قال: نعم.) ]. يعني: صرح باسم الجماع الذي لا يحتمل شيئاً آخر سواه، وكل هذا كما عرفنا من أجل التحقق من أن الذي حصل منه شيء يستحق عليه الحد، وأنه ليس شيئاً دون الحد مما يكون حكمه التعزير كالتقبيل واللمس والمباشرة بدون جماع، ثم أراد أن يستوضح من أن الجماع تم وأنه بالإيلاج، وأنه كما يدخل الميل في المكحلة وكذلك الرشا في البئر، أي: أنه حصل الإيلاج والجماع، ولم يكن ذلك مباشرة بحيث تمس البشرة البشرة. قوله: [ (قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً) ]. وهذا اللفظ ليس مثل ما تقدم من ذكر الرشا والمكحلة؛ لأن الإنسان يمكن أن يأتي من امرأته شيئاً دون الفرج ودون الإيلاج، وهو حرام على غير الزوج، وهذا اللفظ محتمل، ولكن الشيء الذي لا يحتمل قوله: (أنكتها؟) وقوله: (كما يدخل الميل في المكحلة)، أو يدخل الرشا في البئر. قوله: [ (فأمر به فرجم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله! قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار) ]. وهذا كلام سيئ، كونهما يصفان الشخص بهذا الوصف الذي لا ينبغي، ولهذا اعتبر الرسول هذا غيبة، وأن هذا كلاماً يسوء من يقال فيه، فالرسول صلى الله عليه سكت حتى مروا بجيفة حمار قد ارتفعت يده من الانتفاخ والنتن، والميتة إذا انتفخت ترتفع القوائم؛ بخلاف ما إذا كانت لم يحصل منها الانتفاخ فإن الأرجل تكون منضمة بعضها إلى بعض، ولكن مع الانتفاخ وصل إلى هذا الحد، فقال: (أين فلان وفلان؟ قالوا: ها نحن، قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، قالوا: ومن يأكل من هذه؟ قال: ما نلتما من عرض أخيكما أعظم من هذا)، وهذا مثلما قال الله عز وجل: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]، أي: أنه مثل أكل الميتة. قوله: [ (والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها) ]. ينقمس وينغمس بمعنى واحد، وهي بمعنى الغوص أو الاستمتاع والاستفادة من تلك الأنهار.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق تاسعة
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن عبد الرحمن بن الصامت ]. عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة ، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . [ أنه سمع أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه."